كيف نجح الجيش الأوكراني في اصطياد الغزلان الروسية السوداء؟

كيف نجح الجيش الأوكراني في اصطياد الغزلان الروسية السوداء؟

كيف نجح الجيش الأوكراني في اصطياد الغزلان الروسية السوداء؟


06/12/2022

في العام 1929، تمّ الإبلاغ عن رؤية أول غزال أسود اللون، وبحسب جمعية إدارة جودة الغزلان (QDMA) العالمية، فقد ظهر هذا النوع النادر من الغزلان، في عدة ولايات أمريكية هي: ميسيسيبي، وميشيجان، وفرجينيا، وبنسلفانيا، وتكساس، وساوث كارولينا.

ويُعد الغزال الميلاني نتاجاً لطفرة وراثية نادرة، وضعته على رأس القائمة بين أقرانه من الغزلان الأخرى، التي تفتقر تماماً إلى صبغة الميلانين ذات اللون الداكن في جلدها أو شعرها، بينما نجح الغزال الأسود في تطوير صبغة الميلانين في جسده، مثلما نجح أيضاً في تطوير دفاعاته، وقد منحه اللون الأسود قدرة فائقة على التخفي من الأعداء الطبيعيين في أثناء الليل.

إضافة إلى ذلك، اكتسب الغزال الأسود مقدرة كبيرة على مقاومة الأشعة فوق البنفسجية، كما أنّ الميلانين يضمن لجسم الغزال الأسود مناعة أقوى ضد بعض الأمراض، وقدرة فائقة على امتصاص الحرارة، مع اكتساب كفاءة في التعامل مع أشعة الشمس، ويعتقد البعض أنّ الغزلان السوداء لديها نظام عصبي أكثر توازناً من الغزلان الأخرى.

وبفضل مهارتها وقدراتها الوراثية، سجلت الغزلان السوداء أرقاماً مرتفعة فيما يتعلق بمتوسط أعمارها، مقارنة بالأنواع الأخرى، وهي نادرة للغاية، حتى أنّ فرص الصياد في اكتشافها مقارنة بالغزلان العادية تصل إلى نسبة 1: 500000 أو أقل! بينما تتضاءل فرص صيدها إلى أقل من تلك النسبة بكثير.

غزلان روسيا السوداء

بالمثل، فإنّه من المفترض أن يكون لقادة الجيوش وجنرالاتها قدرة خاصّة على التخفي والإفلات من القناصة في المعارك، لما تراكم لديهم من خبرات قتالية، وما نجحوا في تطويره من مهارات، بالإضافة إلى تميزهم وما يتمتعون به من حماية، ما يجعل من اصطياد جنرال أو كولونيل أثناء المعارك، أشبه بقدرة صياد على اقتناص غزال أسود.

يلعب الجنرالات في الجيش الروسي دوراً أكبر في العمليات اليومية

وعلى عكس المفترض والمتوقع، شهدت الحرب الروسيّة الأوكرانية، تساقط الكثير من غزلان موسكو السوداء، بشكل أثار دهشة المتابعين، فمنذ الأسابيع الأولى، سقط نحو 27 قتيلاً من ضباط النخبة في الجيش الروسي،  وهو الرقم الذي تضاعف فيما بعد.

يُعد حجم الخسائر في صفوف ضباط النخبة بالجيش الروسي مرتفعاً للغاية، وهو أمر ربما يرجع وفقاً للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى اضطرار كبار الضباط إلى تعريض أنفسهم للخطر، بالذهاب إلى الخطوط الأولى للقتال،  في محاولة لتحقيق الأهداف العسكرية التي تمّ تقويضها جراء التقدم البطيء في أوكرانيا.

اكتسب الغزال الأسود مقدرة كبيرة على مقاومة الأشعة فوق البنفسجية، كما أنّ الميلانين يضمن لجسم الغزال الأسود مناعة أقوى ضد بعض الأمراض، وقدرة فائقة على امتصاص الحرارة

بدورها، أرجعت المخابرات البريطانية مقتل كبار القادة الروس، إلى "ذهابهم إلى الميدان لقيادة العمليات شخصياً؛ لمعالجة الصعوبات الناجمة عن سوء القيادة، والفشل في السيطرة، بالإضافة إلى الأداء العسكري المتعثر على خط المواجهة". وتقول مخابرات الحكومات الغربية، إنّ عشرة جنرالات روس على الأقل قد فعلوا ذلك وقُتلوا؛ بسبب أخطاء إستراتيجية جسيمة.

من جهته، وصف مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة السابق في روسيا، عدد الجنرالات الروس الذين قتلوا بأنّه "عدد صادم". بينما أشار الجنرال ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، وقائد قوات التحالف في العراق، إلى أنّه "من غير المألوف جداً، مقتل العديد من الجنرالات". مضيفاً أنّ الجيش الأوكراني كان" ينتقيهم من اليسار واليمين". بينما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أنّ الجنرالات "قتلوا بمعدل لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية".

بالإضافة إلى هؤلاء الضباط، قتل العديد من ضباط النخبة الروس على يد القوات الأوكرانية منذ الأسابيع الأولى؛ ففي 23 آذار (مارس) الماضي، صرّح المسؤول الأوكراني، ميخايلو بودولاك، أنّ قواته قتلت العشرات من كبار الضباط الروس. وفي اليوم نفسه، أحصت "التايمز" مقتل خمسة ضباط برتبة كولونيل في أوكرانيا. وبحلول نهاية نيسان (أبريل) الماضي، قُتل ما لا يقل عن 317 ضابطاً روسياً، ثلثهم على الأقل من أصحاب الرتب العليا. وفي 11 أيّار (مايو) الماضي، أكدت صحيفة "الإندبندنت" مقتل 42 عقيداً روسياً.

وكان من بين الضحايا رفيعي المستوى في البحرية الروسية، أندريه بالي، نائب قائد أسطول البحر الأسود، كما تمّ الإبلاغ عن مقتل أنطون كوربين، قائد السفينة الروسية موسكفا.

استهداف مقصود

كشف مسؤول أوكراني لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عن وجود وحدة خاصّة تابعة للمخابرات العسكرية الأوكرانية، تقوم بجمع المعلومات عن مواقع كبار الضباط الروس، بما في ذلك الجنرالات وقادة المدفعية والطيارين، ومن ثم تقوم باستهدافهم.

ومن بين الأسباب الأخرى التي تسببت في مقتل كبار القادة الروس، على جبهات القتال المختلفة، استخدام وسائل الاتصالات غير الآمنة من قبل القوات الروسية؛ حيث نجحت المخابرات الأمريكية في تتبعها، ما سمح للأوكرانيين باستهداف كبار الضباط الروس. بالإضافة إلى تحرك الضباط إلى الخطوط الأمامية؛ لتعزيز المعنويات المتدهورة للجنود، ومعالجة قضايا الانضباط، مثل النهب.

أرجعت المخابرات البريطانية مقتل كبار القادة الروس، إلى ذهابهم إلى الميدان لقيادة العمليات شخصياً؛ لمعالجة الصعوبات الناجمة عن سوء القيادة، والفشل في السيطرة

ويُعزى استخدام الهواتف غير الآمنة إلى فشل نظام تكنولوجيا الهاتف الآمن في روسيا، وكشف اثنان من المسؤولين العسكريين الأمريكيين لصحيفة "نيويورك تايمز"، أنّ الجنرالات الروس في أوكرانيا، أجروا محادثات في كثير من الأحيان باستخدام الهواتف وأجهزة الراديو غير الآمنة، وأنه في بعض الحالات، قُتل جنرال ومساعدوه، بعد أن اعترض الأوكرانيون مكالمته، وقاموا بتحديد الموقع الجغرافي، وهاجموا الموقع، ومن أبرز العمليات التي تمت وفق هذا النهج، عملية اغتيال الميجور جنرال أوليج ميتيايف، الذي قُتل خلال الهجوم الروسي على مدينة ماريوبول، حيث قال أنطون جيراشينكو، مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية، إنّ القوات الأوكرانية تمكنت من اعتراض مكالمة من الجنرال الروسي وقتلته، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، وقالت الصحيفة إنّ المخابرات الأمريكية قدمت معلومات استخباراتية؛ لمساعدة الجيش الأوكراني على استهداف الجنرالات الروس.

انهاك النخبة العسكرية الروسية

يلعب الجنرالات في الجيش الروسي دوراً أكبر في العمليات اليومية، مقارنة بالجيوش الأخرى، وتمّ منح قادة الكتائب الروسية المزيد من السلطة، قبل الغزو بثلاث سنوات فقط، ما جعلهم يفتقدون إلى الخبرات اللازمة. ووفقاً لمحللين ومسؤولين غربيين، نشرت روسيا ما يقرب من 20 ضابطاً عاماً في أوكرانيا، يفتقدون تماماً إلى الخبرات الميدانية.

ويعتقد بعض الخبراء، بحسب موقع "إنسايدر" الأمريكي، أنّ روسيا ربما تكون بالغت في تقدير قوة جيشها؛ واندفعت نحو تحقيق التقدم السريع الذي توقعته، ففقدت عدداً كبيراً من الشخصيات العسكرية البارزة. يقول جوردون كوريرا، مراسل "بي بي سي" الأمني، إنّ القادة الروس كانوا يتقدمون نحو خط المواجهة، في محاولة لاستعادة الزخم لغزو أوكرانيا باندفاع شديد. وأضاف: "هؤلاء القادة يحاولون فرض شخصيتهم في ساحة المعركة، لكن هذا بدوره يعرضهم لخطر أكبر".

 قتل العديد من ضباط النخبة الروس على يد القوات الأوكرانية

ولعب القناصة دوراً كبيراً في اصطياد القيادات العسكرية الروسية، ولعل أبرز هؤلاء هو الميجور جنرال أندريه سوكوفيتسكي، والذي يُعد أول خسارة رفيعة المستوى للجيش الروسي، حيث كان يشغل منصب القائد العام للفرقة السابعة المحمولة جواً في روسيا، ونائب قائد جيش الأسلحة المشترك الحادي والأربعين.

كما تمّ قنص اللواء فيتالي جيراسيموف، النائب الأول لقائد الجيش الروسي 41، بواسطة المخابرات العسكرية الأوكرانية في خاركيف. كما قال الجيش الأوكراني في تغريدة على "تويتر"، إنّه نجح في قنص الميجور جنرال الروسي أندريه كوليسنيكوف، قائد جيش الأسلحة المشتركة التاسع والعشرين.

كشف مسؤول أوكراني لصحيفة وول ستريت جورنال، عن وجود وحدة خاصّة تابعة للمخابرات العسكرية الأوكرانية، تقوم بجمع المعلومات عن مواقع كبار الضباط الروس

كان نجاح القوات الأوكرانية في تحديد مواقع الغزلان الروسية السوداء، فارقاً في استهدافها، ومن ثمّ اصطيادها بسهولة، مثلما فعلت عندما حددت موقع اللفتنانت جنرال أندريه موردفيتشيف، قائد الجيش العام الثامن للمنطقة العسكرية الجنوبية، والذي قتل في قصف مركز نفذته القوات الأوكرانية على مطار في تشورنوبايفكا بالقرب من مطار خيرسون، والذي يتم استخدامه كقاعدة روسية مؤقتة. وربما يعزى فشل روسيا إلى الآن في حماية كبار القادة في جيشها؛ إلى استخدام الجيش الأوكراني لتكنولوجيا غربية فائقة، تختص بالتجسس والمتابعة، إضافة إلى حالة التخبط التي باتت تضرب الجيش الروسي، والتي تفاقمت منذ الانسحاب من خيرسون.

مواضيع ذات صلة:

"دافوس" انتهى كما ابتدأ: أوكرانيا ووعود تعافي الاقتصاد

كيف توظّف روسيا الحسناوات لكسب العرب في الحرب ضد أوكرانيا؟

أردوغان يفعلها مجدداً: حسابات الربح والخسارة من الحرب في أوكرانيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية