مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا

مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا


كاتب ومترجم فلسطيني‎
23/02/2022

تمكّنت المخابرات التركية من كشف خلية إيرانية كانت تخطط لاغتيال رجل أعمال إسرائيلي مقيم في تركيا، حيث يضع هذا الكشف تساؤلات عديدة أمام توقيت الإعلان عنه، والذي يتزامن مع الأجواء الإيجابية من التقارب التركي مع إسرائيل، وما إذا كانت تركيا على علم مسبق بالخلية، أو أنّ إيران تريد إفشال مساعي التقارب التركي مع إسرائيل.

وذكرت وسائل إعلام تركية؛ أنّ قوات الأمن التركية اعتقلت 9 أشخاص إيرانيين مشتبه في محاولتهم اغتيال رجل أعمال إسرائيلي يدعى يائير غيلر، مقيم في تركيا، وذلك ردّاً على اغتيال إسرائيل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، أواخر عام 2020.

اقرأ أيضاً: استفزازات إيران ترفع درجة التوتر مع إسرائيل: هل تندلع المواجهة؟

وتتشارك تركيا وإيران في العديد من القضايا الإقليمية والجيوسياسية، كما تجمع البلدَين مصالح في مجالات الطاقة والتجارة، ويعود ذلك لاعتماد تركيا على النفط والغاز الإيراني، في المقابل تعتمد إيران على الواردات من البضائع التركية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري مع تركيا، حتى نهاية العام الماضي، 6 مليارات دولار، كما وقّع الجانبان العديد من مذكرات التفاهم بهدف زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 30 مليار دولار.

احتواء القطيعة

ويأتي كشف تركيا للخلية الإيرانية مع الأجواء والإيجابية التي تبديها تركيا لإعادة استئناف العلاقات مع إسرائيل، والزيارة المرتقبة للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا، خلال الأيام المقبلة، والتي تهدف إلى تهيئة الأجواء واحتواء القطيعة السياسية بين الجانبين والممتدة منذ أكثر من عشرة أعوام.

صحيفة "إيديعوت أحرونوت" العبرية، قالت إنّ "كشف أنقرة عن التفاصيل الدقيقة لمحاولة الاغتيال الإيرانية لرجل الأعمال الإسرائيلي، يأتي بالتزامن الدقيق مع دوافع تركيا التي لم تعد تخفيها مؤخراً بشأن محاولاتها تجديد علاقاتها مع تل أبيب، وفي الوقت ذاته فإنّ لديها علاقات واسعة مع إيران، ومن الظاهر أنّه لا مصلحة لها في المواجهة معها، رغم ما بينهما من صراع مصالح وتنافس على مكانة القوة الإقليمية".

تركيا ستعمل على استجواب الخلية الإيرانية في العديد من القضايا ومحاكمتهم، كما أنّ فكرة عودتهم إلى إيران غير واردة في الوقت الحالي، وسيأخذ الأمر مزيداً من الوقت

وأضافت الصحيفة؛ أنّ "السلطات التركية ربما كانت على علم بنشاط الخلية، ولعلّها أخضعتها للمراقبة الميدانية المكثفة شأنها في ذلك شأن دول أخرى في الشرق الأوسط، خاصة مع وجود محاولات إيرانية عديدة في الماضي لاستهداف الإسرائيليين واليهود في الخارج، في حين جاءت مساعي أنقرة لاستغلال هذا الحدث بهذا التوقيت، للإسراع في ترميم العلاقات مع إسرائيل والدفع بها قدماً".

توقيت حرج

بدوره، قال الباحث في الشأن العربي والدولي، هاني سليمان: إنّ "كشف تركيا للخلية الإيرانية جاء في توقيت حرج تقترب فيه تركيا من طي صفحة الخلاف مع إسرائيل، فلو نجحت الخلية في تنفيذ مخطط الاغتيال لأفسد ذلك الجهود المبذولة، سواء مع إسرائيل أو محاولات التقارب مع الإمارات ومصر، خاصة أنّ تركيا محاطة بالعديد من الأزمات على المستوى الخارجي، وتحاول انتشال نفسها من الفجوة الكبيرة".

الباحث في الشأن العربي والدولي، هاني سليمان: كشف تركيا للخلية الإيرانية جاء في توقيت حرج تقترب فيه تركيا من طي صفحة الخلاف مع إسرائيل

 وأوضح سليمان، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ العلاقات التركية الإيرانية ستتأثر على خلفية الحدث الأمني، فتركيا ستردّ بشكل دبلوماسي وسياسي على ذلك، كما وستعمل على تعقب الأنشطة الإيرانية داخل أراضيها، خاصة أنّ تركيا استنتجت من الحدث أنّ إيران تريد توريطها في صراع جديد مع إسرائيل".

اقرأ أيضاً: "إخواني" في الحكومة الإسرائيلية.. أين ذهبت سنوات "المزايدات والشعارات"؟

وأشار إلى أنّ عودة العلاقات التركية مع إسرائيل يمثل خسارة كبيرة بالنسبة لإيران، التي تسعى إلى تطوير العلاقات الثنائية في شتى المجالات مع تركيا، وما تشكّله تركيا من قناة دعم اقتصادي لطهران خاصة في الأزمات، وفي حال نجحت تركيا وإسرائيل في تجاوز الخلافات، فإنّ دور إيران سيتراجع وسيكون لإسرائيل دور منافس لإيران من داخل تركيا".

إحباط التقارب

ولفت إلى أنّ "إيران منزعجة من محاولات التقارب التركي مع إسرائيل؛ لذلك خطوة عمل الخلية من داخل تركيا بالتحديد، من العلم أنّ الإسرائيليين يتواجدون في سائر مناطق العالم، هو من أجل إحباط محاولات التقارب مع إسرائيل، فإيران، التي تخوض معركة التفاوض على برنامجها النووي، تريد إرباك الجانب الإسرائيلي المحرض على أيّ اتفاق حول البرنامج النووي".

الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج لـ"حفريات": محاولات إيران تنفيذ عمليات انتقامية ضدّ شخصيات إسرائيلية، سيضرّ بالعلاقات التركية الإيرانية، كما أنّه سيعزز خطوات التقارب بين تركيا وإسرائيل

وبسؤاله عن تعامل تركيا مع أعضاء الخلية الإيرانية، أجاب سليمان: "تركيا ستعمل على استجواب الخلية في العديد من القضايا ومحاكمتهم، كما أنّ فكرة عودتهم إلى إيران غير واردة في الوقت الحالي، وسيأخذ الأمر مزيداً من الوقت ولن يكون بشكل مجاني بل مقابل ثمن سياسي".

وفي أعقاب إحباط الاستخبارات التركية محاولة اغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي، سارع إسرائيليون إلى دعوة بلادهم إلى عدم التعاطي كثيراً مع الزخم الإعلامي من قبل تركيا، والذين قالوا إنّ القبض على الخلية الإيرانية لن يدخل العلاقات بين الجانبين في أزمة حقيقية، فلدى تركيا وإيران مصالح مشتركة؛ إيران تنقل النفط والغاز إلى تركيا رغم العقوبات الأمريكية، وكلاهما له مصلحة بكبح تطلعات الأكراد الساعين للاستقلال في إقليم كردستان.

 الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج: إعلان تركيا عن العملية بهذا الشكل يحمل رسائل مزدوجة

في غضون ذلك، قال الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج: "محاولات الخلية الإيرانية تنفيذ عمليات انتقامية ضدّ شخصيات إسرائيلية، سيضرّ بالعلاقات التركية الإيرانية، إضافة إلى أنّ ذلك سيعزز خطوات التقارب بين تركيا وإسرائيل، خاصة بعد دعوة تركيا جهاز الموساد الإسرائيلي لزيارة تركيا للوقوف على طبيعة الحدث الأمني، وحماية الشخصيات والمصالح الإسرائيلية في تركيا".

إيصال رسائل

وأوضح الحاج، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ "إعلان تركيا عن العملية بهذا الشكل يحمل رسائل مزدوجة، منها: إيصال رسائل بأنّ تركيا لا تقبل بأن تكون أراضيها ساحة للعبث من قبل أجهزة الاستخبارات الخارجية لتصفية الحسابات، فسبق أن كشفت تركيا، قبل أشهر، إحباط عمليات وتوقيف متّهمين، لكن لم يأخذ ذلك صدى إعلامياً كهذا، والرسالة الأخرى إبراز تركيا حسن نواياها من خطوة التقارب مع إسرائيل".

اقرأ أيضاً: هل يؤدي الاتفاق النووي مع إيران إلى تصدع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟

وأشار إلى أنّ "كون تركيا دولة سياحية وحدودها مفتوحة للزوار من جنسيات مختلفة، أعطاها مساحة أكبر لعمل الخلايا الإقليمية والدولية، أو ما تسمى حروب الاستخبارات، فلا يمرّ عام إلا وتفكّك فيه تركيا خلايا تجسسية من مختلف بلدان العالم، وهذا بفضل القدرات العالية التي يتمتع بها جهاز الاستخبارات".

وأضاف أنّ "تركيا تبحث عن مخرج للأزمات الاقتصادية الواقعة عليها، فخطوة التقارب مع إسرائيل هي لاعتبارات اقتصادية بالمقام الأول، خاصة حول موارد الطاقة في الشرق الأوسط، فأردوغان أبدى استعداده للتعاون مع إسرائيل في مشروع خط أنابيب الغاز في شرق المتوسط، وأكد أنّ التعاون في مجال الطاقة سيكون على جدول أعمال زيارة الرئيس الإسرائيلي المرتقبة لأنقرة، وبالتأكيد هذه الخطوة ستجعل تركيا تستغني عن مصادر الطاقة الإيرانية من النفط والغاز مستقبلاً".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية