ما الحاجة لاستعادة روح "حلف الفضول"؟

الإمارات

ما الحاجة لاستعادة روح "حلف الفضول"؟


09/12/2018

لعلّ إحدى أهم ميزات "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" أنه يُقدِّم مبادرات للإصلاح والتجديد الديني من داخل الإسلام، ويُحيي كثيراً مما توارى من تراثٍ بنّاء يحثُّ على سكينة العيش، وتقبُّل الاختلاف، وهذا ما تجلّى بوضوح في الملتقى السنوي الخامس، الذي عقده المنتدى واختتم أعماله أول من أمس في أبوظبي؛ حيث سعى مع شركائه من حكماء الأديان وعقلاء العالم إلى استعادة روح "حلف الفضول" التاريخي، وإحياء قيمه الإنسانية العظيمة.

اقرأ أيضاً: التجديد الديني ... بين الضرورة والاستعصاء

ولعل المنطقة العربية، على وجه الخصوص، في أمسّ الحاجة إلى تأسيس مجتمعات ترتكز على السِلم والاستقرار والتعايش، بعدما أنهكتها الخلافات والحروب والانقسامات، وأطاحت نزعات العنف السكينةَ في الدين، وقوّضتْ الدولةَ الوطنية الجامعة، وشوّهتْ علاقةَ شعوبنا بالعالم وأضرّتْ بنظرة هذا الأخير إلينا، كما يقول الدكتور رضوان السيّد.

التيمّن بحلف الفضول بقيمه الإنسانية المشتركة الأخلاق

وقد جاء في البيان الختامي للملتقى الخامس، الذي ألقاه رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الإمارات والأمين العام لـ"منتدى تعزيز السلم"، الدكتور محمد مطر الكعبي: انطلاقاً من قول الله عز وجل "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، وتيمّناً بحلف الفضول الذي شهده نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام، قبل بعثته، وأثنى عليه بعدها، وأبدى استعداده للمشاركة في مثله- مع أنّ رواده لم يكونوا مسلمين- (تأتي الدعوة لإحياء روح هذا الحلف العظيم)؛ لكونه حلفاً قائماً على مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية المشتركة؛ بغض النظر عن أي معتقد ديني أو انتماء قبلي.

بن بيه: إنّ عصرنا الحالي بحاجة لحلف فضول جديد يضع السِّلم بمقدمة أهدافه

وتابع البيان: "بيّن علماء الشريعة في هذا الملتقى مشروعية الأحلاف والمعاهدات في الإسلام، وإلزاميتها ومقاصدها والحاجة الماسة إلى ترسيخها وحمايتها، ومراعاة تطورها في صيغتها الوطنية -أي عقود المواطنة الحديثة- والدولية، وموجبات الحاجة إلى حلف فضول جديد، بالنظر إلى الأوضاع العالمية الراهنة والمخاطر الواقعة والمتوقعة، الناجمة عن سيرورات النموذج الحضاري المعاصر. كما تطرق المؤتمرون في 12 جلسة و5 من ورش العمل إلى دور الأديان في معالجة الأزمات الإنسانية الراهنة، وتعزيز السلم الأهلي وروح المواطنة والتعايش والتضامن والأمن في العالم. مشددين على مكانة المرأة والإعلام في خدمة هذه الأدوار والقيم النبيلة، كما ذكرت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية أمس.

الرمزية الخاصة

وكان العلاّمة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، قال أمام الملتقى، إنّ عصرنا الحالي في "حاجة ماسة إلى حلف فضول جديد يضع السِّلم في مقدمة أهدافه، ويسهم في خلق آلية للتعاون والتعايش أكثر نجاعة، فهو مبني على القيم والفضائل، وصناعة جبهة من رجال الدين للدعوة إلى السلام ورفض استغلال الدين في النزاعات والحروب".

"حلف الفضول" له رمزية خاصة، خصوصاً أنّ الحلف مبني على القيم والفضائل وليس على القبيلة أو أية ديانة

وأضاف بن بيه قائلاً: "التسامح هو قبول الآخر، وهو ما نبحث عنه في هذا المنتدى، لأنّ البشرية يمكن أن تعيش باختلافاتها وأن تكون هذه الأخيرة بمثابة ثراء وجمال"، مضيفاً أن "الذين يتصارعون اليوم هم صبيان كبار، ويجب على العائلة الإبراهيمية أن تقف بين هؤلاء لتدلهم على الطريق الصحيح بدل الاقتتال والحرب".

وفي إشارة إلى أهمية التوافق على القيم الإنسانية المشتركة التي تُعلي من كرامة الإنسان وتحترم حقوقه وحرياته أشار بن بيه إلى أنّ "مبادرة حلف الفضول لها رمزية خاصة، خصوصاً أن الحلف في التاريخ مبني على القيم والفضائل وليس على القبيلة أو أية ديانة".

اقرأ أيضاً: الشيخ زايد.. وتأسيس دولة القيم

ولفت بن بيه إلى أنّ هناك حاجة شديدة جداً لتحقيق هذا الحلف في العالم، خصوصاً أنّ "البشرية اليوم على حافة الهاوية. لأنه لأول مرة في التاريخ توجد أسلحة يمكن أن تفني البشرية، وهي تفلت من يد الحكومات ويمكن أن تكون في أيدٍ غير رشيدة، وهذا أمر يجب أن نعالجه عبر هذا الحلف"، على حدّ قوله.

أوصى المؤتمر القيادات الدينية بالعمل على إشراك جميع العناصر الفعالة في المجتمع

خريطة طريق لتحقيق أهداف حلف الفضول الجديد

وكان المشاركون في مؤتمر "حلف الفضول: فرصة للسلم العالمي"، الذي نظمه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة قد أكدوا في ختام أعماله أنّ الإمارات دار تسامح وسلام. وأوصت فعاليات المؤتمر الخامس لمنتدى تعزيز السلم، الذي شارك فيه علماء دين يمثلون مختلف الديانات السماوية من دول العالم،  بالدعوة إلى المزيد من التفكير المشترك لوضع خارطة طريق وتقديم مبادرات علمية وميدانية، لتحقيق أهداف حلف الفضول الجديد، كما أوصى رواد حلف الفضول الجديد أن يرسخوا ويطوروا نموذج قوافل السلام ليصبح آلية للتعاون والتعايش وتقليداً يتم العمل على تعميمه والاستفادة منه. كما أوصى المؤتمر القيادات الدينية المشاركة بالعمل على إشراك جميع العناصر الفعالة في المجتمع، وخصوصاً فئتي النساء والشباب؛ لما لهم من تأثير كبير على نجاح هذا النوع من المبادرات. كما دعا إلى إدراج القيم المشتركة بين العائلة الإبراهيمية في مناهج التربية والتعليم على المستوى العالمي، والتعاون مع المؤسسات الدولية ذات الاختصاص؛ كمكتب الأمم المتحدة للتعليم ومنظمة اليونيسكو. كما دعا الإعلام ليكون شريكاً فعّالاً في هذا الحلف؛ من خلال التعريف وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية والقصص الملهمة، التي تسهم في نشر قيم السلم والتعايش بين الناس.

ترحيب بزيارة البابا فرانسيس الإمارات

وفي ختام أعمال مؤتمر "حلف الفضول: فرصة للسلم العالمي"، رحب وزراء ومفتون وعلماء الأديان ومفكرون شاركوا فيه بزيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان المرتقبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، خلال شباط (فبراير) المقبل، للمشاركة في مؤتمر الإخوة الإنسانية.

اقرأ أيضاً: هل تصنع الأديان السعداء.. وتشفي الأرواحَ السقيمة؟

وتعتبر الزيارة المرتقبة لدولة الإمارات من قبل رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، زيارة تاريخية والأولى التي يقوم بها بابا الفاتيكان إلى دولة خليجية، وتعكس مكانة الإمارات في مجال الاعتدال والتسامح وتعزيز السلم والتعاون بين المكون البشري. وقال الفاتيكان الخميس الماضي في بيان إنّ الزيارة هي السابعة لدولة تقطنها أغلبية مسلمة من أجل الدعوة إلى السلام بين الأديان. وزار البابا فرانسيس بالفعل تركيا والأردن ومصر وبنجلادش وأذربيجان والأراضي الفلسطينية، كما ذكرت "رويترز".

عُقد الملتقى بحضور 800 شخصية من ممثلي الأديان والمنظمات الدولية

زيارة تاريخية

ورحب وزير الأوقاف المصري، الدكتور محمد مختار جمعة، بزيارة البابا فرانسيس الإمارات، مؤكداً السعي دائماً للتواصل الحضاري وترسيخ أسس الحوار الحضاري بين البشر، والعمل على ترسيخ ثقافة السلام والعيش الإنساني المشترك.

أكد المشاركون في مؤتمر "حلف الفضول"، الذي نظمه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة أنّ الإمارات دار تسامح وسلام

ولفت، كما نقلت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية، إلى أنها زيارة تاريخية تعزز قيم الحوار بين الأديان والثقافات، مؤكداً احتياج العالم إلى السلام والحوار أكثر من أي وقت مضى. وأشار إلى أهمية الحوار الحضاري، والمشتركات الإنسانية التي تجتمع على القيم ومكارم الأخلاق، وإعلاء قيمة العمل، وترسيخ أسس العيش المشترك، وتحقيق السلام للناس جميعاً وحفظ الدماء والأعراض.

من جانبه، أكد عز الدين عناية، الأستاذ بجامعة روما في إيطاليا، أنّ البابا فرانسيس يعد من أكثر البابوات تسامحاً مع الآخرين، وقرباً من العالم الثالث، ويولي اهتماماً كبيراً إلى المهاجرين وإلى الفقراء في العالم وينشد السلام والتعايش بين البشر كافة، وله موقف مهم من مسلمي الروهينجا وأنهم مظلومون، ودعا إلى التهدئة في تلك البلدان، وهو يحث دائماً على إيجاد حل لهذه المشكلة.

اقرأ أيضاً: الدين والدم والسلام

يُذكر أنّ الملتقى الخامس لـ "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" انعقد في أبوظبي على مدى ثلاثة أيام، من 5 إلى 7  كانون الأول (ديسمبر)، بحضور 800 شخصية من ممثلي الأديان والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، ونخبة واسعة من العلماء والمفكرين والباحثين والإعلاميين على مستوى العالم، بينهم أمين عام رابطة العالم الإسلامي، محمد بن عبدالكريم العيسى، وسفير الولايات المتحدة للحريات الدينية، سام براونباك، وعضو مجلس أمناء مركز الملك عبدالله للحوار الأديان في جنيف، ديفيد روزن، ووزير الأوقاف في جمهورية مصر، محمد مختار جمعة،  والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، آدم أنجينغ، ورئيسة لجنة مكافحة التطرف - المملكة المتحدة، سارة خان، وسلطان سكوتو – نيجيريا، السلطان محمد سعد أبو بكر الثاني، ورئيس جامعة الأزهر، الدكتور محمد المحرصاوي، وغيرهم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية