كيف استقبل المصريون نبأ تفويض البرلمان الجيش بالتحرك خارجياً؟

كيف استقبل المصريون نبأ تفويض البرلمان الجيش بالتحرك خارجياً؟


21/07/2020


فيما تتصفّح أميرة محمود (28 عاماً) هاتفها الجوّال خلال جلسة مع صديقاتها، لاحظت مساء أمس الإثنين انتشاراً واسعاً لمنشورات تدعم الجيش المصري، اعتقدت للوهلة الأولى أنّ الساعات التي انقطعت فيها عن الأخبار قد اختُلست في بدء حرب، ظلت تبحث عن نبأ الضربة، لكنّها كانت محض موافقة من البرلمان المصري على إرسال قوات في مهام خارج البلاد.

 

كان لقرار البرلمان المصري وقع كبير على تصدّر القضية الساحة واستدعاء حماسة لا تخلو من قلق

وسريعاً، دار النقاش بين الصديقات حول "الحرب المرتقبة" في ليبيا، كلهنّ يدلين بدلوهنّ، قبل أن تذهب دفّة الحديث إلى مواضيع أخرى. أميرة وصديقاتها انخرطن فيما ينخرط فيه المجتمع المصري بقوّة الآن، فلا يكاد يخلو تجمّع من الحديث عن المخاطر الحقيقية التي تحدق بمصر، وتعامل القيادة السياسية معها.

وقد كان لقرار البرلمان المصري، أمس، الممهّد لانخراط مصر في مواجهة عسكرية في ليبيا، وقع كبير على تصدّر القضية الساحة، واستدعاء حماسة وتأييد لقرارات الدولة.

ورغم أنّ هذا الجيل الذي لم يعتد ولم يشهد حروباً، إلا أنّه في الوقت ذاته، لا يخشى دخول البلاد في حرب، خصوصاً في ظلّ أحداث كثيرة متعاقبة، من ثورات شعبية إلى أوبئة.

هذا الجيل الذي لم يعتد ولم يشهد حروباً، إلا أنّه في الوقت ذاته، لا يخشى دخول البلاد في حرب

وقد كان للأحداث الأخيرة، سواء على الساحة الليبية أو أزمة سد النهضة، وقع في توحيد الصف المصري، إلا القليل من المتأثرين بخطابات جماعة الإخوان المسلمين، الذين يسعون إلى زعزعة الثقة في الجيش أو الزجّ بادعائية المعركة.

لكن في المقابل، فإنّ المصريين الذين عايشوا خطر الإرهاب خلال السنوات الماضية، وما زالت ذاكرتهم مشحوذة بقصة الكتيبة "101 صاعقة" والشهيد أحمد المنسي، أو حادث الواحات الإرهابي في 2017، يدركون حتمية سدّ هذا الخطر، قبل تضخّمه.

 

الأحداث الأخيرة سواء على الساحة الليبية أو أزمة سد النهضة عملت على توحيد الصف المصري

ويمثل تمركز الميليشيات المسلحة والمتشددين في ليبيا خطراً على دول الجوار، بما في ذلك مصر، والتي تصبح مهدّدة بموجات من التسلل والتمركز لبدء عمليات إرهابية، فضلاً عن سعي تركيا، التي تشهد علاقتها بمصر قطيعة منذ العام 2013، إلى إنشاء قواعد عسكرية في بنغازي، المتاخمة للحدود المصرية الليبية.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد رسم في 30 حزيران (يونيو) الماضي، خطّاً أحمر يتمثل في "سرت ـ الجفرة" وحذّر من تجاوزه، والذي سينتج عنه تدخل مصر مباشرة لحماية أمنها القومي.

الصحفي محمد ربيع، تابع الخبر بترقب، وقد دوّن على صفحته عبر فيسبوك: هل يعني ذلك استدعاء (للخدمة العسكرية)؟

اقرأ أيضاً: الجيش المصري.. ما هي قدرات القوة العسكرية الأكبر في المنطقة؟

ويبقى الشباب المصري على احتياط الجيش، بعد تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، بحيث يمكن استدعاؤهم في أي وقت دعت إليه الحاجة، حتى بلوغهم 30 عاماً.

يقول ربيع لـ"حفريات": رغم متابعتي للأمر بحكم عملي، غير أنّ شعور دنوّ الحرب مربك، نحن جاهزون في أيّ وقت للتخلي عن أيّ شيء، والوقوف خلف جيشنا متى استدعانا.

فيما يستبعد الناشط السياسي اليساري أحمد كمال (31 عاماً) نشوب حرب من الأساس، قائلاً: إنّ تركيا لن تتجرّأ على التورط في حرب مع مصر، هدفها في ليبيا التواجد لأطول فترة ممكنة، هي تحارب من أجل الغاز والنفط والأطماع التوسعية، ومصر من أجل أمنها القومي، ومن يخسر منهما في المعركة، فسوف يخسر كلّ ذلك، لذا فإنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لن يضحّي بتواجده أو يراهن به بمواجهة خاسرة مع مصر.

اقرأ أيضاً: بعد تصريحات السيسي عن ليبيا.. الجيش المصري يتصدر توتير

ويتابع: "المعركة لم تعد بين مصر وتركيا، أو طرفي النزاع في ليبيا، بل هي معركة عربية ـ تركية، مصر تدعهمها دول عربية وفرنسا وإيطاليا للحفاظ على أمنها القومي، وتركيا لن تقدم على مواجهة كلّ هؤلاء".

 

يُدرك المصريون الذين عايشوا خطر الإرهاب حتمية مواجهة هذا الخطر

ويضيف ربيع: "كما أنّ المعركة، حتى إن نشبت، فلا أتوقعها كما يتخيلها الناس، حيث القوات البرية والالتحام المباشر، أعتقد أنّ التدخل المصري سيكون عبر سلاح الطيران، وتقديم الدعم اللوجستي للجيش الليبي".

لكنه في المقابل، أبدى امتنانه لكلّ تلك الأجواء، التي خلقت حالة من الحشد الشعبي خلف الجيش المصري، والاصطفاف خلف أساسيات لا غنى عنها، لافتاً إلى أنّ رجل الشارع العادي بات قادراً على قراءة المشهد والتقييم ببساطة بين من قضيته عادلة ويدافع عن حقه وأمنه، ومن لديه أطماع استعمارية، تنتقل من سوريا إلى العراق فليبيا.

ولفت ربيع إلى أنّ الجيش المصري سجلّه مشرّف، لم يخض حرباً سوى دفاعية، على خلاف الجيش التركي..

تصدر هاشتاغ "#كلنا_الجيش_المصري" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"

من جانبه، استقبل مصطفى أحمد (وهو اسم مستعار)، وقد أدّى خدمته العسكرية ضابطاً في صفوف الجيش، وخدم في سيناء في أوج مواجهة داعش، قرار البرلمان بهدوء وثقة دون قلق، وقال لـ"حفريات": أثق تماماً في قدرتنا على حسم أيّ معركة ندخلها، الجيش المصري لديه عقيدة قتالية قوية.

اقرأ أيضاً: الجيش المصري يكبّد الإرهابيين في سيناء خسائر فادحة.. تفاصيل

ويتخوّف البعض من مواجهة الجيش لميليشيات غير نظامية، على اعتبارها مواجهة غير متكافئة، بين جيش نظامي وحروب عصابات، لكنّ الضابط السابق في الجيش يقول: مصر لن تصبح أمريكا في أفغانستان، المعادلة مختلفة تماماً، الطبيعة واحدة في مصر وليبيا ومعلومة جيداً لمصر، فضلاً عن سلاح الطيران صاحب الكلمة الفصل، لافتاً إلى أنّه بفضل الضربات الجوية استطاع التحالف الدولي دكّ داعش بعدما سيطر على مساحات واسعة من العراق.

أعادت الأنباء المتواترة عن الحرب ذكريات "حرب  1973" لدى العسكري المتقاعد الذي خدم في الجيش لسنوات، عبد العزيز أمين (69 عاماً)، الذي يقول: تتوارد إلى ذهني مشاهد كثيرة من الحرب، مكثنا أكثر من 80 يوماً على الجبهة، كنت متمركزاً في مطار الإسماعيلية.

اقرأ أيضاً: بالأرقام..الجيش المصري يعلن حصيلة آخر عملياته في سيناء ضد الإرهابيين

يتذكّر سماع أول طلقة أنذرت بانطلاق الحرب يوم 6 أكتوبر، وعواء كلب بشدّة قبلها، حتى أنه يعتبر إلى الآن أنّ ذلك الكلب هو من أخبره وزملاءه بالحرب وليس الطلقة، مسترجعاً ذكريات أيام صعبة قبلها وشعور الاحتلال والهزيمة، ثمّ السعادة العارمة بتحرير الأرض واستعادة الكرامة.

يسترجع أمين ذلك الآن، فيما يجلس بين أحفاده يتابع أخبار التوترات على الجبهة الليبيبة، يقول: الحرب القديمة لن تعود، الآن الحرب كلامية وسياسية أكثر منها عسكرية، ومصر تتحرّك خطوات إلى الأمام بتأمين جبهة قد يأتي منها الخطر، ذكريات الحرب القديمة لن تعود.

وتابع حديثه لـ"حفريات": نحمد الله أنها لن تعود، في كل الأحوال ثمّة أساليب مختلفة وتقدّم تكنولوجي هائل، والمعركة ليست على أرضنا التي تمضي نحو الاستقرار والتقدم، وتأمين نفسها قبل أن يُحدق بها الخطر.

في غضون ذلك، تصدر هاشتاغ "#كلنا_الجيش_المصري" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عقب تفويض البرلمان. شارك فيه ناشطون وفنّانون. وكتب الممثل المصري مصطفى شعبان: تسلمي يا مصر. ودونت الناشطة سنا قائلة: قلّب في صفحات التاريخ تجد مصر القوة والجسارة، أقوى ممالك وجيوش أهلكت على أبواب مصر، هلك التتار والهكسوس على أيدينا، تذكر أنّ أبواب مصر هي مدافن أعتى المجرمين.

اقرأ أيضاً: وثائقي "المسافة صفر".. متى تيأس قناة "الجزيرة" من استهداف الجيش المصري؟

وكتبت الناشطة سما جابر: أحفاد الفراعنة بجانب أحفاد عمر المختار رجال الصحراء. وغرد الناشط محمد عمران: خلّي السلاح صاحي، في إشارة إلى الأغنية الوطنية الشهيرة المرتبطة في الوجدان الشعبي بحرب أكتوبر 1973.

كما تداول ناشطون مقطع فيديو عن وقوف مصر سابقاً على أعتاب إسطنبول، وذلك خلال صيف 1839، حيث وصل الجيش المصري إلى إسطنبول بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي، وكاد أن يدكّ بمدافعه المدينة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية