تصاعد تهديد الإرهاب مع مطلع 2025.. الدوافع والتحولات

تصاعد تهديد الإرهاب مع مطلع 2025.. الدوافع والتحولات

تصاعد تهديد الإرهاب مع مطلع 2025.. الدوافع والتحولات


12/02/2025

جملة من الأحداث التي شهدتها الساحة الإقليمية خلال عام 2024، من المرجح أن تحمل انعكاسات مباشرة على مستقبل الظاهرة الإرهابية في عام 2025، يأتي على رأسها تأثيرات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والتطورات التي شهدتها الساحة السورية، وعودة ما يُطلق عليه ظاهرة الذئاب المنفردة، فضلًا عن التصاعد اللافت في نشاط التنظيمات الإرهابية داخل القارة الأفريقية التي بدأت تئن تحت وطأة تصاعد الإرهاب والتطرف العنيف.

هذه التطورات الأمنية المتسارعة تناولتها دراسة حديثة نشرها مركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، سعى فيها إلى الوقوف على أبرز ملامح حالة الإرهاب على الساحة الدولية مطلع عام 2025، من خلال تناول نشاط التنظيمات الإرهابية الرئيسية -سواء كانت محلية أو عابرة للحدود- كونها تمثل المُعَبِّر الرئيسي عن توجهات حالة الإرهاب، ومسار توجُّهاته التنظيمية والعملياتية، وخياراته الاستراتيجية.

وقدمت التنظيمات الإرهابية، عبر تاريخها أربعة خيارات استراتيجية رئيسية، يتعلق أولها بمحاربة “العدو القريب”، أي قتال الأنظمة المحلية الحاكمة، وينصرف ثانيها إلى “الجهاد الدفاعي”، أي محاربة الدول غير الإسلامية التي غزت بلاد مسلمة، ويتصل ثالثها بمحاربة “العدو البعيد”، المتمثل في المقام الأول في الولايات المتحدة؛ إذ إنها -في ضوء رؤية تلك التنظيمات- تقدم الدعم للأنظمة المحلية، ما يحول دون إسقاطها، ويدور رابعها حول “الجهاد الهجومي”، أي تشكيل خلافة عبر توسيع الأراضي الواقعة تحت سيطرة المسلمين.

تنظيم داعش        

وانطلقت الدراسة  بحادث إطلاق النار، في نيويورك ليلة رأس السنة، الذي نفذه شمس الدين جبار، الذي كان “متأثرًا بداعش بنسبة 100%”، لكنهم لم يُدلوا بمثل هذا التصريح فيما يخص أحداث لاس فيغاس ونيويورك، وإن كان المشترك بين الحادثين المنفصلين -نيو أورليان ولاس فيغاس- أن المركبات التي استُخدمت فيهما جرى استئجارها عبر نفس التطبيق، كما أن الحادثين يتعلقان بعسكريين من مواليد الولايات المتحدة خدموا في أفغانستان، ما يعني اختراق داعش للأراضي الأمريكية، وهو ما يرى فيه العديد من المراقبين إشارة إلى عودة ظاهرة الذئاب الداعشية المنفردة، التي يصعب التنبؤ بهجماتها، ومن ثم يصعب إحباطها.

منفذ هجوم نيو أورليانز، في نيويورك ليلة رأس السنة: شمس الدين جبار

وفي ما يخص الحالة الإرهابية في أفريقيا، وتحديدًا في نيجيريا، اعتبرت الدراسة أن هناك زيادة في أنشطة تنظيم داعش والجماعات التابعة له، التي استطاعت السيطرة على بعض المناطق، وفرض قوانينها الخاصة بها، رغم مواصلة الجيش النيجيري عملياته ضد مقاتلي داعش في مناطق شرقي البلاد (17 كانون الثاني)؛ ما أدى إلى مقتل 76 من عناصر تنظيم داعش، فيما حاصر التنظيم أكثر من 500 مُزارع محلي في ولاية “بورنو”، شمال شرقي نيجيريا، بينما استمرت الاشتباكات بين الجيش النيجيري في مناطق “دامبوا” و”تشيبوك” في ولاية “بورنو”؛ ما أدى إلى مقتل 24 داعشيًّا خلال المعارك.

وفي إطار هجمات داعش في شرقي الكونغو الديمقراطية (2 يناير)، قُتل 12 شخصًا على الأقل بهجمات التنظيم، بالإضافة لإحراقهم قرى بكاملها، إلى جانب تمركز داعش في منطقة الساحل الأفريقي، وتحديدًا في “المثلث الحدودي” بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مستغلًا بعض الظروف في أفريقيا (جنوب الصحراء) للظهور وتحقيق مكاسب إقليمية في مناطق مختلفة في القارة، بالإضافة  لمواصلة تهديدات داعش في شرق أفريقيا، بالهجوم على قاعدة عسكرية في منطقة “بونتلاند” الصومالية (1 يناير)؛ ما أودى بحياة ما لا يقل عن 20 شخصًا.

وفى جنوب آسيا، استمرت تهديدات داعش في أفغانستان وباكستان، مع تزايد الخلافات السياسية بين البلدين، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات بدعم الأنشطة الإرهابية على أراضي كل منهما، فبينما أكدت طالبان أن “داعش لديه مراكز تمويل وتدريب في بلوشستان وأجزاء أخرى بباكستان” (11 يناير)، أكد وزير الدفاع الباكستاني أن “داعش وجماعات إرهابية أخرى تتواجد بأفغانستان”. وذلك مع استمرار نشاط “داعش ولاية خراسان”، وإعلان مسؤوليته عن مقتل مستثمر صيني في ولاية “تخار” بشمال أفغانستان (23 يناير).

هذا وتزايدت المخاوف بشأن احتمال فرار مقاتلي داعش من السجون في شمال سوريا، وخاصة من مخيم “الهول” الذي يُحتجز فيه أكثر من 9 آلاف مقاتل داعشي، وذلك عقب خلافات جيوسياسية بين تركيا والولايات المتحدة على تصنيف “وحدات حماية الشعب الكردية.

 وفي حال شن هجوم تركي على الميليشيات الكردية، التي تسيطر على سجون ومعسكرات اعتقال داعش (الهول وروج)، لا يُستبعد أن يصبح أعضاء داعش طلقاء فجأة؛ نتيجة المعارك بين “وحدات حماية الشعب الكردية” وتركيا.

يعيش “الإخوان” صراعًا بين القيادة القديمة للتنظيم العالمي (تأسس عام 1982) وبين هيئة مكتب “رابطة الإخوان المصريين في الخارج” على ملف التمويل والمؤسسات

وداخل الأراضي العراقية، ظهرت مؤشرات حول تصاعد نشاط داعش، في ظل مخاوف عراقية من احتمال تسلل عناصر التنظيم -خاصةً من سوريا- حيث مناطق الفراغ الأمني الفاصلة بين الجيش العراقي وقوات “البيشمركَة” في محافظتيْ ديالى وكركوك وصلاح الدين، التي تقع في بؤرة خلافات سياسية ودستورية بشأن أحقية إدارة هذه المناطق بين الحكومتين.

تنظيم القاعدة

وبحسب ما أوردته الدراسة، فإنه ومع استمرار الأنشطة الإرهابية لـ”القاعدة” و”الحوثيين” في اليمن ، تصاعدت العمليات العسكرية ضد هذه الجماعات، وتم تطهير مناطق استراتيجية من عناصر “القاعدة” في إطار عمليات “سهام الشرق”، التي تقوم بها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

وتهدف إلى مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن؛ ما أسفر عن تحرير “وادي تصبه” والجبال الحدودية في المناطق الوسطى شمال محافظة “أبين”، في ظل مواصلة تهديدات الحوثي الساحلية المتمثلة بإعلانها شن هجمات عسكرية بالصواريخ المُجَنَّحة والطائرات المُسَيَّرة، ضد حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس ترومان” في شمالي البحر الأحمر(13 يناير).

كما توسعت دائرة أنشطة الحوثي الإرهابية وشبكة اتصالاتها الإقليمية في القرن الأفريقي؛ ما دفع واشنطن (22 يناير) إلى إعادة “الحوثيين” إلى قائمة المنظمات الإرهابية، تمهيدًا لتدمير قدراتها العملياتية وإمكاناتها الحربية، مُبَرِّرَةً هذا الإجراء بالسعي لإنهاء هجمات الحوثي على المدنيين الأمريكيين، وعلى شركاء واشنطن، وعلى العبور البحري في البحر الأحمر.

وقد أقر مجلس الأمن بصحة التقارير والتكهنات التي تشير بوجود تنسيق بين جماعة الحوثي وحركة الشباب الإرهابية في الصومال، حول تهريب الحوثيين لأسلحة متطورة، مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ أرض-جو إلى جماعة الشباب الصومالية، بالإضافة لانتقال مقاتلين من حركة الشباب إلى اليمن للتدريب على كيفية استخدامها؛ ما يعكس تطورًا نوعيًّا في نمط التنسيق بين الجماعات الإرهابية.

وداخل القارة الأفريقية، التي توصف حاليًّا بمعقل التنظيمات الجهادية، تصاعدت تهديدات جماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بـ”القاعدة” في مالي، تمهيدًا لتكرار سيناريو مدينة “تمبكتو”، إلى حين استسلام القوات النظامية فيها، وتسليمها  لجماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين”.

إلى جانب تصاعد التهديدات الإرهابية في الساحل الأفريقي، والذي تجلى في اختفاء سائحين أجانب في بؤر الجماعات المسلحة شمال شرق بوركينا فاسو على مقربة من حدود النيجر(18 يناير)، وذلك عقب تبني جماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين” الهجوم المسلح الذي استهدف مدينة “نيورو” الواقعة على الحدود البرية بين جمهورية مالي وموريتانيا، حيث تمكنت الجماعة من “السيطرة على مقرات أمنية وحكومية مالية قبل انسحابها منها” (7 يناير).

أقر مجلس الأمن بصحة التقارير والتكهنات التي تشير بوجود تنسيق بين جماعة الحوثي وحركة الشباب الإرهابية في الصومال

يُضاف إلى ذلك استمرار نشاط “القاعدة” في وسط دولة مالي، والذي تمثل في اختطاف شيخ إحدى الطرق الصوفية ووفاته بطريقة غامضة، وقد اشتهر هذا الشيخ بمواقفه المعتدلة الرافضة للتطرف ولتطبيق الشريعة بالقوة، وإثنائه شباب قبائل “الفُلاني” عن الانخراط في صفوف “القاعدة”.

الإخوان المسلمون

فيما يعكس الصراع المتواصل بين الفرقاء في الجماعة، التي تحكمها عقيدة المال والسلطة، يعيش “الإخوان” صراعًا بين القيادة القديمة للتنظيم العالمي (تأسس عام 1982)، وبين هيئة مكتب “رابطة الإخوان المصريين في الخارج”، على ملف التمويل والمؤسسات الخاصة بالجماعة في أوروبا، بالتزامن مع استمرار الصراع بين جبهة لندن (صلاح عبدالحق) وجبهة إسطنبول (محمود حسين)، وسعي الأخير لتوظيف الملف من أجل تعزيز الانقسامات بصفوف جبهة لندن.

وفي سعي جماعة الإخوان لاستغلال القضية الفلسطينية، خاصة عقب وقف إطلاق النار في غزة (19 يناير)، بُغْيَةَ جمع الأموال والتبرعات وإنفاقها على مشاريعهم الخاصة، إلى جانب خلافاتهم الداخلية حول كيفية الاستفادة من آلام الشعب الفلسطيني، وصف صلاح عبدالحق، القائم بأعمال مرشد الإخوان، وقف إطلاق النار في غزة بـ”الإنجاز العظيم” للشعب الفلسطيني، كما أشاد بـ”حماس”، على صنيعها.

إلى ذلك، شنت بعض قيادات حزب “الإصلاح” الإخواني في اليمن هجومًا حادًّا على “حماس” على خلفية تصريحات المتحدث العسكري -أبو عبيدة- لأنه لم يوجه لهم الشكر على مساندتهم لغزة، في الوقت الذي لم يسجل فيه الحزب أيَّ موقف يُذكر على مدى أشهر الحرب على غزة.

وتواجه “حركة النهضة” الإخوانية، في تونس، اتهامات بالوقوف وراء عملية تصفية المعارض التونسي “محمد البراهمي”، من خلال قيام الجهاز السري للحركة بالتخطيط لعملية الاغتيال، فيما تولت “أنصار الشريعة” التنفيذ. 

ولذلك جاء قرار الدولة التونسية استثناء “حركة النهضة” والقوى الإسلاموية الداعمة لها من الحوار الوطني المزمع عقده في تونس، بالتوازي مع محاسبة “الحركة” على جرائم ما يُعرف بـ”العشرية السوداء” من حكم الإخوان على البلاد.

وفي سياق تنامي مخاوف الدول من تفشي إرهاب “الإخوان”، ومواجهة تهديداتها المتزايدة، خاصة في الأوساط الدينية والتعليمية في فرنسا، ألغت وزارة التربية والتعليم الفرنسية (24 يناير)، عقودها مع مدارس “الكندي وابن رشد وابن خلدون”، التابعة لتنظيم “الإخوان” الإرهابي في قطاع التعليم الفرنسي، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على الجمعيات الدينية التابعة “للإخوان”.
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية