ما المشترك بين المسألتين الإيرانية والأوكرانية؟

ما المشترك بين المسألتين الإيرانية والأوكرانية؟


28/02/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

الهدف من المحادثات الجارية في العاصمة النّمساويّة، فيينا، هو إحياء الاتّفاق النّوويّ لعام 2015، المعروف باسم "خطة العمل الشّاملة المشتركة"، بين إيران من جهة والصّين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتّحدة والولايات المتّحدة من جهة أخرى. ومع ذلك، لا يمكن النّظر إلى هذه المحادثات بمعزل عن غيرها، لأنّها تلعب دوراً في كل مفاوضات، أمريكيّة أوروبيّة وأوروبيّة روسيّة، ترُكّز حالياً على أوكرانيا.

أوكرانيا، التي كانت جزءاً من الإمبراطوريّة الرّوسيّة، و، مثل روسيا، جمهوريّة سوفيتيّة سابقة بعد ذلك، تسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف أمنيّ غربيّ بقيادة الولايات المتّحدة تمّ إنشاؤه منذ أكثر من سبعة عقود كحصنٍ ضدّ الكتلة الشّيوعيّة الّتي كان يقودها السّوفييت. تخشى موسكو نفوذ حلف شمال الأطلسي المتزايد بعد الحرب الباردة في أوروبا الشّرقيّة وتهدف إلى إيقافه. بالتّالي؛ فإنّ الأولويّة العاجلة للغرب هي التّوصّل إلى اتّفاق مع روسيا يُحدّد البنية الأمنيّة لأوروبا لأعوام قادمة.

بينما يسهر الدّبلوماسيّون لإيجاد تقارب على تلك الجبهة، هناك أيضاً شعور بأنّ محادثات فيينا بحاجة إلى التّوصّل إلى نتيجة، سواء كانت إيجابيّة أو سلبيّة، بحلول نهاية شباط (فبراير). هناك تفاؤل حديث العهد بإمكانيّة التّوصّل إلى اتّفاق يمكن أن يغيّر علاقات إيران مع الغرب في اتّجاه إيجابيّ، حتّى أنّه كانت هناك تقارير عن عقد اجتماعات أمريكيّة إيرانيّة مباشرة سرّاً.

هناك، من دون شكّ، تداخل بين أزمتين من أكثر الأزمات إلحاحاً في العالم في الوقت الحاليّ، وإذا أصبحت الجهود الدّبلوماسيّة لحلّ الأزمة الأوكرانيّة معقّدة بشكل لا يرحم

بقيادة المستشار الألمانيّ الجديد، أولاف شولتز، تلعب برلين دوراً مهمّاً في محاولة حلّ قضيتي أوكرانيا وإيران. ينظر الرّوس إلى ألمانيا على أنّها أداة فاعلة لأسباب عديدة، ليس أقلّها عزم الأخيرة على ضمان استمرار إمدادات الغاز الرّوسي إلى أوروبا. ينظر الإيرانيّون إلى ألمانيا على أنّها قوّة صديقة نسبيّاً تقود محاولة أوروبيّة للضّغط على إدارة بايدن لتقديم المزيد من التّنازلات لإيران مقابل إحياء "خطّة العمل الشّاملة المشتركة". في الأسبوع الماضي، ذهب شولز إلى واشنطن للقاء الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن.

اقرأ أيضاً: مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا

والآن ، وسط مخاوف من أنّ القوّات الرّوسيّة ستدخل قريباً إلى أوكرانيا، يتوجّه شولز إلى موسكو للقاء الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين.

في غضون ذلك، أجرى بايدن وبوتين محادثة هاتفيّة لمناقشة الأزمة الأوكرانيّة.

 كما يبدو، ستتمّ ممارسة الدّبلوماسيّة على قدمٍ وساق على الأقلّ حتّى انتهاء دورة الألعاب الأولمبيّة الشّتويّة في بكين، في 20 شباط (فبراير)، أو ربما حتّى اختتام دورة الألعاب البارالمبيّة، في آذار (مارس). فموسكو، بعد كلّ شيء، ليست لديها رغبة في  إفشال موكب الصّين، خاصّة أنّها في حاجة إلى دعم صينيّ في مواجهة الغرب.

ما الذي سيحدث بعد ذلك يبقى في حيّز التّخمين، إيران، أيضاً، باعتبارها شريكاً إستراتيجيّاً لروسيا، تستعدّ للتّصعيد وخفض التّصعيد، هذا هو المكان الذي تأتي فيه محادثات فيينا.

وصلت الجولة الثّامنة من المفاوضات إلى مراحلها الأخيرة، وبعدها بدا الإيرانيّون والأوروبيّون متفائلين، هناك حديث عن أنّ إدارة بايدن يمكن أن توافق على رفع 90 في المئة من العقوبات الأمريكيّة عن إيران، خاصّة فيما يتعلّق بقدرتها على بيع نفطها وغازها. تنتظر إيران هذا بفارغ الصّبر، لأنّ استئناف أكبر صادراتها سيمنح اقتصادها دفعة تشتدّ الحاجة إليها. النّقطة الشّائكة الأخرى هي إصرار الولايات المتّحدة على أن يُسمح لها بالوصول إلى برنامج طهران النّوويّ. يقول النّظام الإيرانيّ إنّ الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة لديها بالفعل إمكانيّة الوصول إلى البرنامج. وتشمل المقترحات الأخرى الإبقاء على العقوبات على البرنامج النّوويّ لفترة محدودة، ولنقل لمدّة ستة أشهر تقريباً، يحدّد خلالها المجتمع الدّوليّ ما إذا كانت طهران تستورد أو لا تستورد المواد المحظورة، تحت ستار شراء التّكنولوجيا اللازمة لما يسمّى ببرنامجها السّلمي.

اقرأ أيضاً: كيف سرقت عمامة الخميني أحلام الإيرانيين؟

تحرص روسيا على رفع العقوبات عن الصّادرات والواردات الإيرانيّة، لا سيّما فيما يتعلّق بقدرتها على شراء الأسلحة. وتحظى إيران أيضاً بدعم الصّين، حيث ينخرط الجانبان في تجارة نفط محدودة، يتّفق التجمّع الصينيّ الإيرانيّ الروسيّ إلى حدّ كبير على جوهر مطالب إيران.

اقرأ أيضاً: ما أهداف زيارة رئيسي للدوحة؟ وما قصة النفق البحري بين إيران وقطر؟

الأوروبيّون، أيضاً، حريصون على إبرام صفقة، مع الأخذ في الاعتبار مدى قدرة شركاتهم الخاصّة على الاستفادة من اندماج إيران في الاقتصاد العالميّ، يبدو أنّهم غير منزعجين من السّلوك الخبيث للنّظام الإيرانيّ في الشّرق الأوسط، والذي يتضمّن تصدير ما يسمّى بثورته إلى العالم العربيّ. في الواقع، ما يزال الأوروبيّون يعتقدون، من دون دليل، أنّ "خطة العمل الشّاملة المشتركة" ستعمل على تعديل سلوك إيران الإقليميّ، على الرّغم من أنّ الصّفقة لم تفعل أيّ شيء من هذا القبيل بعد توقيعها في عام 2015.

إنّ رغبة بايدن في إبرام صفقة، كان قد ساعد في تأمينها مع إيران عندما كان نائباً لباراك أوباما في عام 2015، قد تواجه معارضة من الكونغرس الأمريكيّ، ممّا قد يفرض التّصويت عليها. في حين أنّ الدّيمقراطيّين بقيادة بايدن يسيطرون على الهيئة التّشريعيّة، فإنّ الرّياح السّياسيّة المعاكسة في عام الانتخابات تجلب معها تعقيداتها الخاصّة. ومن المستبعد جدّاً أن يحاول فريق بايدن الالتفاف على الكونغرس من خلال تأمين صفقة خلال عطلة 21-25 شباط (فبراير)، كما توقّع البعض، بالنّظر إلى التّداعيات السّياسيّة لمثل هذه الخطوة على الإدارة.

وصلت الجولة الثّامنة من المفاوضات إلى مراحلها الأخيرة، وبعدها بدا الإيرانيّون والأوروبيّون متفائلين، هناك حديث عن أنّ إدارة بايدن يمكن أن توافق على رفع 90 في المئة من العقوبات

في كلّ هذا، لا ينبغي الاستهانة بالدّور الذي قد تلعبه إسرائيل في هذه المحادثات، على الرّغم من أنّها ليست جزءاً من المفاوضات.

يبدو أنّ إدارة بايدن تسعى للحصول على ضمانات أمنيّة لحليفتها الإستراتيجيّة في الشّرق الأوسط التي تعدّها إيران خصمها؛ فهل تمهّد ضمانات أمنيّة لإسرائيل، وهي قضيّة داخليّة بالنسبة إلى أمريكا، الطّريق لصفقة؟

روسيا تسعى للعب دور الوسيط، وهي مقتنعة بأنّ لها نفوذاً خاصّاً بها على إسرائيل، حيث يتمتّع البلدان بعلاقات اقتصاديّة واسعة ولديهما أهداف إستراتيجيّة خاصّة بهما في سوريا يمكن التّنسيق بينهما بشأنها.

اقرأ أيضاً: تطورات الصفقة الأمريكية- الإيرانية: تنازلات متبادلة بين واشنطن وطهران.. ما الجديد؟

وبينما يُقال إنّ زيارة وزيرة الخارجيّة البريطانيّة، ليز تروس، إلى موسكو في وقت سابق من الأسبوع أدّت إلى نتيجة مخيبة للآمال فيما يتعلّق بأزمة أوكرانيا، فإنّني أعتقد أنّ محادثاتها مع وزير الخارجيّة الرّوسيّ، سيرغي لافروف، كانت إيجابيّة في سياق القضيّة الإيرانيّة.

هناك، من دون شكّ، تداخل بين أزمتين من أكثر الأزمات إلحاحاً في العالم في الوقت الحاليّ، وإذا أصبحت الجهود الدّبلوماسيّة لحلّ الأزمة الأوكرانيّة معقّدة بشكل لا يرحم، فقد لا يصمد المناخ الإيجابيّ اليوم فيما يتعلّق بالمسألة الإيرانيّة غداً، أيضاً. إذا تبخّرت النّوايا الحسنة، فستشعر روسيا بالحاجة إلى استخدام إيران كهدف تصعيد حادّ مع الغرب. في هذا السّياق، تعدّ زيارة شولز القادمة إلى موسكو حاسمة.

هل يمكن للمستشار الألماني أن يحقق نصراً دبلوماسياً في موسكو بعد أسبوع من انتهاء زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للعاصمة الرّوسيّة من دون أيّ تقارب ذي مغزى؟ سيعتمد ذلك على مدى استعداد بايدن للتزحزح بشأن إيران، وكذلك على مدى استعداد بوتين للتنازل بشأن أوكرانيا.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

راغدة درغام، ذي ناشونال، 13 شباط (فبراير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/13/why-the-iran-and-ukraine-issues-cannot-be-viewed-in-isolation/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية