يعيش إقليم كردستان العراق وضعا استثنائياً وخطيراً ما دفع إدارة الإقليم أن تهرع طالبة النجدة من بغداد بعد موجة الإحتجاجات الشعبية العارمة التي شملت العديد من مدن الإقليم وسقط بسببها قتلى وجرحى.
وفي ذات الوقت ومع تردي الأوضاع المعيشية واتهامات المواطنين الأكراد لسلطة الإقليم بالإنفراد بالسلطة وما يعرف بحكم العائلات واستشراء الفساد والمحسوبية، مع كل هذا يدفع الشعب الكردي اكلافا باهضة بسبب صراع تركيا طويل الأمد مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني مما الحق بشعب كردستان العراق اضرارا جسيمة وما تزال تركيا تهدد وتتوعد.
وبسبب هذا الوضع الخانق بدأت تتصاعد المطالبات الرسمية والشعبية لتركيا لسحب قواتها من شمال العراق وتصفية حساباتها مع حزب العمال الاقليم خارج أراضي الإقليم ومن ذلك دعوة محافظ دهوك علي تتر، الطرفين التركي وحزب العمال الكوردستاني إلى تصفية حساباتهما بعيدا عن أراضي إقليم كوردستان.
وجاءت دعوة تترعلى خلفية العثور على جثث ثلاثة مدنيين من منطقة ديرلوك قتلوا بقصف للطائرات التركية قبل أيام.
وقال محافظ دهوك ان مئات القرى في مناطق دهوك دمرت وأخليت من ساكنيها، حيث هجر عشرات الآلاف من المدنيين من قراهم بسبب الصراع المسلح على ارض كوردستان بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني.
حكومة الإقليم تجد نفسها في مأزق لا تحسد عليه وخاصة بعد افتضاح اتفاقها مع انقرة لمدة 50 عاما تتسلم بموجبه كميات من النفط العراقي المستخرج من كركوك من دون أن تسدد لحكومة بغداد اية مبالغ وكذلك الحال بالنسبة لواردات الكمارك والمنافذ الجدودية وحيث تتلاعب بها منذ زمن وتتهم المعارضة الكردية حكومة الاقليم بالتواطؤ والفساد وسرقة اموال البترول المصدر الى تركيا والمنافذ الحدودية بشكل غير قانوني.
في آخر التصريحات، اتهم الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب البارزاني بإطلاق النار واستخدام العنف المفرط تجاه المتظاهرين المطالبين بحقوقهم والصاق التهم بما اسماهم بالمندسين العرب في كردستان، نافيا وجود أي تدخلات للعرب بتظاهرات الاقليم.
وقال القيادي في الاتحاد فائق يزيدي، ان قوات تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني استخدمت العنف المفرط والرصاص الحي ضد المتظاهرين في السليمانية.
واضاف ان "حزب بارزاني يلصق التهم بمن اسماهم مندسين عرب متناسين غضب المواطن الكردي الذي لديه رواتب بذمة حكومة الاقليم لأكثر من سنة".
واوضح يزيدي ان "التظاهرات التي خرجت بالإقليم هي تظاهرات حقة للمطالبة بحقوقهم ولا علاقة للعرب ولا وجود لأي مندس فيها".
ودعا عضو في قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الأطراف السياسية الكردية إلى "الاستعداد للتضحية" وتقديم "تنازلات" لمنع تقسيم إقليم كردستان بفعل الأزمة التي يعيشها الآن.
وقال آريز عبد الله، إن "الأوضاع في إقليم كردستان ستتجه إلى منحى خطير، بينها تقسيم الإقليم، إذا لم يتم إيجاد حل للأزمة السياسية والاقتصادية الحالية".
وحث عضو قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تقع محافظة السليمانية تحت نفوذه، الأطراف السياسية الكردية إلى "تحمل مسؤولياتهم والاستعداد للتضحية والتنازل"، محذراً من أن "خطر تقسيم إقليم كردستان سيصبح حقيقة لا سامح الله".
رئيس اقليم كردستان نجيرفان بارزاني قال في تصريحات صحافية، حول ما قيل أن اتفاق النصف قرن بين إقليم كوردستان وتركيا والاتفاق مع شركة روسنفت يعيقان التوصل إلى اتفاق بين أربيل وبغداد: "لا اتفاق النصف قرن مع تركيا ولا الاتفاق مع روسنفت يمنعان حل ملف نفط إقليم كوردستان مع بغداد، وكما أسلفت، فإن بغداد وخلال اجتماعاتها مع وفد إقليم كوردستان طلبت إبقاء هذا الموضوع على حاله، وقالت بغداد لإقليم كوردستان لكم نفطكم وقوموا بتصديره ونحن لن نتدخل في هذا الموضوع في المرحلة الحالية، وإلا فإن إقليم كوردستان كان مستعداً باستمرار للقيام بهذا ولا علاقة للأمر باتفاقه مع روسنفت ولا باتفاق النصف قرن مع تركيا".
وأضاف بارزاني في تصريحات غاضبة " ان الذي خرب الوضع كان القانون الذي أرسل إلى البرلمان العراقي لغرض الاقتراض من أجل تأمين الرواتب، ثم عكست الآية وأصبحت المسألة مسألة قانون موازنة، من المؤسف جداً أن بعض القوى السياسية في البرلمان، ولا أقول كلها، وجدت في الأمر فرصة لاتخاذ الموضوع مادة لمعاداة شعب كوردستان وهذا الأمر يزعجنا كثيراً. فإن كانوا يتحدثون عن الاقتراض والحصول على قروض، فإن إقليم كوردستان جزء من العراق، ومتقاضو الرواتب في إقليم كوردستان جزء من متقاضي الرواتب في العراق. لكن لماذا يشار بهذه اللغة الخشنة إلى أنه لا يمكن أن يؤمن هذا القانون أي مستحقات مالية لإقليم كوردستان؟ هذا هو السؤال الصميمي في إقليم كوردستان، لماذا كل هذا الظلم لشعب إقليم كوردستان؟ هذا القانون ليس موجهاً ضد حزب سياسي في كوردستان، بل هو موجه ضد مواطني إقليم كوردستان وهؤلاء المواطنون جزء من العراق".
في المقابل تصدت تيارات سياسية كردية من داخل الاقليم لتصريحات بارزاني ومنها حركة التغيير التي قالت في بيان لها "أن الديون التي بذمة الإقليم تتحملها أحزاب السلطة التي أوصلت الإقليم للانهيار الاقتصادي.وان حكومة الإقليم تتحدث عن ديون تقدر بحوالي 28 مليار دولار، ولانعرف أين ذهبت هذه الأموال وكيف صرف والمواطن يطلب رواتب 5 أشهر، فيما تم توزيع الرواتب وفقا لنظام الاستقطاع لأكثر من عامين".
.وأضافت الحركة أن "الديون التي على الإقليم ذهبت لجيوب أحزاب السلطة الحاكمة، ولم يستفاد منها المواطن الكردي إطلاقاً، والذي يعيش أوضاع اقتصادية صعبة للغاية. وان حكومة الاقليم لم تقدم أوراقا ووثائق تكشف عن الأموال التي استدانتها، لآنه لاتوجد مؤسسات رقابية قادرة على محاسبة الفاسدين في الإقليم".
انقرة من جانبها ليس في وارد اهتماماتها مغادرة الاقليم ولا تصفية حساباتها مع مسلحي بي كاكا خارج الأراضي العراقية بل أن في نوايا أنقرة التمدد والبقاء هناك الى أجل غير مسمى وتعزيز ذلك ببناء قواعد عسكرية دائمة وهو ما كانت قد نشرته وكالة رويترز حول تصريحات مسؤول تركي لوكالة، بشأن عزم تركيا بناء مزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق، بعدما كثفت ضرباتها التي تستهدف المقاتلين الأكراد هناك، وهو ما اثار مزيدا من التساؤلات بشأن خريطة الانتهاك التركي للأراضي العراقية، وطبيعة أطماع نظام رجب طيب أردوغان بالعراق.
عن "أحوال" تركية