كيف تمدّد "داعش" في شرق الكونغو الديمقراطيّة؟

كيف تمدّد "داعش" في شرق الكونغو الديمقراطيّة؟


23/06/2021

بات انتشار داعش في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الهاجس الأمني الأكبر للقوى الدولية المنخرطة في مكافحة الإرهاب، بعد أن ضاقت مساحة الحركة والتجنيد أمام التنظيم في الدول التي نشأ فيها، كالعراق وسوريا ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والتي باتت تحت المجهر بالنسبة إلى القوى الدولية، ووصلت فيها حالة الجماعات الإرهابية إلى مرحلة من الانحصار.

اقرأ أيضاً: خطر "داعش" يخيّم من جديد على العراق

مقابل ذلك، يشهد النشاط الإرهابي تنامياً كبيراً في دول أفريقية عديدة، خاصة في الحزام الممتد من شرق القارة إلى غربها، عبر الصومال وكينيا وموزمبيق مروراً بتنزانيا والكونغو الديمقراطية ونيجيريا ودول الساحل، وساعدت عدّة أسباب محلية في الأساس على نمو نشاط هذه الجماعات، من بينها؛ التهميش والفقر في مناطق غنية بالثروات الطبيعية والإرث الكبير من الصراع العرقي والفوضى الأمنية والسياسية التي تعاني منها معظم الدول الأفريقية، خصوصاً جنوب الصحراء.

القوات الديمقراطية المتحالفة

ويتّخذ ظهور داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية مساراً مختلفاً عن وجوده في دول أفريقية أخرى، مثل موزمبيق ونيجيريا والصومال، وبخلاف الدول السابقة التي ظهر داعش فيها عبر انفصال مجموعات عن الحركات المرتبطة بتنظيم القاعدة أو إعلان جماعات متطرفة ولاءها للتنظيم، جاء وجود داعش في شرق الكونغو عبر تحوّل فريد لحركة سياسية مسلحة من معاداة النظام السياسي إلى مبايعة تنظيم داعش المصنف إرهابياً.

مقاتلون موالون لداعش في معسكر بشرق الكونغو

وأعلن داعش وجوده عبر نشر مقاطع فيديو عن حركة القوات الديمقراطية المتحالفة (ADF)، التي تتمركز شرق الكونغو، عام 2019، تحت اسم ولاية وسط أفريقيا الإسلامية (ISCAP)، والتي تضمّ أيضاً جماعة أنصار السنّة في موزمبيق، التي تنشط في إقليم كابو ديلغادو شمال البلاد.

وشنّت القوات الديمقراطية المتحالفة (داعش الكونغو) سلسلة هجمات دموية قبيل مبايعة داعش وبعده، جعلتها الأشد عنفاً في شرق البلاد، وبحسب بيانات وزارة الخارجية الأمريكية فقد قتل التنظيم 849 مدنياً عام 2020، وفي نهاية شهر أيار (مايو) الماضي قتل التنظيم 39 مدنياً، بينهم نساء، في منطقة كيفو شرق البلاد، وتسبّبت عمليات الحركة في نزوح 140 ألف مواطن.

تعاني منطقة شرق الكونغو من اضطرابات عرقية، منذ عام 1990، وأججت الصراعات الإقليمية بين الكونغو وجيرانها في رواندا وأوغندا خطر الحركات المسلحة

وجاء إدراج الخارجية الأمريكية لفرعي داعش في الكونغو وموزمبيق على قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية، في 10 آذار (مارس) الماضي، ليسلّط الضوء على تنامي نشاط الإرهاب العالمي في الكونغو بشكل خاص، نظراً إلى أنّ داعش موزمبيق جذب إليه الاهتمام الدولي بالهجمات الدامية على شمال البلاد وسيطرته لأيام على مدينة بالما، الواقعة قرب أكبر مشاريع الطاقة في القارة، متسبباً في نزوح 720 ألف مواطن، فضلاً عن مئات الضحايا بين قتلى ومصابين ومفقودين.

ويشي اسم حركة القوات الديمقراطية، المتحالفة بطبيعتها كحركة سياسية مثل المئات من مثيلاتها التي تنشط في الدول الأفريقية، وحول تحوّل الحركة نحو الإسلام الجهادي تقول الباحثة السياسية في الشؤون الأفريقية، ريم أبو حسين؛ هي مجموعة من المقاتلين الإسلاميين الأوغنديين، نشأت عام 1996 نتاج اندماج بين العديد من القوى المناهضة للقومية، بما في ذلك الإسلاميين من جماعة الطبليك (Tabliq)، وفلول الجماعات المسلحة الموالية للرئيسَين السابقَين؛ ميلتون أوبوتي وعيدي أمين، ونشطت تلك المجموعة من غرب أوغندا، ومن قواعدها الخلفية في شرق الكونغو الديمقراطية في جبال روينزى بالقرب من الحدود مع أوغندا، وحاربت الجيش الأوغندي لإزاحة الرئيس موسيفيني.

اقرأ أيضاً: الإمارات تتضامن بطريقتها مع الكونغو الديمقراطية

وأبلغت أبو حسين، "حفريات"؛ بأنّ الحركة حصلت على دعم من بلدان أفريقية، وطردها الجيش الأوغندي إلى شرق الكونغو، عام 2002، وعلى الرغم من أنّ التحالف تجمّع إسلاميّ في طبيعته، إلا أنّه يفتقر إلى أيديولوجية متماسكة ويتأرجح بين أجندة دينية صريحة وأجندة عرقية قومية راديكالية، وفي السابق كانت تجمع بين أعضائه معارضتهم للرئيس موسيفيني فقط.

الباحثة السياسية في الشؤون الأفريقية، د. ريم أبو حسين

وأشارت أبو حسين إلى أنّ التحوّل نحو الأيديولوجيا الإسلامية الجهادية حدث مع استقرار الحركة في شرق الكونغو؛ حيث باتت أحرص على تبني الإسلام المتشدد، وهو ما ظهر في إصداراتها المرئية، بين عامَي 2016 و2017،  بتضمين آيات قرآنية ورسائل دعائية.

الإرهاب العالمي

ويثير انضواء الجماعة تحت راية داعش تساؤلات عديدة، فالحركة التي تنشط في منطقة غنية بالموارد الطبيعية من المعادن الثمينة تعرّض نفسها بذلك إلى عداء أوسع مع المجتمع الدولي، خصوصاً أنّ طبيعتها تختلف عن بقية الجماعات المنضوية تحت تنظيم داعش؛ إذ توجد في بلد بلا حاضنة مسلمة، فلا يشكّل المسلمون في الكونغو سوى 1.2% من عدد السكان المقدّرين بـ 105 ملايين نسمة، فضلاً عن أنّ عناصرها ينتمون إلى دولة أوغندا، التي تقع شرق الكونغو، ولم تنشأ داخل البيئة المسلمة.

اقرأ أيضاً: هل تنتظر أفريقيا نسخة من داعش أكثر توحشاً؟... لماذا؟

ويعلّل منسق أبحاث أفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية في بيروت، محمد عبد الكريم، تحوّل الحركة نحو داعش بقوله؛ تشير تجربة الصراعات المسلحة وموجات العنف البالغة في المنطقة التي تتشارك فيها حدود عدة دول أفريقية، منها؛ جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأوغندا ورواندا وبوروندي، والتي شهدت جميعاً، وتشهد بعضها حتى الآن، موجات عنف مسلح على أسس إثنية، إلى تأثير قوي للعوامل المحلية في تغذية توجهات القوات الديمقراطية الأيديولوجية نحو مزيد من التطرف. 

اقرأ أيضاً: هل يجري داعش عمليات في الكونغو؟

ويردف عبد الكريم، في حديثه لـ "حفريات"؛ عزّز هذه الفرضية ما أعلنه خبراء من الأمم المتحدة، منتصف حزيران (يونيو) الجاري، من عدم تمكّنهم من التوصل لأدلة مباشرة على دعم داعش للقوات الديمقراطية المتحالفة، بينما أدرجتها واشنطن على قائمتها السوداء للجماعات الإرهابية بعد إعلانها ولاءها لداعش.

وبحسب عبد الكريم؛ من المحتمل أن تقف أسباب تنظيمية وتمويلية وراء مبايعة القوات الديمقراطية ومثيلاتها تنظيم داعش، إلى جانب رغبة هذه الحركات في تحقيق زخم تعوّل عليه في المواجهات مع القوات الحكومية والإقليمية في بعض الأحيان.

مؤسس القوات الديمقراطية المتحالفة، جميل موكولو، بعد القبض عليه في عام 2015

ويعزز ذلك ما أشارت إليه الباحثة ريم أبو حسين لـ "حفريات"؛ عن وجود تقارير أشارت إلى تلقّي القوات الديمقراطية تمويلاً من مواطن كيني على صلة بداعش، ورغم انضواء حركات أفريقية تحت مظلة داعش، فمن غير المجدي تطبيق المقاربة الأمنية الصفرية التي تتطلبها البيئة العربية في سوريا والعراق، كون ظهور هذه الحركات نابع من الأساس من إخفاق تجربة الدولة الوطنية في أفريقيا في معالجة مشاكل الفقر والصراع الإثني والسياسي.

مستقبل التنظيم

وتعاني منطقة شرق الكونغو من اضطرابات عرقية، منذ عام 1990، وأججت الصراعات الإقليمية بين الكونغو وجيرانها في رواندا وأوغندا خطر الحركات المسلحة، إلى جانب الاضطرابات السياسية التي شهدتها الكونغو بسبب الصراع على الحكم وتدخّل رواندا عسكرياً لمطاردة حركات مسلحة من عرقية الهوتو التي فرت من البلاد بعد مذابح عام 1994.

اقرأ أيضاً: هل أعاد "داعش" تنظيم صفوفه في ليبيا؟

وأوضحت الباحثة أبو حسين؛ توجد 120 مجموعة مسلحة متباينة الحجم في منطقة شرق الكونغو، نشأت منذ الصراعات التي نشبت عام 1990، وتعدّ القوات الديمقراطية المتحالفة أخطرها، خصوصاً بعد أن عززت قوتها بضمّ مقاتلين من الكونغو، ومن عرقية الهوتو، إلى جانب المتمردين الأوغنديين، وامتلاكها لمصادر دخل كبيرة نتيجة التعدين غير المشروع.

الباحثة ريم أبو حسين لـ "حفريات": توجد 120 مجموعة مسلحة متباينة الحجم في منطقة شرق الكونغو نشأت منذ الصراعات التي نشبت عام 1990

ولا تتوافر معلومات كافية ترصد تأثير مبايعة القوات الديمقراطية المتحالفة لداعش على شبكة علاقاتها المحلية، ووجود المقاتلين غير المسلمين في صفوفها.

وحذّر الباحث محمد عبد الكريم من تحوّل الحركة إلى مزيد من العنف إذا ما صحت الإشاعات حول وفاة مؤسسها وزعيمها، جميل موكولو، في سجون أوغندا، بعد أن قُبض عليه عام 2015 في تنزانيا، وأشار عبد الكريم إلى تجربة حركة بوكو حرام التي أفرطت في العنف بعد مقتل مؤسسها محمد يوسف في مركز للشرطة في نيجيريا، وهو الأمر الذي دفع سلطات السجون الأوغندية لنفي هذه الأخبار، والتصريح بأنّ موكولو ما يزال على قيد الحياة، لكنّه ليس بحال جيدة، وهو ما يؤكد احتمالات وفاته في السجن.

منسق أبحاث أفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية في بيروت، د. محمد عبد الكريم

وكانت الحكومة الكونغولية قد وقّعت اتفاقية أمنية ودفاعية مع كينيا لمواجهة تنظيم داعش وسط أفريقيا، في 21 نيسان (أبريل) الماضي، وهي خطوة على الطريق الصحيح لمواجهة خطر التنظيم الذي يستغل ضعف التنسيق الأمني بين دول القارة الأفريقية في التمدد والانتشار.

وتعرف القوات الديمقراطية المتحالفة باسم مدينة التوحيد والمجاهدين، وتنشط في مقاطعتي؛ شمال كيفو وإيتوري، وتولى سيكا موسى بالوكو قيادة الحركة بعد القبض على مؤسسها، وفرضت واشنطن عليه عقوبات ضمن قرار تصنيف الحركة منظمة أجنبية إرهابية.

ويذكر أن وزارة الخزانة الأمريكية والأمم المتحدة فرضتا عقوبات على الحركة، عام 2014، وفي 2019 فرضت وزارة الخزانة عقوبات على موسى بالوكو، وفي العام التالي وضعته الأمم المتحدة على قائمة العقوبات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية