كيف تساهم التّكنولوجيا الرّقميّة في تعزيز الرفاهية؟

كيف تساهم التّكنولوجيا الرّقميّة في تعزيز الرفاهية؟

كيف تساهم التّكنولوجيا الرّقميّة في تعزيز الرفاهية؟


03/03/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

انعقدت الأسبوع الماضي في المملكة العربيّة السّعوديّة «قمّة سينك للرّفاهية الرّقميّة». اجتمع حاضرون من أنحاء العالم كافّة في «مركز الملك عبد العزيز للثّقافة العالميّة» (إثراء) في الظّهران. من بين متحدّثي القمّة العالِم والمخترع جيتانجالي راو، أوّل «طفل العام» لمجلّة «التّايم»، ومارك راندولف مؤسّس «نيتفلكس»، والمؤلّف الأكثر مبيعاً سيمون سينيك، وغيرهم الكثير. كان الحضور، من وزراء إلى رؤساء تنفيذيّين في مجال التّكنولوجيا إلى أطباء نفسيّين إلى علماء كمبيوتر، واضحاً بشأن شيء واحد: العالم الرّقميّ قوّة من أجل الصّالح العالميّ، لكنّنا بحاجة ماسّة إلى التنبّه إلى بعض العواقب السّلبيّة للتّكنولوجيا، أيضاً.

اقرأ أيضاً: "السلاح المثالي": تكنولوجيا الدمار في عصر الإنترنت

يتضمّن الجانب المظلم من العالم الرّقميّ تطوير سلوكيّات قهريّة أو شبيهة بالإدمان بين مستخدمي وسائل التّواصل الاجتماعيّ والّلاعبين عبر الإنترنت. تُظهِر أقلّيّة صغيرة من المستخدمين سلوكاً متطرّفاً بدرجة كافية تستدعي اهتماماً إكلينيكيّاً. قد تواجه هذه الأقلّيّة مشكلات في العلاقات الاجتماعيّة والعائليّة بسبب استخدام التكنولوجيا. وقد تؤثّر سلوكيّاتهم، أيضاً، سلباً على تعليمهم أو عملهم. في بعض الحالات، لا يستطيع الفرد السّيطرة على سلوكه. يحاول ولكن يفشل. يعاني الانتكاسة تلو الانتكاسة.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا مرعبة بعد 29 عاماً.. هكذا ستكون الحياة على الأرض

يوجد حالياً حوالي 4.45 مليار مستخدم نَشِط لوسائل التّواصل الاجتماعيّ على مستوى العالم. ولذلك، إذا كانت نسبة ضئيلة (1 في المائة) طوّرت استخداماً إشكالياً، فهذا يعني الكثير من الأفراد المتأثّرين (44 مليون). تُعدّ هذه المشكلة مصدر قلق متزايداً، خاصّة وأنّ الوقت الذي نقضيه على وسائل التّواصل الاجتماعيّ آخذ في الازدياد، حيث ارتفع من متوسّط ​​90 دقيقة يوميّاً في عام 2012 إلى 145 دقيقة اعتباراً من عام 2021.

مشكلات وسائل التّواصل الاجتماعيّ

أيضاً، هناك أدلّة دامغة على وجود صِلة بين الاستخدام المثير للمشكلات لوسائل التّواصل الاجتماعيّ وقضايا متعلّقة بالصّحّة العقليّة مثل الاكتئاب والقلق، فضلاً عن نقص الانتباه واضطرابات الأكل. تتأثّر الصّحّة البدنيّة، أيضاً، بسبب ارتباط التّكنولوجيا الرّقميّة بعدم اتّساق النّوم وانخفاض جودة النّوم. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القيادة المشتّتة من بين الأسباب الرّئيسة لحوادث المرور على الطّرق في بعض الدّول، حيث يُشار إلى الرّسائل عبر الهاتف المحمول على أنّها مصدر التّشتيت الأوّل.

أعرب علماء النفس عن قلقهم بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الشباب

نوقِشَت هذه القضايا، وقضايا أكثر تُركّز بشكل متكرّر على الأطفال والشّباب، في القمّة. يعود التّركيز على الأطفال إلى أنّنا ما زلنا لا نفهم تماماً آثار التّكنولوجيا الرّقميّة على تنمية العقول. لدينا الآن جيل من الشّباب الذين نشأوا كمواطنين رقميّين، أولئك الذين استبدلوا دمى الدّببة بأجهزة «الآي باد». إذاً، ما تأثير استخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ على التّطوّر العاطفيّ والمعرفيّ لطفل يبلغ من العمر 12 عاماً؟

لم تُركّز القمّة، بالطّبع، على الجانب الإشكاليّ لاستخدام التّكنولوجيا فقط. أيضاً، كانت هناك العديد من الجلسات للاحتفال بالطّرق المتنوّعة التي تُساعد بها التّكنولوجيا الرّقميّة في تعزيز الرّفاهية

سلّطت دراسة نُشِرَت الأسبوع الماضي في «نيتشر كوميونيكيشن» الضّوءَ على العواقب السّلبيّة المحتملة المرتبطة بالعمر لاستخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ، خاصّة بين الفتيات. وجدت دراسة المتابعة هذه، والتي كانت مدّتها عاماً واحداً، أنّه كلما زاد الوقت الذي تقضيه الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 11 و13 عاماً على وسائل التواصل الاجتماعيّ، قلّ احتمال رضائهن عن الحياة بعد مرور عام. فماذا بعد عامين أو ثلاثة؟ ببساطة، لا نعرف حتّى الآن.

اقرأ أيضاً: الواقع المعزّز: سحر التكنولوجيا الجديد.. ماذا تعرف عن هذه التقنية؟

في خطاب «حالة الاتّحاد» الشّهر الماضي، أعرب الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، أيضاً عن مخاوفه بشأن تأثير التّكنولوجيا على الأطفال. اقترح بايدن أنّ الوقت قد حان لـ«محاسبة منصّات التّواصل الاجتماعيّ على التّجارب التي تجريها على أطفال وطننا من أجل الرّبح». أزعم أنّ التّجربة عالميّة أكثر منها خاصّة بوطن بعينه. كما ذكر بايدن تعزيز حماية الخصوصيّة على الإنترنت وحظر الإعلانات الموجّهة للأطفال.

المخاطر المحتملة للعالم الرّقميّ

على من تقع مسؤولية حمايتنا من المخاطر المحتملة للعالم الرّقميّ؟ كان هذا نقاشاً حاسماً في القمّة، حيث حاجج العديد من المتحدّثين بشدّة وبلاغة من أجل المسؤوليّة الشّخصيّة. إنّنا بحاجة إلى أن نكون منضبطين؛ يمكننا اختيار إيقاف تشغيل الإشعارات وترك الهواتف في حقائبنا عندما نكون في الخارج مع الأصدقاء. بقليل من الجهد، يمكننا تغيير الطّريقة التي نستخدم بها التّكنولوجيا الرّقميّة بحيث تُضيف إلى الحياة بدلاً من صرف انتباهنا عنها.

اقرأ أيضاً: ثورة لا تتحقق: ما هي حدود قدرة التكنولوجيا على تغيير طبيعة الحرب؟

ومع ذلك، حاجج متحدّثون آخرون بشكل مُقنِع بالقدر نفسه من أجل لوائح حكوميّة أكثر فعاليّة. تضمّنت الأمثلة حظر الإعلانات ذات الاستهداف الدّقيق والسّماح للأشخاص بإلغاء الاشتراك في اقتراحات المحتوى المنسّقة بواسطة الذّكاء الاصطناعيّ. أيضاً، كانت هناك دعوات لمنع منصّات الألعاب ووسائل التّواصل الاجتماعيّ من استخدام تقنيّات التّصميم القائمة على علم النّفس والتي تجعل مثل هذه المنصّات أخّاذة وجذّابة بشكل لا يقاوم.

تصميم فني على الكورنيش في الظهران بالمملكة العربية السعودية حيث أقيمت «قمّة سينك للرّفاهية الرّقميّة»

المسؤوليّة الشّخصيّة، والتّنظيم الحكوميّ، وحتّى التّنظيم الذّاتيّ لصناعة التّكنولوجيا أشياء لا يستبعد أحدها الآخر. ولذلك، فإنّ أفضل طريقة للمضي قدماً هي التّركيز على الثّلاثة. في النّهاية، أصدرت القمّة توصيات قابلة للتّنفيذ تضمّنت نشاطاً شخصيّاً، وتشريعيّاً، وقائماً على الصّناعة. أيضاً، كان هناك تركيز على منع المشكلات ومعالجة العديد من الفجوات المعرفيّة التي لا تزال قائمة.

يتضمّن الجانب المظلم من العالم الرّقميّ تطوير سلوكيّات قهريّة أو شبيهة بالإدمان بين مستخدمي وسائل التّواصل الاجتماعيّ والّلاعبين عبر الإنترنت. تُظهِر أقلّيّة صغيرة من المستخدمين سلوكاً متطرّفاً

لم تُركّز القمّة، بالطّبع، على الجانب الإشكاليّ لاستخدام التّكنولوجيا فقط. أيضاً، كانت هناك العديد من الجلسات للاحتفال بالطّرق المتنوّعة التي تُساعد بها التّكنولوجيا الرّقميّة في تعزيز الرّفاهية. على سبيل المثال، كان هناك استكشاف لكيفيّة مساعدة الواقع الافتراضيّ للأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعيّ، خاصّة أولئك الذين يتلعثمون.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أبرز توجّهات التكنولوجيا في العام 2021

أيضاً، كانت هناك نظرة عميقة حول كيف يمكن لوسائل التّواصل الاجتماعيّ والألعاب أن تكون صحّيّة وأن تُعزّز النّموّ. تمثّل الاتّفاق العامّ في أنّ الأمر لا يتعلّق بالضّرورة بمقدار الوقت الذي نقضيه في استخدام التّقنيّات الرّقميّة. بدلاً من ذلك، يبدو أنّ الفوائد والمشكلات تنشأ من كيفيّة استخدامنا لها ولماذا نستخدمها.

اقرأ أيضاً: هل القرب من التكنولوجيا والانفصال عن الطبيعة وراء تفشي كورونا؟

يتطلّب التّحدّي المتمثّل في تعزيز الرّفاهية الرّقميّة في عالم رقميّ بشكل متزايد اهتماماً عاجلاً ومستداماً. كأفراد، نحتاج إلى تقييم عاداتنا الرّقميّة. ومع ذلك، يجب أن تشارك الحكومات وأرباب العمل وصناعة التّكنولوجيا بنشاط أيضاً، إذا أردنا هندسة عالم عبر الإنترنت يمكن للنّاس أن يزدهروا وينجحوا فيه بسهولة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جاستن توماس، ذي ناشونال، 4 نيسان (أبريل) 2022


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية