جماعات التطرف تنقسم لتلبس ثوباً جديداً

جماعات التطرف تنقسم لتلبس ثوباً جديداً

جماعات التطرف تنقسم لتلبس ثوباً جديداً


17/12/2024

لبنى الهاشمي

المواجهات العسكرية وحدها لن تنهي الصراع التطرف أو الإرهاب، لأن هناك جذوراً فكرية وثقافيّة متشددة، هيأت مناخاً خاصاً جعلتنا نتقبَّل التطرّف وكأنه قدر لا مناص منه، كما أن البحث في موضوع الطائفية أو التشدد أو العنف أضحى أمراً مغرياً بالبحث عن مكامنه الأولى وهُويته، إنها رحلة شاقة وعميقة في داخل أغوار النفس البشرية، ومدى الطبيعة العدوانية والدموية لتوجهات أصحابه.

فالخسائر الكبرى منيت بها "الدولة العربية"، والهزائم المتلاحقة في أماكن التوتر، هل يعني دحر ظاهرة "التشدد أو التطرف أو الطائفية" وأخواتها؟، هل يمكن أن تتشظى هذه الجماعه وتنقسم خلايا لتلبس ثوباً جديداً -تتجدد-لتخفي معالمها الواضحة؟، هل نستطيع القول بأنه فقد أو سيفقد وهجه؟ هل بدأ التنظيم لفظ أنفاسه الأخيرة؟! هل الولاء العابر للحدود للتطرف في خفوت وتراجع؟!

إن الإرهاب يزرع أتباعه في المناطق الأكثر توتراً، ويجيد التفاعل مع أي أقلية تشعر بالتهديد أو تشكو من التهميش، لأن الطائفية لا تنمو إلا داخل بيئات تمزِّقها الخلافات العرقية والدينية، ما يسمح باستغلال الظروف الأمنية المتردية والبيئات المنقسمة، لا سيما في خضمِّ أزمات صعقت الشعوب العربية بما فيه الكفاية، وجعلتها منهكة لاهثة عن الحرية والكرامة والعيش والأمن.

إن العالم كله، وخصوصاً عالمنا العربي، يقف اليوم أمام تحدٍّ كبير يُضاف إلى قائمة الأزمات التي تواجهها المنطقة بقوة وثبات، وهو مدى سيادة الدولة الوطنية، والحفاظ عليها من العبثية والفوضوية، مروراً بالتخلُّص من الطائفية التي ترعاها دول مجاورة، وصولاً إلى عدم الاستقرار الإقليمي من كل الجبهات، ما يدلُّ على المنحى التصاعدي للتوتر القائم.
وإن غياب التوازن في بعض المواقف العربية يشكِّل تهديداً جديداً، خاصة تلك الجماعات المسلَّحة بوعي تاريخي مُثقَل، لأن لديها إمكانات التلاعب بالنسيج الوطني لتصنع مشهداً عربياً كسيحاً ومشوهاً.

والعجيب أن بعض السياسيين المسكونين بهاجس التغيير، لا ينتبهون لما يحدث في الكثير من البلدان العربية والمجاورة، وكأنهم لا ينصتون لأجراس خطر الانقسام التي تدق بقوة.
لا يمكن النهوض بدون الاعتزاز بالدولة الوطنية المتماسكة، وميراثها الأصيل الذي خلّفه الأسلاف، ليعكس الصورة النموذجية للإنسان المتحضر الذي يتواصل مع الماضي والحاضر ويرسم المستقبل الذي يجب أن يشاهده العالم.

فالحوار الوطني هو مؤشر حقيقي من مؤشرات التحضر، وهو الجهاد الذي يهدف إلى تحقيق قيم الإنسانية والكرامة والوعي، وهو يمثِّل الإصلاح الذي لا ينبغي أن يكون للتكيف مع الأوضاع السائدة المضللة فقط، بل يجب أن يهدف إلى تغيير حقيقي يؤدي بهذه المجتمعات إلى معانقة الحرية والكرامة والسلام.

ولنا فيما يحدث في سوريا خير دليل، فلضمان استدامة المكاسب المتحققة في سوريا، أرى أن الحل الوحيد هو التلاحم الوطني لاستئصال شأفة العنف، ونتمنى الاستمرار في التعاون بين كل الأطياف الوطنية، وأن تجمعهم وحدة الموقف لكي يتم التغلب على الخسائر أو أي تبعات أو أعراض مرضية من شأنها أن تجهض الدولة الوطنية أو تهدد استمرار هذا الانتصار المهم.

إن الأوطان العربية كافة مطلوب منها التصالح المجتمعي، وقبول خطاب السلام المجتمعي بين كلِّ الأطياف والمكونات المختلفة، فهذا هو الاختبار الحقيقي لكيفية التعامل مع مرحلة هاجس الخوف من «الانقسام»، ولا بدَّ من الوصول إلى طريقة للتعامل مع ملف الفكر المتطرف عموماً، ومكافحة تبعات المعركة المستعرة مع المتشددين.

كما أن الحلول النموذجية للتخلص من أعراض التطرف والإرهاب كثيرة، مثل الإجراءات السياسية والأمنية القوية، وملء الفراغ بالتدين المتزن الذي يحمي الشباب من أن يكون فريسة سهلة للوقوع في الجريمة، وكل هذا لن يتأتى إلا من خلال العلماء الربانيين، والمعلمين المخلصين، وأهل الفتوى الصلحاء، وأئمة المنابر الفضلاء، الذين يتصدون للأفكار المغذية للتطرف، وتجفيف مسببات الصراع الديني والإثني، أو تسويق الأفكار الطائفية، والفتاوى العشوائية.

موقع 24




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية