ما قصة الـ 48 دقيقة التي هزت العراق؟

ما قصة الـ 48 دقيقة التي هزت العراق؟


26/07/2022

صباح ناجي

أنصت العراقيون ملياً إلى التسجيلات المسربة لحديث المالكي إلى مجموعة مسلحة تسمى "أئمة البقيع"، وهي فصيل غير مسجل في الحشد الشعبي، وصفهم يوماً رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بـ "الفضائيين" ممن يأخذون رواتب من دون تسجيل رسمي، وأعطى رقماً وقتها بما يربو على 50 ألف شخص.

المدون: مصادر خاصة وراء التسريب

ويقول مسرب التسجيل العراقي المدون الناشط علي فاضل الذي يحمل جواز سفر أميركي، بأنه حصل عليه من مصادر خاصة، متمسكاً بألا يدلي بمعلومات عن مصادره، وتحدى أي طرف يدعي أو يشكك في صحة الصوت المنسوب إلى المالكي بعرضه على خبراء الصوت الدوليين، إذ يروج أتباع  المالكي وجيوشه الإلكترونية بأنه غير صحيح، كما نفى المالكي وحزبه أية صله لهم بالحوار الذي يقتنع جل العراقيين بأنه لنوري المالكي، وهو يحاور تلك المجموعة التي اتضح بأن أحد المتحدثين منها كان هو المسجِل من خلال مسألتين لا شك في دلالتهما، الأولى قوة الصوت الذي يصدر واضحاً إذ كان مسجل الصوت يتجسس على المالكي ويوثق أقواله، وانتقال التسجيل خارج القاعة بجو عام، وظل يتحاور مع زميله الميليشيوي المدعو سعد طعيس الذي كان يؤكد له بأنه لن يحصل على الدعم الذي طلبته المجموعة من نوري المالكي، ولن يحصل على الأموال التي طلبوها للدعم في تنفيذ تظاهرة مساندة له يجيشون خلالها 20 ألف مسلح.

اتهامات خطرة كسرت عصا الشيعة 

الحوار الذي سجل لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو كذلك رئيس الكتلة الأكبر في البرلمان حالياً وزعيم حزب الدعوة ورئيس قائمة دولة القانون التي تسعى إلى تشكيل الحكومة المقبلة، كشف أموراً كثيرة أهمها نيات المالكي الواردة في التسجيل لتحجيم دور مقتدى الصدر حتى وإن اقتضى الأمر مهاجمة مدينة النجف التي يقيم فيها والتي هي مقر المرجعية الشيعية وبيت المرجع الأكبر للشيعة في العالم، والآخر إعلانه بأن المرحلة المقبلة ستكون القتال بينه وبين أتباع الصدر والتنسيق في أعلى المستويات من خلال تلك المجموعة للانخراط  في أوامر الحرس الثوري الإيراني، وحثهم على عدم التنسيق مع "الاطلاعات" الإيرانية كونها توالي الرئاسة الإيرانية وليس المرشد الأعلى، على حد توصيف صاحب الصوت، وسيل من النعوت والتوصيفات المبغضة للصدر وأتباعه، ووصفهم بأنهم "جبناء ولصوص" تمكن هو من قتالهم وفرارهم إلى الحدود الإيرانية وتحجيم دورهم، وهو قادر على معاودة الدور نفسه بالتصدي لهم إذا ما عزموا على تسلم الحكم وأرادوا الحكومة، وأمور أخرى أثارت الصدر شخصياً وأغضبت أتباعه وجعلتهم أكثر حنقاً على المالكي وسياسته المعادية لهم والمناوئة لوجودهم كما أظهرت التسجيلات.

المجموعة التي استضافها المالكي في مقره الحكومي أصرت على التركيز على ضرورة التنسيق بينه وبين من سموه بـ "آية الله" المرزا من دون ذكر اسمه وهم يقلدونه، ويدعون أنه يؤمن ويدعم المالكي وتكرار ذلك، غير أن المالكي يصر في التسجيل على أن المرحلة المقبلة تتطلب الاستعداد للقتال وكسر شوكة الصدريين والتهيئة النفسية للقوى الحليفة لهم.

وعلى الرغم من النفي الذي أعلن مرات عدة من أطراف تحالف الإطار التنسيقي الذي يقوده المالكي، والقول بأن تسريب هذا التسجيل يراد منه الفتنة بين الأطراف الشيعية، لكن مقتدى الصدر أعلن صراحة أن التسجيلات المسربة تستهدفه وتؤجج لحرب طائفية وتسيئ للمرجعية في النجف، بينما قال وزيره المسمى صالح محمد العراقي، وأظنه اسماً حركياً، بأن إنكار التسريبات هو إنكار لأوضح الواضحات على حد قوله، "وتعمد بعضهم  التشكيك في التسريبات الأخيرة التي شهد بصحتها بعض أهل الخبرة، ولو كان غير المتكلم الذي سرب كلامه وتصريحاته لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها كما يعبرون، والتسريب يتضمن تعدياً على الحشد وإثارة الفتنة واتهامات لقيادات وطنية بلا دليل، وتعاملاً مع الخارج بلا غطاء قانوني وتشكيلاً لفصائل وشراء أسلحة ثقيلة وتحريضاً على القتل وتخويناً، وتلاعباً بعواطف الشعب وتكبراً وعنجهية، واستئثاراً بالسلطة ونبرة طائفية وعرقية، وتعدياً على القانون ومحاولة لزعزعة أمن النجف، وكذباً ودموية وترصداً وإصراراً على الجريمة، واستعمالاً للسلطة في مغانم شخصية إجرامية، وسذاجة بتصديق أشخاص لا قيمة لهم، وتبعية واضحة من جهة ونفاقاً من جهة أخرى، وتمكين الميليشيات الوقحة ودعم ميليشيات مجهولة، واعترافاً بأوامر قتل عراقيين تحت مسمى القانون بدم بارد في البصرة وكربلاء، فأين القانون من ذلك؟".

وتساءل الوزير الصدري بمرارة، "أين القضاء وأين كبير السلطة القضائية؟ هل هذه التصريحات الرعناء أهم أم الثلث المعطل لجلسات البرلمان؟ فيا كبير السلطة القضائية أمثل هذا ومن رضي بتصريحاته من المتوافقين معه مؤهل لمسك زمام الحكم؟".

الإطار التنسيقي يحث الخطى نحو الرئاسات

هذه الأسئلة التي أثارها التيار الصدري المناوئ لتولي نوري المالكي ومن يمثله سادت موقف التيار الصدري بالاعتراض المنهجي العميق لمحاولة المالكي العودة للاستئثار مرة ثالثة، بعد أن  تولى رئاسة الحكومة من عام 2006 وحتى 2014، ويسعى الآن إلى عرقله أي مرشح غيره من الإطار التنسيقي الذي يتولاه بعد انسحاب الصدريين من البرلمان وجعل الباب مفتوحاً لنواب الإطار التنسيقي ليكونوا الأغلبية البرلمانية بـ 123 نائباً، بعد أن حل نواب دولة القانون وسواها من المتحالفين مكان النواب الصدريين، وهو التحالف الأكبر في الإطار بـ 60 نائباً لدولة القانون التي يتزعمها".

وقع التسريبات

 لكن التسريبات التي لا يشك أحد من المتخصصين والسياسيين في الحياة العامة بأنها تنسب إلى المالكي، أثارت قضية أخرى مهمة وهي من سربها للإعلام وكيف انتشرت مثل النار في الهشيم، وصارت شأناً عراقياً للتداول اليومي لا سيما بعد نشرها كلها، وتخطي صاحبها النشر المتواتر لدقائق محسوبة لست مرات، ومن ثم فاجأ الجميع بنشرها كاملة وفتح أبواب الجحيم على سياسة المالكي والميليشيات المساندة التي تنوي تخريب البلاد، وقيادته حرباً شيعية - شيعية وتدبيره مسبقاً لحرب أهلية، كما قال وزير الصدر الذي طالب القضاء بمحاكمة نوري المالكي على التحريض الذي ورد في التسجيل.

"اطلاعات" الإيرانية وراءها

في المقابل، يرى رجل الدين السياسي إياد جمال الدين بأن التسريبات صحيحة ومؤكد أنها للمالكي، واتهم المخابرات الإيرانية بالتسريب وأن "الاطلاعات الإيرانية" هي من سربتها لتكون صفعة من المخابرات الإيرانية للحرس الثوري الإيراني.

نتائج هذه التسريبات أضعفت الثقة في المكون الشيعي في بعده السياسي، ويوضح مدير منطقة الشرق الأوسط وعضو مجلس إدارة مؤسسة "غالوب" الدكتور منقذ داغر أن "نتيجة المواجهة بين السيد الصدر والمالكي ستضعف بشكل أكبر من اتجاه الإسلام السياسي العابر للحدود الذي لا يجد له أساساً قاعدة شعبية عراقية كبيرة، أما على صعيد القيادة السياسية فإن ما سيتمخض عنه الصراع الحالي على السلطة سيؤشر بوضوح إلى الاتجاه الذي يؤثر بشكل أكبر في القرار السياسي العراقي".

ويذهب داغر بعيداً في استطلاعه ليقول إنه "إذا استطاع مقتدى الصدر أن يفرض ما أراده فإن مشروع الإسلام السياسي الشيعي العابر للحدود سيواجه انتكاسة كبرى، وسيفقد مشروع ولاية الفقيه أحد أهم مرتكزاته في العراق".

موقف القضاء من التسريبات

من جهته، اكتفى القضاء العراقي بفتح تحقيق في تسريبات المالكي ووصفها بالمنسوبة إلى رئيس دولة القانون، هاجم فيها عدداً من الزعماء السياسيين في البلاد.

وأوضح المركز الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى العراقي أن محكمة تحقيق الكرخ تلقت طلباً مقدماً إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص تلك التسريبات الصوتية، غير أن محكمة التحقيق المركزية العراقية أصدرت أمر القبض بحق الناشط الناشر لتلك التسريبات وتسليم مذكرة للإنتربول الدولي بهذا الخصوص، في وقت طالب الصحافي المدون علي فاضل بحضور التحقيق الأصولي بوجود هيئة دولية لتسجيل أقواله وتدوينها قضائياً، أو الحضور مع محامين إلى مقر السفارة العراقية في مكان إقامته بواشنطن لتدوين أقواله.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية