تتم الإشارة بين حين وآخر إلى العلاقة التشريعية والتنظيمية بين جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في مصر العام 1928، والحركات والتنظيمات التي توصف أنها أكثر تشدداً في الوطن العربي والعالم الإسلامي، إلا أن تاريخ الجماعة، يشكل شاهداً على انتهاجها للعنف والإقصاء منذ البداية، كوسيلة للتعبير عن وجودها وأفكارها، فشكلت بذلك قدوة لمن جاء بعدها في هذا النهج الذي تدعي تبرؤها منه.
القدوة الإخوانية في انتهاج العنف
الجماعة، قامت منذ ظهورها بأعمال عنفٍ طالت مفاصل المجتمع المصري، والدولة المصرية وجهاز القضاء فيها، تمثلت باغتيال القاضي الخازندار العام 1948، ثم اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا في ذات العام؛ لأنه أمر بحل الجماعة بعد أعمال العنف التي ارتكبتها وتشكيلها لجهاز سري مسلح، وتخريبها لمرافق عامة كالمسارح وحرق دور سينما والاعتداء على جهاز الشرطة.
الجماعة قامت منذ ظهورها بأعمال عنفٍ طالت مفاصل المجتمع المصري والدولة وجهاز القضاء فيها
أما تنظيم القاعدة الذي بدأ يتبلور مطلع التسعينيات من القرنِ الماضي، فيعد واحداً من التنظيمات الإرهابية التي تأثر أعضاؤها البارزون بجماعة الإخوان؛ حيثُ ارتبط معظمهم بالجماعة في مراحل مبكرةٍ من نشاطهم في الإسلام السياسي، وتأثروا بأدبيات الإخوان من كتابات سيد قطب التكفيرية وفتاوى يوسف القرضاوي وغيرهم.
أسماء معروفة، منها أيمن الظواهري مؤسس تنظيم الجهاد الإرهابي، أبو مصعب السوري، وعبدالله عزام أحد مؤسسي "الجهاد العالمي"، انتموا إلى جماعة الإخوان فعلياً وفكرياً، ثم قاموا بتأسيس حركاتٍ إرهابية إيماناً منهم بوجوبِ تطبيق هذا الفكر على أرض الواقع، إلى أن جمعهم تنظيم القاعدة الإرهابي الذي صارَ يشكل امتداداً طبيعياً لفكر الإقصاء والتكفير الذي تقوم عليه أفكار جماعة الإخوان.
بدايات العلاقة بين الجماعة والتنظيم
وترجع بدايات العلاقة العملية بين الجماعة والتنظيم إلى حرب أفغانستان التي استمرت خلال عقد الثمانينيات وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي العام 1990، حيث انضم عددٌ ممن عرفوا آنذاك بـ"الأفغان العرب" إلى صفوف المقاتلين ضد الاتحاد السوفييتي بعد حصولهم على تسهيلاتٍ للذهاب من بلادهم "خاصة مصر" إلى أفغانستان عن طريق مكتب خدمات المجاهدين الذي أسسه هناكَ عبد الله عزام الفلسطيني المنتمي لجماعة الإخوان.
القاعدة أحد التنظيمات الإرهابية التي تأثر أعضاؤها البارزون بجماعة الإخوان
ويشير بحث بعنوان: "الإخوان المسلمون والقاعدة"، إلى أن ما قدمه عزام من دعمٍ ومالٍ لمقاتلين عرب وأعضاءٍ من الإخوان في أفغانستان "أحرج الجماعة التي كانت تسعى لمنع أي تقارب بينها وبين التنظيم الذي كان آخذاً بالتشكل آنذاك".
البحث المنشور العام 2009 عن جامعة اليرموك بقلم نعيم التلاوي، يطرح كذلك ما تعرضت إليه الجماعة من حرجٍ بعد استقطاب "الجهاد الأفغاني" لمجموعة كبيرة من الإسلاميين الذين قدموا من أنحاء مختلفة في العالم، مما وضعها وسط سجالٍ بين سياسة النأي بالنفس و"التهرب من الواقع" أو تقديم موقفٍ واضحٍ من تنظيم القاعدة.
ويورد البحث حقيقة وجود تشابهٍ بين تركيبة تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعة الإخوان من حيث إنشاء كليهما لشبكة عالمية بين الأعضاء؛ إذ تم التحرك بشكل مكثف لإنشاء التنظيم الدولي للإخوان بين عامي 1982 و 1986، وهي ذات الفترة التي بدأ تنظيم القاعدة يتبلور خلالها؛ حيث سعى الإخوان في حينه لربط فروعهم حول العالم بالمركز؛ "مكتب الإرشاد العالمي"، خاصة بعد انضمام أفراد انتموا للجماعة، إلى الجماعات المقاتلة في أفغانستان.
شواهد تتوالى
وفي حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرنِ الماضي، عدة شواهد على العلاقة بين التنظيمات الإرهابية والإخوان، لعل أبرزها يكمن فيما قاله المرشد العام للجماعة حينذاك؛ عمر التلمساني خلال رد له على سؤالٍ حول الجماعات "الجهادية" ضمن حوارٍ مع صحيفة القبس الكويتية بتاريخ 16/11/1985 حيث قال: "الإخوان المسلمون يحترمون كل الجماعات الدينية، وهناك علاقات طيبة بيننا وبينهم، حتى إن كل القضايا التي تورط فيها التيار الإسلامي، فإن محامي الإخوان هو الذي كان يترافع في هذه القضايا، وإنما في نفس الوقت، نحن لا نقر العنف أو الإرهاب".
معظم من عادوا من أفغانستان ينتمون بالأصل إلى تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية التي انتمى عدد من أفرادهما إلى الإخوان
ولعل الأمثلة تتوالى في التسعينيات، خصوصاً أن فئات مختلفة من شباب التنظيمات الإسلامية في مصر والسودان وليبيا والسعودية ممن عادوا من أفغانستان، واجهوا أحكاماً بالسجن في بلادهم بسبب دعواتهم لممارسة العنف والقتال كما حصل في مصر التي شهدت بعد العام 1990 أعمال عنفٍ وتفجيرات نفذها هؤلاء.
ويقول الدكتور المصري عادل عامر خبير القانون الدولي في دراسةٍ له بعنوان "تاريخ الإرهاب في مصر" ونشرت في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 إن: "معظم من عادوا من أفغانستان ينتمون بالأصل إلى تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية التي انتمى عدد من أفرادهما إلى الإخوان؛ حيث قاموا بعمليات قتل وتفجير ضد مدنيين وسائحين ورجال أمن".
وبعد بروز تنظيم القاعدة الإرهابي بتنفيذه لعملية تفجير برجي مركز التجارة العالمي يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ظهرت على السطح أسماء لقادة في التنظيم انتموا لجماعة الإخوان، منهم خالد شيخ محمد الذي انضم إلى الإخوان منذ سن 16 عاماً متأثراً بأسرته الإخوانية، أما زعيم التنظيم أسامة بن لادن، فقد كشف الظواهري ضمن حلقة من برنامج "صناعة الموت" التي بثتها قناة العربية بتاريخ 30 كانون الثاني (يناير) 2015 أن بن لادن: "كان عضواً في جماعة الإخوان، لكنه هب إلى أفغانستان بمجرد احتلال روسيا لها".
الواقع يزيح قناع الاعتدال الإخواني المزعوم
جماعة الإخوان، طرحت نفسها كجماعة معتدلة بعد أحداث سبتمبر، لكنها عادت إلى واجهة العنف من جديد من بوابة "الربيع العربي"، وذلك على خلفية سقوط نظام الرئيس السابق محمد مرسي أحد قياديي الإخوان في مصر، حيث قامت الجماعة بأعمال عنفٍ متفرقة ضد الدولة المصرية وضد من يختلف معها، متحالفة مع تنظيم القاعدة وفق آراء عديدة لخبراء في الجماعات الإسلامية، منهم كمال الهلباوي، الناطق السابق باسم التنظيم الدولي للإخوان.
ففي تصريح له نشرته صحيفة "العرب" اللندنية بتاريخ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 قال الهلباوي على خلفية تظاهرات لأنصار جماعة الإخوان في مصر وهتافهم لتنظيم داعش الإرهابي إن: "اختلاف المسميات التي تحملها الجماعات المسلحة لا ينفي أنها تتشابه جميعها في الأفكار، وأن جميع الجماعات مثل أنصار بيت المقدس وداعش والقاعدة وغيرها خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين".
العلاقة الطويلة بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية، علاقة متداخلة وقديمة، فالفكر التكفيري لسيد قطب، انتشر من جماعة الإخوان ليطال الجوانب الفكرية لتلك التنظيمات، أما العنف، فهو سمة مشتركة بين الإخوان والقاعدة كتنظيمين انتهجا العنف طريقاً إلى السلطة منذ التأسيس، ولعلهما يلتقيان اليوم بشكل واضح، من خلال شاشة قناة الجزيرة القطرية التي احتضنتهما معاً منذ أحداث سبتمبر، فبدت كأنها تكرس العلاقة بين الجماعة والإرهاب.
ويمكن اختزال هذه العلاقة اليوم بما قاله الشيخ وسيم يوسف على شاشة قناة الخليجية ضمن برنامج "يا هلا رمضان" بتاريخ 14 حزيران (يونيو) 2014 حيث قال: "جماعة الإخوان تمثل المنهج الحركي، أما القاعدة فتمثل نتائج هذا المنهج، فيما تكمن المحصلة النهائية بتنظيم داعش".