برغم أنّها كانت إحدى العقد التي زادت من صعوبة الحل في سوريا، يبدو أنّها ستظل كذلك، خصوصاً بعد أن نفت مصادر ميدانية وجود أيّ حركة انسحاب غير عادي للقوات الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها من الأراضي السورية عبر الأراضي العراقية، أو عبر الأجواء باتجاه إيران لمواجهة الاحتجاجات المتصاعدة هناك.
المصادر أكدت لصحيفة "النهار العربي" أنّ الحديث عن انسحاب إيراني من سوريا، بهدف تعزيز الجبهة الداخلية، يأتي بعد حديث مسؤولين إسرائيليين في شهر أيلول (سبتمبر) عن انسحاب إيراني واسع من سوريا بسبب الخشية من الضربات الإسرائيلية المكثفة.
نفت مصادر ميدانية وجود أيّ حركة انسحاب غير عادي للقوات الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها من الأراضي السورية
وأشارت إلى التناقض بين الروايتين، "إذ كيف تنسحب إيران، وكانت قد سحبت من قبل معظم قواتها"؟ على حدّ تعبير المصادر التي تحدثت إلى "النهار العربي"، معتبرةً ما يجري الحديث عنه مجرد تكهنات لا تمتّ إلى الواقع بصلة، لا سيّما أنّ بعض الجبهات في سوريا تحظى باهتمام استراتيجي في السياسة الإيرانية، قد يفوق اهتمامها بما يحدث في شوارعها من احتجاجات وتظاهرات شعبية.
وقال موقع "إنتلجنس أونلاين" الفرنسي: إنّ إيران بدأت سحب مجموعات تابعة لها من سوريا لتعزيز جبهاتها الداخلية، بسبب الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.
وأضاف أنّ قوات "الحرس الثوري الإيراني" تعاني صعوبة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المعارضة لحكومة البلاد منذ أكثر من (3) أشهر، ممّا دفعها إلى توجيه الميليشيات المدعومة إيرانياً إلى إيران للحدّ من تطور الوضع في البلاد، وفقاً لـ "النهار العربي".
قوات "الحرس الثوري" تعاني صعوبة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المعارضة لحكومة البلاد منذ أكثر من (3) أشهر
وأضاف الموقع أنّ إعادة المجموعات لم يقتصر على سوريا وحسب، بل أعادت مقاتلين آخرين من لبنان والعراق إلى أكثر المناطق الإيرانية توتراً.
وعن هوية المجموعات التي سُحبت من سوريا أخيراً، قال الموقع الفرنسي: إنّ إيران أعادت من سوريا مجموعات كاملة من ميليشيات لواء "زينبيون"، المكوّن من ميليشيات شيعية باكستانية، ومن لواء "فاطميون" القائم على عناصر قادمين من أفغانستان.
وأشار التقرير إلى أنّ شركتي "ماهان إير" و"إيران إير" للطيران، سيّرتا "رحلات مكوكية" بين دمشق وطهران، لنقل المقاتلين من سوريا.
ولفت التقرير إلى أنّ إعادة مقاتلي الميليشيات شملت جبهات قتال لم تعد بحاجة إلى انتشار قوات مسلحة فيها من العناصر المدعومين من جانب إيران.
هذه التطورات تتزامن مع استمرار التظاهرات في مناطق متفرقة من إيران من دون توقف، منذ أيلول (سبتمبر) الماضي بعد وفاة الشابة مهسى أميني تحت التعذيب على يد "شرطة الأخلاق"، التي اعتقلتها لعدم التزامها قواعد اللباس في البلاد، وتطالب التظاهرات بإسقاط النظام.
وتعود رواية الانسحاب الأولى إلى عام 2018، حين تحدث ناشطون سوريون عن أرتال من قوات الميليشيات الإيرانية عبرت الطريق البري الذي يصل سوريا والعراق جنوب محافظة دير الزور، مشيرة إلى أنّ المرور العكسي للحافلات الناقلة تكرر رغم التهديد العسكري الذي يشكله تنظيم "داعش" في المنطقة.
وأفاد، في الفترة ذاتها، مصدر عراقي مطلّع على أوضاع الميليشيات العراقية التي تقاتل في سوريا بإمرة إيران، بأنّه منذ بداية شهر أيّار (مايو) انخفض معدل الإرسال العسكري القادم من العراق بنسبة كبيرة جداً، ولأول مرة منذ أعوام يُسجّل معدّل الإجازات (إحالات العودة) رقماً قياسياً.
ثم تكررت رواية الانسحاب في عام 2020، حين تحدثت بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية عن "انسحاب تكتيكي تقوم به إيران من سوريا من دون تغيير استراتيجي"، وقال مسؤول غربي إنّ الانسحاب التكتيكي يعود إلى جملة أسباب؛ هي: "الأزمة الاقتصادية الإيرانية، والقواعد التي فرضها وباء (كورونا)، وتطورات وضع العراق لجهة التوتر مع أمريكا، وظهور "داعش" غرباً، والغارات الإسرائيلية التي تكثفت في الفترة الأخيرة، وتراجع حدة القتال في بعض المناطق السورية، والضغوط الروسية"، وفق ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" في حينه.
روايات الانسحاب تعود إلى عام 2018 حين تحدث ناشطون سوريون عن أرتال من قوات الميليشيات الإيرانية عبرت الطريق البري الذي يصل سوريا والعراق
وفي خريف عام 2021 راجت كذلك أنباء عن سحب "حزب الله" اللبناني وبعض الميليشيات الموالية لإيران و"حرس الثورة" في إيران قواتها من جنوب سوريا وبعض ريف العاصمة دمشق إلى مناطق في وسط سوريا، وانكفأ المقاتلون التابعون للحزب إلى الداخل اللبناني.
وفي ربيع العام الجاري ذكرت شبكات إخبارية محلية أنّ الميليشيات التابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني" سحبت عدداً كبيراً من عناصرها الموجودين في مناطق سيطرتها في سوريا باتجاه الأراضي العراقية، لأسباب مجهولة.
هذا، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في تقرير في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أنّ "إيران بدأت تعمق جذورها في شرق سوريا، وبالتحديد في محافظة دير الزور الاستراتيجية، وتتنافس مع نظام الأسد لتجنيد مقاتلين جدد، بهدف تعزيز النفوذ الإيراني وإبراز قوة طهران عبر المنطقة"، وفق ما نقل موقع "الحرة".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تتوزع الميليشيات الإيرانية في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، بعدد لا يقلّ عن (65) ألف مقاتل، بين حامل للجنسية السورية أو جنسيات أخرى.
ووفقاً لإحصائيات المرصد، يبلغ عدد عناصر ميليشيات لواء فاطميون (8) آلاف عنصر على أقل تقدير، من العدد الإجمالي للميليشيات الإيرانية.