أردوغان الكاره والشاتم لإسرائيل وللشعب اليهودي يغازل الرئيس

أردوغان الكاره والشاتم لإسرائيل وللشعب اليهودي يغازل الرئيس


كاتب ومترجم فلسطيني‎
28/07/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تلمّح تركيا خلال الفترة الأخيرة لإسرائيل إلى أنّها مهتمة بترميم العلاقات بين الدولتين، والتي تشهد منذ أكثر من عقد أزمة عميقة، فقد رفع الأتراك مستوى السرعة عندما اتصل الرئيس التركي أردوغان برئيس الدولة إسحاق هرتسوغ، لتهنئته بمناسبة تسلّمه مهام منصبه، ولبحث سبل إعادة العلاقات بين الدولتين إلى مسارها، خلال مؤتمر دافوس عام 2009.

 لا يمكن نسيان اللقاء الذي عقده أردوغان بالرئيس شمعون بيرس، في موعد قريب من حملة الرصاص المصبوب على غزة؛ فقد فجّر أردوغان اللقاء بعد أن اتهم بيرس بأنّ إسرائيل تقتل الأطفال الفلسطينيين، وبذلك أطلق إشارة التدهور في العلاقات بين الدولتين، الدافع التركي الآن واضح؛ فسياسة أردوغان نحو العالم كلّه أوصلته إلى طريق مسدود، الاقتصاد التركي يراوح في المكان والتضخم المالي يرتفع إلى السماء، ومعه ديون تركية، بشكل يصعب عليه تجنيد أموال جديدة، والتدخل العسكري التركي في سوريا وليبيا أغرق أنقرة في مستنقع عميق، ويسعى أردوغان لتحسين علاقاته مع جيران تركيا كيلا يبقى في الخلف، وأول من حظيت بالمغازلة كانت مصر، غير أنّ الطريق إلى المصالحة بين الدولتين ما تزال طويلة، وكما أنّ علاقات تركيا مع الولايات المتحدة في درك أسفل غير مسبوق، وبايدن، بخلاف ترامب، غير مستعدّ ليغفر لأردوغان.

يقدّر سياسيون إسرائيليون أنّ الاتصال الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإسحاق هرتسوغ، لتهنئته بتولي منصبه، لا يعني أنّ أنقرة مستعدة لبدء مرحلة جديدة في تجديد العلاقة مع تل أبيب وتحسينها، بل توجد شكوك إسرائيلية في استئناف هذه العلاقة.

الاتصالات مقطوعة

  أرقام الهواتف ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالسفارة التركية في إسرائيل ما تزال مقطوعة، وهو وضع يختلف تماماً عن تلك السنوات التي كانت فيها بعض طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، تتدرب بانتظام في تركيا، بسبب مساحتها الشاسعة والمناسبة لتدريبات طيران طويل المدى، كما أنّ مخزون الغاز الإسرائيلي يشجع على محاولة تحقيق إنجاز اقتصادي، إذ سيضخّ هذا الغاز عبر تركيا في طريقه إلى أوروبا، وليس عبر كتلة دول مثل اليونان وقبرص ومصر.

ينبغي التصرف مع أردوغان بالحوار والوصول إلى اتفاقات والاعتراف بقيود التعاون بين الدولتين، وإلا سنكون متفاجئين بإطلاق أردوغان تصريحات سامة منددة بإسرائيل

 كما أنّ التقدم في الصناعات الدفاعية التركية المثير للإعجاب قد يؤدي إلى تغيير العلاقات مع إسرائيل، لتجديد التعاون مع الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، وبعد ذلك سينهض أردوغان مبكراً ذات صباح ويقرّر شتم إسرائيل مرة أخرى أو قطع العلاقات معها، وقد تشير نوايا أردوغان من اتصاله بأنّه ليس حباً، بل من باب المصلحة فقط، وفي هذه الحالة من الأفضل أن تستجيب إسرائيل بشكل إيجابي لهذه المحاولات الاستكشافية، وإن كان ذلك يجب أن يكون بحذر وفحص شامل لأيّة مبادرة من جانب أردوغان، الذي غالباً ما أدلى بأقسى التصريحات المناهضة لإسرائيل، وهناك من يرى أنّ المكالمة الهاتفية الطويلة التي استغرقت أربعين دقيقة بين الرئيسَين، هي أكثر من تبادل تهنئة لانتخابه رئيساً جديداً لإسرائيل، فأردوغان ليس رجل كلام صغير وحين ينشر الاثنان أنّ محادثتهما تركزت على تعزيز العلاقات بين الدولتين، سيكون أردوغان تحدث عن أمور حاسمة.

 في موازاة الحساسية أمام إسرائيل تجري تركيا، منذ بداية العام، اتصالات مكثفة لتحسين العلاقات مع مصر، والتي قُطعت على خلفية الانتقاد المسموم الذي وجهه أردوغان للرئيس عبد الفتاح السيسي، من اللحظة التي تولى فيها زمام الحكم، وعزل محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين، وبهذا أضرّ بتطلعات تركيا بناء جسر اقتصادي لنفسها في مصر يوصلها  إلى كلّ أفريقيا، ووصلت العلاقات بين الدولتين إلى حضيض خطير، عندما وقّعت تركيا على اتفاق تقسيم المياه الاقتصادية مع ليبيا، وبذلك حاولت دقّ إسفين بحري بين حقول الغاز المصرية وأوروبا، من خلال مواجهتها مع اليونان وقبرص ودول الاتحاد الأوروبي التي تهدّد بفرض عقوبات عليها.

منتدى غاز شرق البحر المتوسط

 وردّاً على ذلك أنشأت مصر واليونان وقبرص والإمارات وإسرائيل منتدى غاز شرق البحر المتوسط، الذي وحّد دولاً تسعى لبناء أنبوب غاز ينقل الغاز الإسرائيلي والمصري عبر اليونان إلى إيطاليا، ومن هناك إلى أوروبا، بواسطة مبعوثيه، حاول أردوغان إقناع إسرائيل بالابتعاد عن المنتدى والارتباط بتركيا، بمبرّر وهو أن نقل الغاز عبر تركيا سيكون أرخص، ونشر مكتب أردوغان أنّ رئيسَي تركيا وإسرائيل تحدّثا عن تعاون في مجال الطاقة والسياحة والتكنولوجيا، الطاقة تعني التعاون في مجال الغاز وهو الموضوع الذي يهمّ أردوغان، الذي بات واضحاً له أنّ لا أحد في إسرائيل سيصغي إليه دون ترميم العلاقات، لكن بعد تعيين سفير تركي سيجد أنّ حكومة بينيت تواصل كونها ملتزمة بالاتفاقات الرسمية وغير الرسمية لها مع مصر واليونان وقبرص.

 وسيكتشف بعد ذلك أنّ تطلعات أردوغان لأن يكون وسيطاً للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني ليست على جدول الأعمال، خصوصاً أنّ المفاوضات السياسية تعاني من استحالة سياسية، لكن لا يمكن لحكومة بينيت تجاهل أو تأجيل الفرصة لتعزيز علاقاتها مع تركيا، يدور الحديث عن دولة عظمى إقليمية تملك قدرة مهمة على التأثير في العراق وقطر وليبيا ووسط آسيا، ورغم علاقتها الجيدة مع إيران إلا أنّها ليست دولة تابعة لها، وإذا تمّ خلق ردّ فعل بين أردوغان وهرتسوغ، فمن الجدير استخدامه إلى أن تبدأ العلاقات الرسمية، فمنظومة العلاقات بين إسرائيل وتركيا قديمة، وشهدت فترات صعود وهبوط خلال العقود الماضية، حتى ذلك الحين وخلال عهد أردوغان عاشت في الغالب فترات صعود وهبوط، كما أجريت مناورات جوية وبحرية مشتركة لجيوش البلدين، وحصل تعاون استخباراتي ونقل معلومات من إسرائيل لتركيا لمنع الهجمات الإرهابية فيها، كما أنّ الأتراك الجدد مزودون اليوم بطائرات بدون طيار ودبابات، وتطورت صناعاتهم الجوية والعسكرية تحت شعار الاستقلال التشغيلي والإنتاج المحلي وعدم الاعتماد على الواردات الأمنية، بل باعت تركيا معدات عسكرية إلى 60 دولة، وتتحدث عن إنتاج طائرة مقاتلة ودبابة قتال وطائرات هليكوبتر هجومية محلية الصنع، وقائمة المركبات الجوية بدون طيار على رأس القائمة.

الطريق إلى واشنطن تمرّ عبر القدس

الوضع السياسي الداخلي السيئ دفع أردوغان للاتصال برئيس إسرائيل في القدس، الرئيس هرتسوغ المنضبط النفس والمعتدل كعادته، قرر إجراء المكالمة والاستماع لمكالمة أردوغان، انطلاقاً من عدم الاستخفاف بالكاره والشاتم لإسرائيل وللشعب اليهودي، يسعى أردوغان لاستئناف الاتصال مع إسرائيل بعد زمن قصير من أداء الرئيس هرتسوغ اليمين القانونية، فالإهانة التي وجهها أردوغان للرئيس بيرس الراحل كانت مزعجة، لدرجة أن ترك بيرس مكان مجلسه في لقاء علني لزعماء أجانب، كما شعر أردوغان بالحاجة إلى تنسيق البثّ مع نظيره الرئيس بايدن؛ لذلك سعى لاستئناف علاقاته مع إسرائيل، حيث تسود بين تركيا، التي هي العضو في حلف ناتو والولايات المتحدة، علاقات متغيرة، وهناك من يقول أحياناً الطريق إلى واشنطن تمرّ عبر القدس، حيث فيها من يمسك بمفاتيح بوابات البيت الأبيض، في الماضي حصل أن توجهت تركيا بشكل غير مباشر إلى اللوبي اليهودي في واشنطن، كي تحبط داخل الكونغرس إقرار خطوة قانونية ما كانت ستضرّ بمصالح تركيا، والطريق إلى هذا اللوبي أيضاً يمرّ أحياناً في القدس.

 رغم سلسلة إهانات أردوغان، خفّضت حكومات إسرائيل رأسها واستسلمت للضغط التركي، الذي أجبر إسرائيل على عدم اتخاذ الخطوة الأخلاقية للاعتراف بقتل الشعب الأرمني، في قضية مرمرة قامت إسرائيل بما هو مطلوب منها، اعتذر نتنياهو بصفته رئيس الوزراء لأردوغان ودفعت إسرائيل تعويضات لعائلات القتلى جراء السيطرة على السفينة، والآن يسعى أردوغان للاستعانة بإسرائيل لتحسين وضع بلاده اقتصادياً، واجتاز طريقاً طويلة من اللقاء مع بيرس وحتى مكالمته مع هرتسوغ، التي اتفق الرئيسان فيها على أن علاقات إسرائيل وتركيا ذات أهمية كبيرة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وثمة احتمال كبير للتعاون بين الدولتين في مجالات عديدة.

اقرأ أيضاً: هل تخوض إسرائيل مواجهة قريبة مع حزب الله؟

هذا درس مهم لإسرائيل في كلّ ما يتعلق بقيود العلاقة المتجددة مع تركيا، أردوغان عالق حتى الرأس في حركة حماس، فما من أزمة تنشب في غزة أو مع السلطة حتى يقفز لها أردوغان، ثم نسمع تصريحات مثل التي أطلقها أثناء حملة حارس الأسوار على غزة، وجاء فيها أنّ الإسرائيليين قتلة أطفالٍ ولا يرضيهم سوى امتصاص دم هؤلاء الأطفال، بعد كلّ هذا ثمة أهمية للحوار مع تركيا، وهناك مصلحة في تقدم التعاون معها في مجالات الاقتصاد، وربما في مجالات أخرى أيضاً، الدولتان كفيلتان بأن تربحا من ذلك، وهذا هو ما يهمّ إسرائيل، هكذا تتصرف إسرائيل أيضاً في حالة الأردن، شريكها الأمني من الدرجة الأولى من الشرق، لكنّ شوارع العاصمة عمّان غارقة بكراهية عميقة لإسرائيل.

أردوغان صرح بأنّ الإسرائيليين قتلة أطفالٍ ولا يرضيهم سوى امتصاص دم هؤلاء، بعد كلّ هذا ثمة أهمية للحوار مع تركيا، وهناك مصلحة في التعاون معها

 ينبغي التصرف مع أردوغان بالحوار والوصول إلى اتفاقات والاعتراف بقيود التعاون بين الدولتين، وإلا سنكون متفاجئين بإطلاق أردوغان تصريحات سامة منددة بإسرائيل، وأساساً لا يوجد ما يدعونا لنهجر منظومة التحالفات والتعاون في مجالات الأمن والاقتصاد، التي أقامتها إسرائيل مع شركاء جدد في الحوض الشرقي من البحر المتوسط، وأساساً اليونان وقبرص ودول البلقان الأخرى، بل ومصر أيضاً.

تجميد تعيين السفير التركي في إسرائيل

لقد رفض وزير الخارجية الإسرائيلي، العام الماضي،  تعيين تركيا سفيراً في إسرائيل، يدعى أولوتاش أفق، والذي شغل منصب رئيس معهد الأبحاث "سيتا"، ودرس في الجامعة العبرية، بعد أن سرّب مكتب أردوغان نيته تعيين سفير جديد في إسرائيل، وجرى الحديث حول ذلك كموعد يصل فيه السفير التركي إلى إسرائيل، لكنّ وزير الخارجية الإسرائيلي أوضح لتركيا حينها أنّ أفقاً غير مقبول لدى إسرائيل، بسبب مواقفه المناهضة لإسرائيل.

 فهمت تركيا الرسالة وجمّدت التعيين، ثمّ قررت تأجيل موعد إرسال سفير جديد، بسبب الانتخابات الإسرائيلية، وعلى خلفية الأجواء الإيجابية بين الدولتين، لا يستبعد محلّلون أتراك أنّ السفير التركي قد يصل خلال أشهر قليلة، ورغم كلّ ذلك فإنّ الاستنتاج بأنّ سفيراً تركياً سيعود لمكتبه في تل أبيب ما يزال بعيداً حتى اليوم، لأنّه منذ خمس سنوات تمّ التوصل لاتفاق لإعادة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وهذا تحدٍّ جديد أمام حكومة بينيت لوقف تركيا عن توجيه الانتقادات والعنف ضدّ إسرائيل، في المقابل؛ يمكن الاستنتاج من خطوات بينيت في سياساته الخارجية، أنّه لا يكتفي فقط بصياغة العلاقات مع دول المنطقة، بل يطمح إلى إصلاح وترميم الأضرار التي خلّفها رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، بناءً على ذلك يمكن العثور عليها في اللقاء الذي جرى بين بينيت والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، وفي قرار تحويل كميات كبيرة من المياه للأردن وتعزيز التعاون العسكري بين الدولتين، وأيضاً في اللقاء غير العادي لوزير الخارجية، لبيد، مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وكلّ ذلك يضع أسساً للمناخ الجديد الذي يستند أيضاً إلى الاعتراف الإقليمي بأنّ الحكومة الجديدة، مقارنة بالحكومة السابقة، تحظى بعلاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية، وذلك يمهّد إلى إصلاح العلاقات الدبلوماسية مع تركيا وترميمها لاحقاً.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/3467549/


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية