إلى أين وصلت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس؟

إلى أين وصلت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس؟

إلى أين وصلت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس؟


19/09/2022

على خلفية استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، في إطار حضوره القمّة الأفريقية - اليابانية "تيكاد" في دورتها الثامنة في العاصمة تونس، سحبت المملكة المغربية سفيرها من تونس، لتردّ الأخيرة باستدعاء سفيرها.

وساهمت حرب البيانات بين وزارتي خارجية البلدين في توتر العلاقات الثنائية، خاصةً على خلفية وصف المغرب للخطوة بالعدوان.

وبعيداً عن الحسابات الخاصة بالدولتين، يبدو أنّ لكليهما، وفق مراقبين، بعض الحقّ في الدفاع عن موقفه، فضلاً عن أخطاء وقعا فيها؛ فمن ناحية تونس لم يكن هناك مبرر لاستقبال إبراهيم غالي، علماً أنّها خطوة ستغضب المغرب، ومن ناحية أخرى فهناك إشكال قانوني يتعلق بعضوية ما يُعرف بالجمهورية العربية الصحراوية في الاتحاد الأفريقي، والتي توفر مدخلاً قابلاً للتأويل للاستقبال الذي حظي به غالي من قبل الرئاسة التونسية.

قمّة تيكاد

ولم يشارك المغرب في القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الأفريقي (تيكاد)، التي انعقدت في تونس يومي 27 و28 آب (أغسطس) الماضي، احتجاجاً على استقبال زعيم البوليساريو من قبل الرئيس التونسي، واستدعت الرباط سفيرها في تونس للتشاور، وردت تونس بخطوة مماثلة.

غاب المغرب عن قمة تيكاد في تونس

وقال بيان وزارة الخارجية المغربية: "بعد أن ضاعفت تونس مؤخراً من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا، جاء موقفها في إطار منتدى التعاون الياباني الأفريقي (تيكاد) ليؤكد بشكل صارخ هذا التوجه العدائي. وقررت تونس، ضداً على رأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها، بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي".

وركز البيان المغربي على سبب الغضب الحقيقي، وهو "الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم الميليشيا الانفصالية".

ومن جانبها، ردت وزارة الخارجية التونسية في بيان، أعربت فيه عن استغرابها الشديد من الموقف المغربي، وأكدت التزامها الحياد في قضية الصحراء الغربية، والالتزام بقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

نفى وزير الخارجية المغربي في مؤتمر صحفي في القاهرة، خلال مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية العرب، التوصل إلى تسوية الخلاف مع تونس

وأوضح البيان أنّ دعوة غالي جاءت من طرف الاتحاد الأفريقي، بصفته الجهة الوحيدة المسؤولة قانونياً عن توجيه الدعوات، "وجّه رئيس المفوضية الأفريقية في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة".

وأشار البيان التونسي إلى أنّ قرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي أكدت في جميع المناسبات على توجيه الدعوات لجميع أعضاء الاتحاد في الفعاليات التي يكون الاتحاد طرفاً أصيلاً فيها.

وفي السياق ذاته، لم تُعلّق اليابان رسمياً على هذا الخلاف، في حين أكد بيان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على أنّه ناقش هذه القضية في اتصال مع نظيره الياباني يوشيماسا هاياشي. وتنأى اليابان بنفسها عن الخلافات الأفريقية - الأفريقية، فضلاً عن أنّ شراكتها في مؤتمر تيكاد هي مع الاتحاد الأفريقي كمؤسسة، وليس مع الدول الأعضاء بشكل ثنائي.

وسبق أن شاركت ما يُعرف بالجمهورية الصحراوية في العديد من القمم التي كان الاتحاد الأفريقي طرفاً أصيلاً فيها، بصفتها أحد الأعضاء في الاتحاد، مثل قمّة تيكاد السادسة في نيروبي عام 2016، والقمّة السابعة في اليابان عام 2019، والقمة الأفريقية - الأوروبية في بروكسل عام 2022، وقمم عربية - أفريقية أخرى، وإن شهدت الأخيرة انسحاب الدول الخليجية تضامناً مع المغرب.

الموقف المغربي

وعُقدت قمّة تيكاد على مستوى وزراء خارجية الدول، وهو الأمر الذي يُحسب على دولة تونس؛ لاستضافتها مسؤولاً يحمل صفة أعلى من وزارة الخارجية لدولة عضو في الاتحاد الأفريقي. وحتى مع التبرير التونسي بوجود دعوة من الاتحاد، وأخرى شخصية من مفوض الاتحاد موسى فكي، بشكل شخصي لإبراهيم غالي، فإنّ ذلك لا ينفي أحقية تونس في طلب استبعاده من حضور القمّة.

د. عمر الشرقاوي: الرئيس قيس سعيد وحده من يتحمل مسؤولية هذه الإساءة البليغة

ويقول أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية بجامعة الحسن الثاني عمر الشرقاوي: "لطالما وقف المغرب على زاوية الحياد تجاه الصراع السياسي في تونس، فلم يستقبل أيّ مكون سياسي معارض لقيس سعيد، ولم يمل إلى أيّ تيار سياسي، إيماناً منه أنّ استقرار تونس ووحدتها من استقرارنا ووحدتنا، إلا أنّ الرئاسة التونسية الهشة ترد على هذا الحياد النبيل بأكبر إساءة ديبلوماسية".

وأضاف الأكاديمي المغربي لـ"حفريات": "الرئيس قيس سعيد وحده من يتحمل مسؤولية هذه الإساءة البليغة، وكل ما سيترتب عليها من رد فعل باستدعاء السفير، وهو أمر لم تكن لتلجأ إليه الرباط لولا الإساءة المتعمدة تجاه وحدة سيادتنا".

ويعتبر استقبال غالي في تونس بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير للمغرب؛ إذ طالما اعترض على مواقف تونس خلال عضوية الأخيرة غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي (2019 - 2021) بسبب امتناعها عن التصويت على تجديد قرار مجلس الأمن بالتمديد للبعثة الأممية (المينورسو) الخاصة بقضية الصحراء الغربية، أو الأقاليم الجنوبية وفق الرؤية المغربية.

ويرى محللون مغاربة أنّ الموقف التونسي تخلى عن الحياد التقليدي منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وما تابعه عليه كل من زين العابدين بن علي، والمنصف المرزوقي، والباجي قايد السبسي، إلى الانحياز للموقف الجزائري في عهد الرئيس قيس سعيد، خصوصاً بعد أحداث 25 تموز (يوليو) 2021 التي أطاح فيها سعيد بحركة النهضة الإخوانية من السلطة، بالاستناد إلى الفصل (80) من الدستور.

نزار الجليدي لـ"حفريات": استمرار الهجوم المغربي على تونس سيدفعها إلى موقف أقرب لمساندة الجزائر في قضية الصحراء

وأفاد الأكاديمي المغربي بأنّ استقبال غالي في تونس يعني أنّ هذا البلد "لم يعد يملك قراره السيادي، بل أصبح دولة مختطفة، وقراراتها رهينة لأجندة جزائرية انفصالية، والسبب الرئيس لذلك معروف لدى الجميع، وهو ينحصر -ببساطة- في أموال الغاز وتهديد تونس باجتياح الإرهاب".

وأشار إلى وجود خلافات أخرى بين تونس والمغرب؛ ومنها استقبال المعارضين للنظام المغربي الذين وصفهم بالمرتزقة، وتسهيل سفرهم إلى فرنسا، وكذلك تحول مكتب منظمة العفو الدولية في تونس وبعض المنظمات الحقوقية المتواجدة فيها إلى خصم صريح للمغرب، وقاعدة خلفية للهجوم على الملك والمؤسسات الأمنية والسيادية.

تداعيات الأزمة

ومن زاوية أخرى، قال المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي: "تونس لم تغير موقفها، المغاربة هم من يستفزونها، بالرغم من أنّ حدث سحب المغرب لسفيرها من تونس ومقاطعة المؤتمر الياباني الأفريقي مرّ مرور الكرام في تونس، بل إنّ الأمر كله نُسي، إلا أنّ المغرب بإعلامه وسياسييه ما يزالون يتناولون الحدث من أبعاد كثيرة جلّها مجانب للواقع".

وأشار في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ تونس اكتفت بإصدار بلاغ واضح ووحيد، أكدت فيه على حيادها، كما كانت في قضية الصحراء الغربية، وأنّ حلول إبراهيم غالي في تونس كان بدعوة من الاتحاد الأفريقي واليابان. ويرى الجليدي أنّه لا مبرر للغضب المغربي من امتناع تونس السابق على التصويت على تجديد البعثة الأممية، فهو موقف يؤكد على الحياد.

وأشار إلى أنّ "استمرار الهجوم المغربي على تونس سيدفعها إلى موقف أقرب لمساندة الجزائر في هذه القضية، من غير المعلن إلى المعلن، خاصة مع التحولات الجيواستراتيجية التي تشهدها المنطقة، والتي تتنازعها قوتان؛ واحدة أمريكية فرنسية، وأخرى روسية صينية".

نزار الجليدي: تونس لم تغير موقفها

وذكر أنّ الجزائر وتونس "اختارتا حليفهما الروسي الصيني في تناقض مع المغرب الذي يتخندق في المحور الأمريكي، كما أنّ الشعب التونسي يدفع نحو التقارب التام مع الجزائر، ولا يكترث للأزمة مع المغرب".

وتبعاً لتنامي العلاقات التونسية الجزائرية على كافة الصعد، والدعم الكبير للرئيس قيس سعيد من الجزائر، فمن المرجح أنّ خطوة استقبال غالي جاءت كتتويج لهذا التقارب بين البلدين الجارين، ولهذا من غير المحتمل وجود انفراجة في الأزمة قريباً بين البلدين، في وقت أعلن فيه عاهل المغرب أنّ قضية الصحراء هي النظارة التي تنظر بها بلاده إلى علاقاتها مع دول العالم.

وكان وزير الخارجية المغربي قد نفى في مؤتمر صحفي في القاهرة، خلال مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية العرب، التوصل إلى تسوية الخلاف مع تونس.

وتُصنّف الصحراء وفق الأمم المتحدة ضمن البلدان والشعوب المستعمرة التي يجب أن تتمتع بحقها في تقرير المصير والاستقلال منذ عام  1963، وبعد جولات وقرارات دولية عديدة، ذكرت وجود روابط تاريخية بين المغرب وموريتانيا والصحراء، صدر قرار مجلس الأمن رقم (690) القاضي بإنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) من أجل مراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم الاستفتاء عام 1991، بينما طرح المغرب مقترح الحكم الذاتي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية