جماعة منبوذة: هل كفر الشارع المصري بالإخوان المسلمين؟

جماعة منبوذة: هل كفر الشارع المصري بالإخوان المسلمين؟


21/04/2021

أحمد زغلول

شهدت علاقة الإخوان المسلمين بالشارع المصري العديد من التّحولات المُتباينة خاصة في العقد الأخير ما بين الحُضور والاختفاء عن مختلف الاحتجاجات الشعبية بنسب متفاوتة، حيث سبق وأبرزت الجماعة ظاهرة المظاهرات المليونية في ظل زخم حضورها السياسي في المشهد العام وتضخيم تلك الممارسة لأهداف سياسية عبر الضغط بالشارع لتحقيق مكتسبات للمسار السياسي الذي استهدفه التنظيم سواء في مرحلة وجوده في السلطة أو مرحلة ما بعد إبعاده عنها. لتختفي تلك الممارسة عبر السنوات الأخيرة، وهو ما يدفع للحديث عن أي علاقة قائمة أو محتملة بين الجماعة والشارع المصري في ضوء معطيات الواقع الراهن؟

محددات التَّنظيم في الحشد

في البدء نشير  إلى أن أيّ حراك احتجاجي فعّال يَستهدف حشد الشّارع لصالح دعمه يحتاج إلى عِدّة ركائز رئيسة:

أولها: وُجود مجموعة أو مجموعات مُنظمة تبدأ بالخطوة الأولى بحيث تستطيع وفقاً لذلك بناء شبكات داعمة مُتنوعة ومتزايدة من الداعمين الآخرين وتنظيم وإدارة جهودهم، وفق مَسارها المُستهدف في ظل لحظة زمنية ما بحيث تتجاوز جوانب التّباين، وتَعارض الأهداف بين الدّاعمين المُختلفين لوحدة الجهود.

ثانيها: وجود مَشروع/فكرة تتسم بالوضوح والبساطة يتم حشد قطاعات متباينة الأهداف والاحتياجات على أساس التوافق عليها في ظل تقارب المستهدف تحقيقه جرّاء ذلك النشاط.

ثالثاً: الركائز أي توافر سياق عام يتيح مبررات الحشد ويؤثر على فعالية الحراك القائم وفي حال إيجابية تلك الفاعلية فإن ذلك يعني قدرة تلك الحشود على تحقيق المُستهدف منها.

بتطبيق تلك الركائز على جماعة الإخوان المسلمين نجد أن فعالية الاحتجاجات التي نظّمتها وقادتها الجماعة تناسبت طرديّا مع أوضاع التّنظيم الدّاخلية واللّحظة التاريخية التي تمت فيها تلك الإحتجاجاتفعندما كان الإخوان المسلمين تنظيمًا متماسكًا حول قيادته الموحدة وفي ظل سَنوات السّيولة السّياسية استطاعت الجماعة تفعيل تلك الأداة وتحقيق العديد من المكاسب السّياسية للتّنظيم ومَشروعه في ظل إبراز شعارات ثورية وديموقراطية استطاعت من خلالها جذب الكثير من الفاعلين السّياسيين وقطاعات مُجتمعية مُتنوعة تَحظى بقبول حينئذ لدعمها أو التوافق معها دون تجاهل الاختلافات الأيدلوجية والسّياسية القائمة والتي ظلّت على الهَامش في الكثير من الأوقات.

وباختلاف تلك المُحددات تختلفت فاعلية الحُشود وتأثيرها، حيث يُدخل التّنظيم في إنقسامٍ أيدلوجيّ وإداري وسياسي في ظل الإختلاف على أولويات التّنظيم في مواجهاته مع الدولة واستخدام العنف ضدها. كل ذلك كان له إنعكاسه في وزن الجماعة في الشارع السياسي وفُرصها على تحريكه لصالح أهدافها، ما جعلها غير قادرة على حشد قواعدها من التّنظيميين، أو دوائرها الدّاعمة من غَير التّنظيميين، أيضا افتقاد قيادات الجماعة الطبيبعية للقدرة على التحول لرمز عام يُمكنه جذب وتوجيه الحلفاء حول حراكهم؛ لغياب المصداقية، ولافتقادهم لمشروع سياسي مُقاوم للنظام القائم.

ذلك ما جعل غالب الموقف الشعبي رافضًا للجماعة ولأي حِراك تتصدره في ظل سَابق التّجربة القَريبة وتداعياتها المُتوقعة على الأمن الشخصي بحظر الانتماء إلي التّنظيم ودعمه وإعتباره تنظيمًا إرهابيّا وفق حكم قضائي صادر في 23 سبتمبر 2013 ليتم تأكيده وفق قوانين تالية أبرزها قانون “الكيانات الإرهابية”، ثم قانون “مكافحة الاٍرهاب” في 2015 والتعديلات التي تمت عليه في 2020..

لماذا كَفَر الشّارع بالتَّنظيم؟

افتقاد التّأثير  لقوة ما -سياسيا أو مُجتمعيّا- يكون نتاجاً لعدة مُؤثرات يدفع تراكمها إلى إضعاف تأثير أي فاعل بصورة تدريجية، وهو ما تعكس تبايناته تجربة الإخوان المسلمين. ظلّت الجماعة تُبشر لعقود بنموذج سياسي مختلف يمكنها أن تقدمه للمجتمع وحشدت الكثير من الخطابات للتّأكيد على ذلك، وعندما بدأت تجربتها العملية في الحكم بدى للجميع تهافت خِطابها ومَشروعها حيث لم تَختلف فَعاليتها عن أي فصيل سياسي آخر ، فضلاً عن اختلاف أنماط السلوكيات الشخصية في التعاملات اليومية بين التنظيم ودوائره اليومية من السلاسة والحميمية إلى بعض الاستعلاء التي أصابت عموم التنظيم تجاه الآخرين وهو ما برز في التّواصلات السّياسية العامة، واليومية البسيطة.

حيث سبق واتسم التنظيم بحرصه على خلق صلات المباشرة الدورية مع مختلف القطاعات السياسية والمجتمعية التي يتعامل معها بصورة حميمية تحرص على بناء علاقات قوية أو مميزة. وكان لسان الحال من غالب المُنتمين في سنوات النّشاط السياسي: “نحن الآن رجال دولة نحمل أسرار وهموم الوطن، نحن من يفهم ولديه شرعية ورُؤية ومشروع وكوادر”.

لذالك لم يبدو  في ضوء التّجربة السّياسية للإخوان المسلمين امتلاكها أيّ ميزة نسبيّة تُمكن المُجتمع من تَقبلها ودعم تَجربتها.  كما ساهمت التجربة السياسية للجماعة بتفاصيلها القريبة من ذاكرة المجتمع في التأكيد على عدم قدرتها على التطور وابتكار حلول لأزماتها  في ظل إستمرار فشل النظام في إدارة التعامل مع الأزمات اليومية المختلفة للمجتمع في ضوء المواقف المناهضة لها والذي أرجعته الجماعة إلى “الدولة العميقة” وبقايا النظام السابق.

إضافة إلى ما سبق كان المَخرج الذي ارتآه نظامهم الحاكم للأزمات، تغذية الخِطابات الإقصائية للمُخالفين لحُكمهم واستعداء قطاعات من المجتمع على قطاعات أخرى، إضافة إلى مُغازلة القِطاعات الجهادية.

يبدو ذلك في بروز خطاب تكفير المجتمع في حضور رأس النظام محمد مرسي دون إعلانه التحفظ على ذلك وهو ما برز في مؤتمر “هيئة الحقوق والإصلاح الشرعية لنصرة سوريا” – مُنتصف يونيه 2013- ففي حضور رئيس البلاد حينئذ هاجم السلفي محمد عبد المقصود([1]) أصحاب دعوات الخروج في 30 يونيو قائلاً: “اسأل الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ويجعل يوم 30 يونيو يوم عزة للإسلام والمسلمين، وكسر لشوكة الكافرين والمنافقين”، كما بارك “مرسي” الدعوات التي طرحت لذهاب المصريين للجهاد في سوريا ضد نظام بشار الأسد، وهو  ما اعُتبر تشجيعاً منه لتلك الدعوات والتي استهدف صرف الأنظار عن دعوات المعارضة للخروج([2]).

وبعزل الجماعة عن الحكم يبدأ الارتباك في أدائهم السياسي المُناهض للنظام الجديد ويتنامى مسار العنف ويخرج للعلن وهو الأمر الذي يعني عملياً وجود عنف كامن ظل قائماً داخل الجماعة دون تفكيك جدي رغم خطابهم المستمر بنبذ العنف والذي ما كان إلا نتيجة أوضاع سياسية سابقة اختفت مُسبباتها في العصر الراهن وانعدمت صلة التنظيم به مع اشتباكهم لعقود مضت في العملية السياسية سواء في النقابات المهنية أو البرلمان ثم رئاسة الجمهورية في وقت لاحق.

أين ذهبت الحواضن الاجتماعية؟

كان لمجمل تلك الأوضاع تأثيراً سلبياً على الحواضن التي عمدت تيارات الإسلام السياسي -وعلى رأسها الإخوان المسلمين- على بنائها وحشدها لصالح دَعم حراكها لعُقود مضت خاصة في العمل الاجتماعي الذي نَشطت فيه بشكل فردي وجماعي لأسباب تَنظيمية وسياسيّة مُختلفة. ومع اقتراب أنشطة تلك الجماعات من طَبقات اجتماعية بعيدة عن رعاية الدولة أصبح لها بالتالي وجودًا كبيراً على أرض الواقع واتصالًا وثيقًا مع الناس ما خلق لها شبكة مصالح ممتدة مكنتها من الاستفادة من تلك القطاعات عبر عدة صيغ.

حيث أصبحت تلك الحواضن القائمة أحد مصادر جذب عناصر جديدة للتنظيم لتجديده وفق ضوابطه المتوارثة حيث يتيح الاحتكاك المجتمعي والمعايشة في العمل الاجتماعي، الفرص لاختيار وفرز عناصر تملك مهارات شَخصيّة ونفسيّة تُمثل بإمكانياتها تلك إضافة للتنظيم.

أيضا فإن التّواصل المُباشر لأعضاء التنظيم مع القطاعات التي تستفيد من نشاطها الاجتماعي يعمل على بناء مستوى من القواعد الداعمة نفسيّا وهو مُستوى الدّعم الأوسع والذي يتجاوز الدّعم الأيدلوجي المُباشر، ويُمكّن التّنظيم من الاستفادة من تلك القطاعات وإستخدامها كأداة ضَغط وحَشد إن لزم الأمر، في ظل قُبول تلك القِطاعات بهذا الإستخدام طالما هناك استفادات مُباشرة تَحظى بها باستمرار الجانب الخدمي والرعائي الذي تُقدمه تلك الجَماعات.

لذلك ومع الحَظر القَانون للإخوان المُسلمين كجماعة إرهابية كان تَوجه الدّولة نحو أنشطتها الإجتماعية والخيرية وتَجميد أموال أي جمعية خدمية بها تواجد أو إرتباط بالإخوان المسلمين. وبتطورات الأوضاع التنظيمية داخل الجماعة وانقسام قيادتها عبر السنوات الماضية والأزمة السياسية التي يعيش فيها التنظيم من الطبيعي أن تصبح الأولية لتنظيم عن العمل الخيري وإبقاء الحواضن الاجتماعية المحتملة لذلك اختفت قدرة الجماعة على الحشد.

مستقبل الجماعة

في ظل المُعطيات السّابقة يظل الحديث عن طبيعة الوجود المُتوقع للجماعة وفُرص استمرارها في المشهدين السياسي والمجتمعي يحمل عدة تحديات مركزية حيث تتجاوز التحديات الإجتماعية التحديات السياسية التي تواجه الجماعة. فإن كان وجودها السّياسي مرتبط بوجود بعض التّفاهمات السَياسيّة أو اتفاقات مصالح -قد تحدث ذات يوم بعيد- داخل مستويات السلطة العليا، إلا أن  الوجود المجتمعي هو التحدي الحقيقي أمام الإخوان المسلمين في ظل التّراكمات السّلبية التي لحقت بعلاقة التّنظيم بالمجتمع في سنوات التمدد السياسي.

خاصة وأن الذاكرة الجمعيّة لا تَزال تَحتفظ بالسّلوكيات العامة والخاصة التي لمسها عموم المجتمع من التّنظيم وسياسياته وأفراده، وهذه الذاكرة – على مستوى المدى المنظور- ستُشكل تحديّاً يُصعّب من قُدرة التّنظيم على إعادة بناء حواضنه وتمدده في المجتمع، كما أنه في حال عودة التّماسك التّنظيمي الدّاخلي ستكون سابق التّجربة عائقًا مُهمًا أمام قُدرة التّنظيم على جَذب أعضاء جُدد، لتجديد دماء التنظيم العتيق وإستدامته، في ظل الحواجز المجتمعية التي نشأت بين التنظيم والمجتمع والتي تراكمت عبر خطاب التكفير الذي غذّته الجماعة.

كذلك سُلوك العُنف الذي سلكته واستباحه مجموعات العنف التابعة لها لدماء أفراد المجتمع بدعوى “مساندتهم للظلم الواقع ضدهم”، وهو السّلوك الذي أسفر عن خَسائر مالية وبشرية كبيرة يُصعّب إلى حد كبير تجاوزها. فضلاً عن غياب الثقة والقبول الذي كانت تحظى به الجماعة في ظل إخفاقاتها في عام الحكم ومماراساتها السياسية الإقصائية، فضلاً عن ارتباكها السياسي في السنوات التالية.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية