كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الردع؟

كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الردع؟

كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الردع؟


28/05/2024

طارق العليان

في ميدان الدفاع والأمن، من المرجح أن يُحْدِث الذكاء الاصطناعي تحولاً في ممارسات الردع والإكراه، إذ سيكون له على الأقل ثلاثة تأثيرات تكميلية على حسابات القوة والإدراك والإقناع بين الدول.

ويعدّ إجراء نقاش حول الطرق التي يؤثر بها الذكاء الاصطناعي على معادلة الردع والإكراه، وكذلك السبل التي يمكن من خلالها التصدي للتحديات الاستراتيجية التي تثيرها هذه المسألة، أمراً ضرورياً، حسب نيشانك موتواني، محلل أول في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، ويرأس ملف أوكوس (اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).

وقال موتواني، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، مختص بالقضايا الاستراتيجية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، في تحليل بموقع "ناشونال إنترست"، إن الردع في جوهره استراتيجية للتأثير على سلوك الخصم بالتهديد بالعقاب أو الانتقام، ويهدف الردع إلى إقناع الخصم بالتخلي عن عمل معين عن طريق غرس الخوف فيه من العواقب، ومن ثم التأثير على حسابات المكاسب والخسائر لديه، وفي حين أن الهدف من الردع هو منع الخصم من اتخاذ إجراء بعينه مستقبلاً، فإن الإكراه يسعى إلى فرض تغيير على السلوك الراهن للخصم.

إيصال التهديدات للخصوم

ويندرج كلا المفهومين تحت المفهوم الأوسع للإكراه. ويتعين على الجهات الفاعلة التي تعتمد هذه الديناميكية أن تدرس بعناية كيفية إيصال التهديدات إلى خصومها لحملهم على إعادة النظر في رغبتهم في الإقدام على أعمال محددة. 

وتنطوي كل خطوة وخطوة مضادة في حسابات الإكراه على مخاطر تصعيدية كبيرة يمكن أن تفضي إلى عواقب غير مقصودة.

ومن ثم، يرى الكاتب أنه يتعين على صانعي القرار أن يدرسوا كل خطوة بحكمة وروية، معتمدين على التاريخ وعلم النفس والسياق لإيصال تهديدات ذات مصداقية بهدف ثني الخصوم عن تجاوز الخطوط الحمراء.

ووفق الكاتب، فإن التفاعلات الديناميكية للقوة التي تقود إلى التعاون والتنافس والصراع من المرجح أن تصبح أكثر تقلباً بسبب الذكاء الاصطناعي والغموض الذي سيبثه في عقول صانعي القرار عند تفسير نوايا الجهات الفاعلة الدفاعية أو الهجومية.

على سبيل المثال، إذا كان أحد الفاعلين يرى الآخرَ حقاً طرفاً خبيثاً، فمن المرجح أن تؤدي الاستفادة من الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز التحيز الذي مفاده أن الموقف العسكري للمنافس يعكس بشكل متزايد توجهاً هجومياً وليس دفاعياً.

ويمكن أن يؤدي تعزيز التحيزات إلى جعل أداء الدور الدبلوماسي في خفض التصعيد أصعب وأكثر مشقة.

الذكاء الاصطناعي والقدرة على التفسير

ويمثل افتقار الذكاء الاصطناعي المتأصل إلى القدرة على التفسير، حتى في التطبيقات الحميدة، تحدياً كبيراً بالتزامن مع تضاعف دمجه في القدرات العسكرية القادرة على إحداث ضرر جسيم. وسيضطر صانعو القرار إلى التعامل مع تفسير معادلة الهجوم والدفاع لنظرائهم في خضم هذا الغموض. 

وهناك مسألة ملحَّة أخرى تتمثل في ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على أن يفاقم تشكيل صور الأعداء، مما يشجع على إجراء تقييمات تعتمد على أسوأ الاحتمالات لتبرير العقاب أو العنف. وهذا الخطر ليس افتراضياً، إذ أدت البيانات المتحيزة في أنظمة الشرطة المعتمِدَة على البيانات بالفعل إلى استهداف الأقليات في شكل متكافئ.

عواقب وخيمية

وفي الميدان العسكري، يمكن أن يكون للتحيز الخوارزمي الناتج عن جمع البيانات وتدريبها وتطبيقها عواقب وخيمة.

صحيح أن البشر هم مَن يصممون الذكاء الاصطناعي، لكن هذه التكنولوجيا الجديدة قد تشكِّل بدورها عملية صنع قرارات البشر في المستقبل.

وديمومة حالة عدم اليقين في النظام الدولي تعني أن التصورات ستظل متحيزة. ولا يمكن لأي حلول تقنية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، أن تتجاوز هذه المخاوف الإنسانية العميقة. إن الصور المعرفية، التي تعني إدراك الفاعل لنظيره، لا يمكن اختزالها في بيانات مهما بلغ تطور مجموعات البيانات متعددة المتغيرات التي تغذِّي قدرة الذكاء الاصطناعي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البيانات لا يمكنها أن ترصد الخصوصية التي تحيط بأي موقف معين.

وعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز القدرات العسكرية من خلال تحسين الوعي المكاني والاستهداف الدقيق واتخاذ القرار السريع، لا يمكن القضاء على معضلة الأمن التي تضرب بجذورها في عدم اليقين الدولي المنهجي. وفي أحسن الأحوال، يمكن أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في البنى السياسية والدفاعية والعسكرية من قِبَل الجهات الفاعلة عالمياً إلى التصورات نفسها تقريباً.

وأبرز الكاتب "وجوب أن نكون متأهبين أيضاً لتقلبات أكبر بالتزامن مع تهافت الدول على التفوق على منافسيها، اقتناعاً منها بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسرِّع الارتقاء بمكانتها في النظام الدولي، مما يؤدي إلى تفاقم معضلة الأمن".

ونتيجة لذلك، غالباً ما تستعد الدول للأسوأ لأنه ليس بوسعها معرفة نوايا منافسيها على وجه اليقين.

ولفت الكاتب النظر إلى وجود تحدٍّ محوري يكْمُن في البيان الفعّال لقدرات تعتمد على الخوارزميات. فلا توجد وحدة قياس لقدرة الذكاء الاصطناعي تعادل وحدة قياس قدرات الأسلحة المادية المتمثلة في أعداد الدبابات أو الصواريخ أو الغواصات، مما يزيد من حالة عدم اليقين في مجال الردع ليس إلا.

من المرجح أيضاً أن يزداد فن الإقناع تعقيداً بالتزامن مع تبني الذكاء الاصطناعي. فقد أثبت التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي بالفعل قوة أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على إقناع البشر بشراء المنتجات ومشاهدة مقاطع الفيديو والغوص لأعماق معلوماتهم.

ومع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي إذ أمست أكثر تخصيصاً وانتشاراً وفي متناول الجميع بقدرٍ أكبر، بما في ذلك البيئات السريَّة والبالغة الحساسية، ثمة خطر يتمثل في أن تحيزات صانعي القرار قد تؤثر على كيفية تشكيلهم لواقعهم ومسارات عملهم.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية