أحمد دغاغلة
رداً على تحدّي مير حسن موسوي، قائد الحركة الخضراء، وفي إطار العمليّة التمهيدية لتسمية المرشد الثالث للنظام الإيراني، لم تتوان الحوزة العلميّة عن منح مجتبى، نجل المرشد الحالي للنظام الإيراني علي خامنئي، لقب آية الله، وهي درجة حوزويّة يحتاجها أي مرشّح لتولّي منصب المرشد الأعلى ووليّ الفقيه وقيادة النظام في إيران.
ومفاجأة منح هذه المرتبة لنجل علي خامنئي، أثارت تفاعلاً كبيراً في الأوساط الإيرانية السياسية والإعلامية والشعبية، واعتبر العديد من متابعي الشأن الإيراني، أن البلاد متخمة بحوادث بالغة الحساسية، تفوق ملف المفاوضات النووية أهميّة وتأثيراً، وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويرى محللون أن نيل مجتبى أعلى الدرجات في سلّم التعليم الحوزوي، يُعدّ بمثابة الاقتراب من نهاية مشروع توريث الحكم في أسرة خامنئي، وهو الأمر الذي يعتبره الكثيرون مأخذاً كبيراً على نظام جاء تحت شعارات العدالة والمساواة والحرية، في ظلّ الجمهورية الإسلامية ومحاربة توريث الحكم والاستبداد.
ومنذ بداية تولّي خامنئي الأب منصب المرشد الأعلى في إيران قبل 31 عاماً، تبرز بين الحين والآخر بعض الأسماء المرشحة لخلافته، ومع تقدّم الأخير في السن (اثنان وثمانون عاماً)، زاد الأمر أهمية وحساسية، إلا أنه بعد مرور الأيام، أخذت تتقلص قائمة الأسماء المرشحة لخلافة المرشد بطريقة غريبة، حتى كادت تختصر باسم مجتبى خامنئي وحده.
الحرس الثوري، لا سيما جناحه الاستخباري، والحوزة العلميّة والمقرّبون من بيت المرشد والأصوليّون، وكذلك ميليشيات الباسيج، كلهم يعملون باتفاق وانسجام لتوفير مقدّمات تولّي مجتبى سدّة حكم النظام بعد أبيه. وعلى هذا الأساس تقول فاطمة الصمادي، المتخصصة في الشأن الإيراني، أنّ "مجتبى خامنئي هو الرجل الوحيد الذي يجمع بين تأييد الحرس وقوات التعبئة - الباسيج - وعدد لا يستهان به من كبار رجال الدين".
من هو مجتبى خامنئي؟
هو "الرجل الغامض"، هكذا وصفته هيئة الإذاعة البريطانية الـ BBC واعتبرته رجل الظلّ الذي يتحكّم في كل صغيرة وكبيرة في البلاد. وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، فهو مفتاح بيت المرشد الذي يفتح البيت بوجه من يشاء ويغلقه في وجه غير المرغوب بهم، وأما البيت فهو قمّة الهرم في تراتبية قوى النظام.
ولم يتداول اسم مجتبى في الإعلام الإيراني إلا نادراً، وذلك قبل أن يشكوه مهدي كرّوبي مرشح الرئاسة في عام 2009 إلى والده، متهماً إياه بالتدخل لمصلحة مرشح معين. وفي تلك الأيام كتبت صحيفة "الغارديان" تعقيباً على قمع المتظاهرين على نتائج الانتخابات آنذاك بأنّ "مجتبى هو الآمر الرئيس لعملية قمع المحتجين".
وبعد تأسيس الهيكلية الأولى لجهاز استخبارات الحرس الثوري في عام 2009، وتولّي حسين طائب المعروف بقربه من المرشد، رئاسته، بلغ نفوذ مجتبى خامنئي في الاقتصاد والسياسة الإيرانية ذروته، وذلك بحسب ما جاء في وثيقة أصدرتها ويكيليكس التي وصفت مجتبى بالرجل الأول في حكومة الظل المهيمنة على كل مفاصل الحكومة والدولة في البلاد.
وتؤكد الوثيقة أنّ مجتبى كان الحامي الأبرز لقاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" الذي اغتالته الولايات المتحدة في بغداد حين كان المسؤول الأوّل عن تدريب الميليشيات الشيعيّة في المنطقة وتسليحها، ويشرف مباشرة على مقايضة تمنح بموجبها إيران الأسلحة لحركة "طالبان" مقابل حصولها على كميّات كبيرة جداً من المخدّرات، وفق الوثيقة.
وتفيد تقارير صحافية بأنّ مجتبى خامنئي يعتبر الأكثر ثراءً ونفوذاً بين الشخصيّات السياسية في إيران، إذ تقدّر ثروته بنحو ثلاثة مليارات دولار، أودع معظمها في بنوك المملكة المتحدة وسوريا وفنزويلا، وأما مقدار ثروته من الذهب والألماس فيفوق 300 مليون دولار.
وبناءً على ما تقدّم من معطيات، يعتقد الكثيرون، ومنهم المحلّل السياسي الإيراني دامون محمدي، أنّه "شيئاً فشيئاً أخذ يخرج مجتبى النجل الثاني لمرشد النظام من تحت أوراق التستر ومحاولات الكتمان، ويمكن القول إنّ النظام بات يقترب من نهايات عملية تتويج مرشده الثالث".
لعنة عمّت المنافسين
يقول الإعلامي مهدي مهدوي آزاد: "يسعى خامنئي الأب إلى إنهاء كلّ ما عليه من مهمات قبل أن توافيه المنيّة، ومن أهمها ضمان توريث الحكم في عائلته، وهي غاية استوجبت إبعاد العديد من حلفاء الأمس ومن ناصروه وساندوه لتولي سدّة الحكم الذي لم ير خامنئي يوماً ما في نفسه ما يؤهله له، وذلك وفقاً لما أدلى به علي خامنئي في جلسة تسميته كمرشد ثان للنظام الإيراني عام 1989.
وأول من شملته اللعنة هو السيد أحمد خميني، نجل مؤسّس النظام - أي الخميني الأب - ويقول مهدي الخزعلي، نجل أبو القاسم الخزعلي، عضو مجلس الخبراء المخول تعيين المرشد، إنه "كان من المقرّر أن يكون علي خامنئي مرشداً موقتاً حتى يهيئ أحمد الخميني نفسه لتولّي القيادة، إلا أنّ هذه الفتاة الجميلة قد طابت لخامنئي فأبى التنحّي، وقبل إثارة قضيّة تسلم أحمد منصب المرشد الأعلى مجدداً، مات الرجل في عمر يناهز الـ49 عاماً، وبطريقة غريبة جداً".
العثرة الأهم في سبيل توريث الحكم لمجتبى كان هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق، وذلك بحسب الكاتب الأحوازي عبّاس الكعبي الذي رأى في موت رفسنجاني المفاجئ في المسبح مؤامرة حيكت لعقل النظام المدبر والمرشح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي. فبحسب تقدير الكعبي "أن أسرة خامنئي تغدّت برفسنجاني قبل أن يتعشى بها".
وأما محمود هاشمي شاهرودي، صاحب أكبر درجة حوزويّة في إيران ورئيس السلطة القضائيّة لعشرات السنين، والذي كان يعدّ بمثابة يد خامنئي الضاربة في قمع المعارضة، فتخلّى عنه المرشد بعد محاولته ترشيح نفسه لقيادة النظام، إذ فوجئ شاهرودي بالكشف عن ملفات فساد له ولمقربيه، فلم يكن أمامه سوى اعتزال الساحة السياسيّة تماماً، وبقي ملتزماً الصمت حتى مات عام 2018 في ظروف غامضة.
ونأتي على آملي لاريجاني رئيس السلطة القضائيّة بعد شاهرودي، فكان خطأه المميت هو تشييد حوزة علمية في قم، إذ فسّر خامنئي الأمر على أنه محاولة من لاريجاني لخلق موطئ قدم بين رجال الدين، ما قد يؤهله لاحقاً لتولي أمر القيادة، ففاجأه بنبأ تجسّس ابنته لمصلحة جهات معادية للنظام، وتورّط شقيقه في ملفات فساد ماليّة ضخمة، وكانت رسالة خامنئي واضحة، أي اسكت لنسكت، وبهذا أبعد لاريجاني تماماً عن حلبة المنافسة.
ومع خلوّ الساحة من المنافسين، بدأت مرحلة نقل السلطة إلى مجتبى، إذ صرّح محمّد كلبايكاني، رئيس مكتب خامنئي، بأنّ "المرشد نقل الكثير من المهام إلى ابنه مجتبى"، وقد تكون مفاجأة هبة لقب آية الله له بمثابة آخر الخطوات في سبيل توفير المؤهلات للمرشد المقبل للنظام.
عن المستقبل
يعتقد الإعلامي مهدي مهدوي آزاد أن "عمليّة اختيار المرشد لا تتأثر بالقوى الداخليّة في إيران فحسب، كما لا يمكن لروسيا الجارة الكبيرة أن تتجاهل مثل هذا الأمر، وعلى المرشد القادم أن يضمن مصالح روسيا في إيران، ولا يمكننا أن نتجاهل دور إسرائيل التي تفضّل مجيء مرشد متشدّد على غرار مجتبى خامنئي ليسرّع في عمليّة القضاء على النظام".
ويؤكد التقرير الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية أنّ "مجتبى خامنئي هو المفوض الأوّل من والده لإدارة التدخل الإيراني في سوريا، فضلاً عن قربه من الحرس الثوري وتنسيقه المكثف مع ميليشيات الباسيج لتعزيز طموح والده المزعزعة لاستقرار المنطقة بأسرها"، وعلى هذا يمكن التنبؤ بسياسات إيران الداخلية والخارجية في حال تولّي مجتبى سدّة الحكم في إيران.
ويقول الإعلامي مراد ويسي إنه "وفقاً للمعطيات على الورق، لم يبق في مسير مجتبى لنيل قيادة النظام في إيران سوى عائقين هما موت المرشد وبقاء النظام، وفي حال توفر الأمرين، قد لا يصعب على المتابع للشأن الإيراني التنبؤ بمستقبل البلاد في ظل قيادة مجتبى خامنئي الذي لا يقل تشدداً عن أبيه".
عن "النهار" العربي