كيف أصبحت الصين الهدفَ الجديد للجهاديين؟

كيف أصبحت الصين الهدفَ الجديد للجهاديين؟


02/12/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

في أوائل تشرين الأوّل (أكتوبر)، قتل انتحاريّ من تنظيم داعش في خراسان ما يقرب الـ 50 شخصاً في مسجد في مدينة قندز بأفغانستان. لم يكن إعلان التّنظيم المسلّح مسؤوليّته عن الهجوم مفاجئاً، لكن في تطوّر جديد ومُقلق لبكين، قرّر أيضاً ربط المذبحة بالصّين؛ إذ قال التّنظيم إنّ الانتحاريّ إيغوريّ وإنّ الهجوم يهدف إلى معاقبة حركة طالبان لتعاونها الوثيق مع الصّين بالرّغم من أفعال الأخيرة ضدّ إيغور شينجيانغ.

اقرأ أيضاً: الصراع على امتلاك وإنتاج المعادن النادرة في العالم... هل يمكن الفكاك من الهيمنة الصينية؟

لطالما كان ينظر إلى الصّين على أنّها هدف ثانويّ من قِبل المنظّمات الإرهابيّة الدّوليّة. ركّزت جماعات مثل القاعدة وداعش على استهداف الولايات المتّحدة، أو الغرب بشكل عامّ، أو خصومها المحلّيّين، لدرجة أنّها نادراً ما رفعت أسلحتها نحو الصّين، بالرّغم من أنّها ربما أرادت ذلك بسبب، على سبيل المثال، سوء معاملة الصّين لمسلمي الإيغور. لكن في قندز، أُنهيت هذه الرّواية بوحشيّة. يمكن للصّين الآن أن تعدّ نفسها هدفاً واضحاً.

تاريخ الصّين مع الجماعات الإسلامويّة العنيفة معقّد. لفترة طويلة، كانت قدرة بكين على إبراز مكانتها كقوّة ضمن "العالم النّامي"؛ تعني أنّها يمكن أن تختبئ إلى حدّ ما خلف قشرة أنّها ليست قوّة استعماريّة سابقة تنتمي إلى "العالم الأوّل" وتستعدي مضطّهدي العالم. قبل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ذهب منظّرو القاعدة إلى حدّ الحديث عن بكين كشريك محتمل؛ فوفقاً لمنطقهم، فإنّ الصّين ضدّ الولايات المتّحدة، العدو الّلدود للقاعدة، وبالتّالي فإنّ مأثورة "عدو عدوي صديقي" قد تنطبق.

يُنظر إلى بكين على أنّها الدّاعم الأكبر لطالبان على المسرح الدّولي، وبتولّيها هذا الدّور، تخاطر الصّين بأن يُنظر إليها على أنّها تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتّحدة

ما من دليل قويّ يفيد بأنّ ذلك قد حدث، يبدو أنّ التّسامح الّذي أظهرته الصّين في أواخر التّسعينيّات من القرن الماضي تجاه شخصيّات القاعدة الّتي استخدمت الأراضي الصّينيّة أحياناً لعمليّات العبور والدّعم كان على الأرجح بسبب الجهل أكثر منه بسبب التّآمر. وبحلول عام 2004، تغيّرت هذه الدّيناميكيّة، وكانت المخابرات الصّينيّة مستعدّة للعمل مع الأجهزة الغربيّة لتسليم الإرهابيّين المشتبه بهم الذين مرّوا عبر مطارات الصّين.

كبح جماح جماعات الإيغور

خلال الحكومة الأولى التي قادتها طالبان في التسعينيّات من القرن الماضي، كان المسؤولون الصّينيّون متردّدين، لكن لديهم رغبة في التّحدّث مع نظام الملّا محمّد عمر. لم تكن الصّين قطّ من مؤيّدي طالبان المتحمّسين، لكنّها فضّلت بدلاً من ذلك إيجاد طرق للعمل مع الجماعة في الخلفيّة. اتّخذ هذا في الغالب شكل تقديم الصّين لاستثمارات محدودة ودعماً شجّعته باكستان، مع توقّع أن تقوم طالبان بكبح جماح جماعات الإيغور، التي اتّخذت من أفغانستان موقعاً لها تحت حماية الملّا عمر، من مهاجمة الصين. لا يبدو أنّ بكين كانت قلقة للغاية بشأن الأهداف الأكبر لطالبان، طالما أنّ قادة أفغانستان تصرّفوا بناءً على هذا الطّلب الرّئيس. ومع ذلك، لا يوجد دليل يذكر على أنّ بكين ربطت هذه المشكلة المحلّيّة بتهديد إرهابيّ دوليّ أوسع.

مع الغزو الّذي قادته الولايات المتّحدة لأفغانستان، وبعد ذلك العراق، انطلقت مشكلة الإرهاب الدّولي على مستوى العالم، حيث استهدفت الجماعات مجموعةً واسعة من البلدان. ومع ذلك، فإنّ دفع الصّين النّاجح لإضافة بعض جماعات الإيغور المحلّيّة الخاصّة بها إلى قائمة الأمم المتّحدة والولايات المتّحدة للمنظّمات الإرهابيّة لم يجذب للبلاد الكثير من اهتمام الجهاديّين الدّوليّين. في غضون ذلك، في الأعوام الّتي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) مباشرة، أصبحت الصّين حذرة من طالبان. وبحسب ما ورد في تقارير؛ فقد قاتلت جماعة من الإيغور جنباً إلى جنب مع طالبان لأعوام، كما أوضح مقطع فيديو لزعيم القاعدة أيمن الظّواهري، عام 2016، وكما أشارت معلومات المخابرات الأمريكيّة من خليج غوانتانامو في وقت سابق.

اقرأ أيضاً: الصين وتايوان: ما جذور الخلاف؟ وهل تتدخل أمريكا لصالح تايوان

مع استمرار العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، بدأ المزيد من المواطنين الصّينيين يتعرّضون للأذى في حوادث إرهابيّة في أنحاء العالم كافّة، لكن، في الغالب، بدا هذا عرضيّاً، حالة من التّواجد في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. أصدر قادة القاعدة ثمّ داعش بعد ذلك بعض التّصريحات المُهدّدة لبكين بسبب معاملتها للإيغور، والمسلمين بشكل عامّ، لكن في الغالب، كانت هذه التّصريحات محدودة ولم تؤدِّ إلى أيّة دفعة كبيرة لاستهداف الصّين.

الصّين مستهدَفة

الآن، لا يمكن إنكار أنّ الصّين مستهدَفة، خاصّة مع نموّ وجودها في أفغانستان، لطالما تجنّبت بكين المشاركة الرّسميّة في أفغانستان، وبينما تُواصل القيام بذلك إلى حدّ ما، فإنّها أيضاً أكثر القوى الكبرى في المنطقة استعداداً للانخراط مع طالبان مباشرة. من الواضح أنّ تنظيم داعش خراسان يرى أنّ انحناء طالبان لبكين هو نقطة ضعف ينبغي الاستفادة منها، ورسالة الجماعة واضحة: إنّها تقدّم نفسها كموطن للإيغور غير الرّاضين عن نظام طالبان، وغيرهم في أفغانستان من الّذين تفزعهم من معاملة الصّين للأقلّيّات المسلمة.

صرّحت حكومة طالبان الجديدة علانية برغبتها في العمل مع الحكومة الصّينيّة - وهو أمر أوضحت بكين أنّه مشروط باتّخاذ إجراءات ضدّ مقاتلي الإيغور، قادة طالبان حريصون بشكل خاصّ على جذب الاستثمارات الصّينيّة والشّراكات الاقتصاديّة.

من الواضح أنّ تنظيم داعش خراسان يرى أنّ انحناء طالبان لبكين هو نقطة ضعف ينبغي الاستفادة منها، ورسالة الجماعة واضحة: إنّها تقدّم نفسها كموطن للإيغور غير الرّاضين عن طالبان

في أواخر تشرين الأوّل (أكتوبر)، التقى وزير الخارجيّة الصّيني، وانغ يي، بقادة الجماعة في الدّوحة بقطر. قدّم وزير خارجيّة طالبان المكلّف، أمير خان مُتّقي، إلى وانغ علبة من حبوب الصّنوبر الأفغانيّة، ممّا يعكس إحدى السّلع العديدة الّتي تأمل أفغانستان في تصديرها إلى السّوق الصّينيّة. في غضون ذلك، ركز وانغ على الحاجة إلى حكومة مستقرّة في أفغانستان، وناشد طالبان مرّة أخرى بقطع علاقاتها مع مقاتلي الإيغور.

لكن يظلّ سؤال إلى أيّ درجة طالبان قادرة على، أو راغبة في، قطع التّواصل مع الإيغور بالكامل سؤالاً مفتوحاً.

نقل طالبان للإيغور داخل أفغانستان

خلال الأشهر القليلة الماضية، قالت الحركة إنّها لن تسمح للمسلّحين باستخدام أراضيها لشنّ هجمات في الخارج وإنّ مقاتلي الإيغور قد غادروا البلاد. ومع ذلك، بينما تنتشر إشاعات عن أعمال مناهضة للإيغور خلف الكواليس، وعن نقل طالبان للإيغور داخل أفغانستان بعيداً عن حدود الصّين، فإنّ بكين ليست مقتنعة تماماً.

بعد اجتماع الدّوحة، كتبت وزارة الخارجيّة الصّينيّة؛ أنّ وانغ قد أعرب عن أنّ الصّين "تأمل وتعتقد" أنّ طالبان "ستقطع تماماً مع الحركة الإسلاميّة لتركستان الشّرقيّة" (وهو الاسم الّذي تستخدمه الصّين لوصف شبكات الإيغور المسلّحة)، ممّا يشير إلى أنّ طالبان لم تحقّق رغبات بكين بعد.

اقرأ أيضاً: مآلهما للحرب: هل تستطيع أمريكا والصين تفادي فخ ثوسيديدس؟

هذه هي الدّيناميكيّة التي استفاد منها تنظيم داعش خراسان عندما استخدم انتحاريّاً في هجوم قندز، اسمه الحركيّ محمّد الإيغوري، وفي الرّسالة التي نشرتها القنوات الإعلاميّة التّابعة لداعش، والتي تبنّت الهجوم، ربطت الجماعة المهاجم مباشرة بطالبان والتّعاون الصّينيّ، قائلة: "كان المهاجم أحد مسلمي الإيغور الذين وعدت طالبان بترحيلهم استجابة لمطالب من الصّين وسياستها (الصّين) تجاه المسلمين هناك".

تنطوي الرّسالة على طبقات عديدة؛ أوّلاً، إنّها إشارة إلى طالبان تُسلّط الضّوء على عدم قدرتها على حماية الأقلّيّات في البلد الذي تزعم الآن أنّها تسيطر عليه. ثانياً: إنّها رسالة إلى الصّين تهاجم بكين بسبب سياساتها في شينجيانغ وتربطها بمصالح الجماعة. ثالثاً: إنّها رسالة إلى الإيغور الآخرين الذين يشعرون بالتّخلّي عنهم أو تهديدهم من قِبل طالبان، وربما يسعون للانضمام إلى جماعات أخرى من شأنها تعزيز مصالحهم. أخيراً: إنّها رسالة إلى العالم تُظهر أنّ داعش خراسان عبارة عن تنظيم قادر على مواصلة تقاليد داعش في ساحة المعركة والتّحدّث نيابة عن المسلمين المضطّهدين. وسيكون لهذه الرّسائل صدى لدى المؤيّدين المحتملين حول العالم.

اقرأ أيضاً: إيران على دروب الحرير الصينية

علناً، كانت الصّين حَذِرة في ردّها، الذي استنكر الخسائر في الأرواح. لم يتمّ الإدلاء بأيّ تعليق رسميّ حول هويّة المهاجم، بالرّغم من أنّ أكاديميّاً صينيّاً نشر مقال رأي في صحيفة "غلوبال تايمز"، المملوكة للدّولة، متّهماً وكالة "أسوشيتد برس" بتلفيق رواية أنّ المهاجم من الإيغور. وبدلاً من ذلك، قدّم روايات طالبان الّتي تفيد بأنّ الإيغور الذين كانوا يقاتلون مع طالبان في أفغانستان قد غادروا البلاد وأشاد بسيطرة طالبان وتعاونها مع الصّين.

بكين: مواجهة التّهديدات المحتملة

لكن من المرجّح أن تعرف بكين أنّ هذا تطوّر خطير، لا سيما في منطقة تواجه فيها تهديدات أكبر، وقد وردت تقارير جديدة عن تنامي الوجود الأمنيّ ​​الصّيني في طاجيكستان، بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة التّهديدات المحتملة من أفغانستان. وتستهدف مجموعة متزايدة من الجماعات المسلّحة في باكستان المصالح الصّينيّة هناك، حيث تأتي الهجمات في داسو وكراتشي من الانفصاليّين البلوشيّين والسّند المحلّيّين. وكانت سفارة الصّين في بيشكيك بقرغيزستان تعرّضت للقصف، عام 2016، وكذلك قنصليتها في كراتشي، عام 2018، وهو هجوم قتل أربعة أشخاص (وثلاثة مهاجمين). تنظر حركات الاحتجاج المحلّية والجماعات المسلّحة والسّياسيون إلى الصّين كخصم، وحتّى الآن، جاءت معظم الهجمات من حركات انفصاليّة محلّيّة؛ إنّ إضافة تنظيم داعش خراسان إلى القائمة أخيراً يضع البلاد بقوّة في مرمى الجهاديّين.

اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": هذا ما تفعله السلطات الصينية لمنع مسلمات الإيغور من الإنجاب

تكمن مشكلة الصّين في أنّها غير مستعدّة للتّعامل مع مثل هذه التّهديدات، قد يكون جيشها كبيراً ومجهّزاً جيّداً، لكن لديه القليل من الخبرة في مواجهة المنظّمات المسلّحة، وغالباً ما يعتمد على دول أخرى للقيام بذلك من أجله، ومع ذلك، كما تكتشف بكين بشكل متزايد في باكستان، أحد حلفائها الأكثر موثوقيّة، يصعب ضمان ذلك. قد تُظهر قيادة طالبان قوّة كبيرة وغطرسة، لكنّها ستواجه الصّعوبات نفسها الّتي يواجهها الآخرون في المنطقة في قمع الجماعات المسلّحة داخل أراضيهم، وقد تجد صعوبة في حماية الصّين بالكامل من المنظّمات الإرهابيّة المصمِّمة.

بمعنى ما، بكين عالقة. الصّين هي الجار الأقوى والأكثر نفوذاً لأفغانستان، وهو ما يفسر جزئيّاً الاهتمام المتزايد تجاه دورها في البلاد. يُنظر إلى بكين بشكل متزايد على أنّها الدّاعم الأكبر لطالبان على المسرح الدّولي، وبتولّيها هذا الدّور، تخاطر الصّين بأن يُنظر إليها على أنّها تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتّحدة في أفغانستان، وهو أمر تحرص بكين على تجنّبه. ومع ذلك، فإنّ الحقيقة هي أنّها بدأت بالفعل في الانغماس فيه، وقد سلّط هجوم تنظيم داعش خراسان في قندوز الضّوء فقط على المدى الّذي قطعته بكين في هذا المسار بالفعل.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

رافايلو بانتوتشي، فورين بوليسي، تشرين الثّاني (نوفمبر) 2021




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية