
تتواصل فترة الصمت في أوساط الأحزاب السياسية التونسية بعد الانتخابات الرئاسية، التي اُجريت في 6 تشرين الأول / أكتوبر الماضي، والتي أُعيد فيها انتخاب الرئيس قيس سعيد لولاية ثانية مدتها 5 سنوات، ما أثار تساؤلات حول خفايا "الصمت المريب".
وقد تعرضت المعارضة في تونس، على رأسها حركة النهضة الإخوانية، إلى هزيمة قاسية عندما فشلت في إيصال المرشح المسجون عياشي الزمال إلى دور ثانٍ أو الفوز برئاسة البلاد، في واجه قيس سعيد والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي.
وناهز عدد التنظيمات السياسية في تونس، بعد 2011، نحو 240 حزبا، بعضها أعلن مساندته وانخراطه الكامل في مسار 25 يوليو 2021 الذي أعلن الرئيس سعيد بموجبه قرارات تضمنت حل الحكومة والبرلمان الإخواني وعدد من الهيئات الدستورية. أما البعض الآخر فقد اختار طريق المعارضة التي تحولت في ما بعد إلى ائتلافات حزبية غير فاعلة.
دليل انتهاء
هذا وتنقسم أحزاب المعارضة على نفسها بين أحزاب تدين بالولاء لحركة النهضة الإسلامية، وأخرى دستورية، ويسارية اجتماعية، ودخلت الاستحقاق الرئاسي دون تقديم مرشح مشترك.
تعقيبًا على هذا الصمت، علّق المحلل السياسي نزار الجليدي بالقول إن "الأحزاب السياسية لم تكن لها برامج أو مشاريع لإنجازها وتنفيذها، حتى تقوم بمراجعات في المرحلة الراهنة".
وتابع الجليدي في تصريح لموقع "إرم نيوز" قائلًا إن هذه الأحزاب "حاولت فقط أن تكون حاضرة في فلك الانتخابات الرئاسية، من أجل أمل صغير في تغيير المعادلة، ولكنها فشلت في ذلك كما كان متوقعًا" وفق تعبيره.
يُذكر أن الأحزاب السياسية تواجه اليوم صعوبات في نشاطها بعد تراجع دورها السياسي، إثر تعديل القانون الانتخابي من تصويت على القوائم إلى تصويت على الأفراد، وعدم تعويل السلطة الحالية في تونس على الأحزاب. كما تضاءل دور المنظمات المدنية التي باتت تحت مجهر السلطة بخاصة في كل ما يتعلق بالتمويلات.
تتمسك بذات الزعامات
من جهتها، ترى الكاتبة الصحافية كريمة دغراش أن "تصدع المعارضة ليس وليد اللحظة، فهي مشتتة وضعيفة لكنها ترفض الإقرار بهذا ومن ثم القيام بمراجعات، ولا تنصت إلا لصوتها وغالباً ما يكون تجمعها مناسباتي من أجل حدث ما، ثم تنفض بمجرد انتهائه"، مواصلة "وقد يعود ذلك لأنها كانت دائماً بعيدة من الإنصات لصوت الشارع، فتكرر ترديد نفس الشعارات وتتمسك بذات الزعامات، ولم تنجح في تطوير نفسها وطرق عملها وتعبيرها السياسي لذلك ظلت حبيسة أفكار قديمة أثبتت في كل مرة أنها لا تحظى بمقبولية عند عموم التونسيين".
وتضيف دغراش في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "اليوم بعد تلك الهزيمة القاسية التي تكبدتها باتت أمام خيارات قليلة، فمرة أخرى لا يمنحها الشعب ثقته وهي مطالبة اليوم بالتواضع وتقييم ما حدث من أجل استخلاص الدروس وإعادة تجديد خطابها أو أنها ستكابر وسيكون مصيرها مزيداً من التشتت والجمود".
التونسيين لم يغفروا للأحزاب وبعض المنظمات ما واجهوه من صعوبات في ظل عدم الاستجابة لمطالبهم في التنمية والشغل والكرامة
من جهته، يدعو القيادي بالتيار الديمقراطي هشام العجبوني إلى "إعادة هيكلة الأحزاب وتجميع القوى السياسية المعارضة والقيام بمراجعات ونقد ذاتي، والاتفاق على ميثاق لمبادئ العمل السياسي في المستقبل لإرساء أسس دولة القانون والمؤسسات، حتى لا تتكرر أخطاء الماضي وكي تسترجع الأحزاب صدقيتها أمام الرأي العام".
عزوف عن الاهتمام بالأحزاب
وفي تقييمه لدور الأحزاب وفترة الحكم الذي سيطر عليه الإخوان في تونس بعد ثورة 2011، يرى المحلل السياسي خليفة الشيباني أن هذه التجربة قامت على "تجاهل المطالب الشعبية" التي تدعو بالأساس إلى العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف عيش التونسيين، وتركزت حول "المحاصصات الحزبية في الحكم والتعيينات المشبوهة في مراكز صنع القرار وتفشي المال السياسي الفاسد وتكريس الفساد".
ويضيف الشيباني، لموقع "الحرة"، قائلا "هذا الإسهال الحزبي سعى إلى توظيف الدولة لخدمة مصالحه وهي تجربة أدت إلى شعور التونسيين بالخذلان وعزوفهم عن الاهتمام بالأحزاب وبالشأن السياسي في البلاد، فالثورة كانت بالأساس حول الاستحقاقات الاجتماعية".
وتابع: "يبقى وجود الأحزاب عاملا مهما لتأثيث المشهد السياسي في تونس، غير أن هذا الوجود يقتضي برامج واقعية تلامس واقع التونسيين وتلبي احتياجاتهم وترقى إلى مستوى انتظاراتهم في الشغل والحرية والكرامة".
كما يؤكد الباحث والمتخصص في مجال القانون العام في الجامعة التونسية ناجح سالم لـ"اندبندنت عربية"، أن "تونس عرفت قبل 2011 تصحراً في الأحزاب السياسية والمنظمات، وبعد 2011 شهدت البلاد تخمة في أعدادها، وما بين التصحر والتخمة لم يعد المواطن التونسي يثق لا في الأحزاب ولا في المنظمات".
وأشار إلى أنه "بعد لحظة الـ25 من يوليو (تموز) 2021، لاذ عدد من قادة الأحزاب بالفرار إلى دول أخرى بعد أن تعلقت بهم شبهات فساد وتمويلات أجنبية، مما يعني أن هذه الأحزاب وجدت فقط لخدمة أجندات ومصالح أجنبية وليس المواطن التونسي، وأستبعد بالطبع بعض المنظمات التي سعت إلى خدمة المواطن، لكن معظمها كانت له ارتباطات خارجية".
ويرى مراقبون أن التونسيين لم يغفروا للأحزاب وبعض المنظمات ما واجهوه من صعوبات في ظل عدم الاستجابة لمطالبهم في التنمية والشغل والكرامة، لذا فهم يثأرون لأنفسهم منها اليوم، ويعولون على منظومة حكم من خارج دوائر السياسة والمنظمات، بينما يتخوف بعض المتابعين من هذا التصحر السياسي، ومن نتائجه على السلم الاجتماعي، ويدعون السلطة إلى حوار مجتمعي من أجل مرحلة سياسية جديدة في تونس.
تحركات غير مجدية
في الأثناء، تم تسجيل تحركات سياسية، تمثلت في سعي ائتلافات بعض الأحزاب إلى توحيد مساراتها وخلق أرضية تحرك مشتركة، لكنها تطرح رهانات كبيرة أمام المعارضة التي تشقها الخلافات والصراعات قبل وبعد رارات 25 يوليو 2021.
وكان منتدى القوى الديمقراطية، الذي يضم أحزابا ومنظمات مدنية تونسي، أعلن أواخر تشرين الأول / أكتوبر المنقضي "مواصلة عمل التوحيد لبناء جسور تواصل بين مكونات المعارضة والسعي إلى تفعيل المبادرات المشتركة لتقديم بدائل اقتصادية- اجتماعية".
وفي وقت سابق، أعلنت مجموعة من المنظمات والجمعيات والأحزاب، المعارضة للسلطة، عن تكوين "الشبكة التونسية للحقوق والحريات" أقرت إثرها جملة من التحركات الاحتجاجية تنديدا بالاعتقالات التي طالت قيادات الإخوان وبعض أذرعهم في البلاد ورفضا للمسار الانتخابي الذي شهدته البلاد، لكنها لم تحدث تغييرا.