تيار جديد بديلًا عن جماعات الإسلام السياسي في مصر

تيار جديد بديلًا عن جماعات الإسلام السياسي في مصر

تيار جديد بديلًا عن جماعات الإسلام السياسي في مصر


05/03/2024

هشام النجار

وجد قادة في جماعات متطرفة مصرية هربوا إلى الخارج في فرضية تعميق مشاعر الاستياء ضد الدول العربية والإسلامية بسبب الحرب على غزة، فرصة لإعادة محاولتهم الخاصة بتشكيل ما يُعرف بتيار الأمة.

وظن رموز ومنظرون إسلاميون أن جذوة تيارهم الخامدة التي عجزوا عن تأجيجها مرارًا على مدار السنوات الماضية يمكن أن تشتعل عبر تعبئة الجماهير بوصف هؤلاء من القادة الدينيين المناهضين لإسرائيل والغرب.

وظهرت معالم التنظير الجديد على يد محمود فتحي، وهو قيادي سلفي موال لجماعة الإخوان وأطلق دعوة عامة للانضمام إليه، وعاصم عبدالماجد القيادي بالجماعة الإسلامية الذي نشر محاضرات على يوتيوب تشرح تكتيكات وأهداف المشروع المقترح، وهناك شريحة إخوانية تتبنى هذا الطرح، لكن قادتها يدرسون الأمر خوفا من الذوبان في جماعات أخرى وإصابة التنظيم بالشلل وتحلله.

واتجهت فئات داخل جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المصرية والسلفية الحركية إلى تحويل مسارها لإطلاق خطة عمل جديدة عبر الانضواء تحت تيار يضم أفراد “الأمة” لتعويض فشل تجربة التغيير النخبوي.

ويعتمد هذا الشكل الجديد من نشاط الإسلام السياسي على تصوير رموز الجماعات على أنهم أبطال مُلهِمون، ليس لمجموعة من الأفراد المُنتقين داخل تنظيم مغلق وسري يبايعونهم كأمراء لهم ويمتثلون لآرائهم وينفذون أوامرهم، بل لقطاع عريض من الأمة، حيث باتت مشاركة الجماهير ضرورية بعد فشل التنظيمات في أداء المهمة.

وتُعد الخطة انقلابًا على نظرية سيد قطب التي تأسست عليها غالبية الجماعات التكفيرية المسلحة وتنظيمات الإسلام السياسي، وتسند مهمة تغيير “الواقع الجاهلي” والجهاد ضد “الطواغيت” والتمكين للدولة الإسلامية، إلى صفوة مؤمنة مختارة، وهي فئات قليلة العدد أسست تنظيمات حملت السلاح ضد الدولة والمجتمع.

وعكس هؤلاء نظرية قطب على ضوء الانتكاسات التي أصابت جماعاتهم على مختلف الأصعدة، وزعموا أن الجماعات أدت دورها وقدمت تضحيات كثيرة ولم يحالفها التوفيق في مهمة الإنقاذ والتغيير، وحان دور الشعوب لتقدم تضحياتها فيما يضع القادة الهاربون خطط الحركة الجديدة ويوجهونها استنادًا إلى ما يمتلكونه من خبرات.

ويلفت هذا التحول إلى إدراك الجهاديين لمصدر تهديد حقيقي وفعال كونهم حركة اجتماعية جامعة وليسوا أعضاء قليلين داخل حفنة من التنظيمات المنبوذة، وأن فكرة الإنقاذ لن تتحقق عبر قلة من “الأنقياء”، لكن بخوض معركة بلا قواعد خلف تيار الأمة العريض.

ولم تثمر هذه الجهود على مدار أكثر من عقد ما انتظره قادة الإسلام السياسي داخل بعض الدول العربية والإسلامية، ولم يُجد نفعًا استغلالهم حرب غزة وتداعياتها، لأن الساحة العربية، خاصة في دول مثل مصر والسعودية والإمارات، حولت معركتها مع تلك التنظيمات إلى إستراتيجية اشتركت فيها الشعوب عبر تحصينها بتفسيرات منافسة للأفكار الراديكالية.

وتحصنت الدول والمجتمعات العربية من إجراء تطوير مفترض على برنامج عمل الجماعات المتطرفة من خلال جمعها في سلة واحدة وجعل التسوية مع الفصائل العنيفة وغير العنيفة منها أمرًا مستحيلًا، وإفساح المجال للطابع المعتدل للإسلام بشكل عام.

وقبل أن يشرع إسلاميون هاربون في طرح برنامج عملهم البديل تحت عنوان تيار الأمة كان هناك تيار يعبر عن غالبية ملحوظة داخل المجتمعات العربية والإسلامية رافضًا للجماعات المتشددة ومتبنيًا للحداثة.

خطة جديدة للعمل عبر الانضواء تحت تيار يضم أفراد "الأمة" لتعويض فشل تجربة التغيير النخبوي

وكشف استطلاع أجراه العام الماضي الخبير الأميركي في استطلاعات الرأي جيمس زغبي أن أكثر من ثلثي الشباب في الشرق الأوسط مع التغيير في اتجاه العصرنة، ويريدون تحديث المؤسسات الدينية الإسلامية.

وعلى الرغم من بعض المآخذ على أداء المؤسسات الدينية التابعة للدول، خاصة في ملف التجديد الديني، إلا أنها أثبتت أن صوتها له صدى قوي في المجتمع. ولعبت هذه المؤسسات، وفي مقدمتها مؤسسة الأزهر في مصر، دورًا مهمًا في تكريس رؤية إسلامية مناهضة لرؤى الإسلام السياسي، سواء في أعقاب عزل جماعة الإخوان عن السلطة أو عقب اندلاع أزمة الحرب على غزة، ما حرم الإسلاميين من فرص المزايدة على الدول العربية وحكامها.

ويعلم الكثيرون من الجمهور العربي والإسلامي مقدار تهافت الفكرة التي تدعوهم جماعات فاشلة إلى تنفيذها نيابة عنهم، مع طرح العديد من الأسئلة بشأن ماهية البديل عما هو قائم، بالنظر إلى كونها دعوات بلا أفق ستؤدي إلى فوضى بلا نهاية، الهدف منها رفع العتب والمسؤولية عن قادة الجماعات وإنقاذهم مما ينتظرهم من مساءلة وعقاب.

وتحقق هذه الدعوات نجاحًا محدودًا داخل أوساط متعاطفين مع الجهاديين في الغرب، بالنظر إلى أن دول أوروبا ضيّقت الخناق على فصائل متطرفة وتسامحت مع أخرى.

وفي الدول الأوروبية تظل الاستجابة في مستوى تنفيذ بعض العمليات العشوائية من خلال ذئاب منفردة، ولا ترقى إلى مستوى الاستجابة الحاشدة التي تؤسس لتيار جامع يعكس تطلعات قادة الجهاديين وفصائل الإسلام السياسي، ومن المستبعد أن تتسبب الهجمات الفردية في تنشيط وبعث الحركة الإسلامية الأكبر على مستوى العالم.

وشُنت هجمات عبر ذئاب منفردة متعاطفة مع داعش والقاعدة في كل من فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة، تدخل في سياق تلبية مشاعر الانتقام من مهاجرين على ضوء انتهاكات غير مسبوقة ارتكبتها إسرائيل في غزة.

وبمراجعة أحوال منفذي هذه العمليات سهلة التنفيذ اتضح أن أغلبهم جاهلون بقواعد الدين الأساسية ولا يحفظون الآيات القرآنية وليسوا على دراية بالتفسيرات الدينية وغير قادرين على التفرقة بين الصحيح والخاطئ منها، وليسوا سوى مجرمين صغار ومهربي مخدرات ومدمنين.

وتبدو الاستجابة المحدودة فشلًا مضافًا للجهاديين وتيار الإسلام السياسي، فاليقظة التي تكبح وتصد مخططاتهم لا تقتصر على يقظة أجهزة الأمن الداخلي التي تراقب البيئات المتطرفة في دولها، بل شملت يقظة شعوب أفشلت إحياء جماعات تطرف يراهن قادتها على غفلتها وضحالة وعيها.

وفي السابق نجحت هذه الجماعات في ابتداع خطة “الإرهاب على مستوى الشارع” إلى درجة تحويل قرى بأكملها إلى مجتمعات تتبنى الفكر التكفيري، كما جرى في مصر خلال ثمانينات القرن الماضي على يد قادة تكفيريين.

وقد استولى شوقي الشيخ، وهو مهندس سبق اعتقاله، على عقول العامة مستغلًا جهل الكثيرين منهم وقلة فهمهم لأصول الدين، وبعد أن استوثق من فداء أنصاره له وشعبيته وسط الناس وهم من يتحاكمون بين يديه ويؤدون له الزكاة والمكوس دفعه غروره إلى أن يبعث برسالة إلى رئيس الدولة آنذاك حسني مبارك يدعوه فيها إلى الإسلام أو القتال أو دفع الجزية، قائلاً “من والي كَحْك، وهي قرية بمحافظة الفيوم جنوب القاهرة، إلى والي مصر”.

وكرر هذه النسخة أبومصعب الزرقاوي الذي يُعد السطر الأول في كتاب تنظيم داعش من خلال زرع الأفكار التكفيرية وفرض سيطرة مطلقة وصارمة على المجتمع، مُهدِدًا كل شخص لا ينصاع لمشروعه.

وأسس الزرقاوي نواة فكرة الدولة الإسلامية وطور مشروعه بعد فراغ السلطة الناجم عن سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين والغزو الأميركي للعراق، وتاليًا اندلاع الحرب في سوريا، لتصبح الفرصة سانحة بشكل أكبر تحت تصرف أبوبكر البغدادي الذي مثل ذروة مشروع “الإرهاب بالشارع” عبر إعلانه النادر عن قيام دولة الخلافة في يونيو 2014.

وتُعاد الدعوة إلى مشروع الإرهاب بالشارع مجددًا تحت عنوان تيار الأمة في ضوء هزيمة غير مسبوقة لفصائل تيار الإسلام السياسي وانتكاسة قاسية للجماعة الأم، وهي الإخوان، علاوة على تراجع نفوذ داعش والقاعدة في معاقلهما بسوريا والعراق وعموم الشرق الأوسط.

وترغب جماعة الإخوان وحلفاؤها داخل الجماعة الإسلامية وتيار السلفية الحركية في استعادة الحضور والنفوذ بمصر وغيرها، كما يخطط كل من داعش والقاعدة للعودة إلى الشرق الأوسط عقب انتقال يعده قادتهما مؤقتًا ومرحليًا إلى أفريقيا وأفغانستان.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية