في إطار الاتفاق على «وقف دائم» لإطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا، حددت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» في جنيف، 3 أشهر يتم في غضونها خروج «المقاتلين الأجانب» و«المرتزقة» من البلاد بدءا من تاريخ توقيع الاتفاق في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الأمر الذي طرح عددا من الأسئلة تتعلق بكيفية إخراج الآلاف من المرتزقة، جاءوا من دول عدة، في ظل عدم اعتراف صريح من الأصل بوجودهم على الأرض من قبل طرفي النزاع!
سياسيون وخبراء ليبيون قدموا تصوراتهم حول الأمر، إذ رأى عضو مجلس النواب الليبي، أبو بكر الغزالي، أن «المرتزقة أحد أهم العوامل المسببة للفوضى في ليبيا، وهذا الوضع يتوافق وسياسات الدولة المتدخّلة في الشؤون الليبية، وبالتالي لا يوجد أمل حقيقي في خروجهم»!
وقال الغزالي لـ«الشرق الأوسط»: «لو كانت النيات صادقة من قبل المجتمع الدولي الذي رعى الحوار، أو من قبل (الطرف الآخر) في إشارة إلى (حكومة الوفاق)، لتم التوافق على خروج المرتزقة من ليبيا قبل الجلوس على طاولات التفاوض لضمان صدق النيات واستبعاد شبهة الأطماع الدولية، ويصبح ذلك حوارا وطنيا خالصا». وأضاف «أما الحديث عن بقائهم 3 أشهر مقبلة، وعدم توضيح آليات خروجهم، فهذا يعني أننا أمام مرحلة تسويف وإطالة لأمد الأزمة لا أكثر»، محذرا من «أن يكون الهدف من وراء كل هذه الاتفاقيات إبعاد (الجيش الوطني) عن منطقة الحقول والموانئ النفطية أولا، مع محاولة سحب البساط من تحت أقدامه تدريجيا على خلفية مزاعم انتهاء الصراع العسكري والاتفاق المبدئي على خروج المرتزقة مما لا يستلزم وجود قواته الراهنة هناك».
ومن بين بنود الاتفاق العسكري المشترك، الذي تلته الممثلة الخاصّة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني ويليامز، في ختام محادثات جنيف، تم الاتفاق على إخراج «المرتزقة» و«المقاتلين الأجانب» من ليبيا في غضون 3 أشهر بحدّ أقصى.
وبالمثل لم يبد عبد القادر أحويلي عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، تفاؤلا واسعا بإمكانية خروج المرتزقة، وألقى بالمسؤولية تحديدا في ذلك على الدور الروسي بليبيا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما لم تتفق الدول المعنية بالملف الليبي وتحديدا روسيا وتركيا فلن يحدث أي شيء، لا خروج مرتزقة ولا غيره»!
من جهته، رهن رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي، طلال الميهوب، تحقيق الأمر خلال المدة المحددة المعلن عنها على «مصداقية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإخوان لن يقبلوا إطلاقا بخروج تركيا و(المرتزقة)، ويسعون بكل الطرق منذ الساعات الأولى لتوقيع الاتفاق إلى إفساد المشهد، ولكن في النهاية حكومة (الوفاق) وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار، ورحب مجلس الأمن به»، متابعا: «لذا فلننتظر لكي نرى مدى مصداقية البعثة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي في التعاطي مع هذا الأمر». ويرى الميهوب «أنه إذا تم تنفيذ الاتفاق فعليا فهذا سيعتبر مكسبا كبيرا للشعب والقوات المسلحة»، داعيا «المجتمع الدولي في حال ثبوت عدم التزام (الطرف الآخر) وتكرار تسويفه، إلى إلغاء حظر التسليح المفروض على البلاد ليتمكن (الجيش الوطني) من طرد هؤلاء المرتزقة بالقوة».
ورد الميهوب على ما يتردد عن تلقي «الجيش الوطني» مساندة من قوات شركة «فاغنر» العسكرية الروسية (غير رسمية)، فقال: «نحن موجودون في الشرق والجنوب وفي كل مواقع سيطرة الجيش، ولم نر هؤلاء (الفاغنر) أو التشاديين وباقي صنوف (المرتزقة) الذين يتهمون الجيش بتلقي دعم منهم»، مستكملا: «لا يوجد غير السوريين ومن جلبهم الأتراك بغرب ليبيا، وهؤلاء إذا صدقت النيات فسيخرجون من بلادنا بذات الطريقة التي دخلوا بها إليها، أي بشكل غير شرعي، والمجتمع الدولي يعرف جيدا وبالتفاصيل عدد من قدم من هؤلاء المقاتلين إلى ليبيا وعدد من غادروها، كل هذا غير خاف على استخبارات الدول الغربية».
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بأن «عدد من جلبتهم تركيا من سوريا إلى ليبيا وصل إلى ما يقرب من 18 ألف مرتزق، وما يقرب من 10 مقاتلين أصوليين، عاد منهم ما يقرب من 9300 مرتزق إلى سوريا.
بدوره، توقع الكاتب والباحث السياسي الليبي أحمد العبود، أن يزيل الاجتماع المقبل للجنة العسكرية المشتركة «5+5» قدرا كبيرا من الغموض الراهن حول الآليات والضمانات التي ستعتمدها البعثة والجمعيات والمنظمات الدولية التي تعهدت بدعم اتفاق وقف إطلاق النار في إخراج هؤلاء المرتزقة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الاجتماع المقبل للجنة المشتركة سيشهد بدء أعمال اللجان الفرعية، والتي ستكون كل منها مسؤولة عن ملف بعينه كالتعاون بمجال مكافحة الإرهاب، الترتيبات الأمنية وتفكيك الميليشيات ودمج المسلحين، وبالطبع متابعة مغادرة المرتزقة». وتابع: «الاجتماع قد يزيل الغموض الراهن ليس فقط حول العدد الحقيقي للمرتزقة أو جنسياتهم، وإنما أيضا تصنيفاتهم من حيث الخطورة الأمنية، مع ضرورة الكشف على الطريقة التي دخلوا بها بلدنا حتى نتجنب تكرار الأمر مستقبلا».
في السياق ذاته، رأى عضو الأعلى للدولة سعد بن شرادة، أن «إخراج (المرتزقة) يمكن أن يسرّع التوصل لحكومة وحدة وطنية»، و«في حال استمرار الانقسام وعدم تشكيل هذه الحكومة فلن يطالب أحد بخروجهم حيث سيقوم كل طرف باستخدامهم ضد خصمه».
وتوقع بن شرادة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تسرع حكومة (الوحدة الوطنية) المرتقبة متى شكّلت إلى الدخول في نقاشات وصفقات تحت الطاولة بالتنسيق مع البعثة والمجتمع الدولي لإقناع الدول التي جلبت (المرتزقة) بسرعة ترحيلهم... في النهاية لا يوجد شيء بلا مقابل!»، وخلص إلى «احتمال حصول الحكومة الجديدة، إذا ما تشكلت، على دعم بعض دول الجوار التي ترى في وجود (المرتزقة) وداعميهم تهديدا لأمنها القومي، أو تهديدا لنفوذها في المنطقة كالولايات المتحدة».
عن "الشرق الأوسط" اللندنية