ليبيا تشكل حالة طوارئ للاتحاد الأوروبي فهل نشهد "برلين 2"؟

ليبيا تشكل حالة طوارئ للاتحاد الأوروبي فهل نشهد "برلين 2"؟


25/07/2020

شهد الأسبوع الجاري تطورات ملفتة في الموقف الأوروبي من الأزمة الليبية. ففيما يبدو جهوداً ألمانية مكثفة لإحياء العملية السياسية التي تواجه تعثراً غير مسبوق في البلد الشمال أفريقي الذي تفصله قرابة 300 كم من المياه عن أوروبا، استطاعت برلين توحيد الفرقاء الأوروبيين بشأن ليبيا، وخرجت فرنسا وإيطاليا بقيادة ألمانية للتأكيد على الرفض الأوروبي للتدخل الخارجي المتزايد في ليبيا ودعوة "الأطراف في ليبيا، وكذلك داعميهم الأجانب، إلى وقف فوري للمعارك

دعوة الدول الأوروبية الثلاث، التي جاءت على هامش مباحثات أوروبية في بروكسل بشأن خطة الانعاش الاقتصادي، في 18 يوليو (تموز) الجاري، بلغت التلويح بفرض عقوبات على القوى الأجنبية التي تنتهك حظر إيصال السلاح إلى ليبيا، وفق البيان المشترك الصادر عن قادة الدول الأوروبية الثلاث. توحيد الصف الأوروبي بشأن الأزمة الليبية يعد تطوراً مهماً في تكثيف الضغط على أطراف النزاع الداخلي، لاسيما أن الأشهر الماضية شهدت انقساماً مشتتاً لكل من دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن الأزمة

انقسام أوروبي


على مدى السنوات القليلة الماضية، فشلت الجهود الدبلوماسية الدولية في وقف القتال بين ميليشيات حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج في طرابلس، والجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر في شرق البلاد. ومن جانب تدعم تركيا حليفها في طرابلس وقد أمدته على مدار الأشهر الماضية بالميليشيات المسلحة التي نقلتها من سوريا ووفرت لها العتاد العسكري، فيما تدعم روسيا قائد الجيش الوطني الليبي وتوفر له العناصر المسلحة من شركة فاجنر الروسية للأمن، كما يحظى الأخير أيضاً بدعم دول الخليج، ومصر التي تتلامس حدودها الغربية مع ليبيا على امتداد 1000 كم حيث يشكل الأمر لها قضية أمن قومي.

وعلى الصعيد الأوروبي تنحاز إيطاليا إلى حكومة طرابلس حيث ترتبط بمصالح نفطية واسعة في الغرب الليبي، فيما تنحاز فرنسا إلى حفتر بالنظر إلى أمرين حيث المصالح النفطية لشركة توتال الفرنسية وبسبب القلق الواسع من انتشار المتطرفين، الذين تجري تركيا عملية نقلهم من سوريا، مما يغذي الخلايا الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء ويهدد مصالح باريس في أفريقيا. وأمتد ذلك الشقاق إلى حلف الناتو الذي يقف مفككاً أمام المشهد الحالي مع انقسام أعضائه بشأن الوضع في البلاد، وتجاوزات تركيا بحق اليونان والمناوشات بين البلدين فوق بحر إيجة، وهو التوتر الذي أصبحت ليبيا سبباً رئيساً فيه

وفي حديث إلى "اندبندنت عربية"، أشار سيموند سكوفيلد، الزميل الرفيع لدى مركز الأمن الإنساني، مركز بحثي مقره لندن، إن هناك مجموعة معقّدة ومتعددة الطبقات من المصالح الوطنية في ما يتعلق بالبلد العربي، حال دون ترابط رد الفعل الأوروبي على الأزمة في ليبيا. فإيطاليا تعتبر ليبيا ساحتها الخلفية، كمستعمرة سابقة، وأولويتها رؤية حكومة مستقرة وضوابط أكبر على تدفقات الهجرة عبر البحر المتوسط إلى شواطئها. وترى أن حكومة الوفاق الوطني هي أفضل التوقعات، وقد تصادمت مع فرنسا بشأن هذه القضية

ويضيف أن اليونان قلقة بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية "غير القانوني" الذي وقعته تركيا وحكومة الوفاق، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، باعتباره ينتهك المياه الإقليمية اليونانية والموارد الطبيعية التي تحتوي عليها. وفرنسا، من جانب تعارض بشكل "غريزي" الإسلاميين، ومن جانب آخر تحاول إعادة تأكيد موقفها كحارس عسكري لأوروبا القارية، وهي تدعم اليونان في معارضة ما تراه "مسعى تركيا التجاري العثماني الجديد"

تهديدات تلاحق أوروبا

وتحدث مارك بيريني، الباحث الزائر لدى مركز كارنيجي أوروبا، عن الأخطار المحدقة بالقارة العجوز بل والولايات المتحدة ودول المنطقة جراء الصراع في ليبيا. ففي أثناء حكم العقيد معمر القذافي، كانت شبكات الاتجار بالبشر المجهزة تجهيزاً جيداً توجه المهاجرين غير النظاميين من غرب ووسط أفريقيا إلى الساحل الغربي الليبي، ثم إلى إيطاليا. ويقول إن القذافي استخدم هذه الشبكات للضغط على إيطاليا والاتحاد الأوروبي. لم يتوقف الاتّجار على الإطلاق خلال الحرب الأهلية الليبية، التي بدأت عام 2011، ويمكن أن يزداد بشكل كبير في أي وقت، اعتماداً على السيطرة السياسية التي تُمارس على العصابات.

كما أن نقل تركيا، في الأشهر القليلة الماضية، آلافاً من الإرهابيين من محافظة إدلب السورية إلى ليبيا لاستخدامهم كمقاتلين بالوكالة يشكل تهديداً خطيراً. فحتى لو تم إرساء السلام في المستقبل في ليبيا، يمكن أن يصبح هؤلاء المقاتلون ناقلًا للنشاط الإرهابي ضد أوروبا أو الجزائر أو مصر أو تونس أو دول الساحل. وفي جميع الحالات، ستكون المصالح الأمنية الأوروبية والأميركية في خطر، بحسب الباحث الأوروبي

وفضلاً عن التهديدات السابقة، فإن الاستخدام الدائم للقواعد الجوية والبحرية في ليبيا من قبل كل من روسيا وتركيا سيغير قواعد اللعبة الرئيسية لأمن أوروبا الغربية وسيكون له آثار في الناتو والولايات المتحدة أيضاً. فقاعدة الوطية وميناء مصراتة وسرت - التي تضم ميناء وأكبر قاعدة جوية في ليبيا تقع في منتصف الطريق تقريباً بين سوريا وجبل طارق وعلى مسافة 600-700 كيلومتر فقط جنوب قاعدة سيغونيلا الإيطالية في صقلية، التي تستضيف العديد من الأنشطة الأميركية المتعلقة بجنوب شرقي أوروبا والبحر المتوسط

وفي حين يرى الكثير من المعلقين الدوليين أن الاتحاد الأوروبي وقف مهمشاً وعاجزاً حيال الأزمة الليبية مثلما كان حيال الأزمة في سوريا، فإن برلين التي تلعب دوراً محايداً في أزمة الدولة الشمال أفريقية، تكثف جهودها الدبلوماسية منذ مطلع العام الجاري، حيث استضافت في 19 يناير (كانون الأول) 2020، قمة برلين وهي عملية دبلوماسية استمرت أربعة أشهر وشارك فيها رؤساء دول وممثلون رفيعو المستوى من الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، فضلاً عن ممثلين من منظمات دولية وإقليمية.

برلين 2

على الرغم من عدم التزام أطراف الصراع الليبي الداخلي بمسار برلين الذين ينص على العودة إلى العملية السياسية ووقف إطلاق النار وإنهاء كل التحركات العسكرية من قبل أطراف النزاع أو تلك الداعمة لها بشكل مباشر، لكن يبدو، أن ألمانيا التي تتولى حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي ورئاسة مجلس الأمن خلال يوليو الجاري، أنها عازمة على المضي نحو تحقيق تقدم على الصعيد الدبلوماسي في الأزمة، بما يفتح الآفاق نحو استضافة قمة ثانية تمثل امتداداً لقمة برلين الأولى، فلم تغفل نقاش أنشطة تركيا في ليبيا خلال الاجتماع الخاص لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 13 من الشهر الجاري.

وأظهرت برلين موقفاً حازماً من الممارسات التركية العدائية في البحر المتوسط والتي ترتبط أيضا بالأزمة الليبية، فخلال زيارة لأثينا، الثلاثاء من هذا الأسبوع، دعا وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أنقرة إلى التوقف عن "الاستفزازات" في إشارة إلى التنقيب التركي، غير المشروع، عن الغاز في شرق المتوسط. وأعرب الاتحاد الأوروبي عن عدم رضاه عن التنقيب التركي "غير القانوني" عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص بالإضافة إلى تحركات أنقرة لدعم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا والاتهامات الموجهة إلى حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بتقويض الحريات والديموقراطية في تركيا.

ويقول بيريني إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إطلاق حملة دبلوماسية على مدار الصيف للتشاور مع أصحاب المصلحة الليبيين والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى مصر وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات بشأن الوضع الأمني في ليبيا. وفي هذا الإطار يحتاج الأوروبيون إلى الإعداد لمؤتمر برلين الثاني لتبدأ المناقشات من حيث توقف مؤتمر برلين الأول في يناير (كانون الثاني) الماضي، بما في ذلك اجتماعاته الفرعية.

ويضيف أن القيادة المؤسسية الثلاثية للاتحاد الأوروبي - رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، والممثل السامي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن جوزيب بوريل- ينبغي أن يأتوا جميعاً في قلب هذه العملية، كوسيلة لضمان أن يتم اتخاذ مصالح الاتحاد الأوروبي في الاعتبار بالكامل وأن يتم استخدام مجموعة أدوات الاتحاد الأوروبي بطريقة شاملة - بما في ذلك الأدوات العسكرية والاقتصادية والتجارية والمالية؛ ومساعدة اللاجئين وحماية الحدود والعقوبات والربط مع قضايا أخرى في شرق البحر المتوسط.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية