كيف رعت باكستان الإرهاب في دول مجاورة لها؟

كيف رعت باكستان الإرهاب في دول مجاورة لها؟


07/06/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

أكّد مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة عودة ظهور القاعدة، الجماعة الإرهابيّة التي تقف وراء هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ "طالبان" وتستخدم عودة الأخيرة إلى السّلطة في أفغانستان للعثور على ملاذ آمن، وجذب مجنّدين، وزيادة جمع التبرعات لجهادها الذي لا ينتهي.

يشير تقرير صادر عن مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة إلى أنّ زعيم "القاعدة"، المصريّ أيمن الظّواهريّ، الذي خلف أسامة بن لادن، عام 2011، وأعضاء أساسيّين آخرين في قيادة الجماعة يعيشون في شرق أفغانستان كضيوف على "طالبان".

ويقول تقرير الأمم المتّحدة؛ إنّ الظواهريّ ينشر مقاطع فيديو دعائيّة، ويبدو أنّه يشعر بالارتياح لأنّه يستطيع "القيادة بشكل أكثر فاعليّة" ممّا كان ممكناً قبل انتصار "طالبان" العام الماضي على الولايات المتّحدة.

ربما يكون الخاسر الأكبر في عودة "طالبان"، باستثناء الشّعب الأفغانيّ، هو باكستان. يُلقي تقرير الأمم المتّحدة ضوءاً قاسياً على معضلة باكستان في وقت تكافح فيه تمرّداً على أراضيها بعد 20 عاماً من دعم حرب "طالبان" على الحدود في أفغانستان. يأتي التّهديد المسلّح المتزايد في باكستان الآن إلى حدّ كبير من أفغانستان، حيث تؤوي "طالبان" فرعاً تابعاً للـ "قاعدة" يهدف إلى إسقاط الحكومة في إسلام أباد.

4,000 مقاتل مسلّح

يقول التّقرير إنّ "حركة طالبان باكستان" لديها ما يصل إلى 4,000 مقاتل مسلّح متمركز في المنطقة الحدوديّة بين أفغانستان وباكستان، وفي العامين الماضيين أعادت استيعاب 17 من الأفرع المنتسبة سابقاً. وأضاف أنّ "الجماعة تركّز على حملة طويلة الأمد ضدّ الدّولة الباكستانيّة، ممّا يشير إلى أنّ فرص نجاح اتّفاقات وقف إطلاق النّار محدودة"، في إشارة على ما يبدو إلى محاولات الوساطة التي يقوم بها سراج الدّين حقاني، وهو وزير في حكومة طالبان، وإرهابيّ خاضع لعقوبات، ووسيط سيئ السّمعة للعنف بين البلدين.

أيمن الظواهري

هاجمت "حركة طالبان باكستان"، الفرع الباكستانيّ لـ "طالبان"، باكستان مراراً وتكراراً من ملاذاتها الآمنة الجديدة في شرق أفغانستان، منذ آب (أغسطس) 2021، ممّا أدّى إلى شنّ الجيش الباكستانيّ غارات جويّة ودفع حقّاني إلى استئناف دوره كوسيط في محادثات السّلام بين الجانبين.

بعد وفاة بن لادن، عام 2011، وعمليات القتل اللاحقة لقيادة "القاعدة" في المناطق الحدوديّة بين أفغانستان وباكستان، أصبحت "القاعدة" بشكل متزايد غير مباشرة في هجماتها. إنّ قوّتها تكمن في تأثيرها.

منذ توليها السّلطة الصّيف الماضي، فشلت "طالبان" في تثبيت إدارة تقوم بالوظائف اللازمة. وبسبب العقوبات الدّوليّة والازدراء العالميّ؛ فإنّ الاقتصاد في حالة من السّقوط الحرّ

تُظهِر لقطات مصوّرة بتاريخ غير معروف، صدرت في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2021، الظّواهريّ وهو يصف الأمم المتّحدة والأعضاء الدّائمين في مجلس الأمن بأنّهم "أكبر المجرمين على وجه الأرض".

من المواجهة إلى التمكين

وفقاً لعليّ محمّد عليّ، وهو باحث وخبير أمنيّ ​​مقيم في نيويورك وعمل سابقاً مع الحكومة الأفغانيّة؛ فإنّ "القاعدة" غيّرت إستراتيجيّتها من "المواجهة المباشرة مع أعدائها المتصوّرين إلى تمكين وكلاء مثل "طالبان" الأفغانيّة، و"طالبان" الباكستانيّة، والجماعات الجهاديّة الكشميريّة المعادية للهند، و"أنصار الله" في طاجيكستان، و"الحركة الإسلاميّة" في أوزبكستان للتّجنيد والجهاد ضدّ دول المنطقة".

جاءت التّحذيرات من تواطؤ "طالبان" مع جماعات جهاديّة كبرى في أعقاب اجتماع الأسبوع الماضي لمسؤولين أمنيّين من جنوب ووسط آسيا في العاصمة الطّاجيكيّة دوشانبي. أعرب الحاضرون، الهند والصّين وروسيا وباكستان وإيران وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان المُضِيفة عن مخاوفهم بشأن تمكين "طالبان" من الإرهاب في ساحاتهم الخلفيّة، وطالبوا الحركة بإشراك النّساء وتمثيل التّنوع الإثنيّ والدّينيّ في حكومة "شاملة".

حتّى إيران منزعجة؛ فقد دعا أمين "المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ"، عليّ شمخاني، إلى تركيز إقليميّ مشترك على مكافحة الإرهاب، بعد أن أشار إلى "أدلّة مقلقة على وجود ومشاركة بعض الدّول الإقليميّة وغير الإقليميّة في نقل الإرهابيّين إلى أفغانستان".

تشير التّقديرات إلى أنّ "القاعدة" تُركّز على إعادة تنظيم نفسها على المدى القصير إلى المتوسّط ​​بهدف نهائيّ يتمثّل في مواصلة فكرتها عن "الجهاد العالميّ"

وزير خارجيّة قطر، وهي دولة صديقة قديمة لـ "طالبان"، سمحت للجماعة بأن يكون لها مكتب سياسيّ في عاصمتها، الدّوحة، واستضافت محادثات سلام فاشلة قبل انهيار الجمهوريّة، دقّ ناقوس الخطر بشأن ميل الإسلامويّين للتّطرّف والجهاد، داعياً إلى مشاركة عاجلة للحدّ من هذا التّهديد.

منذ توليها السّلطة الصّيف الماضي، فشلت "طالبان" في تثبيت إدارة تقوم بالوظائف اللازمة. وبسبب العقوبات الدّوليّة والازدراء العالميّ؛ فإنّ الاقتصاد في حالة من السّقوط الحرّ، ممّا أدّى إلى تفاقم الأزمة الإنسانيّة التي أغرقت أكثر من نصف السّكان في براثن الفقر والجوع، أُجبرت النّساء على ترك العمل والمكوث في منازلهن في صدى لآخر فترة حكمت فيها "طالبان"، والتي انبثقت عن حرب أهليّة وأسفرت عن محاولة فاشلة للاكتفاء الذّاتيّ.

طالبان حوّلت أفغانستان مرّة أخرى إلى ثقب أسود يمكن للجماعات الجهاديّة العالميّة البقاء والازدهار فيه

يقدّم تقرير مجلس الأمن الثّالث عشر لـ "فريق الدّعم التّحليليّ ومراقبة العقوبات" تحديثاً شاملاً للوضع في أفغانستان منذ انهيار الجمهوريّة، قبل وقوع هجوم عسكريّ لا هوادة فيه. فرّ الرّئيس الأفغانيّ السّابق، أشرف غني، وكذلك أقرب أفراد دائرته، تاركين البلاد لمجموعة من تجّار المخدرات، والخاطفين، والقتلة، دعت منذ ذلك الحين الإرهابيّين من أنحاء العالم كافّة للاستمتاع بضيافتها التي هي تعبير عن شكرٍ على دعمهم لها في ساحة المعركة.

"القاعدة" حرة

يقول التّقرير: "يبدو أنّ "القاعدة" حرّة في السّعي لتحقيق أهدافها" طالما أنّها لا "تحرج طالبان أو تضرّ بمصالحها". ويقول إنّ هذه الأهداف "من المرجّح أن تشمل التّجنيد والتّدريب وجمع الأموال واتّصالات مرئيّة للظّواهريّ. وتشير التّقديرات إلى أنّ "القاعدة" تُركّز على إعادة تنظيم نفسها على المدى القصير إلى المتوسّط ​​بهدف نهائيّ يتمثّل في مواصلة فكرتها عن "الجهاد العالميّ".

تدعم النّتائج التي توصّل إليها التّقرير، إلى حدّ كبير، تحذيرات أخيرة من خبراء أمن في جنوب آسيا بأنّ "طالبان" حوّلت أفغانستان مرّة أخرى إلى ثقب أسود يمكن للجماعات الجهاديّة العالميّة البقاء والازدهار فيه. يسرد التّقرير الجماعات الإرهابيّة الأجنبيّة التي كان لها وجود منذ فترة طويلة في أفغانستان، ممّا يؤكّد أنّ طالبان لا تُولي أيّ اعتبار للتّعهّدات التي قطعتها على طريق النّصر.

الآن، بعد أن عادت، تُلازم هذه الجماعات مسارها وتنتظر اعتراف المجتمع الدّوليّ بـ "طالبان" كحكومة شرعيّة حتّى تتمكّن من خوض حروبها مع الإفلات من العقاب، وبدعم "القاعدة" الأيديولوجيّ والعمليّ.

يقول التّقرير "إنّ "القاعدة" استخدمت سيطرة "طالبان" لجذب مجنّدين جدد وتمويل وإلهام فروع "القاعدة" على مستوى العالم".

ويضيف: "بينما يُقال إنّ "القاعدة" تدرك الحاجة إلى تجنّب إحراج "طالبان"، من الجدير بالذّكر أنّه عندما كانت سلطات "طالبان" تضغط لتلقّي الدّعم الإنسانيّ من الأمم المتّحدة، لم تخفّف "القاعدة" من لهجتها فيما يتعلّق بالأمم المتّحدة أو نواياها المستقبليّة لشنّ هجمات ضدّ أهداف غربيّة".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

لين أودونيل، فورين بوليسي، 31 أيار (مايو) 2022

مواضيع ذات صلة:

باكستان تكشف من وراء الإرهابي (الله دينو)... ما علاقة إيران؟

آفاق المشهد السياسي الباكستاني بعد عزل عمران خان

ما دور أمريكا في الإطاحة بعمران خان؟ وهل يحكم الإخوان باكستان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية