كيف تصدر الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا الخطر إلى أوروبا؟

كيف تصدر الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا الخطر إلى أوروبا؟

كيف تصدر الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا الخطر إلى أوروبا؟


30/04/2025

تعتبر الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا من التحديات الأمنية الكبرى التي تواجه المنطقة والعالم. فبعد الاضطرابات التي شهدتها هذه البلدان في أعقاب ثورات الربيع العربي، ظهرت مجموعات إرهابية تتبنى أيديولوجيات متشددة، مما زاد من تعقيد المشهد الأمني في شمال إفريقيا. 

هذه الجماعات، التي تشمل تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة"، أصبحت تهدد ليس فقط الأمن المحلي بل أيضًا الأمن الأوروبي، خاصة في ظل تزايد تدفق المقاتلين الأجانب والاتصالات بين هذه التنظيمات ونظيراتها في أوروبا. تترك هذه الديناميكيات تأثيرات عميقة على السياسات الأمنية الأوروبية التي تسعى للتصدي لهذا التهديد المتزايد.

وبالرغم من أن دولتا تونس وليبيا شهدت تراجعًا ملحوظًا في أنشطة الجماعات المتطرفة و الهجمات الإرهابية بشكل عام على مدى السنوات الخمس الماضية، لا تزال الدولتان تواجهان عددًا من التحديات المتعلقة بالتطرف العنيف.

كما يشكل تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا وشبكات الإرهاب والتهريب العابرة للحدود، بالإضافة لعمليات تهريب الأسلحة النوعية من داخل ليبيا إلى دول الجوار يزيد من حدة هذه التهديدات للأمن والإستقرار في منطقة شمال أفريقيا والأمن القومي لأوروبا، وذلك وفقا لدراسة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرف، بعنوان " الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا وتأثيرها على الأمن الأوروبي".

داعش في ليبيا متورط مع عصابات تهريب المخدرات والبشر في منطقة الساحل والصحراء عبر دول المغرب العربي وصولاً إلى الدول الأوروبية

واقع الجماعات المتطرفة في تونس

أشارت الدراسة إلى أن الجماعات المتطرفة والجهادية في تونس تمر، حالياً، في أحلك حالاتها منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت برئيس الجمهورية السابق زين العابدين بن علي، ووفرت لاحقاً مجالاً أمام تنامي الجهادية في تونس.

فقد برزت جماعة “أنصار الشريعة ” في تونس وبعدها ظهر تنظيم “داعش” ومن ثم “كتيبة عقبة بن نافع” كأبرز هذه الحركات في تونس.  وفي حين لا تزال خلايا تنظيم “داعش” و “كتيبة عقبة بن نافع” ناشطةً بشكل خافت، لا سيما في المناطق الجبلية النائية الواقعة على الحدود التونسية -الجزائرية، إلّا أن مستقبل الجهادية التونسية يتبلور إلى حدٍّ كبير داخل السجون التونسية، وفقا للدراسة.

وشهدت تونس بين سنتي 2012 و2015 عمليات إرهابية متتالية، وهي عبارة عن معارك متقطّعة وتفجيرات بالألغام وكمائن في المرتفعات الغربية، ومنها جبل الشعانبي، ومواجهات بعدد من المناطق الأخرى على غرار أحداث قبلاط وسيدي علي بن عون عام 2013، والهجومين على متحف باردو ونزل “امبريال” سوسة وتفجير حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة  2015.

هذا وحققت قوات الأمن والجيش انتصارات هامة ونوعية في حربها على الإرهاب، من ذلك العملية الأمنية التي قادتها الوحدة المختصة للحرس الوطني يوم 28 آذار / مارس 2015 بسيدي عيش بقفصة وقضت فيها على تسعة قياديين إرهابيين بارزين. ومن أبرز هؤلاء القياديين الإرهابي الجزائري خالد حمادي الشايب والمكنى بـ “لقمان أبو صخر”، المورط في هجوم متحف باردو. فيما مثلت “ملحمة” بن قردان نقطة فارقة في تاريخ الحرب على الإرهاب في تونس، بعد قضاء قوات الجيش والأمن على مجموعة إرهابية مسلحة حاولت يوم 7 آذار / مارس 2016 الاستيلاء على المدينة لإعلانها “إمارة” تابعة لتنظيم “داعش”.

تفجير حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة التونسية  2015

كما كشفت قوات الأمن والجيش عديد “الخلايا النائمة”، أبرزها خلية “طلوت الشامي” الموالية لتنظيم “داعش” الإرهابي، التي تم كشفها في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2022 وإيقاف (11) عنصرا تابعا لها. 

ولاحقا، أعلنت الداخلية التونسية أن القوات المسلحة الأمنية والعسكرية قضت  على أغلب الإرهابيين المتحصنين بالجبال التونسية، وفق معطيات ذكرها الناطق باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية في آذار / مارس 2024، مؤكدًا بأن عدد العناصر الإرهابية المتحصنة بالمرتفعات تقلّص من (117 )عنصرا بين سنتي 2014 و 2016 إلى  (11)عنصرا سنة 2023، ينتمون إلى كتيبة “جند الخلافة” الموالية لتنظيم “داعش” الإرهابي.

الوضع الأمني في ليبيا وتغلغل الجماعات المسلحة والمتطرفة

الجراسة لفتت أيضا إلى ليبيا تعيش، منذ اندلاع الأزمة السياسية في عام 2011، في دائرة مغلقة من الفوضى السياسية والانقسامات الأمنية، مما جعلها أرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية التي وجدت في الفراغ السياسي بيئة مثالية إلى اتخاذ ليبيا مقراً لها، واتخاذها كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها الإرهابية سواء داخل ليبيا أم باتجاه دول الجوار في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا.

البيانات تشير أيضا إلى تسجيل (19,245) مهاجرا وصل إلى أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية خلال العام 2024

 ولا تزال حالة الفراغ السياسي والأمني التي تعاني منهما ليبيا حتى الآن دافعاً رئيسياً لبعض التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش للتخطيط لتصعيد أنشطتها هناك.

ومع صدور تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025، احتلت ليبيا المرتبة (53 )عالميًا، فيما أظهر التقرير أن البلاد ما زالت بيئة غير مستقرة للإرهاب، حيث تشهد مناطق الجنوب نشاطًا متزايدًا للجماعات المتطرفة مما يعكس واقعًا أمنيًا هشًا رغم المحاولات المتكررة لاحتواء خطر الإرهاب.

استمرت، بحسب الدراسة، الجماعات الجهادية في ليبيا، في مواجهة العديد من التحديات في أعقاب الضربات المتتالية ضد مواقعها ، وخاصة في منطقة فزان الواقعة في أقصى الجنوب، حيث لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة  نشطين، وإن كان حجمهما قد انخفض بشكل كبير مقارنة بالعقد الماضي. 

وقد استغل تنظيم داعش المأزق السياسي والاقتصادي في جنوب ليبيا، واستمر في التعاون مع العناصر القبلية المتورطة في التهريب والتجارة غير المشروعة؛ ويُعد هذا التعاون عنصرًا حيويًا في تمويل الجماعة ويخلق الظروف لعمليات تجنيد جديدة.

وبحسب تقر ير مجلس الأمن بشأن تنظيم داعش الصادر في شباط / فبراير 2025 فقد ضعف تنظيم داعش فرع ليبيا  بشكل كبير حيث قلت قدراته العملياتية ولم يبلغ عن وقوع أي هجمات كبيرة منذ  فبراير 2023. 

يُذكر أن التنظيم يتألف من عدد يتراوح بين (100 و 200) مقاتل منتشرين في خلايا صغيرة متناثرة في منطقة فزان في جنوب ليبيا، ويركز على الأنشطة اللوجستية مثل التمويل وتهريب الأسلحة ونقل المقاتلين إلى الجماعات المنتسبة إلى تنظيم داعش في منطقة الساحل. 

كما كان تنظيم الدولة الإسلامية – ليبيا ضالعاً في أنشطة إجرامية من بينها تهريب الأسلحة والمخدرات والوقود واستغلال مناجم الذهب. وكانت جهود التجنيد موجهة نحو مواطني البلدان المجاورة، وذلك في الغالب عبر منصات اتصالات مشفرة.

ضعف تنظيم داعش فرع ليبيا  بشكل كبير حيث قلت قدراته العملياتية ولم يبلغ عن وقوع أي هجمات كبيرة منذ  فبراير 2023

تهديد الجماعات المتطرفة في ليبيا وتونس على أمن أوروبا

إلى ذلك، أكدت الدراسة أن تداعيات تنامي الجماعات المتطرفة والإرهابية في ليبيا وتونس، من تصاعد تدفقات الهجرة غير الشرعية غير الخاضعة للرقابة من وإلى البلاد وكذلك انتشار شبكات الاتجار المسلحة، أدت إلى ظهور آثار غير مباشرة ليس فقط على الدول المجاورة ولكن شمال وجنوب المتوسط بأكمله. لتصبح التحديات الأمنية في ليبيا مفهوماً غير قابل للتجزئة تؤدي بآثار مباشرة وغير مباشرة على الترابط بين الأمن الأوروبي والمتوسط.

ويمثل التهديد الرئيسي بزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا إلى الدول الأوروبية، خاصة وأن داعش في ليبيا متورط مع عصابات تهريب المخدرات والبشر في منطقة الساحل والصحراء عبر دول المغرب العربي وصولاً إلى الدول الأوروبية؛ وبالتالي تهديد الأمن القومي للدول الأوروبية بشكل مباشر.

وتشير تقارير المنظمات المعنية بالهجرة غير القانونية إلى أن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين القاصدين إيطاليا منذ بداية العام  2025، وقدّرت وكالة نوفا الإيطالية أن ما يقارب من (41,484) ألف  مهاجر غير شرعي وصلوا الشواطئ الإيطالية من ليبيا خلال العام 2024.، ما يعني أن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا، يمثلون أكثر من (40%)  من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط.

البيانات تشير أيضا إلى تسجيل (19,245) مهاجرا وصل إلى أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية خلال العام 2024، مع انخفاض بنسبة (80%) من (97.667 ) مهاجرا في 2023  بفعل الإجراءات الحكومية التونسية لمواجهة الهجرة غير الشرعية.

ووفقًا لتقرير صدر عن اليوروبل  ينقسم التهديد الإرهابي الذي تشكله الجماعات المتطرفة والإرهابية والمنطلقة من ليبيا ، إلى شقين نظرا لوضعهما كدولة عبور رئيسية للهجرة إلى أوروبا: أولاً، حدد تنظيم داعش في ليبيا إمكانية التسلل عبر مسارات المهاجرين إلى أوروبا واستغلال هذا الدخول غير القانوني لتمكين الأفراد المتطرفين من تنفيذ هجمات في أوروبا نيابة عنه أو الانخراط في أنشطة تخريبية أخرى، مثل نشر الدعاية أو جمع الأموال. 

ثانيا، يمتلك داعش في ليبيا إمكانية وصول شبه وشبكة إلى أشخاص غالبا ما يكونون عرضة للخطر في جنوب ليبيا (معظمهم مهاجرون في طريقهم إلى أوروبا)، وهو ما يمثل إمكانية تجنيدهم وإرسالهم إلى أوروبا. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية