تونس في 2020: انتهاء للأزمات أم عودة للاحتجاجات؟

بانوراما 2019

تونس في 2020: انتهاء للأزمات أم عودة للاحتجاجات؟


22/12/2019

رغم نجاح تونس في إجراء انتخاباتها، البرلمانية والرئاسية، السابقة لأوانها في أحسن الظروف، مايزال الغموض يلف المشهد العام، الذي ظلّ يتأرجح بين ركود رئاسة الجمهورية التي لا يبدو أنّها انطلقت بعد في مهامها الفعلية منذ شهرين من جهة، وضبابية مصير الحكومة، التي تجاوز رئيسها المعيّن من قبل حركة النّهضة الإسلامية، آجاله الدستورية في الإعلان عن تشكيلتها، طالباً مهلةً إضافيةً لمزيد التنسيق بين مختلف التشكّلات السياسية.

اقرأ أيضاً: تونس: من يوقف الانتهاكات ضد النساء في "عاصمة المرأة العربية"؟
غموضٌ قد يتوضّح خلال الأيام القليلة القادمة، بتشكيل حكومة جديدة، تأخذ الراية من حكومة تصريف الأعمال التي يسيّرها الرئيس الحالي يوسف الشاهد، لكنّها قد تصطدم بتحديات جديدة تبدأ بموازنة 2020، التي تتطلب تعبئة قروض بقيمة 11248 مليون دينار (3946 مليون دولار).

 

تشبث حركة النهضة بالمشهد
تحدّيات الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقرّ بطبعه على مادر العام 2019، فاقمها تشبّث حركة النهضة بتصدّر المشهد التونسي، خاصّةً بعد انتخاب زعيم الحركة راشد الغنوشي رئيساً للبرلمان، برغم أنّه ليس محلّ إجماع، وله خلافاتٌ جوهرية مع أغلب الأحزاب المكوّنة للمشهد البرلماني.

تحدّيات الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقرّ بطبعه فاقمها تشبّث حركة النهضة الإسلامية بتصدّر المشهد التونسي

وقد شهدت أولى الجلسات العامة للبرلمان فوضى ومناوشات بلغت حد تبادل الشتائم بين حزب حركة النّهضة والأحزاب القريبة منه والحزب الدستوري الحر، فيما عمد النائب في ائتلاف الكرامة راشد الخياري، إلى رفع شعار رابعة أمام كاميرا التلفزيون الوطني، لمنع تصوير رئيسة الدستوري عبير موسي، أثناء تقديمها لمداخلتها، ما دفع كتلة "قلب تونس" (38 مقعداً) للانسحاب احتجاجاً على تصرفه.
وباتت أجواء التشنّج والتجاذب والخلافات على الخطاب السياسي تسيطر على البرلمان، بسبب التناقضات الكبيرة بين الكتل البرلمانية، التي تنتمي إلى تياراتٍ سياسية وفكرية مختلفة، خاصة بين حزبي النهضة والحزب الحر الدستوري.
وأثار ذلك مخاوف لدى متابعين للشأن البرلماني من عودة البلاد إلى مربّع التجاذبات السياسية والأيديولوجية، والنعرات الحزبية، التي أنهكت المشهد السياسي في السنوات الأخيرة الماضية.
من جانبه، أرجع نائب رئيس البرلمان طارق الفتيتي، في حديثه لـ"حفريات"، ما حصل خلال الجلسات الأولى، إلى الاختلاف العميق بين الحزب الدستوري الحر المدافع عن النظام القديم، والأحزاب المحسوبة على الخط الثوري، وأنّ هذه الخلافات ستتواصل على مدى الأعوام المقبلة، مشيراً إلى أنّه سيتم إعداد مدوّنة سلوك تضبط التعامل بين أعضاء البرلمان، حتّى لا يتكرّر ما حصل.

حركة النّهضة تتمسّك بالسيطرة على البرلمان
كما عقّد تشبث النّهضة برئاسة الحكومة، واختيارها للحبيب الجملي لتشكيل الحكومة، باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية (54 مقعداً)، والمعني بتشكيل الحكومة، وأطرافها، الوضع السياسي، برفض عددٍ من الأحزاب الفائزة في البرلمان، الدخول معها في أيّ تحالفٍ مهما كان نوعه، على غرار حزب قلب تونس، والتيار الديمقراطي (22 مقعداً)، وحركة الشعب (15 مقعداً).

اقرأ أيضاً: تونس: هل قطع راشد الغنّوشي الأغصان التي كان يقف عليها؟
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي، باسل ترجمان، أنّ "المفاوضات التي تجريها حركة النّهضة مع باقي الأحزاب على مبدأ تقاسم الغنيمة، في ظلّ غياب برنامجٍ سياسي واضح، هي التي تعيق استقرار المشهد السياسي، وتكوين الحكومة، باعتبار أنّ عدداً من الأحزاب، يخشون تكرار تجارب فاشلة تحالفت خلالها الحركة مع أحزاب، دفعت ثمن فشلها لاحقاً، ويسعون لتطبيق مشاريع سياسية محدّدة، خلال السنوات الخمس القادمة".
وأضاف ترجمان في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ العام 2020، سيكون صعباً على تونس، الملزمة بالوفاء بالتزاماتها مع صندوق النقد الدولي "وقد تضطرّها الحسابات السياسية إلى التحالف مع حزب قلب تونس، الذي قال إنّه لا يحتكم إلى أهداف، ولا مبادئ؛ لأنّه يتكوّن من شتات أطياف مختلفة، هدفها حماية مصالحها الشخصية".

 

غموض حكومي
الحبيب الجملي، الشخصية المستقلة الذي كلفته حركة النهضة الإسلامية بتشكيل الحكومة، استنفد الآجال الدستورية الممنوحة له لإنهاء مشاوراته مع الأطراف السياسية، والإعلان عن تشكيلته الحكومية، وأوضح أنّه في حاجةٍ إلى مدةّ إضافية، مؤكداً حرصه على أن يتم تشكيل الحكومة في أقرب وقت، لعرضها على مجلس نواب الشعب (البرلمان).

باسل ترجمان: المفاوضات التي تجريها حركة النّهضة مع باقي الأحزاب مبنية على مبدأ تقاسم الغنيمة

وكان الجملي قد بدأ مشاوراته مع الأحزاب والشخصيات السياسية والمستقلة منذ يوم 15 تشرين الأول (نوفمبر) الماضي، لكنّه لم ينجح في التوصّل إلى توافق مع باقي الأطراف السياسية لتسمية الوزراء، بالنظر إلى تقلّص عدد الراغبين في الانضمام إلى حكومته، الذين أعادوا ذلك إلى توجّهات حركة النّهضة، ونجاحها المنقوص في التشريعية.
وقد شدّد الجملي على أنّ الفترة السابقة التي خُصّصت للمفاوضات لم تكن إهداراً للوقت؛ بل لضبط الإجراءات ووضع آلياتٍ ومنهجيةٍ جديدةٍ في إدارة العمل الحكومي، فيما أرجع محلّلون، هذا "العجز"، لطبيعة الساحة التونسية وتعقيداتها، وما يتداخل فيها من مصالح الداخل والخارج، وما يُستدعى فيها من خصومات الماضي والحاضر.
وبحسب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، فإنّه كان من المقرّر أن يتم الإعلان عن تشكيلة الحكومة قبل انتهاء آجالها الدستورية، "لكنّها كانت ضعيفةً، وحزامها البرلماني هشّ، لذلك تم استئناف المفاوضات وتوسيعها لتشمل أحزاباً أخرى، حتّى تحصل على ثقة البرلمان عند عرضها عليه".
ورجّح منصر في حديثه لـ"حفريات"، أن تكون الحكومة القادمة "حكومة تناقضاتٍ وستصطدم بمجموعةٍ من الإشكاليات، خاصّةً أنّ رئيسها لا يفاوض على برنامج قوي، ولا رؤيةٍ واضحةٍ، هو فقط يساوم، لإرضاء الحسابات السياسية، التي تطرحها التوازنات الراهنة".
منصر لفت أيضاً إلى أنّ تصدّر حركة النّهضة للمشهد، "كان عائقاً أمام الجملي في تجميع الفرقاء السياسيين؛ لأنّها لا تحظى بإجماعٍ يمكنّها من قيادة المرحلة، إلى جانب اختلافها الكبير مع عددٍ من الأحزاب الوازنة داخل البرلمان".

 

تركة مثقلة بالملفات الاقتصادية
وتنتظر الحكومة القادمة، ملفات ساخنة وعهدة جديدة مزدحمة بالتحديات الاقتصادية، في مقدّمتها الاستجابة إلى انتظارات التونسيين وخاصة الشباب الطامح إلى الخروج من حصار البطالة، فضلاً عن إقرار الموازنة العامة للعام 2020، وكيفية تنفيذها، إلى جانب تواصل تصاعد نفقات أجور الموظفين الحكوميين، بعكس ما طلبه صندوق النقد الدولي، الذي دعا الحكومة إلى النزول بكتلة الأجور إلى حدود 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن التحديات المهمة التي تنتظر الحكومة المقبلة أيضاً، مسألة الاقتراض المبرمج لتعبئة موارد ميزانية 2019 الذي يناهز 11 مليار دينار، وموارد ميزانية 2020 الذي سيناهز 12 مليار دينار، وفق ما أكّده الخبير الاقتصادي الصادق جبنون، الذي وصف الوضع الاقتصادي بـ"الصعب للغاية".

اقرأ أيضاً: تهديدات إخوان تونس للإعلاميين تثير مخاوف من "بلعيد" جديد
ويرى جبنون في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الاقتصاد التونسي المتعثّر "يتطلّب حكومة حربٍ، لمعالجة نسب النمو المتدهورة، ونسب الاستثمار الضعيفة جدّاً، أمام الضغط الجبائي المرتفع، لتتمكّن من إقناع الرأي العام، ولتعيد الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، خاصّةً أنّ نسبة البطالة لا تزال في مستوى 15.1 بالمائة، والتضخم 6.3 بالمائة، ونسبة النمو بحدود 1.4 بالمائة، بينما يبلغ العجز في الموازنة 3.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي".
ويتوقّع الخبير في الشأن الاقتصادي أن تصطدم الحكومة بصعوباتٍ في إقناع مؤسسة القرض الدولية بمواصلة صرف ما تبقى من شرائح القرض المتفق عليها.
وكان الجملي قد أكّد أنّه سيفعل دور القطاع الخاص، للمراهنة على الاستثمار، وعلى المؤسسات الخاصة، لما لها من دورٍ في تحقيق النمو، وتراكم الثروة، وخلق مواطن شغل؛ لأنّ أجهزة الدولة لم تعد قادرةً على استيعاب جميع طلبات الشغل.
الحبيب الجملي يفشل في تشكيل الحكومة في الآجال الدستورية

حراك شعبي في الانتظار
المشاورات الماراثونية التي يجريها الجملي مع الأحزاب السياسية، والشخصيات الوطنية، أهملت في جزءٍ منها ملف أصحاب خريجي الجامعات العاطلين عن العمل، الذي يعدّ من أهم الملفات المطروحة على الطاولة، والذي لازال يشكل أكبر العوامل التي ساهمت في تهاوي الحكومات المتعاقبة وتبعثر وجودها الفعلي نتيجةً لحالة الغليان الاجتماعي.
واللافت أنّ الغضب الاجتماعي لم يعد يشمل فقط العاطلين عن العمل، بل توسّع ليضم فئاتٍ مهمّةٍ من المجتمع التونسي، التي تراجعت نتيجة السياسات الاقتصادية غير الناجعة، منهم الموظّفون عبر آليات التشغيل الهشّة كعمّال الحضائر، والموظّفون من الطبقة الوسطى، والفلاحون أيضاً، الذين دخلوا مؤخّراً على خطّ الاحتقان.

الصادق جبنون: الاقتصاد التونسي متعثّر يتطلّب حكومة حرب لمعالجة نسب النمو المتدهورة

تبعاً لذلك، حذّر عضو تنسيقية الحركات الاجتماعية عبد الحليم حمدي، من وجود "موجات تحرّكٍ اجتماعي ضدّ التجربة السياسية الفاشلة، وإخفاق المنوال التنموي، في قادم الأيّام ستكون الأعنف، منذ بداية الثورة التونسية يوم 17 كانون الأوّل (ديسمبر)، بسبب التعاطي الحكومي مع الحركات الاجتماعية، وعدم التفاوض مع المحتجّين".
وأشار حمدي في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ "المطالب التي رُفعت قبل تسعة أعوام، مازالت نفسها إلى اليوم، بل إنّ الأوضاع الاجتماعية للطبقة الوسطى ازدادت سوءاً، فيما ارتفعت نسب البطالة، ومعدّلات الفقر، وتدهورت المقدرة الشرائية للمواطن التونسي".
عضو تنسيقية الحركات الاجتماعية شدّد أيضاً على أنّ "دوّامة التحركات الاحتجاجية المتوقّعة في أفق 2020، ستشمل عموم المهمّشين، وكلّ من مسّته السياسات الاقتصادية الفاشلة، والعاطلين عن العمل، والفلاحين، الذين تضرّروا من السياسات الحكومية المرتعشة"، مؤكّداً أنّ هذه التحركات لن تكون كسابقاتها، وستبني تونس جديدةً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية