ما سرّ الغضب الاحتجاجي في السودان تجاه مصر؟

ما سرّ الغضب الاحتجاجي في السودان تجاه مصر؟


24/02/2022

"هل فعلت مصر كلّ هذا؟" سؤال يتبادر إلى الذهن بعد متابعة صفحات وكتابات العديد من المواطنين السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمن نهب خيرات السودان، إلى اعتماد اقتصاد مصر على السودان بنسبة 40%، وإدخال عملة سودانية مزورة، وتهريب الذهب داخل اللحوم، ورفض نهضة السودان، وغيرها من الاتهامات، التي تجعل المراقب يتساءل عن سبب كلّ هذا الكمّ من الغضب نحو مصر، ولماذا بات على رأس أولويات فريق المحتجين على قرارات 25 أكتوبر التي اتخذها البرهان؟

والإجابة عن ذلك لا تتطلب لغة الأرقام فقط، والتي يدركها أيّ شخص موضوعي بيسر، بل البحث عن سبب تحوّل الاحتجاج إلى معاداة مصر.

تروس الشمال

وفي التاسع من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، أغلق المحتجون من خلفيات متنوعة (لجان المقاومة، لجان تغيير وخدمات، مزارعون، ملّاك ومديرو مشاريع زراعية، ومواطنون مناهضون لزيادات أسعار الكهرباء) طريق شريان الشمال القاري الرابط بين السودان ومصر، عند محطة الملتقى.

أحد تروس الشمال

وفي 25 من الشهر نفسه أعلنت وزارة المالية السودانية عن رفع تعرفة الكهرباء إلى ستة أضعاف في البلاد، ما أثار موجة من الغضب الشعبي، تحديداً في الولاية الشمالية التي تشترك في الحدود الدولية مع مصر.

وقطع عدد من سكان الولاية الزراعية الطرق الدولية مع مصر أمام حركة الشاحنات التي تنقل البضائع بين البلدين، ورفعوا عدة مطالب تتعلق بالكهرباء والسماد والموارد المائية وصيانة المرافق العامة.

وشاركت لجان المقاومة في الولاية في عملية التتريس (قطع الطرق)، ونقلوا المطالب الفئوية إلى مطالب سياسية واقتصادية عامة، وتلقف معسكر الاحتجاج هذه الشعارات، ومن بينها وقف تهريب الموارد إلى مصر، وتصنيع المواد الخام في السودان.

تميل كفّة الميزان التجاري لصالح مصر، بنحو 130 مليون دولار، وتمثّل صادرات مصر للسودان 1.5% من حجم صادراتها للعالم، بينما تمثّل صادرات السودان للعالم نحو 5%

ورفعت تنسيقية لجان مروي، والتي باتت تهيمن على الاحتجاج عدّة مطالب، منها: استلام حصة الإقليم من عائدات السدّ بأثر رجعي، وكلّ النسب المنصوص عليها، وإلغاء تعرفة الكهرباء الجديدة والرجوع للتعرفة ما قبل السابقة، واستلام عائدات التعدين بواسطة حكومة الولاية، ومطالب خدمية أخرى.

وفيما يتعلق بمصر طالب المحتجون بإيقاف الشاحنات المصرية التي تُهرّب خيرات السودان من مواشٍ ولحوم حية وذهب وصمغ وخلافه. وانتقل التتريس من الأرض إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وبات العداء لمصر السمة الغالبة لمن يناصر الثورة ويعارض الجيش.

وكان تجمع مزارعي الولاية الشمالية أعلن عن رفع يده عن الاعتصام، وعدم مسؤوليته عنه، بعد إعلان الحكومة تجميد تعرفة الكهرباء الجديدة، وبعد أن تحوّل التتريس إلى قضية سياسية.

لماذا مصر؟

واللافت للنظر في هذه الأزمة؛ إحجام الإعلام المصري عن تناولها، منعاً لإثارة مشاعر الكراهية بين الشعبين، وتفهماً من صانع القرار المصري للحالة الاحتجاجية في السودان، والتي سبق أن مرّت بها مصر، وشهدت بشكل مشابه موجات عداء من معسكر الاحتجاج ضدّ دول جارة.

احتجاج مزارعي الولاية الشمالية

ويقول الناشط السياسي من السودان، هشام بلال طه: "ترس الشمال هو أحد المظاهر السياسية للاحتجاجات الحزبية المعارضة، الموجهة لحكومة البرهان بعد حلّه حكومة حمدوك؛ بمعنى أنّ الاحتجاج موجّه بالأساس ليس لمصر والحكومة المصرية، أو حتى سياسة الاستيراد والتصدير السودانية، بقدر ما هو موجّه كمحاولة من قوى التغيير والحزب الشيوعي لإسقاط النظام".

اقرأ أيضاً: اعتقال الناشطة السودانية أميرة عثمان: أي دور سياسي لجهاز المخابرات؟

وتابع طه، في حديثه لـ "حفريات": "قوى الحرية والتغيير والحزب الشيوعي وحزب البعث وقوى اليسار السوداني  تخفي راياتها المعارضة، بسبب عدم قبول الشارع لها،  وتصدّر للمشهد واجهات شبابية ونسائية غير مسيسة، مما يجعل ما يسمى "بالحراك الثوري" خفيفاً سطحياً مجرداً من أي مبررات منطقية، ويبدو ذلك جلياً في المبررات التي يسوقها المحتجون ويعترضون بسببها طريق الشمال".

ومن جانبه، قال الناشط الاجتماعي السوداني، عمر طبيق: "معظم الثوار وجمهور عريض من الشعب السوداني يرون أنّ النظام الرسمي في مصر هو الذي دعم انقلاب البرهان، وجعل العسكر يسيطرون على المشهد، وفي الاقتصاد دور العسكر في السيطرة على تجارة المحاصيل والثروة الحيوانية، ومصر لها علاقات مع منظومة الدفاعات العسكرية السودانية التي تورد اللحوم لمصر، وتجارة المحاصيل".

اقرأ أيضاً: ما هي حقيقة الوساطة الإسرائيلية في الأزمة السودانية؟

وأضاف طبيق لـ "حفريات": "هذا يمثل دعماً اقتصادياً للمكوّن العسكري، إلى جانب دعم القاهرة للسلطة الانقلابية السودانية من خلال تواجد مصر الفاعل في المنظمات الدولية والمجتمع الدولي والإدارة الأمريكية، ما يجعل هناك رأى شعبي غاضب تجاه مصر".

قناع الاقتصاد

وراجت بين معسكر الاحتجاج منشورات وصور على وسائل التواصل الاجتماعي حول الثروات السودانية المنهوبة، والخراب الذي ينتظر مصر بعد وقف نهبهم لثروات السودان، دون أن يُكلّف أحدهم نفسه عناء مراجعة إحصاءات التبادل التجاري بين البلدين، والذي لا يتعدى 800 مليون دولار، من حجم الواردات والصادرات المصرية التي تُقدر بأكثر من 60 مليار دولار.

ترس احتجاجي

وتميل كفّة الميزان التجاري لصالح مصر، بنحو 130 مليون دولار، وتمثّل صادرات مصر للسودان 1.5% من حجم صادراتها للعالم، بينما تمثّل صادرات السودان نحو 5% من حجم صادراته للعالم، ما يكشف تدنّي حجم التبادل بين الدولتين، ويبين زيف أية دعاوى عن تعطيل الصناعة المصرية لنظيرتها في السودان.

وفي ذلك، قال هشام بلال طه: "مصر لا علاقة لها بفشل السودان في تصدير مواد مصنّعة بدلاً عن الخام، أو فشل الحكومات السودانية المتعاقبة في توجيه مواردها نحو الصناعة، وهذا مبحث واسع، ولذلك لا تجد حزباً سياسياً أو مركزاً للدراسات أو حتى شخصية سودانية معروفة تتبنى هذا الإغلاق وأطروحاته الخفيفة، بل تجد مجموعات محدودة من الشباب والأهالي يستغلون حالة السيولة الأمنية التي تعيشها البلاد، ويتم سوقهم كالقطيع لتنفيذ أجندة أحزاب سياسية لا تخفَى على المتابع للساحة السودانية".

الناشط هشام بلال طه لـ "حفريات": السودان يتضرّر من إيقاف الاستيراد والتصدير مع مصر أكثر مما تتضرر مصر، بل إنّ ضرر مصر لا يحتسب مقابل ضرر السودان.

وبين أنّ: "جلّ هؤلاء الشباب قد لا يعلمون أنّ السودان يتضرر من إيقاف الاستيراد والتصدير مع مصر أكثر مما تتضرر مصر، بل إنّ ضرر مصر لا يحتسب مقابل ضرر السودان؛ حيث تعتمد أكثر مصانع الحديد والبلاستيك والبسكويت والصابون وغيرها في كثير من موادها الرئيسة والمضافات على الاستيراد من مصر، باعتباره الأسهل والأقرب والأسرع والأقل كلفةً".

ومن الزاوية السياسية، قال طه: "الأحزاب المعارضة للبرهان تفكر أنّها تضرب عصفورين بحجر واحد؛ وذلك بخنق النظام اقتصادياً، ومحاولة ضرب العلاقة مع مصر باعتبار أنّ النظام المصري حليف إستراتيجي أول للبرهان والقوات المسلحة السودانية".

جيل جديد

ومثل الحالة الاحتجاجية في مصر، عام 2011، يتشكّل جيل جديد من صغار السنّ، والذي يتبنى أفكاراً سطحية وبشكل غير واقعي، ويغذي ذلك طاقة الغضب واليأس التي سرعان ما تصيب هذا الجيل، الذي يتصوّر أنّ الاحتجاج وإسقاط الأنظمة والمؤسسات كفيل بنقل البلاد إلى حالة مثالية من الأمن والحرية والرخاء.

ويصطدم هذا الجيل بعد وقت قصير عندما يواجه الواقع، فيتحول إلى الإنكار، وإلى مزيد من التطرف، ولهذا توجه الغضب الاحتجاجي صوب مصر بعد إخفاق الاحتجاج في إسقاط السلطة العسكرية.

طبيق: الغضب تجاه مصر متباين

ويتناول الناشط طبيق القريب من معسكر الاحتجاج ذلك، ويقول: "الغضب تجاه مصر متباين؛ والبعض يرى أنّ السودان مجامل لمصر في موضوع حلايب وشلاتين، وآخرون يرون أنّ مصر ترى في السودان حديقةً خلفيةً لها، ولهذا يحمّلونها مسؤولية إخفاق المشاريع الزراعية والمائية".

ونوّه إلى أنّ النخب المصرية "في حاجة إلى أن تتعرف أكثر على الأجيال الجديدة، وعلى مصر أن تسعى إلى إدماج هذه الأجيال في العلاقات الاقتصادية، وأن تنتبه لوجود لاعبين آخرين في الساحة السودانية".

اقرأ أيضاً: هل تنجح المبادرة الأممية في حل الأزمة السودانية؟

وشهد مطلع العام الماضي زيارات متبادلة بين مصر والسودان على مستوى وزاري، لبحث إستراتيجية التكامل الاقتصادي بين البلدين.

وأعلنت مصر تقديم سائر إمكانياتها لمساعدة السودان، ولكن يبدو أنّ الجانب السوداني لم يكن مهيّأً للاستفادة من ذلك.

ومهما تكن الأسباب التي يرفعها محتجون ضدّ مصر، فإنّها تعود في أساسها إلى إخفاق الواقع السوداني، خصوصاً بعد الإطاحة بالحكومة المدنية، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتردّي الأوضاع الاقتصادية والخدمية، والتي لا تتحمّلها حكومات ما بعد ثورة ديسمبر فقط، بل تعود إلى عقود سابقة، فضلاً عن وجود أجندات ودور خارجي كبير في مواقع التواصل الاجتماعي يسعى لتوجيه الرأي العام ضدّ مصر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية