تفكيك البنية المعرفيّة لـ"الإخوان" خيار المواجهة المفقود

تفكيك البنية المعرفيّة لـ"الإخوان" خيار المواجهة المفقود


28/03/2021

منير أديب

عمر مواجهة تنظيم "الإخوان المسلمين" يصل إلى أكثر من ثمانين عاماً، تشكلت ملامح هذه المواجهة مع إعلان المؤسس الأول للتنظيم حسن البنا تدشين النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة في المؤتمر الخامس عام 1939، أي بعد مرور عشر سنوات على نشأة الجماعة في ربيع عام 1928، من هنا بدأ الإخوان في ممارسة العنف، ومعها بدأت مواجهة التنظيم وذراعه المسلحة، ولعل مقتل حسن البنا كان أحد ردود الفعل على عمليات العنف التي مارستها الجماعة منذ ذلك التاريخ وحتى نهاية الأربعينات من القرن الماضي. 

يؤرخ المراقبون أن بداية المواجهة كانت من القاهرة، وقد كانت مواجهة أمنية وعسكرية، تهتم أكثر بتفكيك التنظيم وهياكله البنيوية، كما تهتم أيضاً بتفكيك ذراعه العسكرية، وتهتم المواجهة العسكرية كثيراً بجمع المعلومات الاستخبارية التي من شأنها إتاحة فرصه أكبر للمواجهة الأمنية وتفكيك قواعد الجماعة

المواجهة الأمنية للتنظيم في القاهرة امتدت الى عواصم عربية نجح التنظيم في الانتشار داخل حدودها، واستمرت منذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه السطور. في فترات زمنية تخمد جذوة المواجهة، ومرات يمتص التنظيم هذه المواجهة حتى يُعاود نشاطه من جديد. انتشرت خلاياه الخبيثة في العديد من العواصم العربية والأوروبية، حتى بات يُهدد بقاء الأنظمة السياسية والدول، ويمثل خطراً على شعوبها، وهو ما يفرض تحدياً أكبر يرتبط بفكرة مواجهة التنظيم مواجهة معرفية، تقضي على الأفكار المؤسسة، فالمواجهة الأمنية والعسكرية غير ذات أثر ما لم تتبعها مواجهة فكرية تمنع انتشار الأفكار الضارة على الدين والوطن والبشر وتكاثرها، ليس ذلك فقط بل تفكيك هذه الأفكار، بحيث لا يكون لها تأثير على المجتمع وتفقد بريقها لدى الشباب المغرر بهم. 

وهنا تبدو أهمية تفكيك البنية المعرفية للإخوان المسلمين، وأهمية هذه الخطوة لا تقتصر فقط على التخلص من التنظيم، بل تُساعد أيضاً في القضاء على كل التنظيمات المتطرفة التي نشأت على هامش "الإخوان" أو كانت تقتات من أفكارهم التي أصبحت ملهمة للجماعات التي حملت السلاح في ما بعد، مثال الجماعة الإسلامية المسلحة وتنظيم الجهاد في مصر، وقد اعتمد التنظيمان على أفكار سيد قطب في بلورة  العنف وشرعنته، وكما هو معروف، كان سيد قطب عضواً في مكتب الإرشاد ومسؤولاً عن قسم نشر الدعوة داخل التنظيم. 

لا مشروع عربياً مكتمل الأركان لمواجهة الإخوان المسلمين غير بعض المحاولات الخجولة وغير المكتملة أو المنزوعة الدسم؛ مشروع ضخم ولكنه غير مؤثر ولا جدوى منه، بدليل وجود التنظيم وتنامي أفكاره في الشرق والغرب، باستثناء بعض المشاريع العربية مثل المشروع المصري والإماراتي والسعودي، فكل منها راعى تفكيك البنية المعرفية والفكرية للإخوان كمقدمة لمواجهة شاملة لم تحدث حتى الآن. 

الدول التي ذكرناها نجحت في مواجهة التنظيم داخل حدودها، وساعدت في مواجهة التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة خارج حدودها، ولكن ما زالت هناك معوقات لم تُساعد في نجاح هذا المشروع، والمشكلة ليست في المشروع ولا في الدول التي ترفع لواء المواجهة، فقد تكون المشكلة في ظروف مجتمعية وسياسية تحتاج لتذليل، بحيث يتم مراعاة ذلك في المشروع الفكري، وهنا نرى ضرورة أن يناسب هذا المشروع كل دولة من دول المواجهة. 

وعدم حدوث المواجهة الشاملة يرجع إلى أسباب عدة، منها أن بعض البلدان العربية ما زالت ترعى تنظيم "الإخوان" أو ترى في وجوده السياسي فائدة وتوازناً مع تيارات دينية وطائفية أخرى، وهو ما يمثل خطراً في حد ذاته، وهنا من المهم بلورة تصور واحد للمواجهة يُراعي ظروف كل دول المنطقة ويكون أكثر تأثيراً، ويستفيد من التجارب الرائدة في مواجهة الإرهاب في الدول السابق ذكرها. 

البنية المعرفية للإخوان المسلمين هشة وتعتمد على تصورات فكرية ضعيفة، ولكنها لم تجد من يواجهها مواجهة حقيقية، أو أن الذين واجهوها لم يكونوا على قدر عال من الإقناع فباتت مواجهتهم بلا تأثير، وهنا يجب رسم قواعد المواجهة وفق برامج دينية وثقافية وسياسية واجتماعية، وأن تخضع هذه البرامج للتقييم حتى نضمن الوصول إلى نتائج ذات أثر ملموس في وقت وجيز. 

مشكلة تفكيك البنية المعرفية تتحدّد في عدم وجود تصور لأهميتها من جانب، وعدم وجود تصور عربي جامع لهذا المشروع، فضلاً عن ضرورة إقناع الدول الأخرى بمشروع المواجهة في صورته التي نطرحها، فكلما ازدادت دول المواجهة كانت هذه المواجهة ذات أثر فعال، ولا يبقى إلا مراقبة تنفيذ هذا المشروع، حتى نضمن تحقيق نتائج فاعلة.

دور الباحثين والمراقبين مهم في كل خطوات تفكيك البنية المعرفية لتنظيم الإخوان المسلمين، بدءاً بوضع ملامح التفكيك المعرفي وحتى مراقبة تنفيذ المشروع ومراقبة تأثيره في بنية تنظيم الإخوان وغيره من التنظيمات المتطرفة، ولعل هذه دعوة لزملائي الباحثين الى ارتياد هذا الباب من العلم من خلال المقالات والدراسات التي ترسم حدود المواجهة وملامحها، فأقلامكم دليلٌ يسير على هداه السياسيون والمجتمعات التي ما زالت حائرة في مواجهة أخطر التنظيمات المتطرفة

هذه الدعوة نوجهها أيضاً لمراكز الدراسات المتخصصة في إنجاز مشروعات فكرية تحفّز على الإنتاج في سياق ما ذكرنا، لتقيم ورش عمل لمناقشة هذه الأفكار والوصول الى نتائج يتم تقديمها لصانع القرار السياسي في مجتمعاتنا العربية وللنخب والمثقفين وصانعي الرأي، وهي مهمة ذات أولوية عن مهام أخرى مبعثرة لم تثمر نتائج حقيقية. 

ما نريد قوله إن عمر تنظيم الإخوان المسلمين أصبح أكبر من عمر كل الذين واجهوه، العدو شرس، محصّن بالأفكار، فعلى قدر رداءة هذه الأفكار وضعفها، إلا أنها ما زالت حيّة، وجزء من حيويتها في عدم فهم من يرفعون لواء مواجهتها، أولئك الذين يُعطون أولوية للمواجهة الأمنية والعسكرية بينما يغضّون الطرف عن المواجهة الفكرية والمعرفية. 

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية