طرابلس بين فتاوى الغرياني ودماء "غنيوة": دار الإفتاء تسند الدبيبة في مواجهة الغضب الشعبي

طرابلس بين فتاوى الغرياني ودماء "غنيوة": دار الإفتاء تسند الدبيبة في مواجهة الغضب الشعبي

طرابلس بين فتاوى الغرياني ودماء "غنيوة": دار الإفتاء تسند الدبيبة في مواجهة الغضب الشعبي


18/05/2025

شهدت ليبيا خلال الأيام الأخيرة تطورات متلاحقة ومتسارعة، بدأت بتدفق عدد من  الأرتال المسلحة نحو العاصمة طرابلس مطلع الأسبوع الماضي، وانتهت بحشد التظاهرات ضد حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة مساء يوم الجمعة الماضي، مرورًا بواقعة تصفية عبد الغني الككلي، المعروف بـ "غنيوة الككلي"، رئيس جهاز دعم الاستقرار، داخل معسكر التكبالي، بحسب مصادر محلية.

اغتيال "غنيوة الككلي": تصفية محسوبة أم صراع مصالح؟

وقد تُفهَم واقعة تصفية الككلي في ضوء محاولته السابقة السيطرة على الشركة القابضة للاتصالات واحتجاز رئيسها المنتمي إلى مدينة مصراتة، وهو ما تسبب في خلاف حاد بين الحليفين السابقين: الككلي والدبيبة. وتشير مصادر ليبية مطلعة إلى أنّ القوات التي شاركت في تنفيذ عملية التصفية شملت كتائب من مصراتة، وعلى رأسها اللواء 63، بالإضافة إلى وحدات من الزنتان، وقوات من وزارة الداخلية، وقوات إنفاذ القانون، واللواءين 111 و444، ممّا يدلّ، بشكل أو بآخر، على أنّ قرار تصفية الككلي كان مخططًا له بعناية وعلى مهل.

المشهد الأمني في الغرب الليبي: سيولة مستمرة وولاءات متداخلة

ورغم أنّ حالة السيولة الأمنية التي عرفتها العاصمة طرابلس خلال الأسبوع الفائت ليست جديدة، فإنّ الواقع الميداني في الغرب الليبي ما يزال مرتبطًا بحضور الكتائب المسلحة وتعدد ولاءاتها بين الفاعلين المحليين، وهو ما يجعل فهم المشهد العسكري أحد المفاتيح الأساسية لفهم ما جرى. وقد تركز التصعيد الأخير ضد جهاز دعم الاستقرار ورئيسه الككلي، وضد قوات الردع ورئيسها عبد السلام كاره، فيما كانت قوات اللواء 444، بقيادة العميد عبد السلام الزوبي ومحمود حمزة، طرفًا رئيسيًا في كلا الصدامين لصالح تعزيز نفوذ الدبيبة في العاصمة طرابلس.

رئيس جهاز دعم الاستقرار: غنيوة الككلي

المجلس الأعلى للدولة يسحب الثقة من الدبيبة: انقلاب ناعم أم ضغط سياسي؟

من جهته، أعلن المجلس الأعلى للدولة، في بيان عاجل، سحب الشرعية من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، معتبرًا أنّها تجاوزت مدتها القانونية، وأخفقت في تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية، ممّا عمّق الأزمة السياسية والاقتصادية. ودعا المجلس إلى تكليف حكومة مؤقتة جديدة خلال (48) ساعة، بالتنسيق مع مجلس النواب ومقره طبرق، لتفادي الفراغ التنفيذي وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات شفافة. كما طالب المجتمع الدولي باحترام إرادة الشعب الليبي ودعم المسار السلمي والدستوري.

غير أنّ مراقبين رأوا في بيان رئيس المجلس، خالد المشري، رسالة ملغومة ومليئة بالمراوغة، إذ تجنّب ذكر "الانتخابات الرئاسية" صراحة، مكتفيًا بوصفها بـ "الانتخابات الشاملة"، ممّا يعكس ـ برأي المراقبين ـ نية مبيتة لتعطيل هذا الاستحقاق، ويعيد التأكيد على دوره المعرقل منذ عام 2011، بوصفه أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.

من جانبه، ذهب عبد الهادي عبد الكريم حنيتيش في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّه ينبغي عدم التعامل مع مجلس الدولة بهيئته المنقسمة حتى شهر آب (أغسطس) المقبل، كما يجب على كتلة التوافق الوطني أن تفرز شخصية وطنية معتدلة لإنقاذ البلاد من هذه الفوضى.

وإلى ذلك، يُحدد حنيتيش حتمية تحرك مجلس النواب مباشرة لتسمية أحد وزراء الحكومة المستقيلين خلال تلك الفترة الانتقالية، وحتى يتمكن المجلس الأعلى للدولة من تجاوز مشكلة الانقسام في الصراع بين خالد المشري ومحمد تكالة الذي يؤيد الدبيبة وحكومته، والذهاب إلى انتخاب اسم جديد، ممّا يسمح للجميع بالمرور عبر مخرجات لجنة 6+6."

في المقابل، شدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على أنّ تحقيق الاستقرار الدائم في البلاد يمرّ عبر إنهاء جميع الأجسام التي جثمت على السلطة منذ أكثر من عقد. وكشفت حكومته عن إحباط الأجهزة الأمنية "محاولة اقتحام نفذتها مجموعة مندسة ضمن المتظاهرين، استهدفت مبنى الحكومة"، معتبرة أنّ استهداف مقرها يشكل "تعديًا مباشرًا على مؤسسات الدولة".

وكان مئات المتظاهرين المدنيين قد تجمعوا في ميدان الشهداء بطرابلس، في وقت سابق من يوم الجمعة، مطالبين برحيل حكومة الدبيبة.

 رئيس حكومة الوحدة الوطنية: عبد الحميد الدبيبة

انشقاقات حكومية واستقالات بالجملة: حكومة الدبيبة على المحك

وقد أفادت تقارير سابقة بتقديم عدد من وزراء حكومة الدبيبة استقالاتهم، من بينهم: محمد الحويج وزير الاقتصاد والتجارة، وبدر التومي وزير الحكم المحلي، وأبو بكر الغاوي وزير الإسكان والتعمير، بالإضافة إلى رمضان أبو جناح، نائب رئيس الوزراء الذي أعفي من تسيير وزارة الصحة قبل أسبوعين، ومحمد فرج قنيدي، وكيل وزارة الموارد المائية المكلف بتسيير الوزارة.

كذلك أعلنت وسائل إعلام ليبية أنّ عمداء بلديات في منطقة الساحل الغربي انسحبوا من حكومة الدبيبة مطالبين برحيلها الفوري.

دار الإفتاء تتدخل: فتاوى سياسية تُعيد إنتاج خطاب الانقسام

وفي سياق متصل، واصل تيار دار الإفتاء، بقيادة الشيخ الصادق الغرياني، مساره البراغماتي في توظيف المؤسسات والخطاب الديني لأغراض سياسية بحتة.

فقد أصدرت دار الإفتاء فتوى تُحرّم المشاركة في مظاهرات إسقاط حكومة الدبيبة، داعية المواطنين إلى البقاء في منازلهم وعدم الانخراط في ما وصفته بـ "المظاهرات المشبوهة"، معتبرة أنّ الداعين إليها إمّا جهات مشبوهة لها سوابق في إقامة سجون التعذيب، وإمّا انقلابيون يسعون لتمكين "حفتر" وعسكره ومجلسه.

وأكدت دار الإفتاء أنّ من يشارك في هذه المظاهرات يكون مسؤولًا شرعًا عمّا قد يترتب عنها من انتهاكات واعتداءات ومناصرة للظالمين.

يُذكر أنّ الغرياني وصف مظاهرات عام 2011 لإسقاط نظام القذافي بأنّها "جهاد في سبيل الله"، في حين اعتبر مظاهرات 2025 لإسقاط حكومة الدبيبة "حرامًا شرعًا".

مفتي ليبيا: الصادق الغرياني

نحو ذلك، لفت المحلل السياسي محمد محفوظ إلى أنّ ثمّة مؤشرات عديدة لحالة السيولة التي خبرتها العاصمة طرابلس خلال الفترة الماضية بين الكتائب المسلحة، سواء بين بعضها البعض أو بين بعضهم والحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهو ما بدا من خلال الصراع الذي أفضى إلى مقتل عبد الغني الككلي، أو الاقتتال الذي دار بين الـ "444" وقوات الردع في مناطق العاصمة، خاصة حي أبو سليم.

مآلات المشهد: انسداد سياسي وتصعيد عسكري على وقع تدخل دولي مرتقب

وشدّد محفوظ في حديثه لموقع (حفريات) على أنّ المشهد السياسي الليبي يعيش حالة انسداد منذ فترة طويلة، ويمكن ترجيح أنّ كل عملية سياسية جديدة تقودها الأمم المتحدة تكون، في الكثير من الأحيان، مقترنة بالتصعيد العسكري، وذلك بغية أن يكون لها صوت عالٍ على طاولة المفاوضات.

ويؤكد محفوظ أنّ العلاقة النفعية التي تربط بين الدبيبة وتنظيم دار الإفتاء، هي ما دفع الأخير لربط كافة منصاته وفتاواه لصالح الوضع السياسي لحكومة الوحدة الوطنية. وبالتالي، فالأمر ليس مستغرَبًا في الشارع الليبي، والجميع بات يدرك جيدًا كيف يصطفّ كل فصيل بجانب مصالحه الذاتية.

ويختتم المحلل الليبي محمد محفوظ حديثه لـ (حفريات) بقوله: إنّ مستقبل حكومة عبد الحميد الدبيبة يعتمد على عدة جوانب، بيد أنّ الجانب الأهم في تقديري يتمثّل في الموقف الدولي تجاه الأحداث التي جرت في ليبيا، باعتبار أنّ شرعية الحكومة، ومن بعدها شرعية كل الأطراف السياسية، بدءًا بمجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي، هي اليوم شرعية دولية منبثقة من اتفاقات سياسية، وقرارات مجلس الأمن، وتوافقات دولية.

بالتالي، فإنّ موقف المجتمع الدولي تجاه الأحداث الأخيرة، وتبنّيه أو دعمه لمسار سياسي شامل، وحكومة موحدة، أعتقد أنّه سوف يكون حاسمًا في إنهاء ملف الدبيبة، دون أن نغفل تداعيات المتغيرات على الأرض، فيما يتعلق بديمومة المظاهرات، وارتباط ذلك بمسار الهدنة التي يمكن أن تُوصَف بأنّها هدنة هشّة. وهذه عوامل سوف تجعل المجتمع الدولي يُسَرّع من الاتفاق، ويُسَرّع من المسار السياسي الشامل الذي كانت تدعو إليه البعثة طيلة الفترة الماضية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية