لبنان: هل يلحق ميقاتي بركب المعتذرين عن تأليف الحكومة؟

لبنان: هل يلحق ميقاتي بركب المعتذرين عن تأليف الحكومة؟


14/08/2021

لا جديد في ملفّ تشكيل الحكومة اللبنانية، مع مرور أسبوعين على تكليف نجيب ميقاتي بالمهمة، بعد اعتذار سعد الحريري، الذي أخفق في مهمة التشكيل، بعد تسعة أشهر، بسبب الخلاف مع الرئيس ميشيل عون، ومن ورائه صهره رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، حول حصة الوزراء المسيحيين، وتوزيع الحقائب.

أول من أمس الخميس، وعلى وقع قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عقد لقاء بين عون وميقاتي، لاستكمال البحث في تفاصيل المسودة التي سلمها الرئيس المكلف يوم الأربعاء لرئيس الجمهورية.

استمر اللقاء حوالى 45 دقيقة، تم خلاله البحث في تفاصيل توزيع الحقائب. بعد مغادرته رفض ميقاتي الإدلاء بأي تصريح، مكتفياً بالقول فقط: "سنتابع البحث، وسيعقد لقاء آخر الأسبوع المقبل".

بعد عام على استقالة حكومة دياب، إثر انفجار مرفأ بيروت، تكلَّف ثلاثة رؤساء بتشكيل الحكومة؛ اعتذر الأول، مصطفى أديب، ثم حذا حذوه الحريري، وربما يلحق بهما ميقاتي

 

وجرى تكليف ميقاتي على أمل تشكيل حكومة تنقذ البلاد من الهاوية التي تمضي إليها، في ظلّ تردي الأوضاع المعيشية التي وصلت إلى حدّ عجز السكان عن توفير الخبز، وشبه انعدام تامّ للطاقة، طالت القطاع الصحي، وغيرها من الأزمات الاقتصادية، التي أدّت إلى ارتفاع نسبة الفقر، وتآكل الطبقة الوسطى، وخروج احتجاجات شعبية غاضبة، تشي بقرب وقوع الانفجار الاجتماعي.

التعطيل مستمر

بحسب ما نشرته الصحف اللبنانية، يواجه الرئيس المكلّف، نجيب ميقاتي، عقبات كبيرة في تشكيل الحكومة، بسبب الخلاف حول توزيع الحقائب السيادية (المال، الداخلية، الدفاع، الخارجية)، وفي حين ذكرت مصادر صحفية أنّ عون توافق مع ميقاتي على أن تكون الداخلية من حصة ميقاتي، والعدل من حصة عون، برز خلاف جديد حول وزارة المالية، التي يتمسّك بها الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله)، وكان الرئيس الحريري توافق مع رئيس مجلس النواب على هذه الحقيبة، بأن تكون من حصة الشيعة لمرة واحدة ثم تعود للمدوارة.

(الرئيس عون مستقبلاً الرئيس المكلف نجيب ميقاتي)

ويرفض ميشيل عون، ومن خلفه جبران باسيل، تسمية الوزير حسن خليل لوزارة المالية، بدعوى أنّ اسمه سيأتي في قضية التدقيق الجنائي لمصرف لبنان المركزي، كونه يشغل منصب مدير العمليات المالية في المصرف، وهي الحجة المرفوضة من جانب حركة أمل التي ينتمي إليها خليل، وتعيد هذه القضية الخلاف حول التدقيق الجنائي برمته، والذي يراه متابعون أنّه أحد "مسامير جحا" بيد الرئيس عون وصهره باسيل، ضمن طاولة المفاوضات السياسية، التي تتجاوز عملية التشكيل الحكومي إلى التمكين للصهر، كي ينال تزكية القوى السياسية ليكون رئيساً للجمهورية خلفاً لعون، الذي ينتهي عهده في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2022.

الباحث عاصم عبد الرحمن، لـ "حفريات": الهدف الأساسي من معركة رئيس الجمهورية الحكومية التي يخوضها بالنيابة عن التيار الوطني الحرّ هو توريث صهره جبران باسيل

وأعرب ميقاتي عن أمله في تشكيل الحكومة قبيل حلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، في الرابع من الشهر الجاري، لكنّ آماله تحطمت على صخرة الواقع السياسي لرئيس الجمهورية، الذي لا يعبأ بالانهيار المتسارع في البلاد، وعقب ذلك حذّر ميقاتي من أنّ "مهلة تشكيل الحكومة غير مفتوحة"، في إشارة صريحة إلى أنّ خيار الاعتذار وارد إذا ما استمرت العراقيل.

إقرأ أيضاً: كيف أحيا اللبنانيون الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت؟

ولا تقتصر الخلافات فقط على الحقائب السيادية، بل تمتدّ إلى الحقائب الخدماتية، ما يجعل الاتفاق على تشكيلة في الوقت القريب صعباً للغاية، فعلى ميقاتي استطلاع الآراء في كلّ تشكيلة يتقدّم بها إلى رئيس الجمهورية، ثم العودة إلى الجميع مرة ثانية إذا ما طلب أحد الفرقاء تعديلاً، وهكذا، في دوامة لا يبدو أنّ لها نهاية قريبة.

الثلث المُعطّل

وحول أبرز القضايا الخلافية بين ميقاتي وعون، يقول الكاتب والباحث في العلوم السياسية، عاصم عبد الرحمن؛ الثلث المعطل في الحكومة، ورغبة عون في وزارتَيْ الداخلية والعدل، وموقفه من تسمية رئيس الحكومة وزيرين مسيحيين، هي أبرز القضايا الخلافية بين فريق رئيس الجمهورية، ومن خلفه التيار الوطني الحرّ، وجبران باسيل من جهة، وفريق الرئيس المكلف ورؤساء الحكومات السابقين الذين يسعون بكلّ السبل السياسية والأطر الدستورية لحماية صلاحيات رئاسة الحكومة، التي يسعى رئيس الجمهورية إلى قضمها عبر فرض أعراف سياسية تعيد النظام السياسي اللبناني إلى ما قبل الطائف.

(الكاتب اللبناني والباحث في العلوم السياسية، عاصم عبد الرحمن)

وتبعاً لذلك، يريد فريق عون وباسيل حيازة الثلث المعطل داخل الحكومة لتكون ورقة مساومة في مفاوضات اختيار رئيس الجمهورية القادمة، حيث تنصّ المادة (62) من الدستور اللبناني على أنّه (في حال خلو سدة الرئاسة لأيّة علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء)، ومن المؤكد أنّ الشغور الرئاسي القادم سيطول، مثلما حدث عقب انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشيل سليمان، والذي استمر لمدة عامين ونصف العام، إلى حين تمّ التوافق على ميشيل عون، بعد موافقة سعد الحريري مضطراً، لكن من غير الوارد أن يقع الحريري وغيره من القوى السياسية في هذا الخطأ مرة ثانية، ولهذا لن يحدث تنازل أبداً لصالح ترشيح جبران باسيل، وهو ما يعلمه الرئيس عون، ولهذا يستميت بقوة خلال عهده للتمكين لصهره باسيل، بشتى الأساليب.

يريد فريق عون وباسيل حيازة الثلث المعطّل داخل الحكومة ليكون ورقة مساومة في مفاوضات اختيار رئيس الجمهورية القادمة.

 

ويؤكد عبد الرحمن، ذلك في حديثه لـ "حفريات"، قائلاً إنّ  الهدف الأساسي من معركة رئيس الجمهورية الحكومية، التي يخوضها بالنيابة عن التيار الوطني الحرّ؛ هو توريث صهره جبران باسيل، وذلك بعد انتهاء ولايته في خريف عام ٢٠٢٢، وعليه سيبقى تيار باسيل متمسكاً بالحصول على الثلث المعطل كي يفاوض به عند أعتاب الاستحقاقات الدستورية الكبرى، وأبرزها الانتخابات الرئاسية، كي يتمكن باسيل من استخدامه في إسقاط الحكومة وإدخال البلاد في شغور حكومي، إضافة إلى الشغور الرئاسي، الذي سيعمل على إطالة أمده، كما فعل حزب الله والتيار الوطني الحر في المرحلة التي سبقت انتخاب ميشيل عون رئيساً للجمهورية.

رهان عون

ورغم أنّ الدستور اللبناني ينصّ على أنّ رئيس الجمهورية هو رئيس لكلّ اللبنانيين، لكنّ الواقع بخلاف ذلك، فعون يوظف ورقة الأزمة المعيشية ضدّ خصومه في تيار المستقبل، وخصوصاً سعد الحريري، كون الطائفة السنيّة هي الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، خصوصاً بعد رفع الدعم السعودي عنها.

(أمام تعنت ميشيل عون اضطر الحريري للاعتذار عن تأليف الحكومة)

وإلى جانب ذلك، فقد أدّى نظام المحاصصة بين المسلمين والمسيحيين في وظائف الدولة إلى منح المسيحيين، الذين باتوا يشكلون ثلث سكان البلاد، فرصاً أكبر في الوظائف الحكومية، ما جعل وضعهم الاقتصادي أفضل من المسلمين السنّة، الذين يتشاركون مع الشيعة وبقية الطوائف المسلمة حصة النصف الأخرى، رغم أنّ عدد المسلمين يزيد عن الثلثين قليلاً، ويحظى الشيعة بغطاء من الدعم الإيراني عبر حزب الله، ما يجعل الطائفة السنّية أشد المكوّنات معاناةً من الوضع الاقتصادي، وبحكم الطائفية يراهن عون على أن ترتدّ هذه المعاناة على خصومه من السنّة.

إقرأ أيضاً: تركيا في لبنان: قوّة "استعماريّة" غير مؤثّرة

ويتوقع الباحث عبد الرحمن؛ أن يكون مصير ميقاتي الاعتذار، ويقول: "بعد مرور عام على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، إثر كارثة انفجار مرفأ بيروت، تكلَّف ثلاثة رؤساء بتشكيل الحكومة؛ اعتذر الأول، السفير مصطفى أديب، ثم حذا حذوه الرئيس سعد الحريري، ولا شكّ في أنّ الرئيس ميقاتي سيلحق بهما؛ نتيجة الشروط التعجيزية التي يضعها فريق رئيس الجمهورية".

ولفت عبد الرحمن إلى أنّ الرئيس عون لا مشكلة لديه في البقاء دون حكومة حتى نهاية عهده، ويفرض خيارين؛ إما أن تتشكل حكومة ميشال عون البرتقالية، أو أن تبقى حكومته الحالية كي يدير وزير داخليته الانتخابات النيابية المقبلة فيتمكن من تعويم صهره جبران باسيل.

العبث باتفاق الطائف

ولم تقتصر أزمة لبنان على تشكيل الحكومة، فخلف الأزمة يستقر النظام السياسي المنبثق عن اتفاق الطائف، والذي بات محلّ نقد من فريق رئيس الجمهورية، الذي يطالب بإعادة صلاحيات الرئيس إلى ما كانت قبل الاتفاق، حين كان بيده تكليف رئيس حكومة، بدلاً من الاستشارات النيابية، ما يعني أنّ السلطة التنفيذية ستكون بيد الرئيس، ويفقد السنّة بذلك موقع الرئاسة الثانية، وإن ظلّ رئيس الحكومة منهم.

(مدينة طرابلس مركز الثقل السنّي شهدت احتجاجات واسعة على تردي الأحوال المعيشية)

وسعى عون إلى الانتقاص من مكانة رئاسة الوزراء، وذلك عبر عقد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع كبديل عن اجتماعات مجلس الوزراء، وكذا حين سمح بتقديم اتّهام في قضية انفجار مرفأ بيروت بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، ما تسبب في ردّ فعل قوي في الشارع السنّي، الذي تكاتف حول دياب رغم الخلافات بينهما، وذلك للحفاظ على مكانة رئاسة الوزراء من عبث رئاسة الجمهورية.

وفي سياق متصل، طرح رئيس مجلس النواب، نبيه بري، مشروع قانون لتعديل قانون الانتخابات الحالي، بما يسمح بإعادة توزيع حصص الطوائف، مع الحفاظ على المحاصصة الطائفية، وهو الأمر الذي رفضته القوى المسيحية بمختلف أطيافها، وعدّته انتقاصاً من حقوقها.

وتضع هذه السجالات لبنان أمام مستقبل مجهول، ما دفع إلى الحديث عن الحاجة إلى "مؤتمر تأسيسي" جديد لتجاوز اتفاق الطائف لعام 1991، وهو الأمر الذي لن تقبل به الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، كونه يفتح الباب أمام احتمالات مجهولة، ربما يكون الاقتتال الأهلي من بينها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية