قلّة أعداد ضحايا الإرهاب لا تعني اختفاء تهديده

قلّة أعداد ضحايا الإرهاب لا تعني اختفاء تهديده


19/12/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

وجد مؤشّر الإرهاب العالميّ، الذي صدر مؤخّراً، أنّ الوفيّات النّاجمة عن الإرهاب في كافّة أنحاء العالم قد هبطت إلى 13,826 حالة وفاة، عام 2019، بانخفاضٍ نسبته 15% عن العام السّابق، أي أدنى مستوى في خمسة أعوام، وأظهرت 103 دول تحسّناً في درجاتها، مقابل 35 دولة فقط أظهرت تدهوراً، يمنحنا التّقرير بعض أسباب التّفاؤل، وحقيقة أنّ أداء أستراليا جيّد حالياً هو أحد هذه الأسباب.

الوفيّات النّاجمة عن الإرهاب في كافّة أنحاء العالم هبطت إلى 13,826 حالة وفاة، عام 2019، بانخفاضٍ نسبته 15% عن العام السّابق

رغم ذلك؛ يجب أن تظلّ أستراليا، والغرب بشكلٍ عامّ، في حالة تأهّب، وأحد الاتّجاهات الأكثر إثارةً للقلق في الأعوام الخمسة الماضية؛ هو تصاعد الإرهاب السّياسيّ المتطرّف، فرغم أنّ العدد المطلق للهجمات المتطرّفة ما يزال منخفضاً عند مقارنته بأشكال الإرهاب الأخرى، في أمريكا الشماليّة وأوروبا الغربيّة وأوقيانوسيا، فقد زادت هجمات أقصى اليمين بنسبة 250 في المئة من 2014 إلى 2019، وزادت الوفيّات بنسبة 709 في المئة.

وخلال فترة الأعوام الخمسة نفسها، كما تُظهِر البيانات، زادت شدّة إرهاب أقصى اليسار، أيضاً، ومع ذلك؛ يميل إرهاب أقصى اليمين إلى أن يكون أكثر فتكاً من إرهاب أقصى اليسار، وإن لم يكن قاتلاً مثل الإرهاب الإسلامويّ في الغرب، ونُسبت 89 حالة وفاة إلى إرهابيّين من أقصى اليمين، عام 2019، 51 منها وقعت في هجمات مسجد كرايستشيرش في نيوزيلندا.

وفي الغرب؛ ارتفع عدد الهجمات من أربعة عام 2011، إلى ما معدّله 52 في الأعوام الثّلاثة الماضية.

مؤشرات

أيضاً، ثمّة مؤشّرات على أنّ عدم الاستقرار الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ آخذ في الازدياد؛ فعلى مدار العقد الماضي، تراجعت مقاييس المرونة المجتمعيّة في العديد من الاقتصادات المتقدّمة، وهو اتّجاه من المرجّح أن يستمرّ خلال الانكماش الاقتصاديّ الممتدّ، النّاجم عن "كوفيد 19"، وإذا تُرك هذا النّوع من عدم الاستقرار دون رادع، يمكن أن يعزّز الظّروف الخلفيّة للإرهاب.

اقرأ أيضاً: الحكومات تواجه تحدي تجديد نمط التفكير في مكافحة تمويل الإرهاب

ومن أجل فهم العوامل المجتمعيّة الأساسيّة المرتبطة بالإرهاب بشكلٍ أفضل؛ يوضح المؤشّر العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة المرتبطة بمستوياتٍ أعلى من الإرهاب في الدّول المتقدّمة والنّامية، ومن خلال استخدام نمذجة معادلات بنيويّة وتحليل للارتباطات، قام معهد الاقتصاد والسّلام بتقييم العلاقة بين عددٍ كبيرٍ من المؤشّرات، الاجتماعيّة والاقتصاديّة، والإرهاب.

في الاقتصادات المتقدّمة؛ نجد أنّ الصّراع الداخليّ والافتقار إلى حماية حقوق الإنسان والحرمان الاجتماعيّ وعدم المساواة، خاصّةً معدّل بطالة الشّباب، من العوامل الّتي لها ارتباط كبير بالإرهاب.

وتدعم البيانات العديد من قصص وصور المجتمعات المنقسمة التي نراها بانتظامٍ في الأخبار، والاضطّرابات المدنيّة آخذة في الازدياد، وحتّى قبل التّظاهرات واسعة النّطاق، التي شوهدت عام 2020، كان عدم الاستقرار الاجتماعيّ والسّياسيّ في تصاعدٍ في الغرب؛ حيث تمّ تسجيل ما يقرب من 70 تظاهرة عنيفة، عام 2019، مقارنةً بـ 19 تظاهرة فقط عام 2011.

أكبر عددٍ من الاحتجاجات وأعمال الشّغب

وشَهِدَت أوروبا أكبر عددٍ من الاحتجاجات وأعمال الشّغب والإضرابات على مدار هذه الفترة؛ حيث بلغ إجمالي الأحداث ما يقرب من 1,600 حدث من 2011 إلى 2018، وثمّة دلائل على أنّ العنف السياسيّ أصبح مقبولاً بشكلٍ أكبر مع تزايد مستوى الاستقطاب في المجتمع؛ إذ تُظهر بيانات الاستطلاع في الولايات المتّحدة قفزةً كبيرةً في نسب كلٍّ من الدّيمقراطيّين والجمهوريّين الذين يشعرون أنّ العنف لأغراضٍ سياسيّة مبرّر جزئيّاً على الأقلّ.

تنظيم داعش هُزِمَ إقليميّاً في الشّرق الأوسط، لكن الجماعات التّابعة له ما تزال نَشِطة؛ حيث سجّلت 27 دولة هجوماً، من جانب التنظيم الإرهابي

وتُظهِر الأبحاث التي أجريت على المستويات العالميّة للسّلام الإيجابي، خلال العقد الماضي، أنّ الولايات المتّحدة قد تدهورت بشكلٍ كبيرٍ في هذه المنطقة، بينما في أوروبا تدهورت المواقف التي تدعم السّلام، ويحلّل بحثنا في هذا المفهوم العوامل المجتمعيّة الأساسيّة الّتي تحافظ على السّلام وتعزّز المرونة داخل بلدٍ ما.

 وفي الولايات المتّحدة؛ حدث التّدهور الكبير بشكلٍ أساسيٍّ خلال الأعوام السّتة الماضية، وتشمل الدّوافع الرّئيسة الجدل السياسيّ المستقطب على نحوٍ متزايدٍ، والتوتّرات المتصاعدة بين المجموعات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، أو العرقيّة، وتدهور جودة المعلومات المتاحة للجمهور، مع تنكّر الرّأي والدّعاية في كثيرٍ من الأحيان في صورة أخبار.

اقرأ أيضاً: بوكو حرام.. غول الإرهاب غربي أفريقيا

 وفي أوروبا؛ أُحرِز تقدّم اقتصادي على مدى الأعوام العشرة الماضية، ولكن أيضاً سُجِّلت زيادة في الاستقطاب السّياسي والتفتّت الاجتماعي، كما سُجِّل تدهور في جودة المعلومات المنشورة أمام الجمهور.

الحذر الضروري

وبينما يجب على الدّول الغربيّة أن تظلّ حَذِرة، فإنّ النّظر إلى تهديد الإرهاب من وجهة نظرٍ عالميّةٍ يوفّر منظوراتٍ جديرةٍ بالاهتمام، والدّول العشر الأكثر تضرّراً من الإرهاب هي بلدان نامية؛ نجد أنّ نصفها غارق في الصّراع، وهي: أفغانستان، والعراق، ونيجيريا، وسوريا، والصومال، واليمن، وباكستان، والهند، وجمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة، والفلبين.

وقد حدثت أكبر زيادة في الإرهاب في بوركينو فاسو؛ حيث ارتفع عدد القتلى بنسبة 590 في المئة، بين عامي 2018 و2019.

 إنّ تنظيم داعش قد هُزِمَ إقليميّاً في الشّرق الأوسط، لكن الجماعات التّابعة له ما تزال نَشِطة؛ حيث سجّلت 27 دولة هجوماً، من جانب داعش أو إحدى الجماعات التّابعة له، وكانت منطقة أفريقيا جنوب الصّحراء الأكثر تضرّراً، وأصبحت مركز الثّقل الجديد للجماعة الإرهابيّ (41 في المئة) من كافّة الوفيّات المرتبطة بتنظيم داعش حدثت في هذا الجزء من أفريقيا.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ستيف كيليليا، "ذي ستراتيجيست"، 9 كانون الأوّل (ديسمبر) 2020


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية