
موسى أفشار
أکثر ما يمکن ملاحظته في ما يصدر عن قادة النظام الإيراني هو أنهم يرکزون في تصريحاتهم وأحاديثهم على المستقبل وهم يسعون دائماً إلى تصوير المستقبل وکأنه "المدينة الفاضلة" لأفلاطون، وهذا دأبهم منذ بداية حکمهم، ويجب أن لا ننسى هنا کيف أن الخميني صوّر مستقبلاً وردياً زاهياً للأوضاع في ظل النظام، وکيف أن الإيرانيين سيحظون بما لم يحظوا به في العهود السابقة، لکن مشکلة هذا النظام أنه کلما مضى الزمان أکثر توضح کذبه وخداعه، وأن وعودهم أشبه بسراب بقيعة يظنه العطشان ماءً!
بعد 44 عاماً، هل تم توزيع واردات النفط على الشعب وجعله يمتلك دوراً خاصاً به کما وعدهم الخميني؟ هل ساد العدل والأمن والأمان في ظل هذا النظام؟ هل الشعب، وخصوصاً الفقراء وذوي الدخل المحدود منهم، صاروا يعيشون عيشاً رغيداً ولايعانون ما کانوا يعانونه في عهد الشاه المباد؟ من الأفضل أن يسعى أولئك الذين لا يزالون يراهنون على هذا النظام أو يسعون من أجل تبرير أخطائه وسقطاته، للإجابة!
خامنئي، خلال خطبته التنميقية التي ألقاها لمناسبة عيد رأس السنة الإيرانية في آذار (مارس) الماضي، وقبله وصيفه إبراهيم رئيسي الذي قام بتدبيج قائمة بأکبر من 50 وعداً معسولاً للشعب في الانتخابات الرئاسية التي هندسها خامنئي من أجله، ما الذي تم تحقيقه مما وعد به الاثنان؟ بل ما الذي تحقق من مجمل الوعود التي وعد بها قادة النظام طوال الـ44 عاماً الماضية؟ هل الشعب الإيراني أصبح في ظل هذا النظام يرفل، ليس برغد العيش بل وحتى بما هو أدنى من متوسط الحال؟ قطعاً إن الاجابة السلبية وحدها والتي يجدها العالم کله ماثلة للعيان في الأوضاع المعيشية الحالية السائدة في البلاد، کافية لإثبات ذلك بصورة عملية.
ولع النظام غير العادي بالمستقبل والحديث عن المستقبل، مرتبطان بأسلوبه المعهود الذي صار المتابع للأوضاع في إيران يراها في الهروب إلى الأمام، وبقدر ما يتحدث قادة النظام عن المستقبل وبقدر ما تغدق حناجرهم بالوعود المعسولة، فإنهم لا يتحدثون عن الأوضاع الحالية المتفاقمة ولو بنسبة 10%، لأنهم أساساً يعانون أزمة عامة خانقة على مختلف الصعد، وإن الکذب والخداع صارا مادتهم ووسيلتهم للتعامل على الصعد كافة، وقطعاً فإن من يقول بخلاف ذلك فهو مجاف للحقيقة والواقع، خصوصاً أن حذر بلدان المنطقة والعالم في التعامل مع هذا النظام والتردد الواضح جداً في الثقة به يدلان إلى أن الجميع صار يعرف مدى ولع هذا النظام وشغفه بممارسة الکذب والخداع والتمويه.
مستقبل النظام الإيراني هو مستقبل غير مضمون والنظام نفسه يعلم ذلك، إذ حتى لو رفعت العقوبات عنه وتم إطلاق الأرصدة المجمدة وسمح له بتصدير النفط بنسب عالية، فإن ذلك لن يتمکن من جعله يتجاوز الأزمة التي يواجهها، وهذا طبقاً لما يقوله خبراء من النظام وليس أي أحد آخر.
وما حدث في إقلیم بلوتشستان إیران قبل أیام – أي في 29 و30 من أیلول (سبتمبر) الفائت – في الذکری الأولی من مذبحة مصلي جامع مکي بزاهدان هو خیر دلیل إلى الواقع المتفجر لمجتمع عارم بالغضب من جهة، وهشاشة نظام تترعد أوصاله من خوف انفجار هذا الغضب الجماهیري من جهة أخری، فقد خرجت حشود غفیرة من مواطني البلوش إلی الشوارع بدعوة أطلقها زعیم المقاومة الإیرانیة السید مسعود رجوي لتخلید هذه الذکرى الدامیة. نعم لقد كان الجمعة والسبت 29 و30 يومين مهمين في تاريخ صمود المواطنين البلوش، ورمزاً ساطعاً لتضامن الشعب الإيراني في ذكرى الانتفاضة الوطنية، فعلى الرغم من الإجراءات الأمنية الواسعة النطاق والإغلاق الذي فرضه النظام يوم الجمعة، نزل المواطنون إلى الشوارع للتظاهر في مدن بلوشستان، وتحت وابل رصاص الحرس هتف المتظاهرون "الموت لخامنئي"، “أخي الشهيد سآخذ بثأرك”، “الموت للظالم سواء كان الشاه أو خامنئي”، وصرخوا بغضب شديد تنديداً بإراقة دماء أكثر من 110 أشخاص قتلوا في زاهدان يوم 30 أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، أظهر هتاف المواطنين أنهم لن يسامحوا ولن ينسوا ولن يساوموا قتلة أبنائهم وإخوانهم وأخواتهم على دماء الشهداء، من هستي نارويي الطفلة البالغة 7 سنوات من العمر إلى زر بيبي إسماعيل زهي الأم المسنة. واستجابة لدعوة مولوي عبد الغفار نقشبندي أغلق أهالي وكسبة زاهدان ومدن أخرى، بينها جابهار، سراوان، دشتياري، وسفيدابه أسواقهم ومحالّهم التجارية في اليوم التالي معلنين الإضراب العام، على الرغم من التدابير الأمنية التي اتخذها النظام، وكان الإغلاق التام لسوق زاهدان، الذي يضم متاجر شيعية وسنية مثار اهتمام.
إن السمة الرئیسة التی تتسم بها الانتفاضة الإیرانیة 2023 هي المسار الأوحد للحراك الشعبي الثائر من أجل إطاحة حکم الملالي، وهو مسار رسمته المقاومة الإیرانیة التي یقودها المجلس الوطني للمقاومة الإیرانیة، باعتباره البدیل الدیموقراطي الوحید للنظام الاستبدادي الدیني الحاکم من الناحیة السیاسیة والاجتماعیة والتعبئة الجماهیریة بريادة وحدات المقاومة وتنظیماتها المتسعة في جمیع مدن إیران من أقصاها إلی أقصاها... وباتت تقدم صورة لإرادة الشعب المضطهد، تعبر عن الإصرار على النضال ضد أي نوع من الدكتاتورية ورفض الصمت والتسوية، وأظهرت الدعم الواسع في عموم إيران، لتكتب بأحرف من نور رسالة الصمود ومواصلة الانتفاضة التي لن تتوقف حتى حرق عباءة نظام ولاية الفقيه وإطاحة الطاغية.
عن "النهار" العربي