"مكافحة الإلحاد" آخر صرخات الدبيبة لكسب ودّ الإخوان

"مكافحة الإلحاد" آخر صرخات الدبيبة لكسب ودّ الإخوان


27/03/2022

الحبيب الأسود

فوجئ الليبيون برئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة وهو يرفع الأذان لصلاة الجمعة من جامع أبورقيبة وسط طرابلس بمناسبة إعادة افتتاحه بعد الانتهاء من عمليات الترميم والصيانة والتجهيز التي طالته.

ومن داخل المسجد خاطب الدبيبة المصلين بلهجة حادة في شأن من اتهمهم بالإلحاد، معتبرا أن ليبيا بُنِيت على أساس قوي، ولا يمكن إلا أن ترفع راية التوحيد. وقال “هذه البلاد الطيبة لا يمكن أن نرى فيها ملحدًا”.

وأكدت أوساط ليبية لـ”العرب” أن كلمات الدبيبة جاءت بالتنسيق مع عدة جهات حكومية في سياق رغبته في كسب تعاطف قوى الإسلام السياسي وتوطيد العلاقة مع جماعة الإخوان التي سبق وأن اتهمها بالتآمر ضده بالتنسيق مع قيادة الجيش، وذلك في تعليقه على تكليف مجلس النواب فتحي باشاغا في فبراير الماضي بتشكيل حكومة جديدة.

وقالت الأوساط ذاتها إن الدبيبة يعوّل كذلك على كسب تعاطف عموم الشعب بمحاولته تهويل ما سمي بقضية الترويج للإلحاد في ليبيا، وذلك بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والعدل والهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية التي عمّمت بتخصيص خطبتي صلاة الجمعة للتطرق إلى موضوع الإلحاد وخطره، وذلك نزولا عند رغبة الدبيبة ذاته، وفق ما أشار إليه رئيس الهيئة محمد إحميدة العباني في بيان التعميم.

وفي وقت سابق حذرت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في ليبيا الشباب الليبيين من المواقع المشبوهة الداعية إلى الإلحاد، ومصاحبة من وصفتهم بـ”الملحدين وأهل الباطل والضلال”.

والثلاثاء الماضي أعلن جهاز الأمن الداخلي عن إلقاء القبض على شخص متهم بتبني الفكر الإلحادي، وبحسب ما أفاد الجهاز في بلاغ، فقد تمكن أعضاء جهاز الأمن الداخلي من ضبط أحد الناشطين “بسبب تبنيه للفكر الإلحادي الذي تجرعه من خلال مطالعة كتب فلسفية مختلفة تنافت مفاهيمها مع ديننا وشارك أفكاره مع العديد من الناس على صفحات التواصل الاجتماعي للترويج لهذه الأفكار”.

واعتقل جهاز الأمن الداخلي سبعة ناشطين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عاما بشكل تعسفي في طرابلس بين نوفمبر 2021 ومارس 2022، بعد اتهامهم بنشر الإلحاد والاجتراء على الدين الإسلامي والقيم الروحية للمجتمع. وفي الثالث عشر مارس الجاري تم حل حركة “تنوير” التي تنشط في مجال الدعوة إلى المساواة بين الجنسين والحقوق الاجتماعية والثقافية، وفرّ أعضاء مجلس إدارتها إلى الخارج خوفا على سلامتهم.

وتأسست حركة “تنوير” سنة 2013 بمدينة طرابلس ومن أبرز نشاطاتها “مهرجان الكتب المستعملة”، ومهرجان “فيكان”، و”نادي القراءة”، وحملة “424” لحماية المغتصبات وعدد من الندوات وحلقات النقاش الثقافية والفكرية.

وبعد كلمة الدبيبة بمسجد أبورقيبة الجمعة أعلن مكتب النائب العام الليبي عن الدفع بعدد من الناشطين في حركة “تنوير” إلى الحبس الاحتياطي في إطار ما أطلق عليها اسم “واقعة الاجتراء على الدين الإسلامي”.

وتشكك مصادر حقوقية ليبية في صحة الوقائع وآليات الضبط والتحقيق. وأكدت لـ”العرب” أن التطرق إلى هذه القضية في هذا الوقت بالذات ينطلق من رغبة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها في إظهار نفسه كمدافع عن الإسلام في مواجهة أعدائه بالداخل والخارج، وفي تجييش الشارع للوقوف إلى جانبه في معركة الصراع على السلطة القائمة حاليا بينه وبين رئيس حكومة دعم الاستقرار فتحي باشاغا.

وحذرت ذات المصادر من أن الناشطين المحتجزين يواجهون مخاطر التعذيب الوحشي والذي يصل إلى حد القتل بعد اعتقالهم واحتجازهم في سجون خاضعة لميليشيات “الردع” الخاصة التي يتزعمها أمير الحرب المتشدد عبدالرؤوف كارة، وأن مجرد توجيه اتهام إلى أي شخص بالإلحاد أو الإساءة إلى الدين يعتبر إيذانا باستهداف سلامته البدنية وتعريض حياته للخطر.

وفي الرابع والعشرين من فبراير 2015 تعرضت الناشطة انتصار الحصائري التي كانت من مؤسسي حركة “تنوير” بمنطقة بوسليم بوسط طرابلس للاختطاف، وعثر على جثتها فجر اليوم الموالي في الصندوق الخلفي لسيارتها.

ويواجه الحقوقيون والناشطون في المجتمع المدني وعناصر التيارات الليبرالية والعلمانية والمدافعة عن الحريات الشخصية والعامة والمنادية بالمساواة بين الجنسين حملات ملاحقة أمنية وقضائية من قبل المتطرفين والمؤسسات الحكومية في كافة مناطق البلاد.

كما تعرف المدن الكبرى حوادث اغتيال متتالية في ظل استمرار سياسة الإفلات من العقاب، وفي أوائل مارس الجاري تعرض الناشط بمصراتة الطيب الشريري إلى القتل وذلك بسبب نشره لمعطيات حول تسلم القوة المشتركة مبلغ 100 مليون دينار ليبي من رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة مقابل الوقوف إلى جانبه.

وفي هذا السياق أعربت مفوضية حقوق الإنسان عن القلق من قمع المجتمع المدني في ليبيا على نحو متزايد، ودعت السلطات إلى وقف الحملة ضد المدافعين عن الحقوق والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيا.

وقالت المفوضية إن جهاز الأمن الداخلي وجماعات مسلحة موالية للحكومة قاما باحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان والجهات الفاعلة في المجتمع المدني بشكل تعسفي، بحجة حماية “القيم الليبية والإسلامية” وتعريضهم للتعذيب والمضايقة اللفظية والترهيب.

ونشر الجهاز مقاطع فيديو للرجال السبعة على فيسبوك، حيث يبدو أنهم يعترفون “بالإلحاد واللادينية والعلمانية والدعوة إلى المساواة بين الجنسين” وأنهم استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الإلحاد وازدراء الدين.

وفي تصريحات من جنيف قالت المتحدثة باسم مفوضية حقوق الإنسان ليز ثروسيل إنه يمكن أن يكون للاعتقالات التعسفية وحملات التشويه على وسائل التواصل الاجتماعي تأثير مروع بشكل خطير على المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المجال الإنساني والجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية