لا تجادل ولا تناقش... كيف قوض مبدأ الولاء والبراء حرية الرأي داخل جماعة الإخوان المسلمين

لا تجادل ولا تناقش... كيف قوض مبدأ الولاء والبراء حرية الرأي داخل جماعة الإخوان المسلمين

لا تجادل ولا تناقش... كيف قوض مبدأ الولاء والبراء حرية الرأي داخل جماعة الإخوان المسلمين


14/04/2025

مبدأ الولاء والبراء هو مفهوم يعنى، بالمعنى الأصولي، بتحديد معايير الولاء والعداء في العلاقات الاجتماعية والدينية للمسلمين، ويُشير هذا المبدأ إلى وجوب محبة ونصرة المؤمنين، والتبرؤ من الكافرين وأفعالهم. ​

ويستند هذا المبدأ، بحسب رؤية إيديولوجية مجتزأة للنص الديني، إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية. ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" (المائدة: 51). كما ورد في الحديث النبوي: "أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله". ​وعليه استدعى الأصوليون المبدأ من القرآن والسنّة، بمعزل عن أسباب النزول والسياق التاريخي، لاستخدامه وتوظيفه سياسياً، وبشكل يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي نفسه.

تطور المفهوم عبر التاريخ

ظهر مفهوم الولاء والبراء في البداية لدى فرق الخوارج والإباضية، حيث استُخدم لتحديد معايير الانتماء والتمييز بين المؤمنين وغيرهم. لاحقًا تبنّت بعض الجماعات الإسلاموية هذا المبدأ، مع تباين في تفسيره وتطبيقه. ​

ظهر مفهوم الولاء والبراء في البداية لدى فرق الخوارج والإباضية

في العصر الحديث أصبح مبدأ الولاء والبراء جزءًا أساسيًا من عقيدة بعض الحركات السلفية، حيث يُستخدم لتحديد العلاقات مع غير المسلمين ومع المسلمين الذين يُعتبرون مقصرين في الدين. ويُشدد هذا المبدأ، وفق النهج السلفي، على ضرورة التمايز عن غير المسلمين، وعدم التشبه بهم في الممارسات والعادات. ​

الاستخدام السياسي للمبدأ

استُخدم مبدأ الولاء والبراء من قبل بعض الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لتعزيز التماسك الداخلي ومنع المعارضة داخل التنظيم لنهج القيادة، التي أمعنت في الاستبداد تحت غطاء شرعي، استمدته من عقيدة الولاء والبراء؛ من خلال تصوير الولاء للجماعة كجزء من الولاء للإسلام. وبناء عليه يتم خلق حالة استبدادية، حيث تعتبر أيّ معارضة بمثابة معارضة للدين نفسه. وهذا الأسلوب يُستخدم لقمع الأصوات المعارضة وتعزيز السيطرة الداخلية. ​

وقد استخدم حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين والمرشد الأول، هذا المبدأ  لتأكيد التماسك الداخلي للجماعة في مواجهة التيارات المعارضة من الداخل. لكنّ التوظيف الإيديولوجي الأكثر أهمية جاء بفضل سيد قطب، أحد أبرز مفكري الإخوان المسلمين، الذي تناول مبدأ الولاء والبراء في تفسيره "في ظلال القرآن، وفيه أكد قطب على أهمية التمايز بين المجتمع المسلم والمجتمعات غير المسلمة، مشددًا على ضرورة تحقيق العزلة الشعورية للمسلم عن الجاهلية المحيطة به.

رئيس قسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمون-آنذاك-: سيد قطب

وبشكل عام، فإنّ مبدأ الولاء والبراء يُعتبر جزءًا أساسيًا من العقيدة الإخوانية، وعلى الرغم من اختلاف تفسيرات وتطبيقات هذا المبدأ بين علماء ومفكري الإسلام، إلّا أنّ جماعة الإخوان استدعت المفهوم من أجل خلق كتلة داخلية صلبة، خاضعة بشكل مطلق لقرارات مكتب الإرشاد، وأصبح الانشقاق عن التنظيم أشبه بمفارقة جماعة المؤمنين.

وبشكل عام، أسهم مبدأ الولاء والبراء في تعزيز الهوية الجماعية للتنظيم، وتحقيق التماسك الداخلي من خلال تحديد من هو "داخل" الجماعة ومن هو "خارجها"، حيث يتم تعزيز الشعور بالانتماء والولاء. ويُعتبر مبدأ الولاء والبراء عنصرًا محوريًا في بعض الأدبيات الإخوانية، وقد استُخدم لتحديد أنماط العلاقات والولاءات، وتعزيز الهوية الجماعية، والتماسك الداخلي، إلا أنّ تطبيقاته أفضت إلى تأكيد كونه أداة لقمع المعارضة وتعزيز السيطرة الداخلية لمكتب الإرشاد.​

تاريخ من الانشقاقات

على الرغم من سطوة المبدأ ودوره في بقاء الجماعة تاريخيًا لنحو قرن من الزمان، إلّا أنّه لم يحل دون حدوث انشقاقات تاريخية، سبقت تمرد جبهة إسطنبول على مكتب الإرشاد في لندن، وظهور جبهة التغيير.

وشهدت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1928 عدة انشقاقات أثرت على مسارها التنظيمي والسياسي، وقد تفاوتت أسبابها بين الخلافات الإيديولوجية، والصراعات التقليدية على السلطة داخل التنظيم، ومن أبرز هذه الانشقاقات:

انشقاق الإسماعيلية (1932): جرى بعد (4) أعوام من تأسيس الجماعة، والتي شهدت أولى أزماتها الداخلية فيما عُرف بـ "انشقاق الإسماعيلية"، حين انشق عدد من الأعضاء بسبب خلافات تنظيمية وإدارية مع المرشد الأول حسن البنا.

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين: حسن البنا

انشقاق مجموعة أحمد رفعت (1937): انشقت مجموعة إخوانية بقيادة أحمد رفعت؛ نتيجة خلافات مع حسن البنا حول توجهات الجماعة وسياساتها.​

انشقاق مجموعة شباب محمد (1939): وهو الانشقاق التنظيمي الأخطر، وقامت به مجموعة أطلقت على نفسها "شباب محمد"، ممّا أدى إلى حدوث توترات داخلية عنيفة داخل التنظيم.

أزمة العام (1947): في العام 1947 قام حسن البنا بفصل قيادات مثل أحمد السكري، وحسين عبد الرازق، وكمال عبد النبي، ممّا أدى إلى استقالة الدكتور إبراهيم حسن من مكتب الإرشاد احتجاجًا على هذه القرارات.​

أزمات في ولاية حسن الهضيبي (1951-1973): وفي تلك الفترة، تمّ فصل قيادات بارزة مثل: أحمد حسن الباقوري، وعبد الرحمن السندي، وأحمد عادل كمال، وأحمد زكي حسن، ومحمود الصباغ، والشيخ محمد الغزالي، وصالح عشماوي، والشيخ سيد سابق. كما ابتعد محمود عساف وعبد الرحمن الساعاتي (شقيق حسن البنا) عن الجماعة.

حزب الوسط وأزمة العام (1996): شهدت الجماعة انشقاق مجموعة من الأعضاء  الذين أسسوا حزب الوسط، تعبيرًا عن توجه أكثر اعتدالًا وانفتاحًا من ناحية النقاش الداخلي، وحرية الكلمة داخل الكيان السياسي.

​وفي كل هذه الانشقاقات استدعى مكتب الإرشاد مبدأ الولاء والبراء، إلى الحد الذي تمّ فيه تكفير المجموعات المنشقة، وتعامل المكتب مع الانشقاقات بحزم، وتمّ فصل الأعضاء المعارضين واتخاذ إجراءات تنظيمية استبدادية بداعي الحفاظ على وحدة الجماعة.​ وعليه تمّ التعامل مع هذه الانشقاقات بإجراءات تأديبية، شملت الفصل والتجميد بهدف الحفاظ على الانضباط الداخلي.​ لكنّ الأمر اختلف قليلًا في العام 1996 حين حاول البعض في مكتب الإرشاد احتواء الأزمة عبر الحوار الداخلي، لكنّ هذه المجموعة واجهت تحديات كبيرة، وانتهت إلى الخضوع لرأي المرشد بتكريس مبدأ الولاء والبراء وطرد المجموعة المنشقة.​

ويمكن القول: إنّ تاريخ جماعة الإخوان المسلمين حافل بالانشقاقات، رغم تكريس الانضواء والتبعية التي نشأت عن مبدأ الولاء والبراء، والذي ظلّ القاسم المشترك بين أعضاء الجماعة الذين حافظوا على عضويتهم فيها حتى الآن.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية