تعريف "رهاب الإسلام" يشعل معركة سياسية في بريطانيا

تعريف "رهاب الإسلام" يشعل معركة سياسية في بريطانيا


04/06/2019

ترجمة :علي نوار


"تعود جذور رهاب الإسلام إلى العنصرية وهو نوع منها" بحيث لا يصبح ضحاياها هم المسلمون وحدهم؛ بل أيضاً الأشخاص الذين يُنظر إليهم باعتبارهم يعتنقون هذه الديانة. أشعل هذا التعريف، الذي وضعته مجموعة من نواب البرلمان ينتمون لأحزاب سياسية مختلفة في بريطانيا بهدف إنهاء ما وصفوه بـ"آفة اجتماعية" تعاني منها البلاد في الأيام الماضية، حالة من الجدل حول مفهوم "رهاب الإسلام" في الجزر البريطانية؛ حيث ظهرت مواقف متضاربة تستند إلى دوافع متكررة عند طرح المشكلة.

اقرأ أيضاً: "الإسلاموفوبيا".. هل هي إعادة إنتاج للمظلومية؟

فمن جانب، أبدت مئات المنظمات المناهضة للعنصرية، والمسلمون وساسة وخبراء، تأييدهم للتعريف ورأوا أنّه خطوة ضرورية. لكن على الجانب الآخر، تعتقد قطاعات بعينها، ترفع لواء العلمانية، أنّ هذا التعريف من شأنه أن يخلط بين العداء للإسلام وانتقاده وتمسّكت تلك القطاعات بحريّة التعبير.

أبدت مئات المنظمات المناهضة للعنصرية، والمسلمون وساسة وخبراء، تأييدهم للتعريف ورأوا أنّه خطوة ضرورية

وذكرت وسائل إعلام بريطانية أنّ التعريف تبنّته أحزاب سياسية مثل؛ العمال والديمقراطيين الأحرار والمحافظين الأسكتلنديين. لكن التعريف لم يحظ بدعم حكومة تيريزا ماي، التي قرّرت رفضه قبل النقاش البرلماني حتى بداعي أهمية دراسته بشكل أعمق أولاً.

كما أنّ متحدّثاً باسم الحكومة أكّد أنّ تعريف رهاب الإسلام لم ينل التأييد الكافي، بينما يشدّد واضعو هذا التعريف أنّه قوبل بترحيب 750 منظمة إسلامية وعدد من القيادات السياسية. ورد المصطلح ضمن وثيقة عمل نُشرت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي وهو ناتج عن استشارة خبراء ونشطاء وضحايا رهاب الإسلام، وتستعرض هذه الوثيقة عدداً من الحالات التي تُعد أدلّة وتقترح سنّ "سياسات حقيقية" يمكن بها مكافحة الأحكام المسبقة والانتهاكات والجرائم المدفوعة بالكراهية تجاه من يدينون بالإسلام.

اقرأ أيضاً: واشنطن: هجوم نيوزيلندا الإرهابي يثير نقاشاً حول الكراهية والإسلاموفوبيا في خطاب ترامب

أما الأرضية التي انطلقت منها وثيقة العمل فتشمل عدة عوامل على رأسها "تزايد معدّل" الاعتداءات ضد هؤلاء الأشخاص. فوفقاً لبيانات وزارة الداخلية، فإنّ 52% من إجمالي جرائم الكراهية الدينية المسجّلة في بريطانيا وقعت بحقّ مسلمين، رغم أنّ هؤلاء يمثّلون 6% فحسب من تعداد السكّان، طبقًا لمعهد (بو للأبحاث) في 2016. وبحسب استطلاع رأي أعدته شركة (كومرس) الاستشارية العام الماضي، فإنّ ثلاثة تقريباً من كل خمسة بريطانيين؛ أي ما نسبته 58%، يعتقدون أنّ رهاب الإسلام "هو مشكلة حقيقية في المجتمع حالياً".

"تعود جذور رهاب الإسلام إلى العنصرية وهو نوع منها"

الجدل يطال حدود حرية التعبير

كانت الحكومة هي الطرف الوحيد الذي أبدى تحفظّات على قبول التعريف المُقترح. فقد شهدت بريطانيا إعادة فتح أحد أكثر المسائل الجدلية تكراراً عند التطرق لرهاب الإسلام، على غرار ما حدث في دول أخرى مثل فرنسا، لا سيما من جانب رئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس، خاصّة وأنّ ذلك يضع على المحك حرية التعبير وإمكانية انتقاد كل ما هو متعلّق بالإسلام.

اقرأ أيضاً: هل تتغذى الإسلاموفوبيا في كندا على الممارسات الغريبة لبعض المسلمين؟

وفي رسالة موجّهة إلى ماي، كشفت عنها صحيفة (تايمز)، ألمح رئيس مجلس قادة جهاز الشرطة الوطنية إلى أنّ التعريف "فضفاض بدرجة كبيرة وصيغته الحالية قد تتسبّب في حالة من الحيرة لدى أفراد الأمن الذين يطبّقونه وقد يجري استغلاله لتقويض حرية التعبير حيال أحداث تاريخية أو لاهوتية في الدول الإسلامية".

استطلاع: 58% من البريطانيين يعتقدون أنّ رهاب الإسلام هو مشكلة حقيقية في المجتمع حالياً

دافعت عن هذه الحُجّة أيضاً قطاعات علمانية مؤيّدة للفصل بين الكنيسة والدولة في المملكة المتحدة. وفي رسالة مفتوحة موقّعة من 40 أستاذاً جامعياً وكاتباً وناشطاً، أكّدوا أنّ تعريف رهاب الإسلام "غير ملائم للغرض المُستهدف"، مُحذّرين أنّ "اعتماده بشكل متسرّع والمُفتقر للنقد سيؤدّي إلى قمع حرية التعبير تجاه ملفات ذات أهمية كبيرة". ودعوا في المقابل لاستخدام مصطلح "الكراهية المعادية للإسلام".

أما المؤيّدون للتعريف الذي اتّفقت عليه المجموعة البرلمانية، فيصرّون على نفس الفكرة التي بدأت في الانتشار قبل نحو 20 عاماً مع ظهور مصطلح رهاب الإسلام ومفادها أنّ "انتقاد الإسلام لا يجعل المرء معادياً له". هكذا صرّح هارون هان من المجلس الإسلامي في بريطانيا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حيث أبرز "تكون معادياً للإسلام فقط حين تستخدم لغة الكراهية الموجّهة للأشخاص الذين يدينون بهذا المُعتقد". بالمثل شدّدت هذه المنظمة على أنّ "الادعاء بأنّ هذا التعريف المُبسّط للعنصرية هو طريقة لتقييد حرية التعبير، خاطئ تماماً ويبدو سوء فهم مُتعمّد".

تسخر نسرين مالك الكاتبة في صحيفة (جارديان) من "الصعوبة البالغة في معرفة الفارق بين انتقاد دين ما إطلاق صفة (وباء) على شعب". في إشارة إلى واحد من 100 تعليق معادٍ للإسلام وصلت من أشخاص يؤكّدون أنّهم أعضاء في حزب المحافظين، حسبما كشفت شبكة (آي تي في نيوز). قرّر الحزب في آذار (مارس) الماضي فصل 14 من أعضائه بسبب التصريحات المعادية للمسلمين التي أطلقوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: الإسلام في أوروبا: اختراق "القارة العجوز" وصعود الإسلاموفوبيا

لكن الأمر الواقع هو أنّ تقرير المجموعة البرلمانية ينص على أنّه "لا يستهدف التضييق على حرية التعبير أو انتقاد الإسلام كدين"، ويحدّد الفارق بين "النقد والجدال وحرية النقاش" حول هذه الديانة و"الهجوم من أجل نزع أو تقويض الحريات الأساسية" لمن يعتنقونه. لهذا السبب، يرى الكثيرون، مثل نسرين مالك، أنّ "مقاومة مجرّد محاولة لتوصيف رهاب الإسلام ما هي سوى ردّة فعل مبالغ فيها ومؤشر يبعث على القلق". وفي هذا السياق ارتفعت عدة أصوات تنتقد الإغراق في "الجدل حول دلالة" المصطلح وتناسي واقع التمييز الذي يتعرّض له يوميًا الكثير من الأشخاص.

اقرأ أيضاً: الإسلاموفوبيا والراقصون على جراحات جالياتنا

حُجّة أخرى لدى الرافضين للتعريف هي أنّ "الإسلام ليس عِرقاً، لا يمكن لرهاب الإسلام أن يكون نوعاً من العنصرية". يقول عضو حزب المحافظين، جيمس بروكنشاير، إنّ الخلط بين الحقيقتين سيؤدّي إلى "معضلات قانونية وعملية"، الأمر الذي حدث بالفعل مؤخّراً. لكن الرد يأتي من ويس ستريتينج وهو أحد المشاركين في صياغة التعريف بتأكيده "ما نحن بصدده يذهب لما هو أبعد من كراهية للإسلام. إنّه انحياز منهجيّ، وفي أغلب الأحيان يكون لا واعياً".

اقرأ أيضاً: كيف انتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا ومن غذّاها؟

تضيف الناشطة سمايا أفضل "رغم أنّ المسلمين ينحدرون من عرقيات وأصول عديدة، لكنّنا نتعرض للوضع في بوتقة عرقية واحدة. يُنظر إليهم بوصفهم(آخرون) بسبب المظهر والمواقف والسلوكيات. لا يعني ذلك أنّ الجاليات المسلمة تواجه نفس مستويات التمييز. فلا تجوز المقارنة، على سبيل المثال، بين الخبرات التي تمرّ بها امرأة مسلمة ذات بشرة سمراء بتلك التي يتعرّض لها رجل أبيض مسلم".

كذا، ادّعت الشرطة الوطنية أنّه يمكن "عرقلة" مكافحة الإرهاب. فقد زعمت سعيدة وارثي، التي أصبحت في 2010 أول امرأة مسلمة تتولّى رئاسة مجلس الوزراء والتي تنتمي لحزب المحافظين، أنّ الرسالة التي وصلت إلى ماي تمثّل "جرس إنذار غير مُبرّر".

مقاومة مجرّد محاولة لتوصيف رهاب الإسلام ما هي سوى ردّة فعل مبالغ فيها ومؤشر يبعث على القلق

"تعقيد الظاهرة"

على الرغم من غياب الإجماع على استخدامه، إلّا أنّ مصطلح رهاب الإسلام واصل طريقه في هذا الاتجاه، الأمر الذي يرى خبراء مثل؛ المستعربة خيما مارتين، أنّه أحد أعراض "واقع جديد ناشئ ومتزايد داخل مجتمعاتنا". ففي إسبانيا لا وجود لتعريف رسمي لرهاب الإسلام باستثناء ذلك الذي يرد في قاموس (الأكاديمية الملكية الإسبانية) وهو "النفور من الإسلام والمسلمين أو ما هو إسلامي". كما أنّ (المرصد الإسباني للعنصرية ورهاب الأجانب) التابع لوزارة العمل والهجرة والتأمين الاجتماعي يتحدّث عن هذه الظاهرة لكنّه لا يضع لها تعريفًا.

اقرأ أيضاً: الإخوان في الغرب: المعرفة والانتخابات والإسلاموفوبيا

تقول مسؤولة إقليم العالم العربي والبحر المتوسط في مؤسسة (المعهد الأوروبي للبحر المتوسط) الإسبانية لورديس بيدال "عدم وجود إجماع على تعريف يخلق هذا النوع من الجدل المفتعل مثلما حدث في بريطانيا. ما فعلوه هناك له مزية، فقد شارك الكثيرون في النقاش. وبنهاية المطاف فإنّ وضع تعريف واضح المعالم سيسهم في سنّ تشريعات وسياسات في هذا الصدد وتحديد ماهيّة العنصرية الممنهجة".

اقرأ أيضاً: هل نجح اليمين المتطرف بألمانيا في تأجيج "الإسلاموفوبيا"؟

وتضيف بيدال، التي تشغل أيضاً منصب مديرة (مرصد رهاب الإسلام في وسائل الإعلام)، أن غياب وجود تعريف لهذه الظاهرة كان على رأس النقاط التي خضعت للمناقشة. وفي النهاية حسم المجلس الأوروبي الجدل بتوصيفه رهاب الإسلام على أنّه "الخوف أو إطلاق أحكام مسبقة تجاه الإسلام والمسلمين وكل ما يمتّ بصلة لهم وينعكس في صورة ممارسات يومية ذات ملامح عنصرية أو تمييزية أو أشكال أخرى أكثر عنفاً".

رئيس مجلس قادة جهاز الشرطة: التعريف فضفاض بدرجة كبيرة وصيغته الحالية قد تتسبّب بالحيرة لدى أفراد الأمن الذين يطبّقونه

تعاود بيدال التشديد على أنّ "العنصرية ورهاب الإسلام ليسا مصطلحين بنفس المعنى أو يمكن لأحدهما أن يحلّ بدلاً من الآخر لكن رهاب الإسلام هو أحد صور العنصرية"، مذكّرة بأنّ "التعقيد" الذي يتضمّنه الخوض في هذه الظاهرة مرجعه التقاء عدة أنماط تمييزية تتجاوز مرحلة لون البشرة، مثل المكوّن الديني ورفض الأشخاص الفقراء. إنّها ظاهرة ترتبط في بعض الأحيان بالهجرة لكن لا يجدر التعاطي معها عن بعد لأنّها أصبحت واقعاً في مجتمعاتنا بالفعل".

وعمّا يثار حول حرية التعبير، اعترفت بيدال "سنصطدم دوماً بهذا الخط الرفيع بين ما هو جدير بالاحترام وما هو ليس كذلك. فهذا بالضبط ما وصلنا له عند محاولتنا وضع تعريف لجرائم ناتجة عن العنصرية أو الذكورية. لكن ليس من الصعب لهذه الدرجة التفريق بين النقد المستند إلى حُجج ومنطق وبين الهجوم المدفوع بالكراهية. النقد جيّد وضروري ومقبول. لكننا ندرك حين يكون مرتكزاً إلى أسانيد منطقية وحين يكون تعسّفيًا منهجيًا يستهدف التهميش والإقصاء".

اقرأ أيضاً: "عالم الموضة 2017" إذ يحارب الإسلاموفوبيا والتمييز

وتضيف الخبيرة أنّه رغم ارتفاع مستوى الوعي بهذه المشكلة في إسبانيا، لكن لا تزال هناك أصوات مقاومة "حيث توجد قطاعات تتّخذ مواقف مختلفة للغاية في بعض الحالات ضد أي هجوم عنصري عن مواقفها لو كان الأمر يتعلّق بمسائل دينية أو ثقافية فحينها تقترب بشدة من المواقف المشكّكة التي ترى الإسلام ككيان واحد يحمل بداخله تهديدًا للعلمانية".

وتعتبر منظمة (أوروبا العلمانية)، وهي مؤسسة إسبانية تدعو لعلمنة الدولة، أنّ هذا النوع من الجدالات "ليست ذات أولوية قصوى" في إسبانيا خلافاً لدول أخرى مثل؛ بريطانيا أو فرنسا "ففي إسبانيا الأمر جديد نوعاً ما؛ لأنّنا لم نصل لهذا المستوى بعد. والأهم بالنسبة لنا هو ترسيخ العلمانية بحيث تكون حرية التفكير هي المحور الأساسي في الدولة"، حسبما قال خوان خوسيه بيكو المتحدث باسم المنظمة.


المصدر: مقال حول الجدل الدائر في بريطانيا بسبب وضع تعريف لرهاب الإسلام، عمل للصحفية إيثيار جوتيريث ونشر بجريدة (الدياريو) الإسبانية

الصفحة الرئيسية