ما العلاقة بين باسم الكربلائي و"الفصائل الولائية"؟

ما العلاقة بين باسم الكربلائي و"الفصائل الولائية"؟

ما العلاقة بين باسم الكربلائي و"الفصائل الولائية"؟


25/09/2022

حسن المصطفى

"لقو دم الحشد دم كربلائي"... على وقع هذه الكلمات، كانت أكف المعزين ترتفع إلى الأعلى، لتلطم الصدور بقوة، فيما المنشدُ باسم الكربلائي، وبحماسته ومشهديته المعهودة، يواصل إلهاب مشاعر آلاف العراقيين الذين اكتظت بهم قاعة العزاء المركزي لـ"هيئة الحشد الشعبي"، إبان إحياء مراسم "عاشوراء" العام 2021.

تحت ظل سليماني!

الكربلائي لم تمنعه خلفيته الفقهية "الشيرازية" - نسبة لمدرسة المرجع الديني الراحل آية الله محمد الشيرازي - المعروف بمواقفه المناهضة والناقدة لأفكار مؤسس الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني، لم يمنعه ذلك من أن يشارك بفعالية تحت راية "الحشد الشعبي"، والذي تدين بالولاء أغلبية فصائله المسلحة لمرجعية آية الله علي خامنئي، خليفة الخميني.

بثوبه الأسود، والغترة المنسدلة على كتفيه، وقف باسم الكربلائي، وعن يمينه وشماله صورتان ضخمتان، الأولى للقائد السابق لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني" اللواء قاسم سليماني، والثانية للنائب السابق لقائد "هيئة الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، وكلاهما تم اغتيالهما في 3 كانون الثاني (يناير) 2020، إثر ضربة جوية لموكبهما بعد خروجهما من مطار بغداد.

"وحق رب العرش واسمه وكتابه، دِما الشايب تضل ثار لشبابه"، ردد بأعلى صوته المنشدُ الكربلائي، مشيراً بإصبعه لصورة أبو مهدي المهندس، مضيفاً "يضل حاضر رغم حسرة غيابه". لم يقفِ ملا باسم عند ذلك، إنما راح يذكر المعزين أن دماء المهندس لن تضيع هدراً، قائلاً: "يجي يوم والعدو يدفع حسابه، دمه غالي ويبقى غالي، اسمه عالي ويبقى عالي". وهنا تنمحي الحدود بين "الشيرازية السياسية – العقائدية" و"الخمينية السياسية"، وكأن باسم الكربلائي يمثل صورة واحدة لوجهين يحملان من الاختلافات المريرة الكثير، وإن تشاركا جزءاً من التاريخ والعلاقات الحسنة بداية، والتي توترت لاحقاً بُعيد الثورة الإيرانية!

المحمداوي والكربلائي!

المشاركة في "مراسم عزاء الحسين" تحت راية "الحشد الشعبي"، لم تكن العلاقة الوحيدة بين المنشد الديني باسم الكربلائي والجهات والشخصيات السياسية والحزبية في العراق، بل قام الكربلائي بزيارة لرئيس أركان قوات "الحشد الشعبي"، عبد العزيز المحمداوي، المشهور بـ"أبو فدك"، والذي اختير خلفاً لأبي مهدي المهندس.

المحمداوي كان الأمين العام السابق لـ"كتائب حزب الله العراق"، وهو الفصيل المتهم أحد أفراده بتنفيذ عملية اغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي، عام 2020.

مغازلة السياسيين!

باسم الكربلائي، شارك أيضاً في موسم عاشوراء 2022، في "قاعة بغداد الكبرى" للعزاء المركزي للسيد عمار الحكيم، حيث تداول الجمهورُ فيديو له أثناء دخوله القاعة وسلامه على الحكيم، والأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" الشيخ قيس الخزعلي؛ وهي المشاركة التي أثارت انتقادات واسعة بين عدد من المراقبين، متهمين الكربلائي بـ"التقرب للسياسيين العراقيين" ومحاولة التودد لهم، ما دفع رهطاً من أنصاره للدفاع عنه، في مقاطع فيديو متنوعة، منها على سبيل المثال ما نشره محمد العبودي عبر قناته في "يوتيوب"، بعنوان: لماذا وافق باسم الكربلائي على القراءة في قاعة عمار الحكيم؟

العبودي الذي يدافع عن الكربلائي، كان يجلس وخلفه صورة للقائد السابق لـ"فيلق القدس" قاسم سليماني، ما يشير إلى تأييده لما يعرف بـ"محور المقاومة"، وأنه على الأرجح لا ينتمي لـ"التيار الشيرازي" الذي يعتبر الكربلائي أحد أشهر رموزه.

دفاعُ "الولائيين"!

ردود الفعل الواسعة، والجدل الذي أثير أخيراً، إثر قصيدة رددها باسم الكربلائي اعتبرت مسيئة لصحابة الرسول محمد بن عبد الله، وصمهم فيها بـ"العصابة"، وهو النعت الطائفي والسلبي والقدحي الذي رفضه جمهور واسع من المسلمين على اختلاف مشاربهم... في هذه الأزمة المذهبية، ورغم دفاع شخصيات من "البيت الشيرازي" عن باسم الكربلائي، مثل القيادي البارز السيد هادي المدرسي"، إلا أنه كان لافتاً أن فئة وازنةً من المدافعين عن الكربلائي لم تكن من أبناء تياره، بل مما يعرف بـ"الفصائل الولائية"، وتحديداً في العراق، وهو أمر يمكن الوقوف عليه في منصات "التواصل الاجتماعي" المختلفة، حيث تم تدشين "وسم" حمل عنوان: #كلنا_باسم_الكربلائي.

قناة "الحشد الإلكتروني" عبر "تلغرام"، نشرت في 12 أيلول (سبتمبر) الجاري صورة الكربلائي، متبوعة بعبارة "كلنا باسم الكربلائي خادم الحسين عليه السلام"، كما عادت ونشرت ما نصه "المحامي الي رفع دعوة ضد تاج راسه باسم الكربلائي يحتاج الى من يرفع دعوة قضائية ضده بسبب تمجيده قاتل مجرم طائفي نجس".

"مركز خاتم الأنبياء للإعلام المقاوم"، كتب تحت وسم "#كلنا_باسم_الكربلائي"، ما نصه: "من هنا بدأت حكايتهم فلولا حبك للحشد وقياداته لما حاربوك"... والدعم ذاته لقيه الكربلائي من "كيان الكتائب" وسواها من القنوات المحسوبة على الفصائل المسلحة المعروفة بـ"الولائية"، أي تلك التي تؤمن بـ"ولاية الفقيه".

فتوى حرمة التطبير!

قبل أكثر من عشرين عاماً، أصدر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فتوى شرعية حرم فيها "التطبير"، أي ضرب الرأس بالسيف وإراقة الدم، حيث رأى خامنئي أن "التطبير مضافاً إلى أنه لا يُعد عرفاً من مظاهر الأسى والحزن، وليس له سابقة في عصر الأئمة عليهم السلام وما والاه، ولم يرد فيه تأييد من المعصوم عليه السلام بشكل خاص ولا بشكل عام، يُعد في الوقت الراهن وهناً وشيناً على المذهب فلا يجوز بحال"، معتبراً إياه "حرام، يجب على المؤمنين الاجتناب عنه".

وقتها، شعر "الشيرازيون" أن الفتوى تستهدفهم بالمقام الأول، ولذا سعوا لأن يدفعوا بأنصارهم للمشاركة في مسيرات "التطبير" بأكبر قدر ممكن وفي أكثر من بلد. وراح حينها باسم الكربلائي ينشد القصائد الداعية لـ"التطبير"، وفي إحداها وجه نقداً شديداً للخامنئي من دون أن يسميه، إضافة لقصيدة أخرى شهيرة له بعنوان "نطبر هامه بسيف وقامة"، قبل أن يعود لاحقاً وينفي أنه كان يقصد الإساءة للمرشد خامنئي، وأنه لم يكن يعنيه في نواعيه الحسينية. وهذا الموقف من الكربلائي يدلُ على براغماتية اجتماعية، يود من خلالها تقليل حنق أنصار "خط الإمام" تجاهه، والتودد لجمهور أوسع، بغية كسب تأييده ومحبته، خصوصاً أنه فقهياً وحتى فكرياً لا يزال في الضفة الأخرى المناوئة لأفكار الخامنئي.

الدعائية والنفعية!

رغم أن الكربلائي ليس من قيادات "الشيرازية الحركية السياسية"، إلا أنه يعدُ ذراعاً عقائدياً وإعلامياً، ويمكن وصفه بـ"النجم" الذي يروجُ للتيار الذي يركز على القضايا العقائدية والمسائل الخلافية بين المسلمين؛ ويجلب له الأتباع والأنصار.

ملا باسم بات في سنواته الأخيرة أكثر نفعية في سلوكه الاجتماعي، وسعى لأن يجتذب الجمهور من مختلف الشرائح والبيئات الشيعية المتنوعة، من دون أن يحصر ذاته في البيت الشيرازي وحسب، محققاً بذلك مجداً شخصياً له، ومراكماً رأس مال رمزياً لتياره!

من هنا، يمكن فهم السبب الذي يدفع باسم الكربلائي لإحياء "عاشوراء" تحت راية "الحشد الشعبي"، وفي السنة التالية في مجلس "عمار الحكيم"، وبقية العام يجوب دولاً وعواصم خليجية وأوروبية، ويركز على الحضور الفاعل في العراق بمختلف مدنه.

العراق بالنسبة إلى الكربلائي هو الخزان، والأرض الأكثر ملاءمة لطرح مقولاته، والعاطفة الجياشة التي تتقبل الكثير من السرديات الغيبية لدى بيئات تمتاز بالبساطة و"تقديس الشعائر"، وعدم إثارة السؤال وإعمال العقل تجاهها، بعد سنوات من المعاناة إبان حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتحت وطأة خطاب ديني تسطيحي في الوقت الحالي، يروج له عدد من خطباء المنابر الحسينية، أُساسه "الكرامات" غير المثبته والمنامات والقصص الشعبوية التي تثير الاستهجان، والتي تقدم وكأنها خوارق للطبيعة ودليل على صدق القول والمعتقد، فيما هي عكس ذلك تماماً.

من المستفيد؟

علاقات باسم الكربلائي الحسنة مع عدد من "الفصائل الولائية" في العراق، ستسهل عليه التحرك بأريحية ومن دون خوف وقلق، وستفتح له المجال لأن يُنشد في أماكن تحت وصايتهم، ويستهدف جمهورهم، وهم سيوفرون له الحماية، ويدافعون عنه، وهو ما حصل خلال الأسابيع الماضية.

من جهة أخرى، تسعى "الفصائل الولائية" للاستفادة من "شعبية" باسم الكربلائي، واستغلال نجوميته في جذب المزيد من الشباب، وإظهار نفسها بوصفها حاضنة لمختلف "الشيعة" بغض النظر عن مرجعياتهم الفقهية، وأنها المحامية عنهم بالسلاح والشعائر، وبالتالي، حضور الكربلائي هنا، حضور جاذب لفئات شبابية جديدة، وتسويق "شعائري - حسيني" لخطاب سياسي – عسكري!

هي علاقة تبادلية – منفعية بين "النجم" و"الفصائل" من دون أن ينصهر أحدهما في الآخر، ومن دون أن يُشيران لمواضع الاختلاف، مكتفيان بإظهار المشتركات ودعم كل طرفٍ منهما للآخر، فضلاً عن اختيارهما لعدو مشترك، صوبا تجاهه السهام!

مملكة باسم!

يمتلك باسم الكربلائي صفات "النجم". وفي تقرير سابق، أعددتُه لصحيفة "الحياة" اللندنية، عام 2005، بعنوان "المنشدون الدينيون سوبر ستار المتدينين"، أشرتُ فيه إلى الترويج الذكي الذي يقوم به الكربلائي لشخصه، عبر "أغلفة الكاسيتات" والصور الوسيمة التي يضعها على "الأشرطة" التي تباع في الأسواق، والملصقات الدينية التي كان هو أحد أول روادها.

اليوم، باسم الكربلائي يمتلك "مملكة" واسعة في "وسائل التواصل الاجتماعي"، بحضور فاعل عبر منصات: "يوتيوب، فايسبوك، إنستغرام، وتويتر".

أكثر من 3 مليارات مشاهدة، لقناة الكربلائي في "يوتيوب"، والتي دُشنت في 7 آب (أغسطس) 2013، وبلغ عدد المشتركين فيها 9.78 ملايين مشترك، يضاف لها 3 ملايين مشترك في "فايسبوك"، و1.1 مليون متابع في "تويتر"، و1.7 مليون متابع بمنصة "إنستغرام"، حتى الساعة، والأرقام مرشحة للازدياد.

هذه الأرقام الكبيرة هي للمنصات الرسمية التابعة لباسم الكربلائي، فضلاً عن مئات الفيديوات والصور واللقاءات المنشورة عبر قنوات ليست تابعة له، ما يعني أن الكربلائي هو اليوم أحد أبرز المؤثرين في الأوساط الشعبية الشيعية، ولذا فإن أي جهة تسعى لكسب وده، وهو أيضاً يعمل على الاستفادة منها بالطريقة التي تزيد عدد معجبيه.

سادنُ الشيرازية!

"ينتمي الكربلائي إلى جماعة الشّيرازيَّة، التي ليست مهمتها غير تحطيم السلم الاجتماعيّ، وقيادة شباب الشِّيعة، بتوظيف الحُسين، إلى الخرافة واللهو بعقولهم". يقول د. رشيد الخيون، في مقالٍ له بصحيفة "الاتحاد" الإماراتية، في 21 أيلول (سبتمبر) الجاري، بعنوان "باسم الكربلائي الشّيرازيّ.. الرِّزق الكريه"، وهو الانتماء العقدي – الفقهي، الذي يجعل ملا باسم بما يمتلك من "نجومية" أكثر تأثيراً وخطورة في آن واحد، كونه لا يستخدم هذه "الشعبية" الواسعة في تعميم ثقافة مدنية معتدلة أو أفكاراً تنويرية، بل يسخرُ إمكاناته للترويج لنسخة "أكثر مذهبية" للتشيع، غارقة في الطقوسية، والتضاد مع الآخر، والإعلاء المَرَضِي من شأن الذات، ما يصيره خطاباً انفصالياً لا تواصلياً.

هذا الخطاب "الانفصالي" نفسياً وفكرياً، لدى التيار الشيرازي، ظهر في صورته الأكثر "كراهية" في محاضرات مجتبى الشيرازي وياسر الحبيب، وإن كانت بينهما وبين باسم الكربلائي فروقات، إلا أنهم جميعهم يقودون إلى نتيجة واحدة: الغلو المذهبي والتقديس اللآعقلاني وترسيخ العزلة الطائفية، وهو السلوك الذي وقف ضده العديد من مثقفي وعلماء المسلمين الشيعة، ودفع ببعض الأصوات لأن تعلن رفضها له وتخرج من عباءة البيت الشيرازي نفسه.

هذا المنهج المغالي في عقائديته والذي يشكل "خطراً على الفكر الشيعي"، بنظر العديد من النقاد، زاد من تعقيده انقسام الشيرازية إلى خطين متوازيين: عقائدي يمثله المرجع الديني آية الله صادق الشيرازي، وحركي يقوده السيد محمد تقي المدرسي. وهما نهجان بينهما اتصال وانفصال، تخادم وتنافس، تباينات وتقاطعات، ويبقى "باسم الكربلائي" أحد نقاط الاتفاق بين النهجين الشيرازي والمدرسي، كونه شخصية راسخة الولاء للمدرسة الأم، وخادم أمين لها، وأحد المروجين الأشداء لسرديتها المنغلقة والماضوية. سردية آن الأوان لكي تنتقد وتفكك مقولاتها، من دون الخشية من سطوتها التي تحاول من خلالها أن تحتكر الرأي العام، وكأنها الممثلة الوحيدة لـ"التشيع" النقي، وهو الادعاء الزائف الذي لا يصمد أمام الدليل والعقل!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية