كيف سينظر العالم إلى الإسلام السياسي بعد حرب غزة؟

كيف سينظر العالم إلى الإسلام السياسي بعد حرب غزة؟

كيف سينظر العالم إلى الإسلام السياسي بعد حرب غزة؟


30/12/2023

إنجي مجدي

عندما اندلعت الانتفاضات العربية في شتاء عام 2011 ضد الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، حظيت حركات الإسلام السياسي في المنطقة باهتمام دوائر البحث الغربية، وبدا هناك تأييد في شأن ضرورة مشاركة تلك الجماعات في الحكم وإمكانية ترويضها مع الحذر من تلك العنيفة، وما يمكن أن تحدثه الفوضى الناجمة عن سقوط الأنظمة السياسية من صعود تيارات أكثر راديكالية.

وما بين هذا وذاك أثبتت تجربة الإسلاميين في الحكم فشلاً في مصر وتونس ومن قبلهما السودان، وغرق اليمن وليبيا في دوامة الميليشيات المسلحة، وهو ما كان له أثره في شعبية تلك التيارات وتحديداً جماعة الإخوان داخل بلدان المنطقة، وفي الوقت ذاته ظهرت أخرى أكثر إرهاباً مثل تنظيم "داعش".

وبالمثل تثير الحرب في غزة نقاشاً عميقاً حول مستقبل تيار الإسلام السياسي والدور المتوقع للإسلاميين في ظل الحرب وشكل الإسلام السياسي الذي يمكن أن ينبثق من هذه الحرب، كما يتحدث مراقبون عن مصير تحالفات جماعات الإسلاميين في المنطقة وكيفية تعامل الغرب معها. فالإجابات على تلك الأسئلة وغيرها، وفق معهد السياسة والمجتمع ستؤثر بشكل كبير في ديناميكية السياسات في المنطقة في المرحلة المقبلة، كما لوحظ في أحداث تاريخية حاسمة أخرى أدت إلى تحولات في الاتجاهات الأيديولوجية والدينية، بخاصة بين الشباب.

ووفق المستشار الأكاديمي للمعهد محمد أبو رومان، يرتبط تعريف "الجيل السياسي" عموماً بفترة تلي حدثاً كبيراً يؤثر في وعي ذلك الجيل، ويمثل بداية موجة فكرية جديدة أو نقطة تحول في اتجاه أيديولوجي أو فكري قائم.

القوة الأكثر تخريباً

يرى مركز ويلسون للأبحاث السياسية في واشنطن أنه بعد نصف قرن من الزمن أصبحت الإسلاموية (كناية عن تيار الإسلام السياسي) القوة المنفردة الأكثر تخريباً - سياسياً وعسكرياً - في الشرق الأوسط.

يعود المركز الأميركي إلى بداية ازدهار تيار الإسلام السياسي الذي تطور من خلايا من الناشطين السياسيين في السبعينيات إلى حركات جماهيرية، ولأول مرة، كقوة حاكمة في أواخر القرن الـ20 وأصبح شعار "الإسلام هو الحل" لازمة شائعة ترددها حركات متعددة.

وفي الوقت نفسه تحولت الحركات المسلحة المتنوعة - من المغرب إلى مصر، ومن لبنان عبر الخليج - إلى احتجاز الرهائن والتفجيرات الانتحارية ضد أهداف دبلوماسية وعسكرية ومدنية لتعزيز تأثيرها. وبينما توسعت الإسلاموية في القرن الـ21 وفازت الأحزاب الممثلة لها في انتخابات ديمقراطية في المغرب وتونس ومصر والعراق وتركيا وغزة، أصبح المسلحون الذين ينتمون للتيار الإسلامي "أكثر وقاحة"، مهما كانت الخسائر الفادحة في الأرواح بين أتباعهم أو الدمار الهائل.

وفق مركز ويلسون فإن خريطة الشرق الأوسط تغيرت بعد استيلاء "داعش" على مساحات كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا لإنشاء أول خلافة حديثة، كما تسببت الميليشيات (في إشارة إلى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس") في حربين مدمرتين مع إسرائيل في عامي 2006 و2023. ومن ثم يطرح مشهد الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة تساؤلات مشابهة لتلك التي أثارها الربيع العربي مطلع العقد الماضي، وللرد على تلك التساؤلات تحدثت "اندبندنت عربية" مع عدد من المراقبين الذين اتفقوا على حتمية تأثير الحرب في النظرة العالمية لجماعات الإسلام السياسي.

على صعيد الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حماس" يرى مراقبون أن آفاق الإسلام السياسي، سياسياً وعسكرياً، تأثرت بشكل عميق بالحرب، فبصورة عامة بدا الطرف العنيف من الطيف أكثر بروزاً من الأحزاب السياسية الراغبة في العمل ضمن نظام الدولة التقليدية، وبرأي الزميل لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى آرون زيلين، فإن هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي "كان سبباً في تحطم فكرة أن هذه الحركات الإسلامية قد اعتدلت، مما يظهر أنه في حين أنها من الناحية التكتيكية قد تبدو وكأنها مقتنعة بالعمل ضمن نظام أوسع، فإن وجهات نظرها العالمية تتعارض بطبيعتها مع النظام الديمقراطي الليبرالي".

ومع ذلك قالت زميلة معهد "أميركان إنتربرايز" كاثرين زيمرمان إنه أصبح من الصعب تحليل الآفاق بالنسبة إلى كل من الإسلاميين السياسيين والجماعات الراغبة في استخدام العنف. وتضيف "لقد حقق المتطرفون الذين استخدموا العنف بشكل عام نجاحاً أكبر من أولئك الذين يعملون من خلال القنوات الانتخابية أو غيرها من القنوات السياسية، مما يعني أنه يبدو أن هناك استعداداً أكبر لدى الجماعات الإسلامية عبر الطيف لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لها لتحقيق أهدافها".

ويشير الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية أحمد بان إلى أنه في حين تتمتع حركة "حماس" بخصوصية ضمن حركات الإسلام السياسي باعتبارها تعمل تحت وطأة الاحتلال ولديها مشروع تحرر وطني وإن كان تحت عناوين إسلامية، فإن هجوم السابع من أكتوبر يؤكد ما كشف عنه الربيع العربي في شأن ضعف الرؤية الاستراتيجية لحركات الإسلام السياسي، إذ أوضح الهجوم عدم الإدراك الكافي من جانب "حماس" لتعقيدات النظام الإقليمي والدولي ومآلات العملية. وينعكس ذلك في حجم الاحتفاء الخافت من الإسلاميين بـ"حماس" بالنظر إلى الفاتورة التي دفعها الشعب الفلسطيني والمحصلة النهائية وماذا ستحقق الحركة من عمليتها.

ماذا بعد الحرب؟

بينما يمكن القضاء على التنظيمات المسلحة أو سقوط جماعات من الحكم مثلما حدث في مصر وتونس والسودان، فإن هذا لا يعني انقضاء ذلك التيار الواسع المتعدد الأطياف من الإسلام السياسي.

يقول رئيس معهد الإسلام الإنساني في كندا سعيد شعيب إن هزيمة "حماس" أو الإخوان عسكرياً لن تنهي الجماعات الإسلامية المسلحة، ما دامت الأيديولوجية باقية فلقد "انهزم داعش والفكرة باقية وستنتج منظمات أخرى ربما أشد تطرفاً".

بينما يعتقد زيلين أن الوجوه المتباينة للإسلاميين سيكون لها أيضاً جاذبية متنوعة في مناطق مختلفة، فستبقى شبكة محور المقاومة الإيرانية في بلاد الشام والخليج، وستكون فروع شبكة الإخوان المسلمين أساسية في مصر والأردن وسيكون تنظيم "القاعدة" قد انسحب إلى مناطق أبعد في أفريقيا وسيكون تنظيم "داعش" أكثر صلة بأفغانستان ومنطقة الساحل في أفريقيا، وستتأثر مصائرهم جميعها بالعوامل المحلية والإقليمية والعالمية بطرق مختلفة.

مثلما حدث في أعقاب فشل تجربة الإسلاميين في حكم بلدان الربيع العربي وغيرها، فإن لحرب غزة عواقبها أيضاً على قوة تيار الإسلام السياسي، إذ يعتقد أن الحرب ستؤدي إلى تراجع التيار نظراً إلى حجم الحماقات والمغامرات على مستوى منظمات مثل "حماس" أو الإخوان الذين أدى حكمهم في عديد من الدول إلى مزيد من سوء الأوضاع.

ويقول زيلين "للأسف الشديد هذه المجموعات لا تملك حساً استراتيجياً، فجماعة الإخوان مصابة بعمى استراتيجي وهذا العمى مصابة به كل جماعات الإسلام السياسي".

ويضيف "تنجح تلك الجماعات في ما هو تكتيكي ولا تلتفت إلى ضرورة ارتباط هذه التكتيكات ببعضها في إطار استراتيجية عامة، لذا تأتي خطواتهم قفزة في المجهول دائماً ويعودون بالمجتمعات التي نجحوا في الوصول لحكمهم إلى حالة أصعب مما كانت عليه، رأينا هذا في كل تجارب الإسلاميين، وربما السودان هو أبلغ مثال صارخ، فثلاثة عقود من حكم السودان أدت إلى بلد منقسم متقطع الأطراف يعيش حالة صراع وأزمة غير مسبوقة".

لكن هناك جانباً آخر يثير مزيداً من المخاوف لا سيما لدى الأجهزة الأمنية في الغرب، وهو صعود تنظيمات أكثر تطرفاً، فالتهديد الأكثر إثارة للقلق لدى الحكومات الغربية لا ينبع من هجوم مخطط له أو منسق من قبل مجموعة إرهابية محددة، ولكن من أفراد متطرفين ومحبطين ليس لديهم انتماء تنظيمي.

ووفق مقال بحثي منشور بدورية مركز مكافحة الإرهاب أعده الزميل لدى المركز الدولي لدراسات التطرف تور هامينغ، فإن الصدى العاطفي للقضية الفلسطينية يهدد بدفع أعداد كبيرة من الأفراد إلى العنف في الغرب. ونظراً إلى أن هؤلاء الأفراد ليس لديهم بالضرورة تاريخ مع التطرف أو أي منظمة متطرفة معروفة، فعادة ما يكون من الصعب على أجهزة الأمن والاستخبارات التعرف إليهم وتعقبهم.

ولتوضيح هذا الاتجاه، بعد أن بدأت إسرائيل في شن غارات جوية على غزة في أعقاب هجوم "حماس"، ذكر المدير العام لجهاز الاستخبارات البريطانية "أم آي 5"، كين ماكالوم، أن هناك خطراً من أن يقوم الأفراد "الذين بادروا ذاتياً" والذين ربما أصبحوا متطرفين عبر الإنترنت بالرد عبر " طرق عفوية أو غير متوقعة" في بريطانيا.

ويقول إن الجماعات الأكثر عنفاً داخل هذا التيار قد تحاول محاكاة عملية السابع من أكتوبر سواء بدافع اليأس أو الإلهام. ويضيف "كل هذه المجموعات تتشارك العمى الاستراتيجي من ثم قد نرى مجموعات أكثر راديكالية وعنفاً تحت عنوان التضامن ونصرة القضايا الإسلامية، على رغم أن تاريخ أهم حركتين في هذا التيار وهما (القاعدة) و(داعش) لم تسجلا أي عمليات تجاه إسرائيل".

من هذا المنطلق يرى شعيب أن الدول الغربية وإسرائيل لديهم فرصة ليحكموا قبضتهم، وهو ما ينبغي على دول المنطقة المشاركة فيه، إذ يرى ضرورة تشكيل إدارة انتقالية من الفلسطينيين المعتقلين وبدأ عملية سلام قائمة على نزع السلاح أولاً والتخلي عن العنف.

ويتابع "لا يمكن ترك الشأن الفلسطيني للفلسطينيين الذين انتخبوا حماس". ويضيف أن الحركة تمثل امتداداً لمشروعين في الشرق الأوسط، المشروع الإيراني ومشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لترسيخ حكم الإسلاميين وهو ما لا ترغب فيه النخب الحاكمة في المنطقة بالتأكيد.

ومن ثم يدعو الباحث المصري الكندي إلى تدخل إقليمي ودولي لفرض سلطة حاكمة عاقلة ليس لديها مشروع يهدد جيرانها مع التخلي عن السلاح وهو ما أدركه الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا لإنهاء دائرة العنف. ويقول "لا يمكن أن نحول فلسطين إلى دولة إرهابية".

ومع ذلك، يوضح السياسي الأردني ومستشار معهد السياسة والمجتمع محمد أبو رومان، أن الصيغة أو الوجه الأرجح للإسلام السياسي بعد حرب غزة، سيكون مرتبطاً بالتطورات الميدانية والفروق الرمزية والسياسية، فضلاً عن العوامل التي يمكن أن ترجح كفة المعركة العسكرية في اتجاه أو آخر.

ويشير إلى أنه إذا روت "حماس" قصة قوية، فإنها ستعمل على تنشيط الحركات الإسلامية، وإذا كانت النتيجة عكس ذلك فإنها ستعزز الاتجاهات الراديكالية، سواء على شكل موجة جديدة من التطرف السياسي الديني، التي من المتوقع أن تكون منهجية مركبة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، أو قد تعزز أيضاً اتجاهات الشباب والمجتمع نحو التصوف والروحانية هرباً من حالة اليأس والإحباط والغضب والتوتر التي تملأ القلوب بعد هذه المجازر الكارثية.

ويخلص إلى أنه "بغض النظر عن النتائج العسكرية المقبلة، فإننا أمام موجة جديدة في المنطقة ذات طابع شبابي بالتأكيد، يرجح أن ترتبط بهيمنة أحد ألوان الإسلام السياسي أو خليط من هذه الألوان".

تحالف "غير متجانس"

خلال العقد الثاني من القرن الـ21، وتحديداً مع هبوب رياح ما سمي "الربيع العربي"، كثر الحديث عن دعم غربي للتيارات الإسلامية السياسية، متمثلة في جماعة الإخوان، مما تجلى في وقائع أثارت غضب الشعب المصري من السفيرة الأميركية السابقة في القاهرة آن باترسون، عندما هاجمت الاحتجاجات المناهضة للرئيس الأسبق محمد مرسي الذي ينتمي إلى الإخوان، حتى إن المحتجين رفعوا صورها إلى جانب صورته، مطالبين برحيل كليهما.

وداخل الولايات المتحدة دارت كثير من التساؤلات حول علاقة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي يعتقد أنها كانت تكتظ بأصحاب التوجهات اليسارية الراديكالية، بشخصيات ومؤسسات معروف علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، يعتقد أن لها دوراً في الموقف المناهض من قبل إدارة أوباما لثورة الـ30 من يونيو (حزيران) التي أطاحت نظام الإخوان عن السلطة في مصر، وقرارها بتعليق المساعدات العسكرية للبلاد في ذلك الوقت.

وفي عام 2012، عقدت مؤسسة كارنيغي في واشنطن مؤتمراً لقادة الحركات الإسلامية، إذ التقى وفداً منهم مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية وجرى تقديم الإسلاميين باعتبارهم بديلاً للأنظمة الاستبدادية في المنطقة قابلاً للترويض.

يعتقد أحمد بان أن خطاب المجموعات الإسلامية الذي يخضع لفكرة الاضطهاد والمظلومية يجد صدى بين مجموعات اليسار باعتبارها تسعى إلى نصرة المستضعفين. ويقول "الإسلام السياسي يعزف النغمة التي تؤثر في اليسار الغربي لذا يحظى بثقته ودعمه، خصوصاً أن الإسلاميين درجوا في هذه المجتمعات على إنتاج خطاب حقوقي".

وعلى رغم فشل تجربة حكم الإسلاميين لكن لا تزال هناك علاقة قوية تجمع تيار الإسلام السياسي واليسار الغربي، وبرزت علاقة دعم قوية بينهما في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة خلال انتخابات 2020، فالمرشح اليساري المتشدد بيرني ساندرز، الذي خسر في نهاية المطاف أمام جو بايدن، نال دعماً واسعاً من دوائر جماعات الإسلام السياسي في الولايات المتحدة، وكان من بين أبرز وجوه حملته الناشطة المتشددة ليندا سرسور.

كما أن "مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية"، المنظمة التي أدرجتها الإمارات ضمن قائمة المنظمات الإرهابية عام 2017، أعلنت دعمها ساندرز.

هذا التحالف غير المتجانس، الذي يطلق عليه "أحمر أخضر"، حذر باحثون من أنه يمثل تحدياً معقداً سيتطلب اهتماماً دقيقاً من صانعي السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا، بحسب دراسة منشورة في دورية "الإرهاب والعنف السياسي" الأميركية عدد 25 لعام 2013، بعنوان "تحالف أحمر أخضر الناشئ: حيث يلتقي الإسلام السياسي باليسار الراديكالي"، التي تقول إن اليساريين المتطرفين وجماعات الإسلام السياسي تقربوا لبعضهم بعضاً خلال السنوات الأخيرة الماضية.

وبحسب الدراسة، استخدم كل منهما الإطار الرئيس لمناهضة العولمة والرأسمالية للحصول على الدعم من أوسع نطاق ممكن من الناس. ويطلق كثير من الباحثين الغربيين على هذا التحالف وصف "غير مقدس"، مثل الكاتب الأميركي اليساري سابقاً ديفيد هورويتز، والباحث لدى مركز ويلفريد مارتنز للدراسات الأوروبية توماسو فيرجيلي، فقديماً بنيت هذه العلاقة على معاداة الإمبريالية الغربية والرأسمالية والولايات المتحدة.

وفي كثير من كتابات الغرب يجري وصف جماعات الإسلام السياسي الراديكالية ومنظريها، على رأسهم سيد قطب، كجماعات ما بعد الحداثة، التي نشأت كرد فعل على التحديات التي تطرحها الحداثة على المجتمعات المسلمة.

تحدث أستاذ السياسة لدى معهد الدراسات الدولية بجامعة كيبيك في مونتريال، والمستشار الرئيس للأبحاث في معهد الدراسات الدينية بجامعة مونتريال وائل صالح، عن الجانب الأكاديمي الغربي في تناول الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، التي تصنف إلى توجهات عدة، التيار الأول فيرى أنها "حركات معادية للحداثة ومتطرفة بطبيعتها، لكن هذا التيار يضيق عليه، ويهمش في الأكاديميات الغربية، بينما داخل التيارات الأخرى يوجد متعاطفون من الأكاديميين الغربيين مع تيار الإسلام السياسي معظمهم من اليساريين، وهذا التعاطف مؤسس منذ عقود على أفكار خاطئة عن جماعة الإخوان بالأساس، لكنها أصبحت من المسلمات في اللاوعي الجمعي لهؤلاء الأكاديميين".

ويشير صالح إلى تشبيه الأكاديميات الغربية لحركات الإسلام السياسي بحركات "لاهوت التحرير" ذات التوجه المدني التحرري التي وقفت مع الفقراء بحق في أميركا اللاتينية، من دون وضع المقارنات المهمة والاختلافات الجذرية الواضحة التي تشي بأن "الطبيعة الفكرية الخاصة للتطور السياسي لهذه الحركات في بلادنا أنتجت في واقع الأمر فكراً دينياً رجعياً غير تقدمي، وليس كما يدعي الباحثون الغربيون المتعاطفون معهم".

تجارب كاشفة

ومع ذلك، كانت السنوات التالية "للربيع العربي" كاشفة لا للواقع السياسي الداخلي وحسب، بل وللدولي، فقد كان كثر يرون في تركيا مثالاً يمكن الاقتداء به لتحقيق الديمقراطية التي تقودها جماعات أيديولوجية، وكان ذلك عاملاً دفع دوائر مراكز الأبحاث الغربية، وحتى بعض القوى السياسية المحلية إلى تأييد وصول الإخوان للسلطة في مصر عام 2012، ومنه بدأ السقوط.

ومثلما انقلب الإخوان في مصر سريعاً على الديمقراطية التي أوصلتهم إلى الحكم، حين سارعوا إلى إصدار مرسوم رئاسي نافذ في الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، يستحوذ بموجبه الرئيس على مزيد من السلطات، ولجأوا إلى ميليشيات خاصة في التعامل مع المحتجين، انقلب كذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية، على النظام الديمقراطي الذي ترسخ في بلاده طوال عقود.

ويقول صالح إن "شريحة كبيرة من الناس وغالبية الباحثين أدركوا أن كل جماعات الإسلام السياسي بمختلف أطيافها، وفي القلب منها جماعة الإخوان، تتشارك المبادئ المؤسسة نفسها، فهي لا تعترف بالأوطان وحدودها، وتخلط بين الدين والسياسة، فتدنس الديني بإنزاله إلى مستوى السياسي، وترفع من شأن السياسي بتقديسه، فتنتج خلطة أيديولوجية يختلط فيها الرأي والتفسير بالنص المقدس، فيتداخلان ويكونان تديناً جديداً ينفجر عاجلاً أم آجلاً في وجه كل من لن ينضوي تحت لوائه. وبعد نتائج الربيع العربي انتقلت شرائح كثيرة من تلك الفئات من الخوف من الدولة الوطنية إلى الخوف عليها من السقوط".

وفي حين يرى بان أن حرب غزة استكملت العملية الكاشفة لذلك التيار الإسلامي بأطيافه، فإنه يشير إلى "أن ما تفعله مجموعات الإسلام السياسي في الغرب حالياً هو محاولة إعادة التموضع داخل النسيج الاجتماعي في هذه المجتمعات بهدف التمهيد لحركة دعوية واسعة قد تمهد الطريق لعودة هذه الكيانات للتأثير في المشهد السياسي الغربي".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية