طرابلس على صفيح ساخن... هل تدفع الميليشيات ليبيا نحو الانزلاق إلى حرب أهلية من جديد؟

طرابلس على صفيح ساخن... هل تدفع الميليشيات ليبيا نحو الانزلاق إلى حرب أهلية من جديد؟

طرابلس على صفيح ساخن... هل تدفع الميليشيات ليبيا نحو الانزلاق إلى حرب أهلية من جديد؟


18/05/2025

استيقظت العاصمة الليبية طرابلس يوم 12 أيّار (مايو) الجاري على أصوات الانفجارات ودوي الرصاص، معلنةً بداية جولة جديدة من الاشتباكات المسلحة التي هزت أركان المدينة. هذه المواجهات، التي اندلعت بين لواء المشاة 444 وجهاز دعم الاستقرار، لم تكن مجرد صدام عابر بين ميليشيات متناحرة، بل كشفت عن هشاشة الوضع الأمني والسياسي في ليبيا، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول دور الميليشيات الإسلاموية في تأجيج الصراع. 

بدأت الأحداث بمقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ "غنيوة"، قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، خلال اجتماع في معسكر تكبالي العسكري، كان الهدف منه ـ ظاهريًا ـ تهدئة التوترات بين الفصائل المسلحة. هذا الاغتيال، الذي وقع في ظروف غامضة، أشعل فتيل المواجهات بين لواء المشاة 444، بقيادة اللواء محمود حمزة، وجهاز دعم الاستقرار، ممّا أدى إلى معارك ضارية امتدت إلى أحياء مكتظة مثل أبو سليم، وسوق الجمعة، ورأس حسن، وشارع الجرابة.

تراكم أدى إلى الانفجار

لم تكن هذه الاشتباكات وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة لصراعات متراكمة على النفوذ الأمني والسياسي في العاصمة. حكومة الوحدة الوطنية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، تسعى منذ أشهر لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، بدعم من خطة أمريكية تهدف إلى تقليص نفوذ الميليشيات المسلحة. وهذه الخطوة أثارت حفيظة العديد من الفصائل  التي ترى فيها تهديدًا لوجودها ومصالحها.

رئيس جهاز دعم الاستقرار: عبد الغني الككلي

دور الميليشيات الإسلاموية: جذور الصراع

على الرغم من أنّ الاشتباكات بدت في ظاهرها صراعًا بين فصيلين عسكريين، إلّا أنّ التساؤلات حول دور الميليشيات ذات التوجه الإسلاموي، مثل تلك المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين أو تحالفات "فجر ليبيا" السابقة، برزت بقوة. 

مصادر إعلامية أشارت إلى احتمال تورط هذه الجماعات في تأجيج الصراع، سواء عبر دعم جهاز دعم الاستقرار، أو من خلال استغلال الفوضى لتعزيز نفوذها.

تاريخيًا، لعبت الميليشيات الإسلاموية دورًا بارزًا في الأزمة الليبية منذ الثورة عام 2011. وخلال الحرب الأهلية الثانية (2014-2020) كانت تحالفات مثل: "فجر ليبيا"، التي ضمت فصائل إسلاموية بقيادة شخصيات مثل عبد الحكيم بلحاج، تسيطر على أجزاء من طرابلس وتتصارع مع قوات خليفة حفتر. هذه الفصائل، التي حظيت بدعم خارجي من دول مثل قطر وتركيا، استطاعت أن تترك بصمة قوية في المشهد الأمني والسياسي. في سياق أحداث أيار (مايو) 2025 يُعتقد أنّ بعض الميليشيات الإسلاموية، خاصة تلك المتمركزة في أحياء مثل أبو سليم وسوق الجمعة، سعت للاستفادة من مقتل الككلي لإعادة ترتيب الأوراق في طرابلس. 

تقارير أشارت إلى تحركات عسكرية لمجموعات من مدينة الزاوية، المعروفة بقربها من التيارات الإسلاموية، لدعم جهاز دعم الاستقرار، ممّا أضاف بُعدًا إضافيًا للصراع.

تداعيات الاشتباكات: مدينة على حافة الانهيار

لم تقتصر تداعيات الاشتباكات على الخسائر البشرية التي شملت مقتل (6) أشخاص على الأقل وإصابة العشرات، بل امتدت إلى انهيار النسيج الاجتماعي والأمني في طرابلس

شهدت المدينة انفلاتًا أمنيًا، وهروب عدد من المجرمين، كما تعرّضت منازل مدنيين، بما في ذلك منزل رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، للنهب والحرق، في مشهد يعكس عمق الأزمة. وتوقفت الحركة في أجزاء واسعة من العاصمة، مع إغلاق مطار معيتيقة الدولي وتعليق الدراسة في المدارس. 

هذا الشلل أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب الأهلية، حيث تحولت طرابلس إلى ما وصفه البعض بـ "مدينة أشباح". بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت عن قلقها البالغ إزاء استخدام الأسلحة الثقيلة في أحياء مكتظة، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين.

 رئيس الحكومة الليبية: عبد الحميد الدبيبة

الصراع السياسي: وقود الميليشيات

لا يمكن فهم دور الميليشيات الإسلاموية دون النظر إلى الانقسام السياسي العميق بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والحكومة الشرقية المدعومة من مجلس النواب في طبرق. هذا الانقسام، الذي يعكس تنافسًا بين الشرق والغرب، يُعدّ الوقود الأساسي لاستمرار نفوذ الميليشيات. 

قرار الدبيبة بحلّ "الأجهزة الأمنية الموازية"، الذي أُعلن خلال اجتماع أمني في 13 أيّار (مايو) الجاري، أثار مخاوف هذه الفصائل من فقدان امتيازاتها، ممّا دفعها لتصعيد التوترات.

وكان المحلل السياسي حازم الرايس قد أشار إلى أنّ هذه الاشتباكات تعكس "صراع مافيا"، أكثر من كونها صراعًا سياسيًا بحتًا، مؤكدًا أنّ الميليشيات، بما فيها تلك ذات التوجه الإسلاموي، تستغل الفراغ السياسي لتعزيز سيطرتها. وهذا التحليل يتماشى مع رؤية الباحث عبد الحكيم فنوش، الذي وصف الأحداث بأنّها "تكرار لحالة اختلال ميزان القوى بين الميليشيات".

الدور الخارجي: ظلال التدخل الأجنبي

لا يمكن إغفال الدور الخارجي في تأجيج الصراع، فالميليشيات الإسلاموية، التي حظيت تاريخيًا بدعم من دول مثل قطر وتركيا، تستفيد من هذا الدعم للحفاظ على نفوذها. في المقابل تسعى الولايات المتحدة، من خلال خطتها لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، إلى تقليص هذا النفوذ، ممّا يضعها في مواجهة غير مباشرة مع هذه الفصائل. 

هذا الصراع الدولي يُترجم على الأرض إلى مواجهات مسلحة، حيث تستغل الميليشيات الفوضى لتعزيز مواقعها.

هذه الاشتباكات ليست مجرد صدام عابر، بل تعكس أزمة بنيوية في النسيج السياسي والأمني الليبي. فالميليشيات، سواء من خلال دعمها لجهاز دعم الاستقرار أو استغلالها للفراغ السياسي، لعبت دورًا محوريًا في تفجير هذا الصراع. ومع استمرار الانقسام السياسي وتدخلات القوى الخارجية، تبقى طرابلس على صفيح ساخن مهددة بانزلاق جديد نحو حرب أهلية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية