علاقة حزب العدالة والتنمية بالمؤسسة العسكرية في تركيا.. لماذا اكتسبت طابع المواجهة؟

علاقة حزب العدالة والتنمية بالمؤسسة العسكرية في تركيا.. لماذا اكتسبت طابع المواجهة؟


02/08/2022

تعدّ المؤسسة العسكرية التركية، نظراً إلى دورها الفارق في حرب الاستقلال (1919-1923)، المؤسس الفعليّ للجمهوريّة التركيّة الحديثة، بحدودها التي نعرفها اليوم، وطيلة عقود تمكنت من التغلغل في مفاصل الدولة وإحكام سيطرتها على النظام السياسة التركي، وأصبحت بمثابة الحامي لقيم ومبادئ الجمهوريّة التركيّة، وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم كانت في مقدمة مصادر التهديد الداخلي لحكمه، فكيف واجهها؟
حماية مبادئ الجمهورية
في السادس والعشرين من أيار (مايو) عام 1960؛ حدث الانقلاب الأول في تاريخ الجمهوريّة التركيّة، حين اتهم الجيش حكومة رئيس الوزراء، عدنان مندريس، بالتحوّل عن قيم الجمهوريّة والعمل على تحويل تركيا إلى دولة دينيّة، إثر ذلك عملت المؤسسة العسكرية على إحكام السيطرة على مفاصل الدولة، وجاء ترسيخ ذلك في دستور عام 1961، الذي عزّز السيطرة العسكريّة على مؤسسات الحكم في النظام السياسي التركي، فأصبحت جزءاً من المحكمة الدستوريّة، والمجلس الأعلى للقضاء، ومجلس الأمن القوميّ، وأصبح هناك دور دستوري وقانونيّ للجيش.

تكررت ممارسة المؤسسة العسكرية دور الوصيّ على حماية العلمانية في البلاد، وبعد صعود الأحزاب الإسلاميّة، في ثمانينيات القرن الماضي، تكررت قرارات المحكمة الدستورية بإغلاقها وحلّها بحجة العمل على محو العلمانيّة، وجاء آخر الانقلابات في تركيا، عام 1997، في الإطار ذاته، حين أجبر الجيش حكومة نجم الدين أربكان على الاستقالة، عبر التلويح باستخدام القوة إن لم تفعل.

عدنان مندريس أطاح أول انقلاب عسكري في تركيا بحكمه بحجة انقلابه على علمانية البلاد

بداية تقليص الصلاحيات
كان هذا هو المناخ الذي وصل فيه حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، المنشق عن تيار أربكان، في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2002، سعى الحزب الجديد في البداية لتجنب المواجهة المباشرة والصدام مع الجيش، وترافق ذلك مع وجود الجنرال حلمي أوزكوك في منصب رئيس الأركان العامة للجيش التركيّ، والذي يعدّ من الجنرالات الأتراك المعتدلين غير المتطرفين في قضية الحفاظ على مبدأ العلمانية، وكان يسعى للتوفيق قدر الإمكان وإعطاء الفرصة لحزب العدالة والتنمية، وهو ما كانت الضغوط الدوليّة، من قبل كلّ من واشنطن والاتحاد الأوروبي، تدفع باتجاهه أيضاً.

لكن سرعان ما شَرَعَ حزب العدالة والتنمية في مساعي تقليص صلاحيات المؤسسة العسكريّة، وجاء ذلك بدايةً تحت عنوان الالتزام بمعايير الانضمام للاتحاد الأوروبيّ، وعام 2003؛ جرى تعديل المادة الخامسة عشرة من قانون مجلس الأمن القوميّ، فتم إلغاء البند الخاص بوجوب تعيين الأمين العام لمجلس الأمن الوطني من بين أعضاء القوات المسلحة، لتنصّ بعد التعديل على إمكانية تولي شخصية مدنيّة المنصب.

سعى الجنرال حلمي أوزكوك (يسار) لإعطاء فرصة لحزب العدالة والتنمية وعدم الصدام معه

تصاعد التوتر
عام 2006؛ حصل منعطف على صعيد العلاقة بين الجيش وحكومة العدالة والتنمية، عندما تمّت إقالة الجنرال حلمي أوزكوك، من منصب رئيس الأركان، وعيّن بدلاً منه، الجنرال يشار بويوكانيت، المعروف بكونه متطرفاً في العلمانية، إلى درجة أنّ الخطوة عدّت بمثابة تهديد مبطن من المؤسسة العسكرية بقرب وقوع انقلاب على الحكومة.

نشرت المؤسسة العسكرية بياناً عام 2007 حذّرت فيه من التدخل إذا رأت أنّ قيم البلاد العلمانية باتت مُهَدّدَة

في العام التالي، 2007، جاء قرار العدالة والتنمية بترشيح عبد الله غول لمنصب الرئاسة، لتبلغ التوترات بين الجانبين ذروتها.
بذلت المؤسسة العسكرية أقصى جهد لإحباط الترشح، وقامت بنشر بيان عرف بـ "مذكرة منتصف الليل"، جاء فيه التذكير والتأكيد على أنّ الجيش هو الحامي للعلمانية، مع توجيه تحذير بالتدخل إذا رأت أنّ "قيم البلاد العلمانية باتت مُهَددة"، وتزامن ذلك مع انطلاق مظاهرات حاشدة في إسطنبول تؤكد على علمانية البلاد، رغم ذلك، مضى العدالة والتنمية في قراره، وتم انتخاب غول رئيساً للبلاد، في آب (أغسطس) 2007، ما مثّل نقطة تحوّل في تاريخ البلاد؛ حيث تولى رئاسة الجمهورية للمرة الأولى شخص غير علماني.

عدّ تعيين بويوكانيت في منصب رئاسة الأركان بمثابة التهديد بالانقلاب

محاولات انقلاب
في الأعوام التالية أعلن الكشف عن محاولات انقلابية جرى التصدي لها، كانت تدبرها المؤسسة العسكريّة ضدّ حكومة العدالة والتنمية؛ ففي عام 2010 تمّ الكشف عن منظمة سريّة باسم "المطرقة"، وُجّهت لها تُهمة التدبير لمحاولة انقلابية، نُشِرَت تفاصيلها في صحيفة "طرف" التركيّة، وتتألف هذه المنظمة من مجموعة من كبار ضباط الجيش التركي، كانت تخطط لانقلاب في آذار (مارس) عام 2003، بُعيد تشكيل حزب العدالة والتنمية لحكومته الأولى، عبر اختلاق حالة من الاضطراب والفوضى، وتوجيه الاتهام لأطراف خارجيّة بالمسؤولية، ما يهيئ لعمل انقلاب عسكري.

مع التعديل الدستوري، عام 2013، تمّت إزالة أيّ مبرر قانوني يمكن أن يشرعن تدخّل الجيش للقيام بانقلاب

وعام 2013؛ صدر الحكم بالسجن مدى الحياة للجنرال إلكر باشبوغ، رئيس الأركان في الفترة من 2008 حتى 2010، وعدد آخر من ضباط الجيش، لتنتهي بذلك سلسلة محاكمات امتدت طيلة خمسة أعوام، حوكم فيها نحو ثلاثمئة شخص اتهموا بالتآمر للإطاحة بالحكومة التركيّة عبر التخطيط لأحداث عنيفة ترغم الجيش على التدخل وقلب نظام الحكم، واتهموا بالانتماء إلى تنظيم سري آخر، هو التنظيم المعروف باسم "أرغينيكون"، وهو منظمة يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1999، تضمّ شخصيات متعددة التخصصات والمناصب، من العسكريين إلى الصحفيين، هدفها الحفاظ على القيم الجمهورية الأتاتوركية وبقاء تركيا دولة علمانية.
وكمحاولة أخرى، وخلال فترة المحاكمات، قام رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال أسيسك كوشانير، في تموز (يوليو) عام 2011، بتقديم استقالة جماعية مع عدد من القادة والضباط الموالين له، احتجاجاً على اعتقال واتهام عدد كبير من الضباط في إطار المحاكمات، وكان الهدف من الاستقالة إيجاد فراغ سلطوي في القيادة العسكرية، يثير الرأي العام وأفراد المؤسسة العسكرية على الحكومة، حتى ترضخ لمطالب القادة المستقيلين، وإظهارهم بمظهر المدافع عن حقوق العسكريين في مواجهة تعسّف الحكومة، إلا أنّ رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، استغلّ الخطوة لصالح الحكومة، فقبل الاستقالة، وقام بتعيين قادة جدد للقوات المسلحة من التيار الأكثر اعتدالاً وتصالحاً مع الحكومة.

رئيس الأركان الأسبق إلكر باشبوغ (يسار) حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في ختام محاكمات إرغينكون

المزيد من التقييد
لم تقتصر التعديلات الدستورية الهادفة إلى تقليص صلاحيات العسكر على تعديل، عام 2003؛ فقد تكررت التعديلات في عام 2007 و2010، وفي عام 2013، أقرّ البرلمان التركي تعديل المادة الخامسة والثلاثين من قانون الخدمة الداخليّة للجيش التركيّ، والتي كانت المؤسسة العسكريّة تتخذها مبرراً قانونياً للانقلاب، وكانت تنصّ على أنّ وظيفة القوات المسلحة هي حماية الوطن ومبادئ الجمهورية التركية، وأصبحت بعد التعديل مقتصرة على "الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية ضدّ التهديدات والأخطار الخارجية"، وبذلك تمّ إزالة أيّ مبرّر قانوني يمكن أن يشرعن تدخل الجيش للقيام بانقلاب عسكري.
وفي أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، في الخامس عشر من تموز (يوليو) عام 2016، اتّخذ حزب العدالة والتنمية منها فرصة لمزيد من الإخضاع والتقليم للمؤسسة العسكرية، عبر عمليات اعتقال وتسريح واسعة طالت نحو التسعة آلاف عسكري، منهم 118 جنرالاً.

مواضيع ذات صلة:

هل اقتربت نهاية حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا؟

5 أسباب أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية