كيف توظّف روسيا الحسناوات لكسب العرب في الحرب ضد أوكرانيا؟

كيف توظّف روسيا الحسناوات لكسب العرب في الحرب ضد أوكرانيا؟


09/05/2022

قد لا تكون معارك الأسلحة في الحرب الروسية - الأوكرانية الغربية هي الأشدّ مقارنةً بما شهده العالم الحديث من حروب، لكنّها قد تكون الحرب التي تشهد أشدّ الصراعات الثقافية والأخلاقية والإعلامية، ومحور ذلك هو الرأي العام الدولي.

ومن بين تجمّعات الرأي العام الدولي، ينال الرأي العام العربي اهتماماً من المتصارعين، ويسعى كلاهما لكسبه إلى صفه، سواء بالتدخل المباشر لدى الحكومات، أو غير المباشر عبر وسائل الإعلام المتعددة، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، التي تمتلك أهمها الولايات المتحدة.

وفي مواجهة ذلك تسعى موسكو لتكوين رأي عام دولي مؤيد لها، عبر ترويج سرديتها عن الحرب، وفي حالة الجمهور العربي، تحديداً على منصة تويتر، لجأت موسكو إلى أساليب دعائية، على رأسها توظيف حسابات غير موثوقة تستخدم الجمال الأنثوي لجذب المتابعين، سواء على تويتر أو لتوجيههم إلى قنوات اتصال عبر تيليجرام تحديداً، ويظهر أنّ بعض هذه الحسابات يستخدم صوراً لفنانات وممثلات ونجمات معروفات.

الحسناوات الروس

وعقب بدء الحرب في أوكرانيا، في 24 شباط (فبراير) الماضي، ظهرت تباعاً على منصة تويتر حسابات تنشر أخبار العمليات العسكرية الروسية، وتدافع عن شرعية الحرب، باللغة العربية، وكان اللافت أنّ غالبيتها بأسماء فتيات، سواء بالعربية أو الإنجليزية أو الروسية، ويعرفن عن أنفسهن كمراسلات حربيات وإعلاميات روسيات.

أحد الحسابات في تويتر

ولم تكن الصور لإعلاميات معروفات عن طريق وسائل الإعلام الروسية الناطقة بالعربية، بل هي لفتيات هنّ أقرب إلى عارضات الأزياء، وفتيات ذات جمال جرى تصويره ليكون عنصر جذب وإثارة لفئات محددة من القراء.

 استخدمت روسيا وأوكرانيا رجال الدين الإسلامي، سواء عبر مفتي موسكو والرئيس الشيشاني قديروف، ومفتي كييف والجمعيات الإسلامية التي ترتبط بالإخوان المسلمين في أوكرانيا وأوروبا

وما يثير الشبهات حول هذه الحسابات عدة ملاحظات، أولها؛ أنّ أغلبها أُنشئ في وقت اندلاع الحرب وفي الشهرين التاليين لها، والثانية أنّها تنشر المحتوى نفسه تقريباً، والثالثة أنّها فعّالة في النشر على مدار اليوم، بمعنى أنّ من يديرها مُتفرغ لهذه المهمة، والرابعة غياب حسابات بأسماء وصور رجال تقدّم المحتوى الروسي نفسه بالعربية.

ومن بين هذه المجموعة النسائية توجد عدة حسابات لفتيات يحملن الخصائص الجمالية نفسها، ويُعرفن عن أنفسهن بأنّهن صحفيات وناشطات شيشانيات، ويروّجن لأخبار الحرب الروسية مع التركيز على الدور الشيشاني، وتوظيف المظاهر الدينية الإسلامية من حجاب ومصطلحات، مثل الجهاد، مع مدح الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، بصفته خادم القرآن الكريم.

لماذا الحسناوات؟

وعن سبب توظيف عناصر الجذب الأنثوية في الترويج للسردية الروسية عن الحرب، يرى الصحفي والإعلامي اللبناني، ربيع ياسين؛ أنّ "استخدام النساء ليس جديداً على الحياة السياسية والاجتماعية والتجارية، وقبل مواقع التواصل الاجتماعي لاحظنا استخدام للنساء في قضايا عدة؛ لأنّ المرأة تشكل في العالم والمنطقة العربية تحديداً نقطة جذب، بالتالي، تُستغل أجساد النساء للترويج".

أحد الحسابات في تويتر

وقال لـ "حفريات": "مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، لا شكّ في أنّ توظيف المرأة لعب دوراً كبيراً في الصراعات بين الدول، ونلاحظ جهات سياسية وعسكرية ومخابراتية تعمل ما تسمى بالحسابات المزيفة، التي تستخدم صور نساء جذابات، لأغراض سياسية وثقافية، وحتى للتجسس".

وحول قضية الحسابات المزيفة لمن يُعرّفن عن أنفسهن كإعلاميات روسيا، أفاد ياسين: "كلّ الوسائل تستعمل في الحرب، لترويج الأفكار، وغير مستبعد أن تكون هذه الحسابات تُدار من قبل جهات رسمية واستخباراتية روسية، فالحرب كان يهيَّئ لها منذ مدة طويلة".

ولفت الصحفي اللبناني إلى أنّ "من يستخدم منصات السوشيال ميديا للترويج لقضية ما، يكون على دراية بأيديولوجية وفكر ونفسية المواطن العربي، ومن المعروف أنّ فئات واسعة من المواطنين العرب تنجذب للمرأة الجميلة، وهذا يسهل الترويج لقضية ما عبر استغلال ذلك، خصوصاً بين فئة الشباب".

ومن جانبه، علّق الكاتب الجزائري، جمال الدين بوزيان: "مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لاحظنا انتشاراً لافتاً وغير طبيعي لحسابات على السوشيال ميديا، خاصّة على موقع تويتر، لفتيات جميلات أغلبهن شقراوات، يقدمن أنفسهن على أنهن صحفيات ومراسلات حربيات أو ناشطات إعلاميات، مع صور حقيقية أو وهمية للبروفايل".

وفي تصريح لـ "حفريات"، قال إنّ "صور البروفايل في حدّ ذاتها يمكن اعتبارها مصدر جذب أوليّ لأيّ متابع، بعضهن يقدّمن أنفسهن على أنهن روسيات أو أوكرانيات، وأحياناً شيشانيات، مع صورة بروفايل للوجه، بشعر أشقر وعيون ملونة، وبعضهن فضّلن نشر صورة بروفايل بالحجاب، مع مقاييس الجمال نفسها، والمحتوى يتأرجح بين الترويج للجانب الروسي أو الأوكراني ودعمه (بحسب الانتماء)، وبين عزف على الوتر العربي الإسلامي ولبس عباءة مناصرة القضية الفلسطينية والقضايا العربية عامة".

ربيع ياسين: توظيف المرأة لعب دوراً كبيراً في الصراعات بين الدول

وبحسب تقييم المدون والناقد الفني الجزائري: "لو كن فعلاً مراسلات أو صحفيات، فهنّ صحفيات بمقاييس "الفاشينيستات"، فهنّ يقدمن محتوى سياسياً إخبارياً غير حيادي، مع استخدام الجمال كعنصر تأثير وجذب، بعضهن ينشرن صورهنّ ويغيرنها من حين لآخر، وفي وضعيات تليق بعارضات الأزياء، وليس بمراسلات حربيات، المفروض أنّهن ناشطات في ميدان خطير ومتعب، ولا وقت لديهنّ للتبرج والأناقة وأخذ الصور واستعمال الفلاتر على تلك الصور، بل حتى أنّ بعضهنّ ينشرن صوراً تصلح للإغراء".

ملامسة الوتر العربي

وتنقسم المواقف العربية غير الرسمية من الحرب الروسية على أوكرانيا، وهي في مجملها لا تنبع من واقع الغزو الروسي لأوكرانيا، بقدر ما تتشكّل بناءً على السياق الأعم، الذي تتداخل فيه عناصر الموقف من روسيا لدى البعض بسبب دعمها لنظام بشار الأسد، والموقف من الولايات المتحدة بسبب غزوها السابق وتدخلاتها في دول عربية وإسلامية، وكذا القضية الفلسطينية، والتي ترتبط بالحرب بسبب تصريحات الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن إسرائيل واليهود.

وإلى جانب توظيف عنصر الجذب الأنثوي، تستغل حسابات تويتر المنسوبة لإعلاميات روسيا القضايا القريبة من العرب في الترويج لشرعية الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن تلك القضايا إدانة الهيمنة الأمريكية، وإبراز علاقة أوكرانيا بإسرائيل، وإبراز دعم روسيا لفلسطين.

وضمن الصراع على كسب التعاطف الإسلامي، استخدمت روسيا وأوكرانيا رجال الدين الإسلامي، سواء عبر مفتي موسكو والرئيس الشيشاني قديروف، ومفتي كييف والجمعيات الإسلامية التي ترتبط بالإخوان المسلمين في أوكرانيا وأوروبا. وانتقل هذا التنافس إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تبدو موسكو متقدمة فيه بالنسبة للجمهور العربي المسلم، عبر توظيف حسابات بصور فتيات محجبات، يتّسمن بجمال أخّاذ، وينتسبن إلى الشيشان للترويج للحرب، وإضافة مشروعية الجهاد الديني على المشاركة العسكرية للشيشان.

أحد الحسابات في تويتر

ومن جانبه، يرى الإعلامي اللبناني، ربيع ياسين؛ أنّ "الأغلبية العربية تؤيد القضية الأوكرانية، على اعتبار أنّ الروسيَّ معتدٍ، وبما أنّ العلاقات الروسية القوية بإيران وسوريا وما يُعرف بمحور الممانعة تثير غضباً عربياً على روسيا، لهذا تلجأ إلى تخفيف ذلك وكسب الدعم العربي الشعبي عبر توظيف مظاهر الدين الإسلامي، كما نرى في حسابات الفتيات المحجبات".

ولا يمكن الجزم بتبعية هذه الحسابات لجهة روسية رسمية، لكن هناك علامات تجعل نسبتها إلى روسيا بشكل عام ذات مصداقية، ومنها الخطّ الإعلامي المؤيد لروسيا، وأماكن هذه الحسابات التي تنطلق من موسكو، وتعريف الحسابات على أنّها لشخصيات روسية تعمل في وسائل إعلام معروفة.

الكاتب الجزائري جمال الدين بوزيان، لـ "حفريات": لو كنّ فعلاً مراسلات أو صحفيات، فهنّ صحفيات بمقاييس "الفاشينيستات"، يقدّمن محتوى سياسياً إخبارياً غير حيادي

وبحسب الناقد والكاتب، جمال الدين بوزيان، هناك ألف علامة استفهام تحوم حول هذه الحسابات الكثيرة، التي ظهرت فجأة، مع بداية الحرب؛ لأنّها "لمراسلات نساء، وليست لرجال، وهي، بحسب رأيي، حسابات غير بريئة، وتستخدم طريقة قديمة جداً ما تزال فعالة، وهي استغلال جمال الأنثى كعنصر جذب وتأثير".

وعلاوةً على ذلك؛ فقبيل اندلاع الحرب وبعدها جرى ترويج صور المجندات الروسيات والأوكرانيات، اللاتي يتمتعن بجمال أخّاذ على وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة تشبه ما تفعله إسرائيل من ترويج لصور مجنداتها، لكسب تعاطف فئات معينة من الشباب، عبر إثارة إعجابهم بما يرونه من صور.

جمال بوزيان: هناك ألف علامة استفهام تحوم حول هذه الحسابات الكثيرة

ومن الملاحظ أنّ نسبة غير قليلة من تعليقات القرّاء على هذه الصور تتأثر آرائها تبعاً لذلك؛ فتظهر تعليقات مؤيدة لما يُنشر عن الجنديات فقط لجمالهن.

وفي شباط (فبراير) الماضي، بدأت الحرب الروسية  الأوكرانية، وترى موسكو أنّ حربها شرعية، وجاءت لمحاربة النازية الجديدة، وحماية السكان الناطقين بالروسية في إقليم الدونباس، وبعد شهرين من العمليات العسكرية لم تستطع موسكو دخول العاصمة الأوكرانية، كييف، واضطرت للانسحاب وتركيز عملياتها في شرق وجنوب البلاد.

 

مواضيع ذات صلة:

ما خيارات روسيا إذا انضمت السويد وفنلندا إلى الناتو؟

هل تدفع إسرائيل ثمن انحيازها ضد روسيا وأين سيكون رد بوتين؟

هل توقع إيران الاتفاق النووي بمعزل عن روسيا والصين؟‎




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية