لعلّ الركائز الأساسية للموقف الأردني من الموضوع السوري باتت واضحة، وعلى وجه الخصوص بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قبل أسبوع إلى الأردن، وبعد الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية الأردن وروسيا أمس.
اقرأ أيضاً: الأكراد في سوريا.. ورقة ضغط بيد تركيا وساحة لتصفية الحسابات
فلقد بحث وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، التطورات في الجهود المستهدفة إنهاء الأزمة السورية؛ عبر حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254 يحفظ وحدة سوريا وتماسكها ويقبله السوريون.
وشدد الوزيران خلال الاتصال الهاتفي على ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولي لتفعيل العملية السياسية وإطلاق عمل اللجنة الدستورية خطوة رئيسة في هذه العملية، وبحثا الجهود الهادفة إلى تحقيق ذلك.
محددات وأسس
ويمكن لنا لدى التمعن في مراجعة التصريحات الأردنية التي صاحبت المباحثات مع وزيري خارجيتي الولايات المتحدة وروسيا أن نخلص إلى أنّ الموقف الأردني يرتكز على جملة من المحددات والأسس في موقفه من التطورات في الملف السوري، ولعلّ أبرزها:
أولاً، الأردن معنيٌّ بالتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، على أساس القرار 2254، حلٍّ يحفظ وحدة سوريا واستقلاليتها، ويقبله السوريون، ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها، ويؤدي إلى مغادرة جميع القوات الأجنبية منها، ويتيح عودة اللاجئين.
تركّز عمّان على أهمية تفعيل الدور العربي في جهود إنهاء الأزمة السورية، ويُعدّ ذلك أولوية للتوصل لحل سياسي يعيد لسوريا استقرارها
ثانياً، سيبقى الجانبان؛ الأمريكي والأردني، على تواصل كامل، وبشكل معمّق، حول التنسيق المستقبلي في ضوء قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا. وسيستمران، بشكل ثنائي وعبر أُطر جماعية، بالتشاور حول كيفية إحراز تقدم نحو حل سياسي يقود إلى تأمين الاستقرار والبدء بجهود إعادة الإعمار. وفي ضوء قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، فإنّ الأردن معنيٌّ بمستقبل منطقة التنف، بهدف ضمان ترتيبات تحقق أمن الحدود الأردنية.
اقرأ أيضاً: الانسحاب من سوريا.. أردوغان بين الفيل الأمريكي والدبّ الروسي
ثالثاً، إنّ الأردن معنيٌّ في شكل كبير بمعالجة قضية تجمع مخيم الركبان للاجئين السوريين. وموقف عمّان هو أنّ حل هذه القضية يكمن في عودة قاطني الركبان إلى المناطق التي جاؤوا منها في وطنهم السوري. ويرى الأردن أنّ التوصل إلى حل للمسألة السورية، وخاصة مسألة الحدود مع الأردن وقضية اللاجئين إنما يتطلب حواراً أردنياً-أمريكياً-روسياً لتحقيق هذه الأهداف، التي تتطلب دعم جهود المبعوث الأممي الجديد لسوريا، غير بيدرسون، الذي يزور دمشق حالياً، والتطلع للتعاون معه للتوصل لحل سياسي للأزمة بأسرع وقت ممكن.
ويعاني مخيم الركبان؛ حيث يعيش نحو 50 ألف نازح، ظروفاً إنسانية صعبة، خصوصاً منذ العام 2016 بعدما أغلق الأردن حدوده مع سوريا معلناً المنطقة "منطقة عسكرية". وتحتاج المساعدات الإنسانية أحياناً شهوراً طويلة للدخول إلى المخيم. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، دخلت دفعة أولى من المساعدات الإنسانية للمرة الأولى إلى المخيم بعد انقطاع طال عشرة أشهر، كما أوردت "وكالة الأنباء الفرنسية".
اقرأ أيضاً: انسحاب أمريكا من سوريا: لمن تترك الساحة يا ترامب؟
رابعاً، تركّز عمّان، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، على "أهمية تفعيل الدور العربي في جهود إنهاء الأزمة السورية"، وترى أنّ ذلك يُعَدُّ أولوية "للتوصل لحل سياسي يعيد لسوريا استقرارها ودورها الرئيس في استقرار المنطقة ومنظومة العمل العربي المشترك، ويوجد الظروف الكفيلة بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم"، وخصوصاً المقيمين في الأردن ولبنان.
تثبيت الاستقرار في الجنوب السوري
خامساً، تُشدد الدبلوماسية الأردنية على أهمية التنسيق المشترك مع روسيا وأمريكا في جهود حل الأزمة السورية وتثبيت الاستقرار في الجنوب السوري. ويرى الأردن أنّ الدور الروسي محوري للغاية في دعم العملية السياسية لحل الأزمة السورية، وفي المقابل فإنّ موسكو تعوّل على التعاون مع المملكة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
اقرأ أيضاً: هل تنسحب فرنسا من سوريا أيضاً؟
سادساً، يراهن الأردن على أن يكون فتح معبر نصيب-جابر مدخلاً واسعاً لتنشيط الاقتصاد الأردني والاقتصاد السوري، عبر عودة التجارة والتبادلات التجارية، وبما يخدم اقتصادات المنطقة عموماً.
وقبل اندلاع الحرب في سوريا في 2011، كان المعبر، وفق وكالة "رويترز" للأنباء، بمنزلة مسار مرور رئيسي لمئات من الشاحنات والتي تنقل يومياً سلعاً بين تركيا والخليج في تجارة سنوية قيمتها مليارات عدة من الدولارات، يستفيد منها لبنان كذلك.
مرتفعات الجولان وهزيمة الإرهاب
سابعاً، ما يزال الأردن يؤكد أنّ مرتفعات الجولان أراضٍ سورية محتلة، ويجب على إسرائيل الانسحاب منها، وترى عمّان أنّ أيّ حل لها يفترض أن يكون ضمن نطاق حل شامل.
اقرأ أيضاً: بقايا "داعش" في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة
ثامناً، ما تؤكده الدبلوماسية الأردنية على الدوام هو أنّ هزيمة "داعش" الكاملة هو هدف مشترك للأردن وأمريكا وروسيا. وترى عمّان أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة حقق إنجازات كبيرة في دحر هذا الشر، وأنّ الأردن والولايات المتحدة وقفا، كشركاء، جنباً إلى جنب في محاربة الإرهاب على المستويين العسكري والأمني، وأنّ المملكة حريصة على تقوية وتعزيز هذه الشراكة.
اقرأ أيضاً: هل تستأنف الإمارات الرحلات الجوية إلى سوريا؟
تاسعاً، على المستوى الفكري، فإنّ مقاربة الأردن وإستراتيجيته تجاه موضوع الإرهاب تستند إلى الحاجة لنهج شمولي لهزيمة الإرهاب وظلاميته التي لا تنتمي إلى القيم الإنسانية المشتركة، وتؤكد عمّان أنه لا علاقة لإرهاب "داعش" أو "القاعدة" وغيرهما بالدين الإسلامي الحنيف، وقيم السلام واحترام الآخر.
مخططات إيران
عاشراً، لقد أوضح الأردن، على لسان وزير خارجيته، أيمن الصفدي، لدى لقائه نظيره الأمريكي، مايك بومبيو، في مستهل جولة الأخير الإقليمية إلى المنطقة قبل أسبوع، أنّ لدى الأردن "مشكلة مع مخططات إيران التوسعية، ونريد التزام الجميع بالالتزامات الدولية، ومخالفتها يعني وجود مشكلة مع سياساتهم"، وأشار إلى أنّ جميع الدول العربية وأمريكا تريد علاقات "صحية" مع طهران مبنيّة على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام سيادتها.