لماذا صار زمن إشهار الثورة الفلسطينية أقسى الشهور؟

فلسطين

لماذا صار زمن إشهار الثورة الفلسطينية أقسى الشهور؟


27/01/2020

ظل شهر كانون الثاني (يناير) الذي يوشك على الرحيل، من أكثر الشهور رمزية في حياة الفلسطينيين؛ إذ في اليوم الأول منه، عام ١٩٦٥، انطلقت الثورة التي رسمت لاحقاً مجريات الوضع الفلسطيني، كما مُنيَت القضية بخسائر فادحة في هذا الشهر: اغتيال ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن، سعيد حمامي، واغتيال ممثل المنظمة في باريس، محمود الهمشري، واغتيال القيادات الفلسطينية من الصف الأول، مثل: صلاح خلف، وهايل عبد الحميد، وعلي حسن سلامة، وفخري العمري.

اقرأ أيضاً: جريدة "الكرمل" إذ تكشف تواطؤ العثمانيين مع الصهيونية في فلسطين
ومن يتأمل الروزنامة الفلسطينية يجدها مزدحمة بالمناسبات، التي تتنوّع بين اغتيالات وذكرى رحيل قادة، وحروب وانتكاسات ونكبات وهزائم، وضربات أخرى متفرقة طالت مدن وقرى ومخيمات.
يمرّ يناير هذا العام وسط أزمات فلسطينية تراوح بين أزمة القيادة والانتخابات وجدليّة حلّ السلطة الفلسطينية، أو الاستمرار فيما أملته اتفاقية أوسلو، وبين أزمات سياسية ودبلوماسية مع دول أخرى تقف أمريكا على رأسها، بعد انحيازها شبه المُطلق للاحتلال الإسرائيلي وإغلاقها مكاتب منظمة التحرير في أمريكا، وبين أزمات معيشية في قرى الضفة الغربية ومدنها، وفي قطاع غزة ومخيمات الشتات.

اقرأ أيضاً: لماذا رأى حزب التحرير الفلسطيني أنّ "اتفاقية سيداو" تهدم البيوت؟

فهل باتَ يناير، بكل ما يحفل به، محض شهر في روزنامة الفلسطينيين الحبلى بكثير من الأحداث التي لا تكاد تحصى؟ وهل ثمة من يتذكّر المشروع الوطني التحرّري الذي اتّخذ من غرّة عام 1965 فاتحة له؟

علاء أبو زينة: العثور على "رئيس دولة"
يجيب "حفريات" كاتب عمود ومدير تحرير دائرة الترجمة في صحيفة "الغد" اليومية الأردنية، علاء الدين أبو زينة: يعاني المشروع الوطني الفلسطيني الآن من أزمة قيادة، وإذا توخينا الدقة، فإنّها لم تعد مسألة قيادة مشروع ثوري تحرري، بقدر ما أصبحت العثور على "رئيس دولة" ليست حقيقية في واقع الأمر؛ فلماذا هذا العوز في شعب تعداده بالملايين في الوطن والمنفى؟

علاء أبو زينة: مع تراجع العمل العسكري بالتحديد، وكذلك آفاق المشروع السياسي الفلسطيني، تناقص القادة والمرشحون

في حقبة سابقة من تاريخ المشروع الفلسطيني التحرري؛ كانت هناك وفرة في القادة الفلسطينيين، الذين يصلح أغلبهم للقيادة العليا، السبب على الأغلب يرجع للحيوية الواضحة التي وسمت المرحلة، التي شهدت مشروعاً متكاملاً من العمل السياسي والعسكري، ولم يكن الجناحان منفصلين بحدة؛ كان القادة الميدانيون في المعسكرات مثقفين سياسياً وواعين أيديولوجياً، وبالمثل، كان القادة "السياسيون" يساهمون في العمل العسكري مباشرة أو لوجستياً. تلك الحيوية، المقرونة بالأمل والتصور المشترك، للغاية النهائية المتمثلة في العودة والتحرير، جعلت المشروع الثوري دائم التطور والتوسع، بطريقة تفرز القيادات من مختلف المستويات يومياً، ولم تكن القيادة حينذاك مسألة امتيازات بقدر ما كانت جزءاً وشكلاً من الخدمة في المشروع الجمعي الذي يساوي الإيمان.
مع تراجع العمل العسكري بالتحديد، وكذلك آفاق المشروع السياسي، تناقص القادة والمرشحون للقيادة؛ إما بالتصفيات الجسدية التي نفذها العدو، أو الهزائم العسكرية التي لحقت بالثورة وإبعادها عن ميادين الصراع الساخنة، أو بانفضاض كثيرين عن المشروع الذي غامت رؤيته وغاياته وضاق حيّزه، ليقتصر على مجموعة من المفاوضين، ومنذ ذلك الحين انفصلت "القيادة" الفلسطينية عن قواعدها الشعبية التي كانت ترفدها، ولم تتركها في عوز، وأصبح التداول محصوراً في إطار التنظيمات المضمحلة، أو حتى في فصيل واحد مهيمن ولا يقبل المنافسة، وبطريقة ما؛ حوّلت "أوسلو" العمل العسكري الفلسطيني إلى شيء غير مناسب، على الأقل. وراجت، بجهد فلسطيني وإقليمي ودولي، فكرة أنّ "العسكريين" لا يصلحون للقيادة؛ لأنّهم غير مناسبين لـ "المرحلة السياسية التفاوضية"، ولا مفيدين دعائياً، باعتبار أنّهم يعرضون الفلسطينيين كشعب "عنيف".

عمل جماعة أوسلو على المزيد من تضييق الجزء "الفاعل" قيادياً باطراد، من أجل الانفراد بالقرار، والتخلص من الاقتراحات المختلفة والمعارضة، وتعاونت سلطات الاحتلال بسجن الشخصيات المتبقية الملتحمة مع الناس في الوطن المحتل، بينما تولت "السلطة" تحييد العارضين وتقليم أدواتهم، وبذلك انحصر خيار القيادة في بضعة أسماء قليلة، قريبة جداً من "الرئيس"، وبالضرورة من الفصيل الحاكم، وإلى جانب ذلك، لم يُسمح حتى لهؤلاء بأن يصبح أحدهم قوياً بما يكفي لمنافسة الحاكم الأعلى الأوحد، على طريقة الأنظمة العربية، وفي الحقيقة؛ أدّت الآليات التي حكمت العمل الفلسطيني منذ عقود، والفشل المنفر الذي حققته، إلى هذه الأزمة التي يصعب تصوّر حلول سوية لها، مع صعوبة الحلول على مستوى المشروع التحرري الفلسطيني المأزوم جداً الآن، دون أن تخفى العلاقة بين الأمرين.

حافظ البرغوثي: "فتح" بلا أسنان
رئيس التحرير السابق لصحيفة "الحياة الجديدة" الفلسطينية، الكاتب حافظ البرغوثي، يقول: بعودة قيادة منظمة التحرير إلى الأراضي الفلسطينية، بعد اتفاقية أوسلو، وقعت القيادات عملياً في قبضة الاحتلال؛ فهو يعتقل قياديين ويغتال آخرين، وفق الظروف؛ بدءاً من أبو عمار، الذي اغتيل في ظروف ما تزال غامضة، مروراً بأبي علي مصطفى، ووصولاً إلى الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي؛ فالاحتلال لا تضيره التصريحات اللفظية، وإنما يقيّم  ممارساته وفق أية تحركات قيادية يراها خطرة عليه، فقد اعتقل عضو المركزية لحركة فتح، مروان البرغوثي، وأمين عام الجبهة الشعبية، أحمد سعدات، وخليفته خالدة جرار، إضافة إلى نواب وقيادات مختلفة.

حافظ البرغوثي: شهر يناير بالنسبة إلى حركة فتح كارثي، بالإشارة إلى الاغتيالات المتوالية فيه لعدد من القيادات

بالنسبة إلى حركة فتح؛ فإنّ شهر يناير كارثي، بالإشارة إلى الاغتيالات المتوالية فيه لعدد من القيادات، على رأسها صلاح خلف (أبو أياد)؛ فالاحتلال وأعوانه يعرفون كيفية إصابة فتح في مقتل باغتيال قيادات مفصلية فيها، مثل: أبو إياد، وعلي حسن سلامة، وهما رجلان يثيران الرعب والرهبة في كلّ الدول، ناهيك عن الاحتلال.
عملياً؛ الاحتلال كان يعرف كيف ومن يغتال، وكانت النتيجة أنّ فتح تحوّلت حالياً بلا أسنان، وبلا منظّرين مثل أبو إياد؛ لهذا تراجعت هيبتها، داخلياً وخارجياً؛ لأنّ العالم يحسب حساباً للقوي، لا للخطاب السياسي الأعزل من مصادر القوة.

رامي عدوان: التمسك بالذكريات واجب وطني
نجل الشهيد كمال عدوان، رامي عدوان، يعتقد أنّ "موضوع استذكار المناسبات صار متلازمة فلسطينية؛ فلا يكاد يخلو شهر أو أسبوع من مناسبة، يمكن أن تكون ذات علاقة بالقصة الفلسطينية والنضال الفلسطيني، فهذا كانون الثاني؛ الذي شهِدَ انطلاقة الثورة واستشهاد القادة صلاح خلف وأبو الهول والعمري، ليأتي نيسان، وفيه دير ياسين وشهداء فردان؛ كمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وكمال ناصر، وأبو جهاد (خليل الوزير)، ليأتي عقب هذا شهر أيار (مايو)، الذي شَهِدَ نكبة فلسطين المتمثلة بإعلان "دولة إسرائيل"، ومن ثم يأتي حزيران (يونيو) المشؤوم، المسمّى بشهر النكسة، فيما أيلول (سبتمبر) موسوم بمذبحة صبرا وشاتيلا، ليأتي تشرين الثاني (نوفمبر) الذي يترافق مع ذكرى إعلان الدولة واستشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات، كما تشهد الأشهر الأخرى أحداثاً جساماً، مثل: تل الزعتر، وحروب المخيمات، وحصار بيروت، وحمّام الشط، والانتفاضتين، وحروب غزة المتتالية.


إلى جانب الإيمان القطعي بعدالة القضية، يتولّد شعور بأنّ الظرف العالمي جرّد الشعب الفلسطيني من أدوات النضال الفعّال، وحاصره في مساحة أقرب إلى الهزيمة، ولم يعد خطر اندثار التراث الفلسطيني والهوية بعيداً، من هنا صار التمسّك بذكريات المناسبات واجباً وطنياً نقوم به للحفاظ على القلب النابض المتمسك بالحقّ وبوحدة الشعب الفلسطيني في كلّ أنحاء العالم، رغم شراسة الحصار والخذلان، فثمة جذوة نار سيحملها جيل إلى آخر؛ للحفاظ على الرسالة والإرث.

أحمد عزم: أعوام الصراع طالت
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الفلسطينية، الكاتب أحمد جميل عزم، يكاد يجزم بأنّه لا يوجد شهر في الروزنامة يمرّ من دون أن يحفل بمناسبات فلسطينية أليمة؛ إذ إنّ أعوام الصراع طالت، كما أنّ فترة الزخم التي رافقت الثورة الفلسطينية شهدت الكثير من الأحداث المتلاحقة.
يحمل شهر كانون الثاني (يناير) رمزية بداية العام، فيبدو الأمر كما لو كان جرداً لحساب العام الماضي مع الفلسطينيين، تماماً كما يرمز شهر نيسان (أبريل) لبداية الربيع، ولطالما واظب الاحتلال الإسرائيلي على إنهاء أيّ ربيع يمرّ على الفلسطينيين، فاغتالَ في هذا الشهر عدوان وناصر والنجار والوزير والرنتيسي واعتقل البرغوثي، وفيه كانت العمليات الإسرائيلية بمثابة ردّ على انطلاقة الثورة وذكراها كلّ عام، ليكون نيسان (أبريل) رداً على عمليات آذار البطولية، مثل عملية ديمونا وعملية دلال المغربي وغيرهما.

الصفحة الرئيسية