"الإسلاموفوبيا".. هل هي إعادة إنتاج للمظلومية؟

"الإسلاموفوبيا".. هل هي إعادة إنتاج للمظلومية؟

"الإسلاموفوبيا".. هل هي إعادة إنتاج للمظلومية؟


01/10/2023

للعرب لسان لا تظلم عنده كلمة ولا معنى، فقد قيل في الظلم، وَضْع الشيء في غير موضِعه، ومنه بعض أمثال العرب في حديث ابن زمل: لَزِموا الطَّرِيق فلم يَظْلِمُوه؛ أي لم يَعْدِلوا عنه؛ أو أن يقال: أَخَذَ في طريقٍ فما ظَلَم يَمِيناً ولا شِمالاً؛ وأصل الظُّلم الجَوْرُ ومُجاوَزَة الحد، وحسبنا من كل ما قاله اللسان العربي الأخير؛ حيث يقع الظلم بمجاوزة الحد.

اقرأ أيضاً: هل تتغذى الإسلاموفوبيا في كندا على الممارسات الغريبة لبعض المسلمين؟

واليوم، اعتادت العرب أن تكون أمة مظلومة، وليس أسهل من أن تكون مظلوماً والحياة كلها من حولك ظالمة، وهذا شأن الأمة السلبية، فمنذ أول حادثة في التاريخ الإسلامي كانت سبباً في خلق "المظلومية" ومن ثم خلق الرغبة في توظيفها على مدار الأحداث والتاريخ.

كرس الإخوان المسلمون حادثة اغتيال البنّا وكل ما تبعها من أحداث الإعدامات والسجون للعيش في سياق مظلومية جديدة

إنّ أول حادثة للمظلومية العربية كانت في آخر زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وتحديداً حين قُتل، فتحولت حادثة القتل إلى "مظلومية، وتحول كثير من المسلمين بعد ذلك إلى "متظلِّمين"، وهذا مصطلح تجيزه أيضاً اللغة على اعتبار أن المتظلِّم كثير التشكي، والمتظلمون يتحولون تدريجياً إلى عاجزين عن أن يمارسوا أية إيجابية مناسبة تجاه الحوادث وتجاه الحياة بكل ما يقع فيها.

لقد تخلقت المظلومية إما من جراء واقع سلبي، أو -حسب بعض الباحثين- كإستراتيجية سياسية أو كغطاء لمشروع سياسي لا يقوى على النهوض بذاته، ما لم يستثمر في الدين أو يوظفه ويوظف الحوادث التي تنشأ من خلاله باعتباره مرجعية فكرية.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الجماعات المتطرفة الإسلاموفوبيا سلاحاً؟!

تماماً كما حدث مع المشروع السياسي الأموي بُعيد حادثة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، حيث خلقت "مظلومية عثمان" مجالاً خصباً لنشوء دولة الأمويين، وانتهت المظلومية بأفول الدولة، ثم جاءت مظلومية "الحسين" كغطاء سياسي لمشروع دولة العباسيين التي استمرت زمناً طويلاً، ثم كانت -مظلومية الحسين- غطاءً سياسياً لمشروع دولة الولي الفقيه والثورة الإسلامية في إيران، ثم ومع الزمن العربي الصعب، وصولاً إلى العراق وما ألمّ به من ويلات معاصرة نشأت "مظلومية السنّة"، وهي مظلومية جديدة جاءت من محاولة البعض إعادة تظهير الواقع العراقي المزدحم بالثنائية الدينية "السنية" و"الشيعية"، وهي ثنائية مليئة بحمولات دينية تفتح المجال باستمرار لرواج "المظلوميات".

الإسلاموفوبيا ليست سلاحاً والمظلومية ليست انتصاراً إنهما حالتان تعكسان أحياناً فشلنا في قدرتنا على العيش المشترك بعالم متعدد

كرّس الإخوان المسلمون أيضاً، في العصر الحديث، حادثة اغتيال المرشد الأول، حسن البنا، وكل ما تبعها من أحداث "الإعدامات والسجون" للعيش في سياق مظلومية جديدة، اتكاء على الرصيد الشعبي لديهم، وما يزالوا يحاولون مواجهة التحديات والأزمات التي تجتاح امبراطوريتهم التي يمكن وصفها بأنّها "امبراطورية ضد الجغرافيا" والممتدة في 80 دولة حول العالم بتعميم خطاب المظلومية وتوظيفه سياسياً.

وباعتبار "الإسلاموفوبيا" ظاهرة تحامل وكراهية ضد الإسلام والمسلمين، يقع على المسلمين أنفسهم مسؤولية جزء من وزر الظاهرة؛ إذ إنّ تحميل "الإسلاموفوبيا" كل أحداث العنف ضد مسلم هنا أو مسلمة هناك، أو حتى ما يتصل بحالة من حالات الرفض لمظهر من المظاهر العامة لحياة المسلمين من "حجاب" و "لحية"، على سبيل المثال، ليس سوى إعادة إنتاج للمظلومية، وهو ما يشكل عواقب خطيرة، على المستوى الفكري للجيل المسلم الذي تنشأ في وعيه فكرة أنّه مرفوض وأنّ العالم أصبح آلة ضخمة لإنتاج الكراهية ضده، ما يفقده القدرة على النهوض من ركام السلبية والتحصن بالإيجابية، وممارسة الحياة كما ينبغي للحياة أن تكون لمسلم وإن اختلف فكراً وقيماً عن الآخر، فإنّه يتشابه معه إنسانياً، فلا ينبغي أن يأخذه هذا الاختلاف إلى العنف.

اقرأ أيضاً: الإسلاموفوبيا والراقصون على جراحات جالياتنا

في المقابل، فإنّ الاستغراق في فكرة "الإسلاموفوبيا"، تخلق مناخاً غير محصن ضد التطرف، وتدفع أيضاً باتجاه تشكيل خط وعي مستقيم وسريع يؤسس لفكرة أنّ الخوف العام من شيء، وانتشار هذا الخوف وتعميمه يعزز فرص المواجهة العنيفة ضده.

إنّ التوظيف الدائم لظاهرة الإسلاموفوبيا يحولها إلى مظلومية وهي حالة من الشعور بالنقص أو شكل من أشكال العجز

من السهل جداً أن نقول إنّ مجزة "المسجدين" في نيوزيلندا هي امتداد للحوادث العالمية التي تنشأ من رحم ظاهرة الإسلاموفوبيا، ربما لأن هذا الاستنتاج أو هذه الإحالة في تفسير الجريمة، لا تتطلب موقفاً عملياً، بقدر ما تتطلب موقفاً وجدانياً لا يتعب المسلمون فيه أنفسهم بالبحث عن أسباب بديلة لكنها متعبة حتماً؛ لأنها ستتصل بضرورة تقديم إجابات لأسئلة مشتركة بيننا "نحن والآخر" من بينها "لماذا يكرهوننا". ولأنها أيضاً ستكون شرطاً إجبارياً لعمل مراجعات على مستوى الأفكار والقيم والثقافة العامة السائدة.

إنّ أية حادثة قد تأتي في سياق معزول عن العلاقة الحرجة بين الإسلام والغرب، لا يمكن القبول بأنّها نتيجة لسبب جاهز منذ قرن من الزمان، وهو "الإسلاموفوبيا"، فبعض الأحداث قليلها أو كثيرها ليست سوى تعبير عن حالة رفض للآخر، الذي صدف أن يكون "مسلماً" ومن الممكن في حوادث أخرى أن يكون هذا الآخر غير مسلم أو أسود أو أبيض.

لا أنكر الظاهرة، ولكن التوظيف الدائم لها يحولها إلى "مظلومية" التي هي حالة من الشعور بالنقص أو شكل من أشكال العجز، أو أنّها في أحسن الأحوال ارتهان للسلبية القاتلة.

الإسلاموفوبيا ليست سلاحاً، والمظلومية ليست انتصاراً، إنهما حالتان تعكسان أحياناً فشلنا في قدرتنا كمسلمين على العيش المشترك في عالم متعدد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية