"الردع النووي" سلاح أشهرته روسيا... تهديد جدّي أم محاولة للضغط؟‎

"الردع النووي" سلاح أشهرته روسيا... تهديد جدّي أم محاولة للضغط؟‎


28/02/2022

في تطوّر لا تُحمد عقباه، قد يؤدي بلا شكّ إلى حرب شاملة حال حدوثه، أشهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس سلاح "الردع النووي" في وجه القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، مهدّداً باستخدامه في حربه مع أوكرانيا، بعد اتهامات للأخيرة باستخدام "أسلحة فوسفورية محرّمة دولياً"، في سابقة هي الأولى منذ الحرب الباردة.

متذرعاً بـ"التصريحات العدوانية" من قبل الناتو، والعقوبات الاقتصادية التي قال محللون إنّها الأشدّ إيلاماً للنظام الروسي، أصدر بوتين توجيهاً بوضع "الأسلحة النووية الروسية" في حالة تأهب؛ ممّا أثار مخاوف من أنّ غزو أوكرانيا قد يؤدي إلى حرب نووية، سواء عن طريق الخطأ أو عن قصد.

اقرأ أيضاً: أوكرانيا.. وثمن الخداع الأمريكي الأوروبي

ويأتي توجيه بوتين بوضع أسلحة "الردع النووي" في حالة التأهب، بعدما اتهمت وزارة الدفاع الروسية الأوكرانيين باستخدام قنابل الفوسفور المحرّمة دولياً. ونقل موقع "أولتيماس نوتيسياس" الإسباني عن بيان لوزارة الدفاع الروسية قوله: إنّ "الجيش الأوكراني، الذي يسعى جاهداً لوقف الهجوم الروسي، بدأ في الاستخدام المكثف للذخائر الفوسفورية في ضواحي كييف، بالقرب من مطار هوستوميل العسكري".

أصدر بوتين توجيهاً بوضع "الأسلحة النووية الروسية" في حالة تأهب

ويُحظر استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح في عدة معاهدات دولية، ويمكن أن يتسبّب استخدامه في حروق خطيرة للأشخاص الموجودين في نطاقه.

وعلى الرغم من نجاح موسكو في السيطرة على بعض المواقع والمدن الكبرى في شمال شرق أوكرانيا، إلّا أنّ القوات الروسية واجهت مقاومة شديدة في كييف وضواحيها، في الوقت الذي ناشد فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "مقاتلين أجانب" للتطوع والقتال إلى جانب الأوكرانيين، ممّا يفتح الباب إلى دخول عناصر غربية على مستوى عالٍ من التدريب لمواجهة روسيا من الأراضي الأوكرانية.

إعلان الردع النووي... هل هو جدّي أم قرصة أذن؟

أثار لجوء الرئيس الروسي إلى استخدام "الردع النووي" في مواجهة العقوبات الأمريكية والغربية، التي استهدفت النظام المالي والاقتصادي في روسيا، تساؤلات حول جدّية التهديد، وعمّا إذا كان بوتين يلوّح بهذه الخطوة فقط للضغط على القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية للتراجع عن تلك العقوبات، إلّا أنّه مع ترسانة روسيا الهائلة من الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق ذات القدرة النووية، فمن نافلة القول إنّ النتيجة ستكون مدمّرة في حال نفّذ الرئيس بوتين تهديده.

 

أشهر الرئيس الروسي سلاح "الردع النووي" في وجه الغرب والولايات المتحدة، بعد مزاعم باستخدام أوكرانيا أسلحة محرّمة دولياً

 

وفي حين أنّه ليس من الواضح تماماً ما يعنيه بوتين بذلك، نقل موقع "إيه بي سي" الأمريكي عن مسؤول دفاعي أمريكي كبير، لم يسمّه، قوله: إنّ واشنطن تحاول تقييم ما يعنيه ذلك بعبارات ملموسة، مضيفاً أنّ بوتين كان "يحتمل أن يقدّم القوى التي يمكن أن تجعل الأمور أكثر خطورة بكثير"، وقالت باتريشيا لويس، مديرة برنامج الأمن الدولي بمركز أبحاث تشاتام هاوس: "هذا ليس ردعاً من جانب بوتين، إنّه تهديد".

اقرأ أيضاً: ما المشترك بين المسألتين الإيرانية والأوكرانية؟

وقال ميرو بوبخادزي، المحلل في معهد أبحاث السياسة الخارجية: إنّ إعلان بوتين كان مقصوداً به أن تنظر إليه أوروبا على أنّه تهديد، مضيفاً أنّ "هدفه هو تقسيم الاتحاد الأوروبي، وإضعاف دعم الكتلة لأوكرانيا،" إلّا أنّه استبعد أن ينفّذ بوتين تهديده.

اقرأ أيضاً: واشنطن والشرق الأوسط.. ماذا كشفت أزمة أوكرانيا؟

وتمتلك روسيا والولايات المتحدة الأمريكية عادةً الأجزاء البرية والغواصات من قواتهما النووية الاستراتيجية في حالة تأهب وجاهزة للقتال في جميع الأوقات، لكنّ القاذفات ذات القدرات النووية والطائرات الأخرى ليست في وضع التأهب. وإذا كان بوتين يُسلّح، أو يرفع من الاستعداد القتالي النووي لقاذفاته، أو إذا أمر بالمزيد من غواصات الصواريخ الباليستية في البحر، فقد تشعر الولايات المتحدة بأنّها مضطرّة للردّ بالمثل، وفقاً لهانس كريستنسن، المحلل النووي في اتحاد العلماء الأمريكيين، مشيراً إلى أنّ ذلك يمثل "تصعيداً مقلقاً".

دوافع روسيا

أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه ليلة أمس إلى أنّ هذه الخطوة جاءت ردّاً على ما وصفه بـ"التصريحات العدوانية" لقادة الناتو، ومجموعة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، وآخرها منع البنوك الروسية من الوصول إلى نظام سويفت، ومنع بيع "جواز السفر الذهبي" لـ"الأوليغاركيين" أو النخبة الروسية.

تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى على تصعيد العقوبات الاقتصادية

وتعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى على تصعيد العقوبات الاقتصادية، وقد منعت شركات الطيران الروسية من دخول المجال الجوي الأوروبي، وحظرت وسائل الإعلام الروسية، وتعهّدت بتسليم المزيد من الأموال والأسلحة إلى أوكرانيا، دون الالتزام بإرسال قوات فعلية.

 

أثار اللجوء إلى "الردع النووي" تساؤلات حول جدّية التهديد، وعمّا إذا كان محاولة للضغط للتراجع عن تلك العقوبات

 

وقال بوتين: "لا تتخذ الدول الغربية فقط إجراءات غير ودّية ضد بلدنا في البُعد الاقتصادي   ـأعني العقوبات غير القانونية التي يعرفها الجميع جيداً- ولكن أيضاً كبار المسؤولين في دول الناتو الرئيسية يسمحون لأنفسهم بالإدلاء بتصريحات عدوانية فيما يتعلق ببلدنا".

وسبق أنّ ألمح بوتين ضمنياً باستخدام الترسانة النووية الروسية في خطاب متلفز مفاجئ يوم الخميس الماضي، عندما قال الرئيس الروسي: إنّ "ردّ روسيا على أيّ دولة تقف في طريقها سيكون فورياً، وستترتّب عليه "عواقب لم تواجهها من قبل في تاريخك".

محطات التهديدات النووية قبل الحرب الباردة وبعدها

كانت إحدى نقاط الاشتعال الرئيسية في الحرب الباردة أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما علم الزعيم الروسي نيكيتا خروتشوف بمؤامرة أمريكية للإطاحة بنظام فيدل كاسترو، فسلّح كوبا برؤوس نووية موجّهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: إيران تستفيد من غزوة أوكرانيا!

اشتعلت الحرب الباردة مرّة أخرى في ثمانينيات القرن الماضي، عندما واجه الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ما اعتبره بلاء الشيوعية، ومع تصاعد التوترات، تمّ تسليح كلّ من روسيا والولايات المتحدة برؤوس نووية يصل عددها إلى عشرات الآلاف من كلا الجانبين.

اقرأ أيضاً: تركيا الأكثر تضرراً من الحرب الروسية الأوكرانية... كيف؟

وفي أواخر الثمانينيات وصل هذا العدد بين البلدين إلى أكثر من (68000) رأس نووي، أمّا الآن، فما تزال الولايات المتحدة وروسيا القوتين العسكريتين الرائدتين في العالم، لكن لديهما عدد أقلّ بكثير من الأسلحة النووية، وفقاً لموقع "إيه بي سي" الأمريكي.

 

قال محلل في معهد أبحاث السياسة الخارجية: إنّ إعلان بوتين هدفه تقسيم الاتحاد الأوروبي، وإضعاف دعمه لأوكرانيا

 

مخزونات الأسلحة النووية من أسرار الدولة، لذا فإنّ أيّ أرقام هي تقديرات، ومع ذلك، يُعتقد أنّ روسيا هي الدولة التي تمتلك أكبر عدد من الأسلحة النووية على مستوى العالم، كما كان الحال منذ الثمانينيات، فقد كان لديها ما يصل إلى (45000) في عام 1986 ولكن بعد جهود نزع السلاح، ورد أن موسكو خفضت عدد الرؤوس الحربية النووية بشكل كبير، ووفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين، تمتلك روسيا الآن حوالي (4000) رأس حربي في مخزونها العسكري، وهو رقم مماثل للولايات المتحدة، ونحو (6000)، بما في ذلك الرؤوس الحربية المقرّر تفكيكها.

اقرأ أيضاً: الإمارات تعلن موقفها من الأزمة الروسية الأوكرانية

وتملك فرنسا وبريطانيا العضوان الآخران في الناتو حوالي (290) و(225) رأساً حربياً على التوالي. ومن بين الرؤوس الحربية الروسية يُعتقد أنّ (1588) رأساً حربياً استراتيجية منتشرة على صواريخ عابرة للقارات، وفي قواعد قاذفات ثقيلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية