"التطرّف الصامت" ينخر المصالحة مع الجهاديين بالمغرب

"التطرّف الصامت" ينخر المصالحة مع الجهاديين بالمغرب


10/03/2020

تكشف عمليات تفكيك الخلايا المتطرفة في المغرب، التي تتكرر بين الحين والآخر، نوعاً من القصور فيما يتعلق بالجهود المبذولة لمواجهة العنف والتطرف، فقد جرت العادة، منذ 3 أعوام تقريباً، على الإعلان عن تفكيك خلية متطرفة كل شهرين أو 3 أشهر من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للإدارة العامة للأمن الوطني، وهو الهيئة التي تم إنشاؤها عام 2015 لتكون الجهة المسؤولة عن قضايا الإرهاب والتطرف والجريمة المُنظّمة.

اقرأ أيضاً: الجهاديون العائدون.. خطر من نوع جديد
وأعلن المكتب المذكور، يوم الإثنين الماضي، عن تفكيك خلية جديدة لديها صلات بتنظيم داعش، تتكون من 4 أفراد تتراوح أعمارهم بين 23 و51 عاماً، وقال بيان للمكتب؛ إنّ عملية التفكيك "أسفرت عن حجز أجهزة إلكترونية وأسلحة بيضاء كبيرة الحجم، وبدلة عسكرية وقناع، بالإضافة إلى مجموعة من المخطوطات التي تؤكد تشبّع المشتبه بهم بفكر داعش؛ على غرار نص البيعة لزعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي، وصورة ترمز لراية التنظيم الإرهابي، ومنشورات تحرّض على العنف وتُضفي المشروعية على القتال والعمليات الاستشهادية".

كشفت عمليات تفكيك الخلايا المتطرفة في المغرب عن نوع من القصور في الجهود المبذولة لمواجهة العنف والتطرف

بيد أنّ النقطة التي لفتت الانتباه في البيان؛ هي الإشارة التي تقول إنّ زعيم الخلية الُمفكّكة سبق أنّ اعتقل عام 2014 بتهمة الإرهاب، على خلفية تفكيك خلية إرهابية كانت تنشط في تجنيد وإرسال مقاتلين للالتحاق بصفوف الفصائل الإرهابية بالساحة السورية العراقية، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن السياسات الرسمية المُتّبعة حيال الإرهاب في الداخل واجتثاث مخاطر التطرّف الديني.
والحقيقة أنّ حالات العود بالنسبة لبعض المتطرفين الذين سبق اعتقالهم لها وجهان، الوجه الأول؛ هو الوجه الشخصي؛ فهي تؤكد لنا بأنّ بعض المتطرفين قد يزدادون تطرفاً بعد قضاء مدة الاعتقال؛ حيث يجدون صعوبة في العودة إلى الحياة الطبيعية العادية السابقة، لظروف مختلفة، يتداخل فيها الجانب الشخصي بالعائلي بالوطني، والاجتماعي بالاقتصادي بالثقافي، ما يجعل الشخص مرشحاً لإعادة اعتناق الفكر المتطرف كلّما أتيحت له الفرصة، هذا إن كان فعلاً قد  تخلى عن ذلك الفكر خلال تجربته السجنية.

اقرأ أيضاً: من التنظيم الخاص إلى حسم.. الظاهرة الجهادية قلق مصر المزمن
أمّا الوجه الثاني؛ فيتعلّق بمسؤولية الدولة؛ إذ نلاحظ أنّ مواجهة التطرّف والإرهاب في المغرب، منذ بداية هذه الظاهرة عالمياً، يغلب عليها الهاجس الأمني على حساب الجوانب الثقافية والفكرية والدينية والسيكولوجية والاجتماعية، لذلك فإنّ العديد من المعتقلين السابقين ممّن غادروا السجن؛ لم يجدوا أي إمكانية لإعادة الاندماج في النسيج الاجتماعي، بسبب غياب أي سياسة اجتماعية من هذا النوع لدى الدولة، وعدم فسح المجال أمام المجتمع المدني والأحزاب السياسية للدخول على الخط والمساهمة في إنجاح  مشروع مُتفق عليه حول عملية الإدماج لفائدة السلفيين الجهاديين أصحاب السوابق الجنائية، فرغم النداءات والمحاولات التي بذلتها الأحزاب، إلّا أنّ الدولة بقيت تلتزم الصمت، ربما خشية "تسييس" ملف السلفيين المعتقلين، أو خشية استغلال بعض الأحزاب لهذا الملف، وخصوصاً الإسلاميين.

اقرأ أيضاً: كيف تشكلت ظاهرة الجهاديين في البلقان؟ وما مستقبلها؟
لقد حصلت أول حالة عود سُجلّت في المغرب عام 2007، عندما فجّر الشاب عبد الفتاح الرايضي نفسه في مقهى إنترنت بمدينة الدار البيضاء ولقي حتفه في التفجير دون أن يخلف ضحايا، وذلك بعد بضعة شهور فقط من مغادرته السجن بعفو ملكي، وكان هذا أول عفو يصدره الملك في ملف السلفيين الجهاديين المعتقلين بتهمة الإرهاب، وذلك بعد عامين على حوار مطوّل أجراه مع يومية "إيل باييس" الإسبانية خلال زيارته لإسبانيا عام 2005، أقر فيه بأنّ الاعتقالات والمحاكمات التي شملت السلفيين في المغرب قد شابتها خروقات قانونية وتجاوزات، فجاء العفو الملكي بمثابة محاولة لتصحيح ما اعتبره الملك تجاوزات.
ومنذ ذلك الوقت، طُرِحَ السؤال حول قضية العود في العمل الإرهابي، ولماذا لا يستفيد بعض السجناء من تجربة الاعتقال ليغيروا أفكارهم المتشدّدة ويندمجوا مجدداً في الوسط الاجتماعي، وفي ظل غياب البحوث السوسيولوجية الأكاديمية حول هذه الظاهرة، يبقى الموضوع محاطاً بالكثير من التساؤلات، ومفتوحاً أمام التكهنات المتباينة.

اقرأ أيضاً: "الجهادي الهادئ".. ماذا تعرف عن الأب الروحي لأبي مصعب الزرقاوي؟
وبحسب لقاءاتنا المتعدّدة مع معتقلين سابقين في ملف التطرف والإرهاب، خلال الأعوام العشرة الماضية، يمكننا القول إنّ أحد الأسباب المركزية لحالات العود؛ هي غياب ثقة المعتقلين في الدولة وعدم وجود أي ضمانات معنية من السلطات المغربية، بتسوية أوضاعهم بعد السجن ومساعدتهم على الاندماج من جديد في المجتمع، والنتيجة أنّ بعض هؤلاء يشعرون بأنهم متخلى عنهم وغير مرغوب فيهم من الدولة، كما أنّ المجتمع يرفضهم ويرفض التعامل معهم بسبب تهمة الإرهاب التي تلاحقهم. أمثال هؤلاء يعيشون في المجتمع تحت الإكراه، ويعانون حالة من "التطرف المكبوت" أو "التطرف الصامت"، الذي يبحث عن أي فرصة للانفجار والتعبير عن نفسه، وهذا ما نلاحظه في بعض حالات العود التي حصلت في الأعوام الماضية منذ تفجيرات الدار البيضاء عام 2003.

قد يزداد بعض المتطرفين تطرفاً بعد قضاء مدة الاعتقال، حيث يجدون صعوبة بالعودة إلى الحياة الطبيعية العادية السابقة

وقد أطلقت الدولة عام 2017، تجربة أولى للحوار مع المعتقلين السلفيين في السجون، أسمتها بالـ "مصالحة"، وقادتها المندوبية السامية للسجون بمشاركة الرابطة المحمدية للعلماء، وحتى الآن استفاد عدد محدود من المعتقلين من تلك "المصالحة"، إلّا أنّ النتائج بعد 3 أعوام، تظل أقل كثيراً ممّا كان معولاً عليه، هذا إنّ لم نقل إنّه مشروع فاشل من أساسه؛ ذلك أنّ استمرار هيمنة الهاجس الأمني، يجعل تعاطي المعتقلين مع مشروع المصالحة خاضعاً أيضاً لهذا الهاجس، بمعنى أنّهم سيرون فيه مشروعاً أمنياً أكثر من أنه مشروع فكري ديني واضح، وبالتالي لن تكون هناك حرية وتلقائية في التعامل معه، فالمعتقلون، في غالبيتهم، يريدون مغادرة السجن فقط، ولا تهمهم المراجعة ولا المصالحة إلا كوسيلة لهذا الهدف، لذلك هم مستعدون للرد على جميع الأسئلة بما يناسب هدفهم، ما يفتح الباب أمام حوار الطرشان، زد على ذلك أنّ المصالحة لا يمكن أن تنجح في ظل غياب سياسة اجتماعية لإعادة الإدماج؛ إذ حتى لو كانت نية المعتقل واضحة وإيجابية، فهو سيصطدم بعد خروجه من السجن بنفس الأوضاع التي اصطدم بها معتقلون سابقون أُفرج عنهم دون أي مشروع للمصالحة.

اقرأ أيضاً: باريس تواجه تحديات جهادية جديدة في الساحل الأفريقي.. ما أبرزها؟
كما أنّ اختيار التسمية لم يكن موفقاً تماماً؛ إذ إنّ فكرة "المصالحة" هي فكرة أطلقتها الدولة عام 1999، بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني ومجيء الملك الحالي؛ الذي أراد بدء صفحة جديدة مع اليساريين والسياسيين الذين كانوا رهن الاعتقال منذ السبعينيات والثمانينيات، وقد أطلق على تلك المبادرة اسم "الإنصاف والمصالحة"، وشملت تسوية أوضاع الآلاف من المعتقلين السابقين أو عائلاتهم بالنسبة للمختفين والمتوفين، دفعت فيها الدولة عشرات الملايين من الدولارات كتعويض عن مرحلة السجن، علاوة على الضمان الصحي، بيد أنّ كل هذا لم يتوفر في "المصالحة" مع السلفيين، لكنّ استعمال نفس المصطلح سوف يرفع سقف انتظاراتهم من الدولة، خصوصاً وأنّ بعضهم كان قد لوّح في مناسبات سابقة إلى ضرورة إعادة إحياء المبادرة التي قادتها الدولة مع اليسار، وتجديدها مرة ثانية مع السلفيين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية