
سمير عمر
لم يكن الوصول إلى ميدان التحرير فى صباح يوم الجمعة الثامن عشر من فبراير 2011 بالمهمة السهلة، فالطرق شبه مغلقة، ومئات الآلاف من المصريين ولَّوا وجوههم شطر الميدان لأداء صلاة الجمعة فى رحابه، لم يكن يعنيهم من سيؤم الصلاة، أو من سيُلقى الخطبة، فكل ما كان يشغل بالهم هو الاحتفال بنجاحهم فى إجبار الرئيس مبارك على التنحى، إلا قيادات تنظيم الإخوان وأعضاؤه، فقد كانوا مشغولين بمهمة أخرى.
مساء الخميس وصل الدكتور يوسف القرضاوى إلى القاهرة قادماً من الدوحة، واجتمع بقيادات الإخوان للإعداد لمشهد خطبة «جمعة النصر» فى قلب الميدان، وفى الصباح الباكر كان عناصر الإخوان يُجهّزون «منصة الخطيب»، وكان فتية من فتيانهم يتأهبون للعب دور فرق التأمين الخاصة التى ستُحيط بالمنصة لمنع من لا يرغب قادة الجماعة فى ظهوره فى هذا المشهد.
أدّى الحضور صلاة الجمعة، وخطب يوسف القرضاوى خطبة «خمينية» لتكريس الحضور الإخوانى، فى خطوة عميقة الدلالة لما سيحمله مقبل الأيام. أحاول الاقتراب من المنصة، فيمنعنى «فتية الجماعة»، إذ لا يمكن المرور من ممر ضيّق صنعوه بأجسادهم القوية إلا بعد الحصول على تصريح من الدكتور محمد البلتاجى، أحاول دفعهم دون جدوى، فأصرخ فى وجوههم جميعاً، فيأتى صوت «البلتاجى» محاولاً تهدئتى: معلهش يا أستاذ، دى لجنة النظام والشباب حريصون على تأمين المنصة.
تأمينها من مين؟
يقترب «البلتاجى» منى بعد دفعه عدداً من الشباب كانوا يحيطون بى ويوجه كلامه لى: من أى حد، محدش عارف مين ممكن يندس وسطينا، ماتزعلش نفسك اتفضل.
لم أكن وحدى بالطبع من منعهم فتية الجماعة الأشداء من الوصول إلى المنصة، ناهيك عن صعودها، فالكثير من قيادات القوى والأحزاب السياسية منعوا، ولم يُسمح بالصعود إلا لمن حظى بالرضا الإخوانى، وبعضهم كاد يتشاجر مع الفتية وقياداتهم حتى سُمح لهم بالاقتراب.
كان المشهد دليلاً على أن نية الجماعة قد انعقدت على «ركوب الموجة الثورية»، وانقضى اليوم على هذا النحو، ليُعزز الإخوان حضورهم ويُحكموا سيطرتهم مع من سار فى فلكهم على منافذ العبور إلى الساحة السياسية فى مرحلة ما بعد التنحى.
جمعة كشف الحساب
ميدان التحرير صباح يوم الجمعة الثانى عشر من أكتوبر 2012
كان شباب القوى والأحزاب المدنية يتأهبون لنصب منصتهم ضمن فعاليات التظاهر التى دعوا إليها بمناسبة مرور مائة يوم على تولى محمد مرسى رئاسة الجمهورية، فيما سموها «جمعة كشف الحساب».
وبالفعل تجمع الآلاف فى الميدان وبدأوا فى ترديد الهتافات المطالبة بسقوط حكم المرشد، ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهر «فتية الجماعة الأشداء» فى الميدان، دخلوا الميدان فى ما يشبه العرض العسكرى، وبدأوا فى مهاجمة المتظاهرين، ودارت اشتباكات عنيفة بين الجانبين، كانت الغلبة فيها لقوات الردع الإخوانية، رغم ثبات شباب القوى المدنية فى مقاومة الفتية الذين كانوا يحملون الهراوات، وبعضهم كان يحمل أسياخاً حديدية.
كنت أراقب المشهد من إحدى البنايات المطلة على الميدان، والكاميرا ترصد ما يدور من كر وفر فى الساحة الرئيسية والشوارع المحيطة.
وانقضى اليوم بعد أن جُرح 110 من المتظاهرين حسب الأرقام الرسمية غالبيتهم من شباب الحركة المدنية.
ربما كان من بين من هاجموا المتظاهرين فى الميدان عدد ممن منعوا قيادات القوى السياسية من الوصول إلى المنصة فى «جمعة النصر» وربما لا، لا أملك إجابة محدّدة، لكن المؤكد أن النهج الإخوانى الذى بدأ بفرق التأمين من صبية الجماعة فى جمعة 18 فبراير 2011 كان لا بد أن يقود إلى قوات الردع التى دخلت الميدان فى جمعة 12 أكتوبر 2012.
اعتصام الاتحادية
كان مساءً شتوياً بارداً حين قرّرت القوى المدنية الاعتصام أمام قصر الاتحادية، احتجاجاً على الإعلان الدستورى الذى أعلنه الرئيس مرسى، ظنوا أن حشودهم ستحميهم من بطش ميليشيات الجماعة، لكن من قالوا «اللى يرش مرسى بالميه نرشه بالدم» كان لهم رأى آخر، بات معارضو الإخوان ليلتهم أمام قصر الاتحادية، قبل أن تداهمهم ميليشيات الجماعة وغيرها من التنظيمات الإسلامية الأخرى، وعلى مدار ساعات اليوم كانت معارك الكر والفر على أشدها حتى حل الظلام، وقُرب الثامنة مساءً كانت الميليشيات المسلحة بالعصى والهراوات والأسياخ الحديدية قد تمكنت من حسم المعركة، وسط عشرات الجرحى والمصابين فى صفوف القوى المدنية المعارضة للإخوان. كان الضرب فى الأرجل حتى يتذكّر المعارضون أن هناك من سيكسر أرجلهم التى ساقتهم للتظاهر ضد الشرعية والشريعة، هكذا كانوا يصرخون فى وجوه المعارضين وهم يلوحون بأسياخ الحديد التى استخدموها فى كسر الأرجل، ولم يسلم فى هذا اليوم من بطش ميليشيات الجماعة أحد، حتى النساء والفتيات طالتهن يد البطش الإخوانية.
كنت على الهواء أنقل ما يدور حولى أمام قصر الاتحادية وسط مراقبة عناصر الإخوان لما أقول، بينما كان المئات من كتائبهم موزعين فى فرق شبه عسكرية، بعضهم يقوم بتعذيب العشرات من قوى المعارضة، بعد أن قيدوهم فى أبواب قصر الاتحادية، وبعضهم يواصلون تمشيط المكان، بحثاً عن المعارضين للتنكيل بهم.
وصايا "الساعاتى" وكتائب "البنا"
أقول لقد كنت شاهداً على ما سبق من وقائع، أرصدها وأسجلها، وأنقلها للمشاهدين، وهذه الوقائع وما سيتلوها من وقائع أخرى سيأتى ذكرها، لم تكن لتحدث على النحو الذى سارت عليه لولا أن فتيان الجماعة تربّوا على تعاليم العنف واستخدام القوة فى مواجهة معارضيهم، وهو أمر يحرص التنظيم على إنكاره، ويُسخّرون آلاتهم الإعلامية التى لم تتوقف يوماً عن الدوران لتكذيبه، وهم يعلمون أنهم لكاذبون، ومن يراجع تعاليم مؤسس الجماعة حسن البنا ووالده عبدالرحمن الساعاتى، ومن سيأتى بعدهما من قادة التنظيم الحركيين لن يجد أى صعوبة فى اكتشاف تعاليم العنف والإرهاب التى تزخر بها كتاباتهم وتوجيهاتهم التنظيمية.
وهنا أنقل لكم جانباً مما سطره والد مؤسس التنظيم فى مقال منشور بالعدد الأول من مجلة النذير: استعدوا يا «جنود»، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد «سلاحه» ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون، وخذوا هذه الأمة برفق، فما أحوجها للعناية والتدليل، وصفوا لها الدواء، فكم على ضفاف النيل من قلب يعانى، وجسم عليل واعكفوا على إعداده فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه «فرقة الإنقاذ منكم»، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها «عضواً خبيثاً» فاقطعوه، أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر، وفى عيونهم عمى».
فى هذا التوجيه التنظيمى الذى جاء فى صيغة مقالة كتبها عبدالرحمن الساعاتى والد حسن البنا، دليل لا يقبل الشك على عنف الجماعة، مهما تدثّرت بأردية السلمية الزائفة، ومهما أخفت وجهها القبيح بأقنعة نبذ العنف.
على هذا تربى صبيان البنا وفتيانه، لذا لم أستغرب ما فعلوه وما سيفعلونه.
الوطن