ما هي حقيقة الوساطة الإسرائيلية في الأزمة السودانية؟

ما هي حقيقة الوساطة الإسرائيلية في الأزمة السودانية؟


02/02/2022

من يتحدّث بحماسة عن طلب واشنطن من إسرائيل التوسط لدى الجيش السّوداني من أجل التفاوض مع المدنيين، ينسى في خضمّ حديثه أن يسأل نفسه عن جدوى هذا الطلب؛ فالجيش لم يرفض الحوار مع المدنيين إطلاقاً، لكنّه رفض الحوار مع الأحزاب التي تهيمن على قرار قحت، وكذلك ينسى أنّ المدنيين أنفسهم هم من أفسدوا اتفاق حمدوك والبرهان، في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والذي أعاد الحكم للمدنيين.

وبشكل عام، تحتاج الأخبار الواردة من السودان إلى تحرٍّ شديد عن دقتها وصدقها، في ظلّ وضع إعلامي لا يقلّ ضراوةً عن الحرب؛ حيث يسود التخوين والتشويه والتلفيق جزءاً كبيراً من المحتوى الإعلامي في السودان.

وساطة إسرائيلية

وتناقلت وسائل إعلام عربية ودولية خبر زيارة وفد إسرائيلي إلى الخرطوم، في 19 من كانون الثاني (يناير) الماضي، وذكرت أنّه التقى برئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، ومسؤولين آخرين.

لقاء إيلي كوهين بوزير الدفاع السابق ياسين إبراهيم

ورُبط هذا الخبر بآخر يعود إلى تاريخ 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نشرته وسائل إعلام عبرية، وجاء فيه أنّ "واشنطن طلبت من المسؤولين الإسرائيليين الضغط على البرهان والعسكريين في السودان للتفاوض مع المدنيين، وإعادة الحكم المدني"، وكان ذلك عقب أيام محدودة من الإجراءات التصحيحية / الانقلاب الذي قام به الجيش السوداني، ضدّ شركاء الفترة الانتقالية من قوى إعلان الحرية والتغيير "قحت"، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: هل تنجح المبادرة الأممية في حل الأزمة السودانية؟

وتقدّمت وكالة "الأناضول" الإخبارية طليعة مجموعة صحف عربية تناولت قضية الوساطة الإسرائيلية في الأزمة السودانية، وذكرت في تقريرها، بتاريخ 24 من الشهر الماضي؛ أنّ "ممثلة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، طلبت من وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، التدخل في أزمة السودان، والعودة إلى المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية".

تقدّمت "الأناضول" طليعة صحف عربية تناولت الوساطة الإسرائيلية في الأزمة السودانية، وذكرت أنّ ممثلة واشنطن لدى الأمم المتحدة طلبت من وزير الدفاع الإسرائيلي التدخل في أزمة السودان

وأشار التقرير إلى اتهام وزيرة الخارجية السودانية السابقة، مريم المهدي، لمصر وإسرائيل بـ "دعم" ما وصفته بـ "الانقلاب العسكري" الأخير في بلادها.

واشتركت التقارير في الصحف العربية حول هذه القضية في النقل عن تقرير "الأناضول"، بما تضمنه من حديث مع الكاتب الصحفي السوداني، الطاهر ساتي، والذي قال في تصريحاته: "تختلف مهام هذا الوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم في أنّ مهامه سياسية أكثر منها أمنية، وجاء للتوسّط لحلّ الأزمة السياسية".

وأشار إلى أنّ الوفد الإسرائيلي ناقش مع واشنطن سبل حلّ الأزمة، بما يحقق مصالحه من التطبيع مع السودان.

وأضاف ساتي: "الوفد الأمريكي التقى الأحزاب السياسية في السودان، ومنظمات المجتمع المدني، وطبعاً لديه تواصل مع تل أبيب حول الأزمة".

شكوك وتساؤلات

ونقلت وكالة الأناضول التركية خبر زيارة الوفد الإسرائيلي عمّا سمّتها "مصادر صحفية إسرائيلية"، دون تحديد، وكذلك سارت الصحف العربية على النهج نفسه، وبالعودة إلى الموقعَين الصحفيَّين لكلٍ من صحيفة "Haaretz" و"Times of Israel"، يتبين أنّهما نشرا الخبر ليس نقلاً عن مصادر حكومية إسرائيلية، بل نقلاً عن موقع قناة "العربية".

لم يحدث بعد حفل لتوقيع السلام بين إسرائيل والسودان

والأمر نفسه في الخبر الأسبق حول طلب ممثلة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، من وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، "التدخل" في أزمة السودان، والعودة إلى "المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية"، وفق ما نشرته "الأناضول"، التي عزت الخبر إلى "إعلام عبري".

 

اقرأ أيضاً: هل تدفع أجواء "عدم الثقة" الحل السياسي في السودان؟

وقالت الأناضول إنّ إعلاماً عبرياً ذكر ذلك بتاريخ 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وبالبحث حول صدق ذلك، تبين أنّ تاريخ نشر هذا الخبر يعود إلى الثالث من الشهر المذكور، ولم تُذكر فيه ليندا غرينفيلد، بل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى جانب أنّ الموقع الإسرائيلي "Times of Israel" الذي نشر هذا الخبر، نقله عن الموقع الأمريكي "Axios".

الفريق المتقاعد بالجيش السوداني، المعز العتباني لـ"حفريات": إحدى مصالح أمريكا تحسين وجه إسرائيل عربياً، وزيادة عدد الدول التي تطبّع العلاقات معها، من منطلق تعايش الفلسطينيين واليهود

ولم يذكر الكاتب الإسرائيلي، باراك رافيد، الذي كتب التقرير حول طلب بلينكن من وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، التوسط لدى العسكريين السودانيين، المصادر الأمريكية أو الإسرائيلية التي نقلت ذلك، فضلاً عن أنّ الكاتب نفسه أشار إلى أنّ ملف العلاقات الإسرائيلية مع السودان ليس بيد غانتس.

وبالإضافة إلى ما سبق، اعتمدت الأناضول، وغيرها، في سرد معلومات عن لقاءات وأهداف الزيارة على تصريحات الصحفي الطاهر ساتي، وعززت ذلك بقولها إنّه "قريب من دوائر صنع القرار في الخرطوم".

أوراق إسرائيل

وكانت مواقع إخبارية دولية نسبت إلى مسؤولين إسرائيليين وجود شكوك لدى تل أبيب حول مسار التطبيع مع السودان بعد أحداث 25 أكتوبر، التي قام بها الجيش السوداني.

 

اقرأ أيضاً: كيف تنصّل مجلس السيادة السوداني من العنف ورسّخه في آن واحد... ما علاقة أمريكا؟

لكن ما الذي تملكه إسرائيل من أوراق ضغط ولا تملكه واشنطن؟ فإذا كان التطبيع مع إسرائيل حدث بدعم من القادة العسكريين في السودان، فهو في المقام الأول كان بهدف كسب الرضا الأمريكي، من أجل إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي المقام الثاني لم تكن هذه الخطوة غير متوقعة، خصوصاً في ظلّ الانفتاح من المحيط العربي القريب من إسرائيل على التنسيق معها، لمواجهة الأخطار المشتركة، والمتمثّلة في إيران والميليشيات الموالية لها.

وتعتبر السودان دولة مهمّة بالنسبة لإسرائيل، نظراً لاشتراكها معها في البحر الأحمر، وللدور النشط الذي قام به السودان في عهد البشير، بالتعاون مع إيران، لتهريب السلاح إلى غزة.

الفريق المعز العتباني: إسرائيل لا تمتلك أية سلطة أو تدخّل لدى القيادة السودانية

وتعلم إسرائيل أنّ تطبيع علاقاتها مع السودان مرتبط بالعلاقات الأمنية في المقام الأول، حتى إن كانت قوى سياسية في الحكومة وافقت على التطبيع، ولهذا فمن أين لها بأوراق ضغط على العسكريين، وهي التي تشعر بالقلق من تراجع التفاهم الأخير بينها وبين السودان.

إلى جانب ذلك، فإسرائيل تتسم بالحرص الشديد في سياستها، ولهذا لن تحبذ أن يكون لها دور في الأزمة السودانية، كي لا تؤلب الشارع السوداني المحتج ضدّها، وتتحول قضية رفض التطبيع معها إلى قضية ثورية جديدة.

 

اقرأ أيضاً: استقالة حمدوك تضرب الديمقراطية في السودان... ومستقبل غامض ينتظر البلاد

ويقول الفريق المتقاعد بالجيش السوداني، المعز العتباني: "إحدى مصالح أمريكا تحسين وجه إسرائيل عربياً، وزيادة عدد الدول التي تطبّع العلاقات معها، من منطلق تعايش الفلسطينيين واليهود؛ لذلك كان لها دور فاعل في تقريب وجهات النظر الإسرائيلية والسودانية للانتهاء بالتطبيع، ورعاية محادثات تفضي لتعاون سوداني إسرائيلي في المجالات العسكرية والمدنية".

 

اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود

وتابع العتباني لـ "حفريات": "لأنّ المكوّن العسكري هو الذي تبنّى هذا التقارب صار حراماً ومنبوذاً، لدى المكوّن المدني الذي يتكوّن من الأحزاب: الشيوعي والبعث والجمهوري والناصري والمؤتمر السوداني؛ لذلك صارت كلّ الشائعات في هذا الخصوص تخرج منهم، ومنها وجود اتفاق بين إسرائيل والدعم السريع في مجال التقنيات الزراعية المتقدمة".

وشدد العتباني على أنّ إسرائيل "لا تمتلك أية سلطة أو تدخّل عند القيادة السودانية، سواء مجلس السيادة الانتقالي ورئاسة أركان القوات المسلحة".

وفي السياق ذاته، ذكر الناشط السياسي السوداني، هشام بلال طه، أنّ "الحديث عن وساطة إسرائيلية بطلب من واشنطن غير منطقي ولا واقعي؛ فالجميع في الداخل والخارج يعلمون أنّ قوى قحت التي تتعنت في الحوار لم يعد لها وجود، وأنّ الوضع في السودان يتجه للتهدئة بعد خفوت الاحتجاجات".

وقال لـ "حفريات": "قحت انتهت، والجيش لن يُسلم السلطة إلا بالانتخابات، وربما يكون الحلّ الوسط حكومة تصريف أعمال، وهو أمر لا يرفضه الجيش، فعلام إذاً الحاجة لإسرائيل أو غيرها للضغط على العسكريين".

اقرأ أيضاً: ما أسباب تلويح رئيس الوزراء السوداني بالاستقالة؟

وفي 25 كانون الثاني (يناير) 2021، أجرى وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، زيارة أولى من نوعها إلى السودان، التقى خلالها بالبرهان، ووزير الدفاع السوداني السابق، ياسين إبراهيم، ومسؤولين آخرين، وناقش معهم عدداً من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية، بحسب هيئة البثّ الإسرائيلية.

وفي 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، أعلن السودان تطبيع علاقته مع إسرائيل، لكن قوى سياسية وطنية عدة، أعلنت رفضها التام للتطبيع، من بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم سابقاً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية