خبراء يوضّحون لـ"حفريات" تأثير رفع الفائدة في أمريكا على الاقتصادات العربية

خبراء يوضّحون لـ"حفريات" تأثير رفع الفائدة في أمريكا على الاقتصادات العربية


10/05/2022

في ظلّ موجة التضخم العالمية، والتي وصلت إلى 8.5% في شهر أيار (مايو) الجاري، في الولايات المتحدة، مسجّلة أسوأ موجة تضخم منذ 40 عاماً، جاء قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة بمعدل 5.% دفعةً واحدة، لتصبح 1%، ضمن ارتفاعات مقبلة، بهدف خفض التضخم إلى 2%.

وتبعاً لذلك، تتأثر اقتصاديات دول العالم، خصوصاً الاقتصاديات الناشئة، ومنها الدول العربية، التي تعتمد في تمويل جزء من موازنتها على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بالدولار؛ بسبب وجود بدائل استثمار أكثر أمناً في سوق السندات والودائع والأسهم الأمريكية.

الفائدة الأمريكية

وجاء قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة للمرة الثانية خلال شهرين، بعد زيادة قدرها 25%، في آذار (مارس) الماضي، وقرر المجلس طرح ميزانيته العمومية الضخمة، التي تضخمت أثناء وباء "كوفيد 19"، ليسمح بتداول ما قيمته 30 مليار دولار من سندات الخزانة، و17.5 مليار دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري كلّ شهر، مطلع حزيران (يونيو) المقبل وحتى آب (أغسطس)، ثم ترتفع الطروحات على التوالي إلى 60 مليار دولار، و35 مليار دولار، وهو ما يعني طرح فرص استثمارية لجذب النقد، بهدف كبح الاستهلاك، الذي يتبعه كبح التضخم.

د. سمر عادل: قد يخسر المستثمر جزءاً من مكاسب الأموال الساخنة لكن لديه فرصة بديلة

ويعزو أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة، د. حازم حسانين، ملابسات قرار الاحتياطي الفيدرالي، إلى "حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعياتها على السلع الأساسية؛ الوقود والغذاء والمواد الأساسية والذهب والعقارات، وغير ذلك".

ويوضح لـ "حفريات": "رفع أسعار الفائدة جاء لمكافحة التضخم، باعتبار أنّ سعر الفائدة المرتفع أحد عناصر التكلفة التي يتحملها المستثمرون، بالتالي، يجذبهم إلى الاستثمار في الأوعية الادخارية التي تصبح جذابةً مثل السندات والأسهم، ويسحب قوة شرائية من السوق".

تختلف الاقتصاديات العربية عن بعضها؛ فهناك عدة دول تتشابه في هياكلها الاقتصادية، مثل دول الخليج، ودول أخرى تتشابه في وجود عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات

وفي إطار سياسة سحب النقد من السوق، أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن سندات بنسبة فائدة تجاوزت التضخم، وبلغت 9.62%، وهي أعلى فائدة قصيرة الأجل، كما ارتفعت الفوائد على الأوعية الادخارية في البنوك الأمريكية، وبلغ العائد على شهادات الاستثمار لمدة خمسة أعوام في عدد من البنوك 2.8%، فضلاً عن تأثير رفع الفائدة على تحقيق الاستثمار في الرهون العقارية ربحاً أكبر.

ومن زاوية أخرى، يرى الأكاديمي، حازم حسانين، أنّ قرارات الاحتياطي الفيدرالي تعمل على "إعادة عجلة القيادة إلى الاقتصاد الأمريكي دولياً، عبر مجموعة من السياسات النقدية، في ظلّ حالة من عدم اليقين العالمي، ما يعني أنّ أمريكا تنقل الأزمة للجميع، وتصدّرها للعالم النامي، وهي أول من سيخرج منها".

الأموال الساخنة

وتؤثر قرارات رفع الفائدة الأمريكية في الاقتصاديات الناشئة بعدة أساليب، أشهرها؛ خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، والتي تُعرف بالأموال الساخنة. وتعرفها أستاذة الاقتصاد بأكاديمية الأهرام الدولية، سمر عادل، بأنّها "تدفقات مالية قادمة من الخارج، بغرض الاستثمار، ولتكن في مصر، وتجذبها عوامل مثل؛ سعر الفائدة المرتفع، وانخفاض العملة المحلية، وتتخذ شكل استثمارات في أذون الخزانة والسندات وأسهم الشركات المدرجة في البورصات".

وأفادت لـ "حفريات": "هذه الأموال تعدّ نوعاً من الاقتراض الجيد للحكومات، لسدّ العجز في ميزان المدفوعات. وهي التي تتأثر برفع نسبة الفائدة الأمريكية؛ بتخارجها من أدوات الدين في الدول الناشئة، للاستثمار في الولايات المتحدة".

وتبعاً للتخارج يزداد الدولار قوةً أمام العملات وتضعف عملات الدول الناشئة، "ما يضطر هذه الدول لرفع نسبة الفائدة، وترتفع تكلفة الاقتراض، ما يؤثر على الاستثمار المحلي، وكذلك ترتفع تكلفة خدمة الدين، ويزداد العجز في الميزان التجاري، نتيجة الخلل بين الواردات والصادرات لصالح الأولى، ولهذا تستورد هذه الدول التضخم مع الواردات" تقول الأكاديمية سمر عادل.

عدنان رمال: لن يكون لقرار الفيدرالي الأمريكي تأثير مباشر على الاقتصاد اللبناني

وبسؤالها عن سبب خروج الأموال الساخنة رغم انخفاض قيمة العوائد في الولايات المتحدة حتى بعد رفع الفائدة، قالت: "قد يخسر المستثمر جزءاً من مكاسب الأموال الساخنة، لكن لديه فرصة بديلة، ولن يخرج دون ضمان تحقيق خسائره".

فضلاً عن ذلك، يتيح الاقتصاد الأمريكي مميزات للاستثمار، أهمها؛ القدرة على استرداد الأموال في أيّ وقت، والسياسة النقدية الأقوى عالمياً، والشفافية والحوكمة، وغير ذلك، بينما تعدّ القدرة على استرداد الاستثمار محفوفة بالمخاطر في الدول الناشئة.

الاقتصاديات العربية

وتختلف الاقتصاديات العربية عن بعضها؛ فهناك عدة دول تتشابه في هياكلها الاقتصادية، مثل دول الخليج، ودول أخرى تتشابه في وجود عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وبشكل عام، ترى الأكاديمية سمر عادل؛ أنّ "الدول العربية جميعها ستتأثر سلباً، لكنّ حجم التأثير يختلف؛ فالدول الخليجية لديها قدرة أكبر على تلقي الصدمة، بسبب ارتفاع أسعار النفط".

ومن جانبه، يرى الأكاديمي حازم حسانين؛ أنّ "الدول الخليجية لجأت منذ عقدين إلى تنويع اقتصادها؛ بتطوير بورصة وسوق الأموال، وجذب الاستثمارات الأجنبية، في أدوات الديْن المختلفة، وبالتالي لديها نصيب من الأموال الساخنة، التي ستتأثر بقرار رفع الفائدة الأمريكية".

الأكاديمي حازم حسانين لـ "حفريات": البلدان العربية، والخليجية بشكل خاص، تعاني من التبعية المالية التي أنتجتها العولمة المالية، والتي أفرزت حالة من التبعية لاقتصاديات الدول المتقدمة

وأشار إلى أنّ اقتصاديات الخليج مرتبطة بالاقتصاد الأمريكي، نتيجة معادلة البترودولار: "البلدان العربية، والخليجية بشكل خاص، تعاني من التبعية المالية التي أنتجتها العولمة المالية، والتي أفرزت حالة من التبعية لاقتصاديات الدول المتقدمة، وخصوصاً الولايات المتحدة، ولهذا ترفع هذه الاقتصاديات الفائدة تبعاً لقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، للحفاظ على نصيبها من الاستثمار الأجنبي غير المباشر، ومحاربة التضخم، وخصوصاً التضخم في الخليج الناتج عن الخلل في العرض وليس الطلب، نتيجة التشوه في الإنتاج".

ومن زاوية أخرى، تستفيد الاستثمارات الخليجية من قرار رفع الفائدة؛ بالاستثمار في السوق الأمريكية، والتخارج من اقتصاديات الدول الناشئة.

د. حازم حسانين: أمريكا تنقل الأزمة للجميع

وفي الحالة المصرية، من المرتقب رفع البنك المركزي نسب الفائدة لكبح التضخم، والحفاظ على الاستثمارات الأجنبية، وترى الأكاديمية، سمر عادل؛ أنّ "قرار رفع الفائدة يرتبط بنسبة التخارج، ومن المتوقع أن تكون بحدود 2%"، ونوّهت إلى ضرورة دعم الاستثمار المحلي للتوجه نحو إنتاج صناعي أكبر للتصدير، لعلاج خلل الميزان التجاري، وهو ما يتطلب مبادرات لعلاج تأثير رفع الفائدة على الاستثمار.

وكانت مصر قد طرحت سندات دولية بعملات غير الدولار، ومنها طرح نصف مليار دولار سندات مقومة بالين الياباني، وهي خطوة تهدف إلى "تعويض التخارج في الاستثمار بالدولار".

ويقدم الاقتصاد اللبناني المأزوم نموذجاً آخر للتأثر برفع الفائدة، وبحسب عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، عضو جمعية تجار بيروت، عدنان رمال؛ "لن يكون لقرار الفيدرالي الأمريكي تأثير مباشر على الاقتصاد اللبناني؛ لأنّ المصارف اللبنانية لم تعد تموّل القطاع الخاص، وتوقفت عن التسليفات، وأصبحت بحكم المتوقفة عن الدفع، حتى أموال الودائع".

وقال لـ "حفريات": "الاقتصاد اللبناني تراجع بنسب كبيرة جداً، وحالياً يعيش أزمة عميقة، وما تبقى من اقتصاد قائم على الاقتصاد النقدي، وهذا لا يتأثر كثيراً برفع الفوائد العالمية".

وإجمالاً فجميع الاقتصاديات العالمية تعاني جراء تبعات أزمتَي "كوفيد 19" والحرب الروسية على أوكرانيا، وبشكل أخص الدول النامية، ومنها الدول العربية التي تعاني من ارتفاع قيمة الواردات، بعد ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، واختلال سلاسل التوريد العالمية، والتي تتجه نحو مزيد من التأزم بعد موجة جديدة من الإغلاق في الصين.

موضيع ذات صلة:

كيف أنقذت كرة القدم اقتصاد بعض الدول من كارثة تداعيات كورونا؟

ما حقيقة "إفلاس لبنان"؟.. خبير اقتصادي يجيب

كيف أنهك بروتوكول الخليل العاصمة الاقتصادية للفلسطينيين؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية