هل تنجح المبادرة الأممية في حل الأزمة السودانية؟

هل تنجح المبادرة الأممية في حل الأزمة السودانية؟


23/01/2022

يعيش السودان أزمة احتجاجية سياسية لا يبدو أنّ هناك مخرجاً منها في الوقت القريب، خصوصاً بعد استقالة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بعد رفض القوى السياسية قبول اتفاق 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، الذي عاد بموجبه إلى منصبه، بصلاحياتٍ كاملة.

ولم تلقَ استقالة حمدوك صدى لدى الشارع المحتج، إذ كان الاتفاق السابق بالنسبة إليه خيانةً للثورة، التي خرج الشارع باسمها للمرة الثانية، بعد أحداث 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي انقلب فيها الجيش على الشراكة مع قوى الحرية والتغيير.

اقرأ أيضاً: كيف تنصّل مجلس السيادة السوداني من العنف ورسّخه في آن واحد... ما علاقة أمريكا؟

ورغم أنّ الشارع المحتج لم يكن راضياً عن حكومتيْ حمدوك، اللتين تشكلتا من الأحزاب المهيمنة على المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير "قحت"، ومشاركة الجبهة الثورية في الحكومة الثانية، إلا أنّه اتخذ من انقلاب/ الإجراءات التصحيحية للجيش، دافعاً لعودة مطالب الشارع الثورية، التي تتمثّل في حكم مدني خالص، دون أية شراكة مع العسكريين.

مبادرة فولكر

ومع استمرار الاحتجاجات، وسقوط قتلى ومصابين بين المحتجين وقوات الأمن، ووجود انسداد سياسي تامّ، بسبب رفض قوى قحت أية تفاوض مع العسكريين، طرح مبعوث الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، مبادرة للخروج من الأزمة.

المبعوث الأممي، فولكر بيرتس

وتقوم المبادرة على إجراء لقاءات استكشافية مع جميع أطراف الأزمة السودانية، من العسكريين والساسة، ثم الدخول في مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، وصولاً إلى مفاوضات مباشرة، بهدف الوصول لاتفاق سياسي جديد، يُنهي حالة الاحتجاج، ويعيد البلاد إلى مرحلة انتقالية وصولاً إلى الانتخابات.

ومن جانب العسكريين، تمّ الترحيب بهذه المبادرة، وكذلك رحبت قوى قحت بها، على الرغم من رفعها "لاءات ثلاثاً" تضمّنت؛ "لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية"، ما يعني رفض أيّ دور للعسكريين في المشهد السياسي الانتقالي، وهو الأمر الذي لن يقبل به العسكريون.

 مبادرة فولكر قد تنجح في الوصول لاتفاق سياسي، لكنّ ذلك لا يعني تهدئة الاحتجاج في الخرطوم، ما قد يجعل أيّ اتفاق مشكوكاً في قدرته على حلّ الأزمة

وتحظى مبادرة فولكر بدعم قوى من مجلس الأمن الدولي، ومجموعة أصدقاء السودان، وفي جلسة للمجلس بتاريخ 14 من شهر كانون الأول (يناير) الجاري، أعرب الأعضاء الخمسة عشر خلال اجتماع مغلق عن دعمهم للجهود التي يبذلها مبعوث الأمم المتّحدة إلى السودان فولكر بيرتس، في مسعى لإجراء مفاوضات غير مباشرة بين المكوّنين المدني والعسكري في البلد الغارق في أزمة سياسية حادّة، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية، وفق ما نشرته صحيفة "السوداني".

وذكرت مصادر دبلوماسية غربية، في تقرير الصحيفة، أنّ هناك أسئلة حول طبيعة مبادرة فولكر طُرحت من قبل روسيا والصين والأعضاء الأفارقة في المجلس وهم كينيا والغابون وغانا، لكن "لم تكن هناك معارضة فعلية".

اقرأ أيضاً: استقالة حمدوك تضرب الديمقراطية في السودان... ومستقبل غامض ينتظر البلاد

ورغم تحفّظ روسيا على التوصيف الغربي للأزمة السياسية، وتحميل العسكريين المسؤولية الكبرى عن الأزمة، فإنّها لم تبدِ معارضةً لجهود فولكر، إلا أنّها، إلى جانب الصين والدول الأفريقية في المجلس، لن تقبل بأن يكون المجلس أداةً ضدّ العسكريين، كما تريد الدبلوماسية الغربية، التي كررت في دعواتها إلى ضبط أداء القوى الأمنية، دون إشارة إلى انجرار المحتجين إلى العنف.

موقف قحت

ويبدو أنّ المسؤول الأممي، ومن ورائه الدول الغربية، لم يدركوا بعد أنّ القوى السياسية لا تملك قراراً على المحتجين، الذين تحركهم الروح الثورية الغاضبة، وبعض التجمعات باسم "لجان المقاومة"، والتي يستجيب المحتجون لدعواتها طالما ظلت في جانب التصعيد.

مظاهرات في السودان

ولهذا فإنّ مبادرة فولكر قد تنجح في الوصول لاتفاق سياسي، ولكن لا يعني ذلك تهدئة الاحتجاج في الخرطوم، ما قد يجعل أيّ اتفاق مشكوكاً في قدرته على حلّ الأزمة، خاصةً أنّ معظم الأحزاب السياسية في قحت لا تملك شعبيةً تؤهلها للانتقال إلى الانتخابات.

ويقول الناشط السياسي السوداني، هشام بلال طه: "لا تعرف أحزاب قحت ماذا تريد لحلّ الأزمة. وفي اجتماعهم مع فولكر أرجعوا الأزمة السياسية الحالية إلى انقلاب 25 أكتوبر، وقالوا إنّه لا يوجد مخرج منها إلا بإنهاء الوضع الانقلابي، وقيام سلطة مدنية كاملة تختارها قحت، وفقاً لترتيبات دستورية جديدة".

اقرأ أيضاً: ما أسباب تلويح رئيس الوزراء السوداني بالاستقالة؟

وتابع طه لـ "حفريات": "طلبت منهم البعثة الأممية تصوراً حول الترتيبات الدستورية المؤسسة للسلطة المدنية الكاملة التي طرحوها، وكانت المفاجأة أنه لا وجود لمثل هكذا تصور لديهم!".

وتساءل طه: "إذا كان المكوّن المدني لا يستطيع توصيف الأزمة، ولا طرح حلول لها، فكيف ستنجح أية مبادرات سياسية؟! ومن جانب آخر، تتجاهل قوى قحت مسؤوليتها تجاه الأزمة، والي تتمثّل في انفراد أربعة أحزاب بالقرار والتمثيل باسم المكوّن المدني، وهي الأزمة التي أدت إلى حدوث استقالات وانشقاقات وتكوين أكثر من جبهة تتحدث باسم قحت، وكانت السبب في إجراءات الجيش في 25 أكتوبر، ودون وجود تصوّر حقيقي لمعالجة هذا الخلل، لن يكون الأمر سوى عودة من يهيمن على قحت مرة أخرى إلى السلطة، ولكن بشكل ديكتاتوري باسم المدنية".

اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود

ومن جانبه، قال الباحث في الدراسات الإستراتيجية، الأكاديمي أبو بكر فضل محمد: "يبدو أنّ قوى الحرية والتغيير أبدت مرونة مع مبادرة فولكر الأممية، وأبدت رغبتها في الحوار، وقد أعلنت صراحةً أنّها تتعاطى إيجاباً مع المبادرة الأممية وبدأت في المشاورات مع فولكر، وطلبت توسعة الميسرين للحوار، وتحديد سقف زمني، وهي خطوة جيدة، ومن المتوقّع أن تتطور المشاورات الى حوار غير مباشر، ثم مفاوضات مباشرة في النهاية، لأنّه، في كلّ الأحوال، لا بدّ من تفاوض لوضع ترتيبات وتدابير للوضع الجديد، حتى في حالة تسليم السلطة الكاملة للمدنيين أو استعادة الشراكة لكن بأسس جديدة".

ولكن، يستدرك فضل محمد في تصريحه لـ "حفريات": "على قوى الحرية والتغيير التفكير خارج الصندوق، وتقديم رؤية متكاملة للخروج من الأزمة الراهنة، تستوعب جميع القوى الفاعلة في الفترة الانتقالية، بما فيها قوى الكفاح المسلح والقوى الشبابية والمهنية".

هل يقبل الشارع؟

وكانت لجان المقاومة، التي تقود الاحتجاجات، قد نجحت مؤخراً في تكوين هياكل بسيطة تضم عدّة لجان، ومن بينها لجان مقاومة الخرطوم، وهي خطوة إيجابية، لاقت إشادة من جميع المتابعين، كوّنها تمثّل نقلةً من الاحتجاج التامّ إلى العمل السياسي المنظم.

د. فضل محمد: الحوار هو السبيل الناجع لتجاوز الخلافات السياسية

وحال إشراك هذه اللجان المركزية في المشاورات فستكون بمثابة دفعة كبيرة لنجاحها. وكان فولكر حريصاً على التأكيد على دور لجان المقاومة، وأحقيتها في المشاركة في التفاوض، ولهذا أجرى عدة مشاورات مع ممثلين عنها.

ومن جانبها، لم تعلن لجان المقاومة رفضها القاطع للمبادرة، وإن كانت أعلنت تحفّظها، إلا أنّ ذلك يعدّ بارقة أمل، وفيما يبدو مغازلةً للجان المقاومة، طالب فولكر بيرتس بضرورة "تهيئة الأجواء السياسية عبر وقف قتل المتظاهرين وتقديم المتورطين للعدالة حتى تنجح المشاورات".

اقرأ أيضاً: هل تدفع أجواء "عدم الثقة" الحل السياسي في السودان؟

وحول ذلك، قال الأكاديمي فضل محمد: "رغم قتامة المشهد السياسي وتعقيداته، يظلّ الحوار هو السبيل الناجع والناجح لتجاوز الخلافات السياسية بين فرقاء الفترة الانتقالية. لكن مع استمرار التظاهرات الغاضبة، وسقف المطالب العالية من قبل الشارع الثائر، فالحوار يتطلب تهيئة بيئة له تتمثل في عدة استحقاقات".

وحول الاستحقاقات، قال: "وقف القتل والعنف المستمر من قبل القوى الأمنية، وهذا ممكن إذا امتلك الجنرالات الإرادة السياسية لوقف سيل الدماء، وهي خطوة مهمة وممكنة إن أرادوا الحوار الجاد للوصول إلى تسوية للأزمة السياسية والدستورية الراهنة".

وأضاف: "إطلاق سراح المعتقلين من شباب المقاومة، وعدم ملاحقتهم لإتاحة البيئة السليمة والمتساوية للحوار، وتطييب النفوس وإزالة الاحتقان بين لجان المقاومة والقوى الأمنية. والتواصل مع لجان المقاومة والإعلاميين والأكاديميين والمهنيين وغيرهم كفاعلين في المشهد، ويتم ذلك عبر آلية المبادرة الأممية لضمان إيصال رؤى جميع الفاعلين، وألا ينحصر الحوار بين قادة قوى الحرية والتغيير والعسكريين".

وشدّد الأكاديمي السوداني على أنّ "هذه الإجراءات مطلوبة وضرورية لامتصاص غضب الشارع، وبناء الثقة المفقودة حالياً، لتجنّب الانزلاق نحو الهاوية".

الأكاديمي أبو بكر فضل محمد لـ "حفريات": على قوى الحرية والتغيير التفكير خارج الصندوق، وتقديم رؤية متكاملة للخروج من الأزمة الراهنة، تستوعب جميع القوى الفاعلة في الفترة الانتقالية

ورأى أنّ "زيارة الوفد الأمريكي وملتقى أصدقاء السودان المزمع انعقاده في الرياض بالسعودية ربما يسهم في تليين موقف العسكريين تجاه الشارع".

ومن جانب آخر، ذكرت لجنة أطباء السودان، أنّ عدد القتلى منذ اندلاع الاحتجاجات الأخيرة بلغ 62 قتيلاً، من بينهم أطفال، إلى جانب مئات المصابين، ومن ناحية أخرى، تعرضت قوى الأمن لخسائر غير قليلة، وأصيب العشرات من أفراد الأمن أثناء اشتباكات مع المحتجين، ولقي عدد من الجنود والضباط مصرعهم، وكان آخرهم ضابط شرطة برتبة عميد قُتل طعناً على يد عدد من المحتجين.

واندلعت الأزمة الحالية في 25 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد انقلاب/ الإجراءات التصحيحية التي قام بها الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والتي شملت؛ تعطيل نصوص الوثيقة الدستورية التي تنصّ على الشراكة بين قحت والعسكريين في إدارة الفترة الانتقالية، وحلّ الحكومة والمجلس السيادي، وعزل ولاة الأقاليم، وإيقاف عمل لجنة إزالة التمكين، وفرض حالة الطوارئ.

وعقب ذلك بأيام، شكّل الجيش مجلس سيادة انتقالي جديداً، دون مشاركة قوى قحت السياسية، وأعاد عبد الله حمدوك إلى منصبه بعد اتفاق 21 نوفمبر. ومع استمرار الاحتجاجات وتصلّب مواقف أطراف الأزمة، أعلن حمدوك عن استقالته رسمياً في الثاني من الشهر الجاري.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية