ما أسباب بقاء تنظيم داعش حتى الآن؟

ما أسباب بقاء تنظيم داعش حتى الآن؟


08/07/2018

هل انتهى تنظيم داعش؟ تردّد هذا السؤال في دوائر البحث وعبر مواقع السوشيال ميديا مؤخراً، بعد انتهاء سيطرة تنظيم داعش المكانية على مناطق شاسعة في سوريا والعراق، وانتهاء "دولة الخلافة" المزعومة التي أعلنها من حاضرة سوريا الرقة، التي جعلها عاصمة لخلافته، فضلاً عن تراجع نفوذه وسيطرته في بعض الدول العربية، فيما يسميه التنظيم "الولايات الخارجية".

إنّنا في المواجهة مع جماعات التطرف والإرهاب لا نواجه الإرهاب بل نواجه بعض الأعمال المسلحة لتلك التنظيمات

نجح الجيش الوطني الليبي في تحرير سرت، ثم درنة، فضلاً عن مناطق المثلث النفطي في رأس لانوف والبريقة، التي مثّلت مناطق نفوذ وتمدد وحركة للتنظيم، كما نجحت قوات الجيش المصري في تطويق عناصر التنظيم في سيناء، وإجهاض تحركاتهم، وشلّ قدرتهم على تنفيذ مزيد من الهجمات.

اقرأ أيضاً: هل انتهى إرهاب تنظيم داعش؟

انحسرت أيضاً عمليات التنظيم التي ينفذها عناصر موالون للتنظيم، سواء في شكل خلايا صغيرة، أو ذئاب منفردة على امتداد رقعة واسعة من العالم، سواء في أوروبا أو آسيا، ولم نعد نسمع سوى عن عمليات متفرقة على مدى زمني واسع.

هل يعني ذلك انتهاء التنظيم؟ أو إعادة ما ردّده الباحث الفرنسي، أوليفيه دو رو، سابقاً عن انتهاء الإسلام السياسي حتى قبل ظهور تنظيم داعش.

أعتقد أنّه من المبكر جداً الحديث عن انتهاء تنظيم داعش لعدد من الأسباب؛

اقرأ أيضاً: درنة: آخر معاقل التنظيمات المسلحة في شرق ليبيا

أهمها أنّنا في المواجهة مع جماعات التطرف والإرهاب لا نواجه الإرهاب، بل نواجه بعض الأعمال المسلحة لتلك التنظيمات، ومن المعلوم أنّ المواجهة تعني الاشتباك مع مستويات متعددة منها؛ مستوى الأفكار التي أنتجت داعش، والسياقات السياسية التي جعلت من الممكن لتنظيم صغير أن يصعد هذا الصعود، وهو الذي نشأ العام 2003، ليعزف على وتر مقاومة القوات الأمريكية، وينجح في التشبيك مع قوات مقاومة شعبية حقيقية، ويبهرها بعمليات ضدّ الأمريكيين، ما ساهم عبر ثلاثة أعوام فقطـ، في تعبيد طريقه نحو عقول وقلوب شرائح داخل المجتمع العراقي.

ما سمح بتمدّد التنظيم وتجذره في الساحة العراقية مع العام 2006، عندما خرج أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم المنتمي إلى تنظيم القاعدة، معلناً تشكيل مجلس شورى المجاهدين بزعامة عبد الله رشيد البغدادي، لم ينتبه أحد لطبيعة الخطر.

اقرأ أيضاً: فك شفرة "المهاجر" (1).. الإرهابي أبو أيوب المصري

قتل الزرقاوي فور إعلانه تشكيل هذا المجلس، واختار هذا المجلس، الذي كان يعني وجود تنظيم قوي ومتماسك، المصري أبو حمزة المهاجر زعيماً جديداً للتنظيم، وقد نجح في دمج كلّ المجموعات المسلحة تحت عنوان ديني في حلف المطيبين، الذي تطور لاحقاً ليعلن قيام دولة العراق الإسلامية.

بعد نجاح التنظيم في إقناع العديد من الشرائح العراقية السنيّة، بأنّ مستقبلهم مع هذا التنظيم معادل لمساعي إيران الطائفية في التمكين للمكوّن الشيعيّ في العراق.

اقرأ أيضاً: هل يعود داعش إلى العراق عبر "الشبكة المظلمة"؟

بعد نجاح القوات العراقية في قتل زعيمي التنظيم، أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، في منطقة الثرثار، عبر عملية نوعية، في 19 نيسان (أبريل) العام 2010، وبعد مرور عشرة أيام فقط، انعقد مجلس شورى التنظيم ليختار أبو بكر البغدادي، خليفة لأبي عمر البغدادي.

قدّم البغدادي أوراق اعتماده خليفة لدولة الإسلام المزعومة، عبر قيادة أكثر من 100 هجوم انتحاري، انتقاماً لقتل أسامة بن لادن، وضمن إستراتيجية الصدمة والرعب التي جسدت المشهد الافتتاحي للسيطرة على الساحة العراقية، مستغلاً أيضاً بعدها انهيار الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا، وبالتعاون مع فرع القاعدة تنظيم جبهة النصرة، أعلن الاثنان معاً تشكيل الدولة الإسلامية في الشام والعراق، التي تطورت لاحقاً لإعلان دولة الخلافة، في حزيران (يونيو) العام 2014، وبدا أنّ التنظيم باق ويتمدد مع انهيار وضرب بنية الدولة في سوريا والعراق، مع أطماع إقليمية ودولية، جعلت ذلك ممكناً.

قدّم البغدادي أوراق اعتماده خليفة لدولة الإسلام المزعومة عبر قيادة أكثر من 100 هجوم انتحاري

وعندما (راحت السكرة وجاءت الفكرة)، أدرك الجميع أنّ تتار العصر لن يتركوا حجراً على حجر، فبدا توافق على أولوية قتال التنظيم فتشكل التحالف الدولي في العام نفسه، مؤكداً أنّ مدى المعركة مع التنظيم قد يطول، وانطلقت معارك ضارية بين الطرفين، كان التحالف الدولي فيها مع القوات العراقية ينجح في تحرير مناطق، ثم ما يلبث التنظيم أن يستعيدها بعد انسحابات تكتيكية إلى الصحراء التي تدربت عناصر التنظيم على خوض معارك طويلة فيها.

اقرأ أيضاً: إرهابيون بمواهب غير عادية وشهادات علمية عليا

في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي؛ أعلن رئيس الوزراء العراقي نهاية تنظيم داعش، وعبر ستة أشهر، لم تتوقف عمليات التنظيم الانتحارية، أو يتوقف تسلل بعض عناصره إلى الداخل العراقي، إلى حدّ تدبير عمليات داخل العاصمة بغداد.

مؤخراً، أقدم التنظيم على عملية نصب كمين لعناصر مدنية في منطقة تل الشرف، وقتل مختار قرية قريبة من طريق كركوك بغداد السياحي، ما كشف أنّ حوض جبال حمرين، تلك المنطقة التي تمثل نقطة التقاء ثلاث محافظات (كركوك وديالى وصلاح الدين)، قد تمثل منطقة عمليات التنظيم أو غرفة العمليات التي سيدير من خلالها عمليات الإنهاك، التي ستتطور وتيرتها مع تطور العملية السياسية، المتعثرة أصلاً، في العراق.

تأمل معي ما تقوله مؤشرات تلك العملية السياسية، مع نسبة تصويت لم تتجاوز 44.5%، ما يعكس إحجام أكثر من نصف المجتمع العراقي عن المشاركة السياسية، خصوصاً مع ما يقوله بعض كبار السياسيين، منها تصريح إياد علاوى، نائب رئيس الجمهورية عن الانتخابات الأخيرة؛ حيث يصفها بأنها "مهزلة كبرى وجريمة لا يمكن السكوت عليها".

سيعيد التنظيم التموضع عبر شوكة النكاية والإنهاك، التي تعني مزيداً من الهجمات الانتحارية المبتكرة

ربما يبدو هذا الشريط الزمني كاشفاً عن قدرة التنظيم على التكيف مع التطورات والتموضع المناسب بحسب ما تسمح الظروف.

وإذا علمنا أنّ هناك معادلة حاكمة لسلوك التنظيم من ثلاث مراحل، تبدأ بشوكة النكاية والإنهاك، مروراً بإدارة التوحش، وصولاً إلى شوكة التمكين، المرحلة الأخيرة التي وصل إلى محطتها التنظيم، عندما أعلن دولته العام 2014، ندرك أنّ التنظيم تحسّب للانتقال إلى تلك المرحلة، قبل أكثر من عامين، عندما أعلن متحدث التنظيم، أبو محمد الجولاني، أنّ خسارة الأرض لا تعني نهاية التنظيم والحلم.

لذا؛ سيعيد التنظيم التموضع عبر شوكة النكاية والإنهاك، التي تعني مزيداً من الهجمات الانتحارية المبتكرة، وقد دشّن التنظيم التنظيم عملية نفذها نجل أبي بكر البغدادي الأكبر (حذيفة)؛ الذي لم يتجاوز الـ 13 عاماً، كي يشجع قادة التنظيم على الاقتداء به في هذا المسعى، الذي قد يمثل أولوية لدى التنظيم في المرحلة القادمة.

لن ينتهي داعش، ومن على شاكلته، قبل أن تتبلور إستراتيجية شاملة لا تتجاهل الإصلاح المؤسسي والديني لبنية الدولة

ما سيترافق، في تقديري، ربما مع إعادة ترميم شبكاته الخارجية، وتوجيه ذئابه المنفردة لتنفيذ مزيد من العمليات لتبقى شعلة التجنيد متقدة.

التنظيم، حلقة تأتي بعد الأفكار التي لم نحرر سطراً واحداً في مواجهتها، والمشروع مشروع الحكم الرشيد والدولة العادلة، الذي تتخفى وراء تحقيقه كلّ مجموعات التطرف كداعش وغيرها.

لن ينتهي داعش، ومن على شاكلته، قبل أن تتبلور إستراتيجية شاملة لا تتجاهل الإصلاح المؤسسي والديني لبنية الدولة، ولياقة مؤسساتها في عالمنا العربي والإسلامي، وهو الشرط الغائب في المعادلة حتى الآن.

اقرأ أيضاً: الذئاب المنفردة: هل هي إستراتيجية أم تكتيك؟

الصفحة الرئيسية